جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    "التقدم والاشتراكية" يحذر الحكومة من "الغلاء الفاحش" وتزايد البطالة    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    جامعة الفروسية تحتفي بأبرز فرسان وخيول سنة 2024    الدراجة المغربية تنهي سنة 2024 بهيمنة قارية وحضور أولمبي    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    جرسيف .. نجاح كبير للنسخة الرابعة للألعاب الوطنية للمجندين        لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    دشنه أخنوش قبل سنة.. أكبر مرآب للسيارات في أكادير كلف 9 ملايير سنتيم لا يشتغل ومتروك للإهمال    روسيا تمنع دخول شحنة طماطم مغربية بسبب "أمراض فيروسية خطيرة"    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    قضايا المغرب الكبير وأفريقيا: المغرب بين البناء والتقدم.. والجزائر حبيسة سياسات عدائية عقيمة    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    تثمينا لروح اتفاق الصخيرات الذي رعته المملكة قبل تسع سنوات    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحرب على الأرض السورية بين الحل التفاوضي والبحث عن حسم عسكري
نشر في العلم يوم 10 - 02 - 2013

مع بداية الشهر الثاني من سنة 2013 برزت على الساحة السورية والدولية مؤشرات على حدوث تحولات قد تكون جوهرية فيما يخص المعركة المحلية والدولية الدائرة على غالبية أراضي بلاد منطقة الشام منذ ما يقارب السنتين. الواضح أن الجزء الأكبر من التقديرات السابقة للقوى المتصارعة حول مسار الحرب قد بدأت في التغيير.
الأخبار الواردة حتى من المصادر المعروفة بتأييدها للمعارضين للنظام الحاكم في دمشق عن سير المواجهات بين الجيش النظامي السوري والقوى التي تواجهه أخذت تتحدث عن تراجع في انتصارات القوى المعارضة، وهو أمر نادر منذ أن قفزت القوى الأجنبية لركوب تحركات المعارضة السورية لتحولها إلى حرب مفتوحة بين قوى دولية وإقليمية.
على الصعيد السياسي كادت أن تختفي من قاموس التصريحات الغربية وخاصة تلك الصادرة من جانب ثلاثي واشنطن ولندن وباريس مقولة أن أيام النظام السوري أصبحت معدودة وأنه لا مفر من أنهياره خلال أسابيع قليلة، وهو ما كان شبه معمم ومكرر منذ منتصف سنة 2011. بدلا من ذلك تكثف الحديث عن التسوية السياسية وصعوبة حسم المواجهة عسكريا لصالح المعارضين لنظام الرئيس بشار الأسد. كما كاد يختفي في الغرب الحديث عن فرضيات تدخل حلف "الناتو" او الولايات المتحدة منفردة وبشكل علني لإسقاط نظام دمشق، وركز على ترجيح الحل السياسي.
تحولات في المواقف الغربية
يوم الجمعة 8 فبراير 2013 وعد وزير الخارجية الامريكي جون كيري بمبادرة "دبلوماسية" لمحاولة وقف النزاع في سوريا.
وفي اول مؤتمر صحافي له كوزير للخارجية، اكد كيري ان "الجميع داخل الحكومة وفي كل مكان في العالم روعه العنف المستمر في سوريا".
واضاف بحضور نظيره الكندي جون بيرد "نجري الان تقييما للوضع، ونفكر ما هي الخطوات، ان كان ذلك ممكنا، الدبلوماسية بشكل خاص، التي يمكن اتخاذها من اجل خفض ذاك العنف والتعامل مع ذاك الوضع".
واضاف "هناك الكثير من القتل والكثير من العنف ونحن نريد بالطبع ان نسعى لايجاد طريقة للتقدم"، مضيفا "انه وضع غاية في التعقيد وغاية في الخطورة".
وكتب المحلل نيكولا ريفيز في مقال لوكالة فرانس برس "بعد بعد 22 شهرا من النزاع الذي اوقع اكثر من 60 الف قتيل بحسب المتحدة وامام الطريق المسدود الذي وصلت اليه المجموعة الدولية، عبر قادة امريكيون علنا عن الخلافات التي نشات صيف 2012 بين البيت الابيض ووزارة الخارجية الامريكية حول موضوع تسليح مقاتلي المعارضة السورية.
واقر وزير الدفاع السابق ليون بانيتا وقائد القوات المسلحة الامريكية الجنرال مارتن دمبسي يوم الخميس 7 فبراير 2013 بانهما ساندا خطة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون والمدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الامريكية "سي آي ايه" ديفيد بترايوس اللذين اقترحا في يوليو 2012 تقديم اسلحة وتدريب معارضين سوريين.
وخطة هيلاري كلينتون التي كشفت عنها صحيفة نيويورك تايمز في 2 فبراير رفضها الرئيس الامريكي باراك اوباما. وذكرت صحيفة نيويورك تايمز ان الخطة لم تنجح بسبب استقالة بترايوس واصابة كلينتون بالمرض.
وبحسب الصحيفة فإن فكرة هؤلاء القادة الامريكيون رفضها البيت الابيض في ظل مخاوف لدى الرئيس باراك اوباما من امكان ان تؤدي الى تأجيج النزاع السوري وتوسع الازمة الى المنطقة بأسرها وكذلك تورط القوات الأمريكية في النزاع.
وقال المتحدث باسم البيت الابيض جاي كارني ان المشكلة في سوريا ليست في نقص السلاح، ملمحا الى ان المعارضين يتلقون ما يكفي من الاسلحة عبر دول مجاورة وان نظام بشار الاسد يتلقى الدعم من روسيا.
وقال كارني ان الاولوية بالنسبة لواشنطن هي ضمان عدم وقوع السلاح في ايدي من يمكن ان يهددوا امن "الولايات المتحدة وسوريا او اسرائيل".
ولم يشأ كيري الدخول في هذا الجدل قائلا انه لم يكن على علم بالقرارات التي اتخذت قبل تولي منصبه، مؤكدا انه يخطط للمضي قدما.
واوضح "انها حكومة جديدة وولاية ثانية للرئيس، وانا وزير الخارجية الجديد وسنمضي قدما انطلاقا من هنا".
كما ان الناطقة باسم وزارة الخارجية الامريكية فيكتوريا نولاند لم تعلق على "النقاشات الداخلية" داخل الحكومة مكررة القول ان "خيار تقديم مساعدة غير عسكرية لم يتغير". لكنها اعترفت بان الموقف الامريكي حيال سوريا "يجري تقييمه باستمرار وتحديثه".
وتقر واشنطن أيضا منذ فترة طويلة بانها تنسق المساعدة العسكرية التي تقدمها دول خليجية لكي لا تقع تلك الاسلحة "في الايدي الخاطئة" اي بين ايدي الجهاديين.
وعلى غرار واشنطن استبعد الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ايضا رفع الاتحاد الاوروبي الحظر عن الاسلحة الموجهة الى معارضين سوريين طالما ان فتح حوار سياسي ليس ممكنا".
موازاة مع التحول في الخطاب الأمريكي تبدل خطاب المعارضة السورية في الخارج وطرح التفاوض.
التحول فاجأ البعض لأنه منذ المجلس الوطني وصولاً إلى الائتلاف، لم يتجاوز تقليديته المعروفة في رفض التفاوض والتسويات والحلول الوسطية، والمطالبة برحيل النظام بالرأس الكبير والرؤوس التابعة.
فيوم 30 يناير 2013 أعلن احمد معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المعارض عن استعداده المشروط لمحاورة ممثلين لنظام الرئيس بشار الاسد، مقترحا في مرحلة لاحقة اسم نائب الرئيس فاروق الشرع كطرف محاور.
الخارجية الامريكية أعربت عن دعمها لمبادرة رئيس الائتلاف السوري المعارض. في حين لقيت المبادرة ترحيبا عربيا، اضافة الى الموفد الدولي الاخضر الابراهيمي، وحتى موسكو وطهران، الحليفتان البارزتان لدمشق.
جيفري فيلتمان الأمين العام المساعد للأمم المتحدة للشؤون السياسية، صرح من جانبه إن الأمم المتحدة ترى بصيصاً من الأمل بشأن سوريا، في عرض التفاوض. وأضاف أن العرض "أكثر الأمور المبشرة التي سمعناها بشأن سوريا في الآونة الأخيرة". وتابع "إن أي فرصة يتعين علينا تجربتها لانتهاج طريق سياسي بدلاً من طريق عسكري تستحق المحاولة، ربما توجد الآن فرصة بسيطة، وربما الباب المغلق أمام المفاوضات بدأ ينفتح".
قبل ذلك وبأسابيع قليلة وعلى صعيد الامم المتحدة التي يعتبرها البعض إمتدادا للخارجية الأمريكية، أبلغ المبعوث الأممي الإبراهيمي إلى سوريا مجلس الأمن أن نظام دمشق قادر على الصمود. موسكو وإيران تريان ذلك أيضا. الغرب لاحظ أن المعارضة رغم كل ما يقدم لها من دعم لا تملك القدرة على حسم الأمر عسكريا وأن موسكو وبكين ترفضان تدخلا غربيا أوسع في الصراع وتقابلان كل تدخل غربي بما يعادله.
ضمن هذه المعادلة شيء مشترك أجمع عليه كافة الفرقاء الإقليميين والدوليين، هو توازن القوى بين النظام والمعارضة.
خطوط موسكو
موسكو تجاوبت مع التعديلات السياسية الأمريكية التي جاءت بعد مشاورات مكثفة بين البيت الأبيض والكملين، حيث أعرب المبعوث الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين عن استعداد بلاده لإجراء اتصالات مع مكتبي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في الولايات المتحدة، لكنه أبدى معارضة موسكو بقوة لإرسال وفود من هذين المكتبين إلى الأمم المتحدة، في أعقاب تقارير بأنه سيجرى افتتاح مكتبين للائتلاف الوطني في نيويورك وواشنطن قريبا.
ونقلت وكالة “إيتار تاس" الروسية للأنباء عن تشوركين قوله "ينبغي ألا يكون هناك أي احتمال لأن يستخدما قربهما من الأمم المتحدة لتسجيل أي نقاط سياسية من خلال رؤيتهما لوضعهما الدولي، إذا كانت هناك محاولات من هذا القبيل سنقاومها". وحذر من أن أي إجراءات أحادية الجانب من المعارضة السورية ربما تضر ب"العمل الجاد لترسيخ عملية سياسية".
شروط التفاوض
يوم الجمعة 8 فبراير وبعد تصريحات وزير الخارجية الأمريكي الجديد اعلنت دمشق عن استعدادها للحوار مع المعارضة لكن "من دون شروط مسبقة"، بحسب ما قال وزير الاعلام السوري عمران الزعبي في مقابلة تلفزيونية، في ما يشكل ردا على اقتراح احمد معاذ الخطيب.
وقال الزعبي في حديث الى التلفزيون السوري الرسمي "الباب مفتوح والطاولة موجودة واهلا وسهلا وبقلب مفتوح لاي سوري يريد ان يأتي الينا ويناقشنا ويحاورنا، وباي غيور وباي حريص ونحن جادون في مسألة الحوار".
واضاف "اننا عندما نتحدث عن حوار، نتحدث عن حوار غير مشروط ولا يقصي احدا، هذا هو الحوار وهذا مفهوم لم اخترعه انا اما ان يقول لي احدهم "اريد ان احاورك في الموضوع الفلاني فقط او اطلق النار عليك"، فهذا ليس حوارا".
وتابع "في النقاش لا اقصاء لموضوع ولا شروط مسبقة".
يشار إلى أن إقتراح الخطيب قوبل بانتقادات لاذعة داخل الائتلاف لا سيما من المجلس الوطني السوري، احد ابرز مكونات المعارضة، الذي رفض أي تفاوض مع النظام، ولكن الملاحظين قدروا أنه على ضوء دعم واشنطن لإقتراح التفاوض فإن إبداء المعارضة له يدخل في نطاق المزايدات السياسية
وقال الوزير السوري انه سمع "الكثير مما قيل في الايام الماضية"، مضيفا "نحن لم نطرد احدا خارج البلد ولم نقل لاحد ان يسافر ويقيم خارج سوريا، لا من المعارضة ولا غيرها".
من جهة اخرى، ابدى الزعبي استعداد النظام السوري لمحاورة حتى "المجموعات المسلحة"، في اشارة الى المقاتلين المعارضين الذين يواجهون القوات النظامية في النزاع المستمر منذ اكثر من 22 شهرا.
وقال "نحن مستعدون للجلوس معهم والنقاش معهم عندما يرمى هذا السلاح، ويصبح السلاح خارج المعادلة، وعندما تكون هذه القوى مستعدة لمناقشة المسألة السياسية الوطنية بكل جدية والتزام".
وابدى الوزير السوري اعتقاده ان لا مصلحة لدول عربية لم يسمها، في ان "تتورط او تكون طرفا في مسائل العبث بالامن السوري او الاستقرار السوري".
وحذر الزعبي من ان انعكاسات "الفوضى" في سوريا ستكون سيئة على الدول المجاورة لان الحدود "ليست جدرانا عازلة او مناطق فاصلة اذا سادت الفوضى في سوريا لن ينجو احد منها".
قمة منظمة التعاون الإسلامي
لغة التفاوض والتسوية امتدت وإن كان بشكل غير مباشر وربما رغما عنها إلى دول الخليج العربية التي اتخذت منذ بداية الأزمة موقفا معاديا لحكومة دمشق وبذلت كل جهد لدعم القوى التي تقاتل الجيش السوري وطالبت بتدخل عسكري غربي لإسقاط نظام بشار الأسد أسوة بما جرى في ليبيا.
في القاهرة ويوم 8 فبراير، دعت قمة منظمة التعاون الاسلامي التي اختتمت اعمالها إلى "حوار جاد بين الائتلاف الوطني للثورة السورية وقوى المعارضة وبين ممثلي الحكومة ليفسح المجال لعملية انتقالية تمكن ابناء الشعب السوري من تحقيق طموحاتهم المشروعة في التغيير الديمقراطي".
ودعت القمة الى "الوقف الفوري لاعمال العنف والقتل والتدمير والى تجنيب سوريا مخاطر الحرب الاهلية الشاملة وعواقبها على الشعب السوري والمنطقة والسلم والامن الدوليين".
وقال الرئيس المصري محمد مرسي في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس التركي عبد الله غول بعد محادثات بينهما على هامش القمة، ان اللقاء الذي ضمه الاربعاء وغول ونظيرهما الايراني محمود احمدي نجاد، تناول "الاطار العام" لتسوية الازمة السورية خصوصا امكانية التوصل الى وقف اطلاق النار.
واضاف "اهم نقطة الان ان نوقف سيل الدماء ولا بد من وقف اطلاق النار وفورا وهذه نقطة جوهرية ولعل ذلك ان يكون قريبا ان شاء الله"، مشيرا الى ان وزراء خارجية الدول الثلاث "بدأوا بعض النشاطات" من اجل صياغة اجراءات تؤدي الى ذلك.
الهجوم الجوي الإسرائيلي
وسط هذه المتاهات لتبدل المواقف السياسية العلنية لم يعط الاعلام الدولي اهتماما كبيرا لحدث له دلالات كثيرة في مسار الصراع الدائر على أرض الشام. الحدث كان قصف الطائرات الإسرائيلية لموقع عسكري أو قافلة سورية قرب الحدود اللبنانية يوم الأربعاء 30 يناير 2013.
قالت مصادر امريكية واسرائيلية ان الهدف كان قافلة سيارات شحن تحمل صواريخ "اس ايه17" مضادة للطائرات الى حزب الله. وقال الجيش السوري ان الهدف كان مركزاً للبحوث العلمية في جمرايا قرب دمشق.
سوريون يقيمون في موقع قريب ذكروا لوكالة رويترز للانباء انهم سمعوا اصوات صواريخ تصيب المجمع المحاط بحراسة مشددة وجدار عال حوله قبل فجر يوم الاربعاء، الا ان الجيش السوري الحر ومقاتليه قالوا انهم اطلقوا ست قذائف هاون على الموقع. في حين ذكر احد ضباط الاستخبارات الاسرائيلية لصحيفة ال"تايمز" البريطانية ان القافلة اصيبت وهي داخل المجمع، بينما قال اخر انها تعرضت للقصف اثناء خروجها منه.
والتزمت الحكومة الاسرائيلية، التي اوضحت تصميمها على حرمان حزب الله من الحصول على اسلحة متقدمة او كيماوية من سوريا، رفضها المعتاد لتأكيد وقوع الضربات الجوية.
وأفادت مصادر دبلوماسية ان نظام الاسد يعمل على تطوير صواريخ واسلحة متقدمة اخرى في جمرايا. ويقول البعض ان من المحتمل ان يكون المجمع الواسع يضم مرافق لتخزين الاسلحة الكيماوية. وقال الجيش السوري الحر انه موقع حصين للميلشيات التابعة للنظام حيث يقدم ايرانيون وروس واعضاء من حزب الله العون لتطوير اسلحة كيماوية و"قنابل البراميل".
ولم تنف دشق وحلفاؤها وقوع الهجوم، لكنهم اقروا انه تسبب في وقوع اضرار فادحة، واستغلوا الموقف لاغراض الدعاية في دولة ومنطقة تمقت اسرائيل. وأكدوا انه اظهر التعاون الوثيق بين اسرائيل وما يسمى بالثوار السوريين.
وندد علي أكبر صالحي، وزير الخارجية الايرانية، ب"العدوان الغاشم" الاسرائيلي، قائلا انه كان "جزءا من استراتيجية غربية وصهيونية" لزعزعة استقرار سوريا. اما حزب الله فقد اتهم اسرائيل بارتكاب "عدوان همجي".
شبكة فولتير الاخبارية على الشبكة العمودية كان لها تفسير آخر حيث قالت: ضللت مصادر اسرائيلية الاعلام الغربي بتصريحها أن جيشها قام بمهاجمة قافلة عسكرية سورية تنقل أسلحة إلى حزب الله اللبناني. حقيقة الأمر لو أن تدميرا قد حصل فعلا لصواريخ سام7، لبدت للعيان من العاصمة دمشق. هذا فضلا عن أن تدمير أسلحة كيماوية جاهزة للاستخدام أي بمعنى أنه قد تم مزج مكوناتها مسبقا كان من شأنه أن يتسبب بكارثة.
الواقع أن تل أبيب أرادت تدمير أدلة إدانة، فالجيش العربي السوري كان قد صادر، قبل بضعة أيام من وقوع الغارة، معدات اسرائيلية متطورة جدا يستخدمها المتمردون، وقد تم وضع هذه المعدات في مركز البحوث كي يجري تفكيكها وتحليلها. هذه المعدات هي التي رغب الاسرائيليون في تدميرها، قبل ان يجري نقلها إلى روسيا أو ايران.
وأشار الموقع إلى أن مركز البحوث كان قد تعرض أولا لهجوم من قبل وحدات مسلحة تابعة للجيش السوري الحر على الأرض، وقد تم صدها. حينذاك اضطرت القوات الجوية الاسرائيلية للتدخل بنفسها كي تنجز ما عجز المتمردون عن القيام به.
الجدير بالذكر أن المقاتلات الاسرائيلية قد دخلت الأجواء السورية من لبنان بارتفاعات منخفضة جدا، متسللة من وراء قمم جبل الشيخ، ولم تمكث في الأجواء السورية إلا فترة وجيزة.
موازاة مع أخبار الهجوم الجوي الإسرائيلي حاول رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد معاذ الخطيب تهدئة المخاوف "الإسرائيلية"، وقال في مقابلة نشرتها صحيفة "يديعوت أحرنوت" يوم 8 فبراير 2013، إن مخزون سوريا من الأسلحة الكيماوية لن يقع في أية أعداء أو أشخاص خطرين ولن يستخدم ضد "إسرائيل" في حال انهيار النظام.
وأضاف الخطيب "نحن سنسيطر على جميع مخزونات أسلحة النظام، بما في ذلك الأسلحة الكيميائية، ولن نسمح بوقوعها في أيدي عناصر غير مخولة".
ونقلت الصحيفة في المقابلة عن ثوار مجهولين "مقربين من الخطيب" قولهم إن الثوار لديهم "الكثير من المعلومات" عن مواقع الأسلحة السورية غير التقليدية، وإنهم "قد وضعوا خطة خاصة لضمان السيطرة عليها" عندما يسقط النظام.
إحباط
مصادر رصد غربية ذكرت أن الغارة الإسرائيلية استهدفت شحنة صورايخ مضادة للطائرات متطورة قامت سوريا بإرسالها الى حزب الله. وأكدت المصادر "ان الصواريخ الروسية الصنع "أس أي 17" كانت جزءا من استعدادات سورية مشتركة مع حزب الله بعد تأكد ان اسرائيل بصدد مهاجمة حزب الله في لبنان.
وتعد الصواريخ المدمرة متطورة وفقا للمفاهيم العسكرية، وهي متوسطة المدى وقادرة على ضرب أهداف على ارتفاعات شاهقة.
عقب الغارة بساعات والتي قالت مصادر عسكرية أوروبية أن الاسطول السادس الأمريكي في المتوسط ساهم في تمهيد الطريق لها بالتشويش على الرادارات السورية، حذر البيت الابيض سوريا من اي محاولة لنقل اسلحة الى حزب الله اللبناني.
وقال بن رودس مساعد مستشار الامن القومي للرئيس باراك اوباما في مؤتمر صحافي عبر الهاتف "على سوريا الا تزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة عبر نقل اسلحة الى حزب الله".
ودارت عدة حروب بين سوريا واسرائيل ويعتقد ان اسرائيل قصفت عام 2007 موقعا سوريا يشتبه انه كان منشأة نووية دون ان ترد سوريا.
حزب الله اللبناني ذكر ان اسرائيل تحاول تقويض القدرات العسكرية العربية وتعهد بالوقوف الى جانب الاسد. وقال حزب الله الذي خاض عدة مواجهات مع إسرائيل كانت آخرها حربا لمدة 34 يوما عام 2006 انه يعلن عن تضامنه الكامل مع سوريا.. قيادة وجيشا وشعبا. وقال حزب الله ان الهجوم اظهر ان الصراع في سوريا جزء من نهج لتدمير سوريا وجيشها واحباط دورها الحيوي في المقاومة ضد اسرائيل.
روسيا التي استخدمت حق النقض في مجلس الامن الدولي اكثر من مرة لعرقلة قرارات تمهد للتدخل العسكري الغربي أكدت ان أي هجوم اسرائيلي يمثل تدخلا عسكريا غير مقبول.
ونقلت وكالة فارس للأنباء عن نائب وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللاهيان قوله ان الهجوم "يظهر الاهداف المشتركة بين الارهابيين والنظام الصهيوني".
وأضاف عبد اللاهيان "من الضروري ان تبادر الاطراف التي تتبنى مواقف متشددة من سوريا باتخاذ خطوات جادة ومواقف حاسمة ضد عدوان تل ابيب".
مراقبون غربيون قدروا أن الهجوم يعكس حالة إحباط إسرائيلية بعد أن حاولت حتى الآن إبعاد الاتهامات الموجهة لها بأنها ترى مصلحة في التخلص من النظام السوري، فتل أبيب ترى تهديدا في التآكل الذي يحدث على فرص إنتصار المعارضة السورية وفي غياب الأمل في تدخل حلف الناتو وترجيح صمود نظام دمشق.
سلاح الأقوياء
لا توجد ضمانات بأن الموقف الغربي الحالي بمساندة الحل السياسي للأزمة السورية سيتواصل، خاصة وأن الأمر سيؤدي إلى سقوط الرهان الذي وضع في واشنطن وتل أبيب لركوب حركة التحول والتطور في المنطقة العربية وتحويلها إلى فوضى خلاقة. تعثر الفوضى الخلاقة سيعطل ولو مؤقتا تحقيق مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي ينص على تقسيم دول المنطقة إلى ما بين 54 و56 دولة متنازعة.
في كتابه الأخير بعنوان سلاح الأقوياء يقول المفكر الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي: "يشعر الجميع بالقلق إزاء وقف الإرهاب. حسن، هناك طريقة بسيطة في الواقع وهي: لنتوقف عن المشاركة فيه"، وفي مكان آخر يقول: "إن القتل الوحشي بحق المدنيين الأبرياء هو إرهاب".
كلام تشومسكي على الممارسات الأمريكية، التي تحارب تحت مسمى إحلال الديمقراطية والحرية في دول العالم الثالث من جهة، وتحت مسمى محاربة الإرهاب من جهة أخرى، وفي الحالتين، غايتها تحقيق أهداف سياستها الخارجية وحماية مصالحها الاستراتيجية في العالم. وما يفند إدعاءاتها هو أن الطريق الذي تسلكه إلى تحقيق هذه المصالح يكون على بحر من دماء الأبرياء، خاصة في العالم العربي والإسلامي، الذي بات في المنظومة الإعلامية الغربية مرتعاً للإرهاب. كما أن كل أحاديثها عن دعم ثورات الشعوب العربية لاينبع من إيمانها بحق هذه الشعوب في الديمقراطية الحقيقية والعدالة الاجتماعية، فهذا آخر ما تتمناه لهذه المنطقة الاستراتيجية، بل تأتي لتخدم علاقتها مع الأنظمة الجديدة، حفاظاً على مصالحها ومصالح الكيان "الإسرائيلي".
في كتاب سلاح الاقوياء الصادر عن دار "بلوتوبرس" البريطانية 2013 ويقع في 246 صفحة من القطع المتوسط، نطلع على أفكار ثلاثة عشر من المفكرين والأكاديميين البارزين على مستوى العالم عبر حوارات حول شكل الإرهاب الذي تمارسه الولايات المتحدة في العديد من دول العالم بأساليب مختلفة.
ويكشف لنا الكتاب عن بعض الجوانب المظلمة من الممارسات العنيفة لأمريكا، منها الانتهاكات التي قامت بها في العراق وأفغانستان ودول أمريكا الجنوبية، إضافة إلى إعطاء فكرة عن الأماكن السرية التي تقوم فيها بتعذيب السجناء، وتسليط الضوء على منظمات إجرامية تقوم بالتخريب في نقاط معينة من العالم، لخدمة المصالح الغربية، وتحديدا الأمريكية.
ويبين الكتاب أنه بالمحصلة يمكن "للأقوياء" أن يمارسوا الإرهاب بحق السكان على إطار أوسع من المجموعات الإرهابية الأضعف التي تشكل ما يشبه دولة، ونادراً ما تتم مناقشة ذلك على الإطلاق بالطريقة التي تتم بها مناقشة الإرهاب بمفهومه العام في الأوساط العامة.
يحاول الكتاب معالجة اختلال التوازن حول ما يعرض عن أشكال الإرهاب المختلفة. وهذا يعني في التعابير الأكاديمية أن الكاتب يتخذ موقفا صارما من الدراسات السائدة التي تتناول الإرهاب، التي تستهدف بشكل حصري الدول الديمقراطية الليبرالية على يد المجموعات التي تشكل "شبه دولة" أو "الدول المخادعة".
يتناول الكتاب بمنهج نقدي أكثر الدراسات التي تتناول الإرهاب، حيث يتحدى الأفكار السائدة عنه، وذلك بعرضه وإثباته في الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، التي تدعي أنها تقود العالم الحر، تعتبر من أكثر من دعم وارتكب الأعمال الإرهابية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ومن الواضح مما يناقشه الكتاب أن مثل هذا الزعم يمكن أن يثير أسئلة من قبيل: ماذا نعني بالإرهاب؟ أي عمل يصنف على أنه عمل إرهابي؟ كيف كانت الولايات المتحدة مسؤولة عن الأعمال الإرهابية المختلفة في مناطق متعددة من العالم؟ ما هي العوائق القانونية والأخلاقية؟ هل تملك الولايات المتحدة سبباً كافيا للقيام بالإرهاب ودعمه؟ كيف يمكن للشعب الأمريكي أن يفهم مثل هذه الأفعال؟.
يشير الكتاب إلى أن الولايات المتحدة استخدمت الإرهاب لتحقق أهداف سياستها الخارجية عبر الدعم من الدول الإرهابية الأخرى.
ومن الأسئلة التي طرحت في الكتاب على تشومسكي هو حول تصنيف الخارجية الأمريكية كل عددا من الدول في قائمة الدول التي تدعم الإرهاب، من سيكون على قائمته الخاصة بالدول الإرهابية إذا ما جمعهم في قائمة ؟.
يجيب تشومسكي: إن الولايات المتحدة ستكون على رأس القائمة، وبريطانيا ستكون الثانية، وفرنسا، و"إسرائيل". ومما أشار إليه كمثال على الإرهاب "الإسرائيلي"، هي جريمة "مافي مرمرة"، التي وصفها على أنها أسوء فعل إرهابي، فقد كانت عملية قرصنة، وخطف في المياه الدولية، إضافة إلى تنفيذ قتل وحشي. ويشير إلى أن كوبا إذا ما فعلت ذلك، لقامت الولايات المتحدة بشن حرب ضروس عليها، لكن في هذه الحالة، يبقى الأمر مجرد دفاع عن النفس، طالما أن من قامت به هي "إسرائيل".
ويؤكد تشومسكي أن ما لايتم مناقشته في "إسرائيل"، يعمل به منذ ستين سنة، حيث يتم خطف القوارب في المياه الدولية بين قبرص ولبنان، فضلاً عن أنهم يقتلون، ويخطفون، ويأخذون الناس إلى السجون في "إسرائيل"، ويبقى بعضهم كرهائن لفترات طويلة، والبعض الأخر يختفون في السجون السرية، ولايعرف أحد ما الذي يحدث لهم.
ويرى تشومسكي أن الحديث عن الحروب، ووضع تعريفات لبعض الأوضاع الدولية لا يتجاوز تسميته بنظام المافيا، حيث يقرر العراب أي الولايات المتحدة، وليس على الطبقات الثقافية في بعض الدول ألا تبرر.
القانون الدولي على المقاس
الفصل الثالث من كتاب حوار الاقوياء يتضمن حوارا بعنوان "القانون الدولي وحقوق الإنسان" مع البروفيسور في جامعة برينستون الأمريكية ريتشارد أ .فولك، الذي له ما يزيد على عشرين كتابا في قضايا حقوق الإنسان، وعمل مع الأمم المتحدة في ما يخص القضية الفلسطينية وقضايا الشرق الأوسط بشكل عام.
يستكشف فولك أهم المعايير المتبعة من قبل القانون الدولي في ما يخص سلوك الدول، مع تشديد على المحاولات الأمريكية لاستثناء نفسها من المسؤولية أو العقوبات.
ويوضح فولك كيف أن القانون الدولي يتصرف في غالب الأحيان ليحافظ على مصالح القوى المهيمنة على سبيل المثال، طريقة تشكل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لكنه يؤكد الاحتمالات الحقيقية ذاتها لتحول مستمر معادٍ للهيمنة في القانون الدولي.
ويذكر فولك كيف أن الولايات المتحدة تستخدم مفهوما محدودا لحقوق الإنسان الذي يستثني الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، ويقيم الدعم الإيديولوجي الذي تتلقاه من مجموعات حقوق الإنسان الدولية الحيادية بشكل واضح.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.