إنها حرب دولية" هذه الجملة القصيرة كانت ضمن عناوين تقرير قدمه مركز دراسات أوروبي إلى حكومته حول الحرب الدائرة على الأراضي السورية وفي مناطق مجاورة منذ أكثر من عشرين شهرا. وأشار التقرير إلى أن الأزمة السورية التي بدأت بمظاهرات للمعارضة ضد حكومة دمشق تحولت تدريجيا إلى حرب تتواجه فيها بشكل شبه مباشر قوات دول كبرى وأطراف أخرى إقليمية. يوم الخميس 27 ديسمبر 2012 أعلنت وزارة الدفاع الروسية، أن بحارة من وحدات مكافحة الإرهاب يشاركون في تمارين لحماية سفن أسطول البحر الأسود المنتشرة قرب سواحل سوريا. وذكرت الوزارة، في بيانها إن "البحارة الروس على متن السفن الروسية في شرق البحر المتوسط يشاركون في سلسلة تدريبات على حماية السفن من هجوم بالطائرات والسفن والغواصات، وسيشارك البحارة من وحدات مكافحة الإرهاب أيضاً في المناورات". وأشارت إلى أن سفينتي الإنزال "نيكولاي فيلتشينكوف"، و"أزوف"، التابعتين لأسطول البحر الأسود الروسي، عبرتا منطقة مضيقي البوسفور والدردنيل وستنضمان قريبا إلى مجموعة السفن الروسية المؤلفة من الطراد الصاروخي "موسكو"، وسفينة الحراسة "سميتليفي"، والناقلة "إيفان بوبنوف"، والقاطرة "ب س 406"، علماً بأن هذه المجموعة تقوم بتنفيذ مهمات الخدمة القتالية في الجزء الشرقي من البحر الأبيض المتوسط. الحشد الأمريكي قبل ذلك ويوم الاربعاء 5 ديسمبر وصلت حاملة الطائرات النووية الأمريكية "آيزنهاور"، إلى شرق المتوسط على مسافة غير بعيدة عن الساحل السوري واللبناني، فيما تواردت أنباء عن احتمال استعداد الولاياتالمتحدة للتدخل العسكري المباشر في سوريا خلال أيام. ونقلت وكالات أنباء عن موقع "دبكا" الإلكتروني أن "آيزنهاور" عبرت قناة السويس، قادمة من الخليج العربي، وهي تحمل على متنها، 8 أسراب من الطائرات المقنبلة المقاتلة و8 آلاف بحار وطيار، وجندي من مشاة البحرية الأمريكية. وانضمت "آيزنهاور" إلى مجموعة حاملة الطائرات العمودية "إيو جيما" التي تقل نحو 2500 رجل من مشاة البحرية. وبذلك بلغ عدد الجنود الأمريكيين في المنطقة نحو 10000 جندي، و70 طائرة مقاتلة، و17 سفينة حربية منها ناقلات صواريخ و10 مدمرات وفرقاطة واحدة، وأربع سفن تحمل منظومات دفاع مضادة للصواريخ. قناة روسيا اليوم الإخبارية ذكرت بأن وصول "آيزنهاور" قد يكون في سياق استعداد الولاياتالمتحدة للتدخل العسكري المباشر في سوريا. وكانت صحيفة "الواشنطن بوست" الأمريكية قد أشارت، إلى أن واشنطن ولندن وضعتا سيناريو تدخل عسكري بمشاركة إسرائيلية تحت شعار منع سلطات دمشق من استخدام أسلحة كيميائية ضد خصومها. يسجل أن هذا الحشد العسكري الغربي جاء بعد تدريبات مشتركة قامت بها وحدات من البحرية الفرنسية والبريطانية بالإضافة إلى نحو 2600 جندي من القوات الخاصة التابعة للأطراف الثلاثة لاقتحام تحصينات على سواحل ألبانيا المشابهة في تضاريسها إلى حد ما مع السواحل السورية. وقد تردد في الأوساط المقربة من القيادات العسكرية الغربية أن الهدف من ذلك هو تأمين الجزء الأكبر من الساحل السوري. مجلة فوكوس الألمانية نشرت تقريرا قالت فيه إن فرقا صغيرة من قوات المظليين الفرنسيين انتشرت منذ عدة أشهر داخل الأراضي السورية. ونقلت المجلة عن ضابط في قوات المظليين الفرنسيين في بلد مجاور لسوريا قوله إن وحداته في الداخل السوري تستطيع تشكيل لواء عسكري متكامل مؤلف من جنود عدة دول بينها دول عربية، ويكون قادرا على المشاركة بفعالية في العملية السرية أو العلنية المحتملة في سوريا عند الضرورة. يوم 28 ديسمبر 2012 ومرة أخرى أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن مجموعة من القوات الخاصة الإسرائيلية موجودة في سوريا منذ بداية الأزمة تقريبا سنة 2011 لمراقبة أماكن تخزين الأسلحة الكيميائية ومواقع الصواريخ السورية التي تستطيع إصابة كل أراضي إسرائيل. وقال نائب رئيس الوزراء موشيه يعلون، إن الشعور بالقلق من مسألة السيطرة على الأسلحة الكيميائية السورية لا يزعج فقط إسرائيل، مشيرا إلى أن الجيش الأمريكي ينظر في إمكانية القيام بعمليات في سوريا في حال ما قررت دمشق استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المتمردين. ووفقا له، ففي واشنطن يخشون أيضا من وقوع هذه الأسلحة في أيدي المتطرفين. حرب بالوكالة يوم الأحد 23 ديسمبر ذكر موقع "ديبكا" الإسرائيلي أن القوات الخاصة الروسية تصدت لوحدات تقاتل الجيش النظامي السوري أثناء محاولتها الاستيلاء على كمية من الأسلحة الكيمائية السورية في قاعدة "السفيرة" بالقرب من حلب، وأنها ألحقت بها هزيمة قاسية. وأضاف الموقع المقرب من الاستخبارات الإسرائيلية، أن وحدات خاصة من قوات النخبة الروسية سيطرت بالفعل على الأسلحة الكيماوية والبيولوجية السورية، وأنها تتصدى لمقاتلي بعض الجماعات السلفية المتشددة التي تحاول جاهدة امتلاك أسلحة غير تقليدية في مناطق تقلصت فيها قدرات الجيش السوري. وكان "عاموس جلعاد" رئيس الهيئة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، قد صدم مؤقتا انصار التدخل العسكري في سوريا عندما أكد مؤخرا أن "الأسلحة الكيميائية السورية توجد تحت السيطرة التامة، وأنها آمنة على الرغم من أن الرئيس بشار الأسد فقد السيطرة على أجزاء من البلاد. يشار أن التصريحات الإسرائيلية والأمريكية العلنية بشأن الأسلحة الكيماوية السورية متقلبة ومتناقضة من توقيت إلى آخر. بعد قليل من نشر هذه الأخبار ويوم 25 ديسمبر نفى الجيش الروسي التقارير المتداولة بشأن إرسال وحدات من قواته الخاصة وأنظمة دفاعات جوية متطورة إلى سوريا لمواجهة أي تدخل غربي. وقال نائب وزير الدفاع الروسي، اناتولي انطونوف، بحسب ما نقلت وكالة الأنباء الرسمية نوفوستي: "لم تتخذ قرارات بإرسال قوات خاصة على متن سفن حربية روسية". كما نفى إرسال أنظمة دفاعات جوية بقوله: "كل هذا هراء .. ومجرد تكهنات إعلامية". التدخل الدولي في الحرب الدائرة على الأراضي السورية تحدثت عنه بكثافة وسائل الاعلام الغربية المختلفة منذ صيف سنة 2012. في عددها الصادر يوم 27 أغسطس، كشفت صحيفة "ديلي ستار صندي" البريطانية أن "نحو 200 جندي من القوات الخاصة البريطانية يعملون داخل سوريا أو حولها". وأشارت الصحيفة إلى أن "وحدات القوات الخاصة البريطانية توغلت في عمق الأراضي السورية استعدادا لوضع يدها على ترسانة الأسلحة الكيميائية إذا ما قرر الرئيس بشار الأسد استخدامها أو تحريكها". وأضافت أن "مظليين بريطانيين يعملون أيضا على الأرض في سوريا إلى جانب القوات الخاصة وجهاز الأمن الخارجي البريطاني "إم آي 6" ووكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية "سي آي إيه" وقوات خاصة فرنسية وأمريكية". ونسبت الصحيفة إلى خبير بريطاني قوله: "هذا السيناريو يبدو مثل شيء من روايات فريدريك فورسايث، لكنه حقيقي ويمكن أن يؤدي إلى مقتل الكثير من الناس". مصادر ألمانية ذكرت أن القوات الغربية "الثلاث" المتحالفة تقدم الدعم اللوجيستيكي لمعارضي الحكومة السورية وتشرف على عمليات إسقاط الأسلحة جوا إليهم كما تدلهم على المواقع الأضعف للجيش النظامي اعتمادا على المعلومات التي تجمعها الأقمار الصناعية والطائرات بدون طيار ومخبري القوات الغربية الموجودين على الساحة مما يسمح بتحقيق انتصارات ضد القوات النظامية. حرب عالمية مصغرة وخطط تقسيم نفس المصادر أشارت إلى أن القوات الغربية الخاصة تدخلت عدة مرات بشكل مباشر في القتال وفي أوقات حرجة بالنسبة للمعارضة، وأن هذا أدى إلى سقوط قتلى وجرحى غربيين، ويتم التكتم على الأمر في انتظار نسب الخسائر إلى حوادث عرضية. المشكلة تضيف المصادر الألمانية هو أنه مع إمتداد الأزمة تكثر المواجهات بين القوات الخاصة الغربية ومثيلاتها الروسية وكذلك مع وحدات مقاتلة من دول مجاورة. يذكر أن صحيفة "ديلي ستار صنداي" البريطانية كانت قد تحدثت في عددها ليوم الأحد 3 يونيو 2012 عن تواجد قوات خاصة بريطانية وعناصر "إم آي 6" داخل سوريا لتنفيذ عمليات سرية، تقضي بإقامة ما سمته ملاذات آمنة. وأكدت الصحيفة البريطانية في تقريرها، أن "وحدات القوات الخاصة البريطانية مزودة بأجهزة كمبيوتر واتصالات تعمل بالأقمار الصناعية قادرة على إرسال صور وتفاصيل عن القوات الحكومية لحظة بلحظة وفي الوقت الفعلي، وأن التقارير التي ترسل تصل إلى غرف عمليات خاصة وطائرات بدون طيار تقصف من حين لآخر أهدافا هامة". يذكر أن مصادر دبلوماسية غربية كانت قد أكدت خلال شهر فبراير 2012 عن أن قوات خاصة بريطانية شاركت تقدم للمجموعات المسلحة في "بابا عمرو" في مدينة حمص بهدف توسعة نطاق سيطرتها على المدينة بغية الاستيلاء على المدينة كلها وتحويلها إلى "بنغازي" سوريا على غرار تجربة القوات الخاصة البريطانية في دعم الجماعات المسلحة في ليبيا، ولكن هذا المشروع فشل بسقوط حي "بابا عمرو" في قبضة الجيش السوري مطلع شهر مارس 2012 وكان من تداعياته انسحاب عناصر من القوات الخاصة البريطانية والفرنسية من محيط مدينة حمص والعودة مؤقتا إلى داخل الأراضي التركية. بعد أسابيع قليلة من بداية الأزمة السورية جرى الحديث عن تدفق مئات المقاتلين من ليبيا وفلسطين ولبنان وإيران والبوسنة ودول المغرب العربي ودول أخرى للقتال إلى جانب هذا المعسكر أو ذاك. يوم 20 ديسمبر 2012 وفي أول اتهام دولي رسمي لحزب الله بأنه يشارك في القتال الدائر في سوريا إلى جانب النظام، أعلنت لجنة التحقيق الدولية المستقلة المكلفة من قبل الأممالمتحدة بالتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان والمجازر وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في سوريا، أن أعضاء في "حزب الله يقاتلون أيضا إلى جانب الحكومة السورية"، كما قالت إن مقاتلين عراقيين دخلوا إلى سوريا بهدف القتال. مصادر نيابية في حزب الله رفضت التعليق على "الخبر"، غير أن الخبير الاستراتيجي المقرب من حزب الله د. أمين حطيط قدر أن "إقحام الحزب من قبل هيئات دولية في النزاع السوري يأتي بهدف التغطية على دخول 65 ألف مقاتل أجنبي من السلفيين والتكفيريين إلى سوريا للقتال إلى جانب المعارضة"، وأوضح أن هذا الرقم من المقاتلين الذين ينتمون إلى 14 جنسية أجنبية "بات مسلما به لدى الأجهزة الدولية"، معتبرا أن إقحام الحزب في هذا التقرير "يأتي للقول إن المقاتلين الأجانب في سوريا يقاتلون مع كلا الطرفين". وشدد حطيط على أن "المتابعين لسلوك حزب الله يدركون أن الحزب لا يشارك لثلاثة أسباب: أولها رفض الحزب القتال السوري الداخلي، وإشراك بضع مئات من مقاتليه في المعركة لن يبدل شيئا في الميزان العسكري في ميدان ينخرط فيه نصف مليون مقاتل بين معارضين ونظاميين، والسبب الثالث يعود إلى معرفة الحزب بأن القتال في سوريا هو فخ للمقاومة، وبالتالي لن يقع في الفخ". وأوضح أن "حزب الله ناشد تنظيم القاعدة، رغم الخلاف العقائدي بينهما، عدم الوقوع في الفخ، فكيف يقع هو فيه". ورأى حطيط أن التقرير الأممي "غير موضوعي"، معتبرا أنه "نوع من الاستجابة للإملاءات الغربية". ولفت إلى أن "القتال في سوريا لا ينسجم مع القناعات الحقيقية وسلوكيات الحزب، لأن ذلك من شأنه أن يؤدي لانزلاقه إلى الفتنة، وبالتالي يؤذي المقاومة". يذكر أن سلطات دمشق سلمت إلى حكومة بيروت خلال الأسابيع الأخيرة من سنة 2012 جثامين أكثر من 12 لبنانيا كانوا يقاتلون ضد قوات دمشق. يوم الخميس 3 يناير 2013 أكد الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أن سوريا "مهددة بالتقسيم أكثر من أي وقت مضى"، داعيا إلى تسوية سياسية. وقال نصرالله "أخطر ما تواجهه منطقتنا وامتنا في هذه المرحلة وخصوصا في السنوات الأخيرة هو مشروع إعادة تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة على أساس طائفي أو مذهبي أو عرقي أو جهوي". واضاف "موقفنا المبدئي والعقائدي هو رفض أي شكل من أشكال التقسيم أو دعوات الانفصال أو التجزئة في أي دولة عربية أو إسلامية، وندعو إلى الحفاظ على وحدة كل بلد مهما غلت التضحيات مهما كانت الصعوبات والمظالم ومهما كانت المطالب محقة". وتابع نصرالله "هذا الأمر يهدد اليوم العديد من البلدان العربية: من اليمن إلى العراق إلى سوريا المهددة أكثر من أي وقت مضى إلى مصر إلى ليبيا حتى إلى السعودية، هناك مشاريع تقسيم ومخططات انقسام. يجب أن تواجه هذه المخططات". وعن لبنان، شدد نصرالله على وجوب "التأكيد اليوم أكثر من أي زمن مضى على تمسكنا بوحدته أرضا وشعبا ودولة ومؤسسات. وإذا أطلت من هنا وهناك مشاريع دويلات أو إمارات، يجب أن يرفضها اللبنانيون جميعا. لبنان اصغر من أن يقسم أو يجزأ". واشار الى ان لبنان هو "اكثر بلد يتاثر بما يجري حوله وخصوصا في سوريا بسبب تركيبة لبنان الداخلية والتنوع الطائفي والمذهبي والسياسي...". وقال نصرالله "الحل الحقيقي لملف النازحين من سوريا هو معالجة السبب أي العمل من أجل أن تكون هناك تسوية سياسية في سوريا توقف نزف الدماء والقتال والحرب الدائرة حتى يعود هؤلاء الأهل إلى بيوتهم وديارهم وأرضهم". واعتبر أن "الذي يتحمل مسؤولية استمرار النزوح هو نفسه الذي يتحمل مسؤولية نزف الدم وهو الذي يعيق ويمنع السوريين من الذهاب إلى حوار سياسي والى تسوية سياسية سواء كان داخل سوريا أو على مستوى دول الإقليم أو على مستوى المجتمع الدولي". وتابع "هذه المعركة إذا استمرت فيها الخيارات العسكرية هي معركة طويلة". وأَضاف "يجب أ تكون هناك حركة سياسية جادة باتجاه الضغط أو المساعدة من اجل أن يكون في سوريا حل سياسي وحوار سياسي وتسوية سياسية"، مشيرا إلى ان "النأي بالنفس لا يعني البقاء مكتوفي الأيدي". مشاكل تواجه تدخل الناتو كثيرا ما حذر مراقبون من أن تورط قوى أجنبية في الصراع الدائر على الأرض السورية يحمل في طياته أخطارا كبيرة قد تصل إلى اندلاع حرب عالمية ثالثة. يوم الاثنين 24 ديسمبر كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية أن المستشارين العسكريين الروس يحرسون بعض الدفاعات الجوية السورية الأكثر تطورا، وهو الأمر الذي من شأنه أن يعقد أن تدخلا مستقبليا تقوده الولاياتالمتحدة. وذكرت الصحيفة إن المستشارين أو الخبراء الروس قد تم نشرهم مع بعض أنظمة أرض جو الجديدة وتحديثات للنظم القديمة التي أمدت موسكو بها سوريا. وأوضحت الصحيفة أن عمق وتعقيد الدفاعات المضادة للطائرات الخاصة بسوريا يعنى أن أي حملة غربية مباشرة، سواء لفرض حظر جوى أو شن غارات جوية عقابية ضد القيادة، ستكون مكلفة وطويلة ومحفوفة بالمخاطر. واحتمالات وقوع خسائر عسكرية روسية في مثل هذه الحملة أمر قد يكون له عواقب جيوسياسية لا يمكن التنبؤ بها، خصوصا أن احتمال مقتل جنود روس من شأنه أن يدفع موسكو إلى الرد، وهو أمر قد تكون تداعياته كارثية على العالم أجمع. وتلفت "الغارديان" إلى أن المساعدات التي قدمتها موسكولدمشق تقلص القدرات العسكرية لواشنطن وحلف الناتو، مؤكدة أن الكرملين يراها كحصن ضد أي تغيير للنظام يفرضه الغرب، وحماية لاستثمار بدأ منذ أمد طويل في بلد يوجد به أكبر نظام تصنت إلكتروني لروسيا خارج أراضيها في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدا في اللاذقية، إلى جانب قاعدة بحرية في طرطوس. اختلاط معادلات التسوية السياسية بينما يتعمق التصارع العسكري الدولي في الحرب السورية، تتقاذف العواصم المتورطة، معادلات التسوية السياسية وتختلط حسابات الربح والخسارة لكل طرف. غير أن المراقبين يتابعون بإهتمام شديد تحركات مسؤولي الأممالمتحدة، حيث أنهم يرون فيها إنعكاسا لجزء من خيارات البيت الأبيض الأمريكي بحكم حجم تحكمه الكبير في هيئات المنتظم الدولي. يوم الخميس 27 ديسمبر وفي دمشق دعا المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، إلى تشكيل حكومة انتقالية كاملة الصلاحيات في سوريا، مؤكداَ أنه لا يسوق أي مشروع روسي أمريكي حول سوريا، فيما أعلنت الخارجية الروسية أن لا وجود لمشروع من هذا النوع. وقال الإبراهيمي في مؤتمر صحافي في دمشق، إنه "يجب أن تتشكل حكومة كاملة الصلاحيات، وكامل الصلاحيات عبارة مفهومة جدا وتعني أن تتولى كامل السلطة أثناء المرحلة الانتقالية وهذه المرحلة تنتهي بانتخابات، إما أن تكون رئاسية إذا كان قد اتفق على نظام رئاسي كما هو معمول به حاليا، أو انتخابا برلمانيا إذا اتفق على أن النظام في سوريا سيتغير إلي نظام برلماني". وأكد الإبراهيمي أنه "لا يجوز أن تؤدي هذه المرحلة الانتقالية إلى انهيار مؤسسات الدولة.. وعلى الجميع أن يتعاون مع السوريين للمحافظة على هذه المؤسسات وإعادة تقويتها وبنائها". وأضاف "تكلمنا مع كل الذين قابلناهم في مضمون بيان جنيف بما فيه الحكومة كاملة الصلاحيات. وفي الوقت الحاضر لم نقدم مشروعاً متكاملاً لأننا نفضل تقديم المشروع بعد موافقة جميع الأطراف عليه ليكون تنفيذه سهلاً، وإذا لم نتمكن من ذلك قد يكون الحل الآخر هو الذهاب إلى مجلس الأمن واستصدار قرار ملزم للجميع". وتابع "لم آتِ إلى المنطقة لتسويق أي مشروع روسي أمريكي حول الأزمة في سوريا. وقد جئت إلى دمشق للمرة الثالثة لأتكلم مع المسؤولين السوريين عما يمكن فعله للخروج من الأزمة". وأوضح أنه أجرى بعض الاتصالات، وأن البعض قام بتأويلها "تأويلات ليست في محلها"، لافتاً إلى أنه "اجتمع بمبادرة منه بوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في ديسمبر 2012 لأن هاتين الدولتين لهما من التأثير والمسؤولية العالمية ما يؤهلهما للمساعدة على البحث عن الحلول التي نطمح إليها في سوريا". وأشار إلى أنه نتيجة لهذا اللقاء اجتمع في ما بعد في جنيف مع نائب وزيرة الخارجية الأمريكية وليم بيرنز ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، واصفا هذا الاجتماع بأنه كان "أوليا وجيدا جدا ومفيدا ونأمل أن تتبعه اجتماعات أخرى قريباً". وقال الإبراهيمي إن “بيان جنيف فيه من الأفكار ما هو كاف لحل الأزمة في سوريا خلال الأشهر القليلة المقبلة وهذه النقاط صالحة لكل زمان ومكان رغم الحاجة إلى إدخال بعض التعديلات عليها، ولكن لا داعي لإضفاء أي نقاط جديدة عليه". وأضاف "يجب أن تحل الأزمة في سوريا من قبل السوريين وبمساعدة كبيرة من العالم الخارجي، وأعتقد أن الخارج مستعد لتقديم المساعدات"، معربا عن أمله بأن يسهم جميع من له إمكانيات بالعمل للوصول إلى حل للأزمة في سوريا. وحول زيارته إلى روسيا، قال إنه سيتوجه للحديث مع المسؤولين الروس ومن ثم هناك مشروع لقاء بينه وبين وزارتي الخارجية الروسية والأمريكية. ورأى "أنه لا بد للعنف أن يتوقف ومن أجل ذلك يجب أن تكون هناك مراقبة قوية توفرها عملية حفظ سلام"، لافتا إلى أنه أسيء فهم هذا الاقتراح والبعض ذهب لاقتراح قوات أجنبية في سوريا. وأكد أنه لا يوجد حديث عن نشر قوات لحفظ السلام في سوريا، مؤكدا أن هذا الأمر لن يحصل إلا بموافقة جميع الأطراف وبقرار من مجلس الأمن "توافق عليه روسيا والصين من ناحية والولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا من ناحية أخرى وبالتالي تكون الضمانات كاملة بأنه ليس احتلالا والدول التي ستساهم في حفظ السلام في عملية من عملياته يجب أن توافق عليها الأطراف". وأعرب الإبراهيمي عن عدم اعتراضه على المبادرة الإيرانية وترحيبه بالأفكار المطروحة، لكنه قال إنه "من الضروري التدخل ضمن مخطط متكامل. وأنا على اتصال مع الحكومة الإيرانية وقابلت مسؤولين إيرانيين مؤخرا في القاهرة وسأقابلهم مرة ثانية في وقت لاحق". مصادر الحرب بالمال والسلاح ورداً على سؤال عن دعم تركيا وقطر والسعودية والولاياتالمتحدة وبريطانيا وفرنسا للمعارضة السورية، قال المبعوث إن "ما تقوم به هذه الدول معروف ومعلن وليس سرا. والأمين العام للأمم المتحدة لا يضيع فرصة إلا ويدعو فيها إلى وقف تدفق الأسلحة للجميع. وفعلاً وقف دخول الأسلحة جزء من الأشياء التي يجب الاتفاق عليها. . وسنعود إلى دمشق كلما دعت الضرورة". ورأى الإبراهيمي أن "الوضع في سوريا يشكل خطرا كبيراً ليس فقط على الشعب السوري وإنما على دول الجوار والعالم. وأعتقد أن الوقت ليس في صالح أحد". وأكد أن "لا أحد يؤيد أعمال المجموعات المتطرفة في سوريا، ويجب أن يتوقف تدفق السلاح إلى داخل الأراضي السورية"، مشيرا إلى أن "هناك منظمات وبعض الأجانب يشاركون بطريقة أو بأخرى في المواجهات على الأراضي السورية وهذا لا يغير في الواقع شيئا فالمشكلة سورية سورية والحكومة لا تنفي ذلك وتريد إجراء حوار مع الجميع". وبعد المؤتمر توجه الإبراهيمي إلى بيروت عن طريق البر، ومنها زار موسكو. الحل السياسي لم يدفن يوم السبت 29 ديسمبر 2012 اعتبرت موسكو ان التوصل الى حل سياسي لتسوية النزاع في سوريا لا يزال ممكنا، مشيرة في الوقت نفسه الى تعذر اقناع الرئيس بشار الاسد بالتنحي عن السلطة كما تطالب دول غربية وعربية، وخصوصا المعارضة السورية في الخارج. وأعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بعد محادثات مع الموفد الدولي الى سوريا الأخضر الابراهيمي في موسكو، "هناك اجماع على القول بان فرص التوصل إلى حل سياسي ما زالت متوافرة". واضاف الوزير الروسي "قال الأسد مرارا انه لا ينوي الذهاب إلى أي مكان، وأنه سيبقى في منصبه حتى النهاية... وليس ممكنا تغيير هذا الموقف". مشيرا إلى أن خروج الرئيس السوري من السلطة هو أمر بيد الشعب السوري وحده. وشدد الابراهيمي من جهته على ضرورة تكثيف الجهود لايجاد حل سياسي في سوريا لتجنب "الجحيم". وقال "اذا كان لا بد من الاختيار بين الجحيم والحل السياسي، يتعين علينا جميعا ان نعمل بلا كلل من اجل حل سياسي". الا انه اضاف "من وجهة نظري، المشكلة هي ان تغيير النظام لن يؤدي بالضرورة الى تسوية الوضع"، محذرا من خطر تحول سوريا الى صومال ثانية. وكان الإبراهيمي قد قال يوم الخميس قبل توجهه إلى موسكو ان بالامكان استخدام اتفاق جنيف باعتباره خطوة اولى نحو تشكيل حكومة انتقالية "ذات صلاحيات تنفيذية كاملة" قبل اجراء الانتخابات. معتبرا أن اتفاق جنيف هو البوصلة السياسية لحل الأزمة السورية وأن هذا الاتفاق صالح لكل الأزمان وقال: "نحن واثقون أن اتفاق جنيف فيه ما يكفي من العناصر لوضع مخطط يمكن أن ينهي الأزمة". مؤكدا على ضرورة المحافظة على متانة المؤسسات الحكومية السورية، وهو شرط لا يقره كثيرون في صفوف المعارضة الذين يريدون ضمانات باستبعاد الرئيس الاسد واخرون من كبار موظفي النظام من تولي المناصب الحكومية. وقال الإبراهيمي ان "هذه الفترة الانتقالية يجب الا تؤدي الى انهيار الدولة او مؤسساتها". ويكرر المسؤولون الروس أيضا أن حل الأزمة السورية هو حل سياسي محذرين من أن فقدان هذا الحل سيغرق سورية في ""فوضى دموية" حسبما قال لافروف. ويعتبر الروس ان خطة جنيف هي اكثر خيارات انهاء العنف القابلة للحياة. وحتى الآن، رفضت موسكو، ومعها الصين، صدور اي قرار عن مجلس الامن الدولي يدين النظام او يسمح بفرض عقوبات عليه، مستخدمتين او مهددتين باستخدام الفيتو في كل مرة. وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد صرح يوم الخميس 20 ديسمبر خلال مؤتمره الصحافي السنوي، "موقفنا ليس ان نبقي نظام الاسد في السلطة بأي ثمن، ولكن اولا ان ندع السوريين يتفقون بين بعضهم حول كيف يجب ان يعيشوا في المرحلة المقبلة". وكثفت الدبلوماسية الروسية خلال الايام الخيرة من سنة 2012 اتصالاتها حول سوريا باستقبالها نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد ووزير الخارجية المصري محمد عمرو، ثم الابراهيمي. وصرح لافروف بحضور المبعوث الأممي انه "فوجىء" برفض الائتلاف السوري المعارض المشاركة في موسكو في مفاوضات لتسوية الازمة. ونفى جود أية خطة روسية أمريكية للتسوية. وكان الناطق باسم الدبلوماسية الروسية الكسندر لوكاشيفيتش قد اعتبر يوم الخميس 27 ديسمبر انه من الضروري "القيام بمبادرات نشطة وحازمة من اجل وقف حمام الدم" في سوريا. ونفى بشكل قاطع وجود اتفاق بين الروس والامريكيين حول تشكيل حكومة انتقالية مع بقاء الرئيس السوري بشار الاسد الى حين انتهاء ولايته في 2014 كما اوردت بعض الصحف. يذكر أن رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية احمد معاذ الخطيب كان قد قال يوم الجمعة 28 ديسمبر "لن نذهب إلى موسكو. يمكن ان نجتمع في دولة عربية حصرا على ان يكون هناك جدول اعمال واضح". تبدل شروط أم مناورة بعض المراقبين خاصة الأوروبيين قدروا أن تصريحات الإبراهيمي بما تضمته من استعداد لتنازل التحالف الغربي الثلاثي عن أهم شروطه للتسوية ربما يعود سببه إلى شعور لديه بتصاعد إمكانية خسارة الرهان. يوم الجمعة 28 ديسمبر نشرت صحيفة "الغارديان" البريطانية في صفحتها الرئيسية مقابلات أجراها مراسلها من مدينة حلب السورية مع مسلحين وقادة بالمعارضة السورية المسلحة تحت عنوان "تقسيم الغنائم يغير مسار الثورة السورية"، المقال عكس ما نشرته مصادر أخرى كثيرة. ذكرت الصحيفة إن أعمال السلب والنهب أصبحت الشغل الشاغل لبعض وحدات المعارضة المسلحة في مدن عدة، خصوصا في حلب، ما جعل الثورة في سوريا تأخذ منحى جديدا حيث تحولت إلى صراع بين مجموعات المعارضة المسلحة "لتقسيم غنائم الحرب". ونقلت الغارديان عن شخص يدعى "النقيب حسام" قالت إنه أحد قادة مجلس حلب العسكري أن عدد من مسلحي المعارضة قتلوا أثناء تقسيم الغنائم وعمليات النهب حيث لم يتبق متجر واحد أو مخزن حكومي في المدينة إلا وتم نهبه على حد قوله. وقال قائد آخر بالمعارضة للصحيفة في البداية كانت وحدات المعارضة المسلحة على قلب رجل واحد أما الآن فقد انقسمت تلك الوحدات بين تلك التي تحارب في سبيل الثورة وأخرى تقاتل بعضها البعض من أجل "تقسيم غنائم الحرب". وأضاف بعض أعضاء تلك الوحدات استخدموا عمليات السلب للانتقام من أهالي حلب الذي يعمل معظمهم في التجارة ولم يدعموا المعارضة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. حسابات الربح والخسارة في نطاق حسابات الربح والخسارة فيما يخص الصراع في سوريا، جاء بحث يمكن وصفه بالمهم على موقع مركز بيغن السادات للأبحاث الإستراتيجية يوم 26 ديسمبر 2012 في نطاق طاولة نقاش خاصة تحت عنوان "تداعيات الحرب الأهلية في سوريا". التقرير صادر عن معهد بيغن السادات وهو ما يعني ضرورة قراءته بحذر: أشار النقاش والتقرير بشأنه، إلى أن "من الأرجح أن يستمر القتال طويلاً، إذ إن المسألة مرتبطة أساساً بالدعم والمساندة السياسية والعسكرية، والمقدمة تحديدا من إيرانوروسيا، لنظام الرئيس السوري. فموسكو ترى في سوريا آخر الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط، بينما ترى طهران أنها حلقة أساسية في المحور الذي تقوده في المنطقة، والذي يشمل أيضاً حزب الله في لبنان... والتقدير أن يتواصل القتال، بل وأن يتحول إلى نوع من الحرب الباردة بين الغرب الذي يدعم المعارضة السورية، وبين الروس والإيرانيين الذين يدعمون الأسد". وتابع التقرير " قد تمر أعوام إلى أن تتضح النتائج النهائية، مع عدم استبعاد انتصار أنصار النظام في القتال الدائر، سواء بوجود الأسد، أو من دونه وما يدفع إلى هذا التقدير هو الدعم اللامحدود من إيران، إضافة إلى الخشية الموجودة لدى الأقليات المختلفة في سوريا، ومجتمع رجال الأعمال، من نظام يقوده الإخوان المسلمون والسلفيون، الأمر الذي يدفعهم إلى تأييد النظام الحالي. ويرجح أن "تسبب الحرب في سقوط المؤسسات السورية، الحكومية والاقتصادية وغيرها... مع تنامي ونشوء مئات من الميليشيات، ومن ضمنها ميليشيات راديكالية، وهذا السيناريو يعني غرق وانشغال سوريا أعواما إضافية في الفوضى. أما السيناريو الأفضل لإسرائيل فهو في إنشاء أقاليم حكم ذاتي، كردية وعلوية ودرزية...، إلا أن هذا السيناريو غير مؤكد، ذلك أن التجربة اللبنانية أكدت أن بإمكان سكان دول في الشرق الأوسط أن يتقاتلوا أعواما عديدة، من دون أن تتفكك دولهم". "إسرائيل مستفيدة من اقتتال أعدائها. ومستفيدة من تعميق الانقسام الشيعي السني في المنطقة، ومن شأن ذلك أن يضع إيران في مواجهة مع تركيا، كما أن تراجع النفوذ الإيراني والروسي في الساحة السورية، نتيجة للقتال المتواصل، سيكون واقعا مرحبا به في إسرائيل". ويتابع التقرير "يجب الاعتراف بأن ما يحدث في سوريا يؤثر على مسائل الأمن القومي لعدد من دول المنطقة، بما يشمل قبرص، علما بأن شرق المتوسط يحتوي على مخزون هائل من الغاز الطبيعي، قد يمكن أوروبا من تخفيف اعتمادها على روسيا وتركيا، في هذا المجال". أن الأفضل لإسرائيل والغرب قيام نظام جديد في سوريا، يهتم بشؤونه الداخلية، ولا يدعم حزب الله وإيران. كما أن من المفيد لإسرائيل قيام دولة تضم أكراد سوريا وتركيا والعراق، وهو مفيد أيضا للغرب على حد سواء. كما أن انهيار الجيش السوري وتفككه يعد جيداً لإسرائيل، لأنه آخر الجيوش المسلحة بفرق مدفعية ودبابات وسلاح جو، كجيش موجود على الحدود مع إسرائيل في دولة لم تلغ حالة حربها معها، هذا على افتراض أن مصر والأردن سيحترمان اتفاقيات السلام المبرمة مع إسرائيل. وتفكك الجيش السوري على هذه الخلفية يعني أن إسرائيل لم تعد تواجه خطرا عسكرياً تقليديا مباشرا على حدودها. [email protected]