بسم الله الرحمن الرحيم من الشبه التي يلوكها العلمانيون حول المواد التي تعنى بتدريس علوم الشريعة بالمدارس العمومية خاصة مادة التربية الإسلامية، زعمهم: أنها مواد تتضمن مضامين تحث على العنف وتشيع الكراهية، وتضيق مفهوم الحرية، وتعادي حقوق الإنسان ...وغير ذلك من شبههم التي ما فتئوا يغزلونها لصد الناس عن تمسكهم بهذه المواد، والحيلولة دون بقائها في المناهج الدراسية، وقد بذلوا لحذفها أو تغيير مضامينها ما أوتوا من قوة ... . والمتأمل في مثل هذه الشبهة يتجلى له من أول وهلة أنها شبه عارية لا مستند لها من قانون أو عقل، بل أملتها أهواء المنزعجين من انتشار الدين والتدين في صفوف المجتمعات المسلمة، بعد فترة من محاصرة الدين وأهله وتغييبه عن حياتهم وتجهيلهم به؛ فإذا كان معادوا المواد الإسلامية يزعمون أنهم يدافعون عن الحرية وحقوق الإنسان؛ فليتركو الناس وإرادتهم؛ فلم يمارسون هذه الوصاية عليهم والنيابة عنهم في أمر لم يوكلهم فيه أحد، ولم لا يحترمون قناعات الناس وإرادتهم التي أثبتت الوقائع والتجارب يوما يعد يوم أنهم مستمسكون بها ويطلبون المزيد منها، فليدعوا الناس واختياراتهم، وإن رغبوا يوما في عدم دراستها، فهم من سيعلن ذلك ويصد عنه. وبتجربتي المتواضعة أثق ثقة تامة وأعلن للكافة أنه لو أجري استفتاء بين التلاميذ بشأن عدد الساعة المخصصة لمادة التربية الإسلامية، في المدارس العمومية لوجدت إجماعا من الكل ينم عن رغبة في زيادة عدد الساعات، حبا منهم لهذه المادة، وحرصا على معرفة دينهم وفقه كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وكم مرة أعلنوا حبهم لهذه المادة ورغبتهم في زيادة عدد ساعاتها؛ لكن آذان المعنيين بالأمر تتعمد عدم الإصغاء لمثل تلك المطالب، إدراكا منهم لأثرها في الحياة، وفضلا عن النهم المعرفي الموجود لديهم، فهناك فوائد تربوية يستفيدها التلميذ في دراسته لهذه المادة تبدو جلية على سلوكه وأخلاقه وسيرته العامة. والحقيقة: أن هذه الاعتراضات من لدن شرذمة من العلمانيين مردها إلى ما يرونه من رغبة جامحة لدى الشعوب في معرفة دينهم، والاستمساك به؛ وما نجح المستغربون في فترات ماضية من التاريخ نكتوي بلظاها الآن في إبعاد الدين عن حياة الناس إلا بمثل هذه الوسائل! وكيف يعقل: أن يسمح لمختلف المفاهيم ومختلف الإيديولوجيات الفكرية بالدخول إلى المناهج الدراسية بلا حسيب أو رقيب؛ في حين تعلن مصادرة المواد التي تحمل المفاهيم الإسلامية النقية الصفية، ألا يندرج هذا ضمن الحقوق والتضييق على الحريات؛ أم أن لبني علمان مفاهيمهم الخاصة المتعلقة بالحريات والحقوق، مفصلة على مقاس خاص بهم هم وحدهم!. إن الأهداف الحقيقية وراء هذه الحرب الخفية على كل ما هو إسلامي في المدارس أن لا يبنى المجتمع المسلم على القيم الفطرية الإسلامية النبيلة، بعيدا عن عيوب الجاهلية الحديثة ومفاهيمها المنحرفة، التي أهلكت الحرث والنسل، وأن يشيعوا في الناس أن العفاف والاحتشام والحياء رجعية متزمتة لم تر نور القرن العشرين، ويوهمون الناس أن الخلاعة والارتماء في أحضان التغريبيين سمات الحضارة وعنوان التقدم وشارة التحرر من ربقة التقاليد البالية، وينشرون صورا تؤكد ذلك متمردين على الفطرة ومنتكسين لها، غير آبهين بإحساس ومشاعر ملايين المسلمين الذين تتقزز نفوسهم من تلك المشاهد. فمادة التربية الإسلامية في مناهج التعليم العمومي بالمغرب، على قلة عدد ساعاتها التي هي ساعتان لبعض المستويات، وساعة واحدة لمستويات أخرى، ترمي إلى الاهتمام بتربية الأسرة المسلمة بتناول قضايا الأحوال الشخصية من وجهة نظر إسلامية، وتثقيف التلاميذ وتوعيتهم وتبصيرهم وتزكيتهم، وتوجيههم بإبراز سمات المنهج الإسلامي الفريد بين المنظومات البشرية الوضعية الناقصة والقاصرة، ومن خلال الوسائل والمفاهيم التي تشترك جميعا في تكوين أجيال تشعر بانتمائها الإسلامي وتعتز بمرجيعتها وهويتها وثقافتها، وانتسابها الحضاري للأمة الإسلامية، وغرس أخلاق في الناشئة تهدف إلى صياغة الفرد صياغة إسلامية معتدلة وفق منهج الإسلام في بناء الإنسان، وإعداد شخصيته إعدادا كاملا متوازنا بين الروح والمادة، من حيث العقيدة، والأخلاق والقيم، والمشاعر والذوق، والفكر، والمادة حتى تتكون الأمة الواحدة المتحضرة التي لا تبقى فيها ثغرة تتسلل منها إغراءات العولمة اللادينية الجنسية الإباحية. كما أن هذه المناهج تنمي في نفوس التلاميذ رغبة العودة إلى الإسلام، ورفض التغريب، الذين ينشره اللادينيون، وبسببه يهاجمون هذه المواد. وكم من تلميذ كانت أسباب هدايته في ساعات هذه المادة، تأثرا بقضايا ما علمها عن دينه من قبل، فلما سمعها رق قلبه فتاب وأناب ورجع، وإن كان هذا الهم لا يجوز أن يقتصر على أساتذة هذه المواد، بل مسؤولية مشتركة بين أطر التربية والتعليم، على اختلاف تخصصاتهم، سيما وأن التربية هي مفتاح النجاح بالمدرسة، وهي وسيلة الاستقامة والاستفادة، وبها يمكن تفادي جل المشكلات التي تتخبط فيها المنظومة التربوية والتعليمية. [email protected] www.facebook.com/karimkallali