قالت مؤسسة «كارنيجي» الأمريكية للسلام الدولي إنه مع صعود الإسلاميين في العالم العربي، ولاسيما فى مصر وتونس، فإن هناك احتمال أن تقوم الأحزاب الحاكمة الجديدة بتعديل في مناهج التعليم بما يعكس المعتقدات الإسلامية المحافظة. وأشار كارنيجى في ورقة بحثية منشورة على موقعه الإلكتروني تحت عنوان «التعليم الديني والتعددية في مصر وتونس» إلى أن التعليم مهم جدا لأي حزب أيديولوجي يتولى السلطة السياسية، لافتا إلى أن الإسلاميين في مصر وتونس سيضعون التعليم نصب أعينهم على المدى البعيد لضمان إدراج مزيد من المحتوى الإسلامي في تعليم جميع الطلاب. يحتلّ الدين مكانة بارزة في أنظمة التعليم في الدول العربية كافة. ومع صعود الإسلاميين في العالم العربي، ولاسيما في مصر وتونس، ثمّة احتمال في أن تعمد الأحزاب الجديدة في السلطة إلى تعديل مناهج التعليم لتعكس المعتقدات الإسلامية المحافظة. فالتعليم هام جداً بالنسبة إلى أي حزب إيديولوجي يتولّى السلطة السياسية. على المدى البعيد، سيضع إسلاميو مصر وتونس إصلاح التعليم نصب أعينهم لضمان إدراج المزيد من المحتوى الإسلامي في تعليم جميع الطلاب. لكن على المدى القصير، من المستبعد أن تؤدّي السلطة الناشئة لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في مصر، وحزب النهضة في تونس، إلى تغيير جذري في المناهج الدراسية والبيئة الثقافية في المدارس الحكومية، أو إلى فرض قواعد سلوك إسلامية. فالمسائل السياسية والاقتصادية أكثر إلحاحاً من التغيير التربوي خلال الفترة الانتقالية الحالية. الإسلاميون ومناهج التعليم في العالم العربي الإسلام مدرج بالفعل في كثير من جوانب التعليم العام في مصر، من مقرّرات اللغة العربية إلى الدراسات الاجتماعية، كما تضفي بعض الدروس المزيد من الأهميّة على القيم الإسلامية المحافِظة على حساب معايير التعدّدية أو المعتقدات الدينية الأخرى. البيئة المدرسية القائمة متوافقة إلى حدّ كبير مع أهداف جماعة الإخوان المسلمين، ولذلك من غير المؤكّد أن يخاطر حزب الحرية والعدالة بإثارة موجة احتجاجات عامة عن طريق الدفع باتجاه إحداث تغيير رسمي في الوقت الراهن. في الوقت نفسه، ومع أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يُدرَّس في المدارس الحكومية التونسية، فإن للبلاد سجلاً طويلاً من العلمانية، إذ يعزّز النظام التعليمي القيمَ العالمية مثل الحرية والتسامح والعدالة الاجتماعية. ولذا، من غير المرجّح أن يعكس حزب النهضة هذا الاتجاه في المدى القريب. ويتعيّن على مصر وتونس، وهما تمضيان قُدُماً، الحفاظ على التعليم الديني كجزء من مناهجهما الدراسية، لكن التركيز يجب أن يكون على المحتوى الإسلامي الليبرالي.. وفي هذا الإطار، تمثّل مبادرة التعليم الديني الجديدة التي اقترحها "بيت العائلة المصرية"، ويقودها جامع الأزهر، خطوة في الاتجاه الصحيح، إذ تؤكّد على التنوع والحريات الأساسية. وفيما تنتقل مصر وتونس بعيداً عن الاستبداد نحو مجتمعات أكثر ديمقراطية، عليهما أن تستفيدا من هذه الفرصة إلى أقصى حدّ ممكن لتطبيق مبادئ التعدّدية في التعليم كذلك. الدين والتعدّدية تعمل الأحزاب السياسية في العالم العربي في منطقة يشكّل فيها دين الأغلبية، أي الإسلام، نسيج الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وبما أن جميع الأديان تلتزم القيم المطلقة وتدافع عما يراه أتباعها على أنه "الحقيقة"، تواجه الديمقراطيات الناشئة في العالم العربي بالتالي التحدّي المتمثّل في التوفيق بين مناهج التعليم الهادفة إلى تعزيز التعدّدية والتسامح تجاه الأفكار والآراء المختلفة، وبين تعليم الدين في المدارس الحكومية. لكن ما يزيد هذا التحدي عمقاً، في تونس ومصر على وجه الخصوص، هو أن العملية الديمقراطية أدّت إلى صعود أحزاب سياسية إسلامية تدفع الآن باتجاه أن يلعب الدين دوراً بارزاً أكثر في السياسة والمجتمع. ينبغي أن يكون الهدف النهائي من إصلاح التعليم في دول مثل تونس ومصر هو التعليم من أجل المواطنة، ومفتاح ذلك هو الدور الذي يلعبه الدين في مدارسها وتحليل مدى تدريس الدين بطريقة يمكن أن تنمّي قيم المدنية والمواطنة. فصعود تلك الأحزاب إلى السلطة يثير العديد من التساؤلات لدى الشعوب العربية: هل يمثّل التعليم أولوية بالنسبة إلى هذه الأحزاب، ولاسيّما في مصر وتونس؟ وهل سيُدخِل الإسلاميون الشريعة في النظم التعليمية؟ هل سيطلبون من الطلبة غير المسلمين اتباع قواعد السلوك الإسلامية؟ وهل سيمنعون المسيحيين من دراسة دينهم؟ ماهي وجهة نظرهم إزاء برامج التربية المدنية الحالية، ودور الإسلام في التربية المدنية والمواطنية؟ وما هو مدى توافق وجهة نظرهم بشأن التعليمالديني والمواطنة مع مفاهيم التعدّدية والديمقراطية؟ يلعب الدين دوراً كبيراً بالفعل في المناهج الدراسية القائمة والبيئة المدرسية في المدارس الحكومية بمراحلها المختلفة في البلدان العربية، ولاسيّما في مصر وتونس. مع ذلك، تتباين وجهات نظر الأحزاب الإسلامية في البلدين - حزب الحرية والعدالة في مصر وحزب النهضة في تونس - في ما يتعلّق بالتربية المواطنية والدينية. المقاربة التقليدية للتعليم الديني في العالم العربي يترابط الدين والتعليم في العالم العربي ترابطاً وثيقاً. فالتعليم كان يتمّ تاريخياً في أماكن العبادة التي يسيطر عليها رجال الدين الذين اضطلعوا بدور المعلّمين والإداريين. في نظام "الكُتّاب" التقليدي، تعلم الطلاب المسلمون القرآن الكريم والأحاديث النبوية (أقوال النبي محمد) من علماء الدين، وقدّم "الكتّاب" وظيفة اجتماعية حيوية باعتباره وسيلة للتعليم العام الرسمي للأطفال والشباب المسلمين حتى ظهور النماذج الغربية للتعليم. خلال القرن التاسع عشر، وفي ظل الحكم العثماني، أنشأ المبشّرون المسيحيون من أوروبا والولايات المتحدة مدارس للتعليم الابتدائي والثانوي في لبنان وسورية ومصر والأردن وفلسطين. بعد ذلك، أنشأت الجمعيات الإسلامية، مدارسها الخاصة الحديثة التي تدرّس الإسلام إضافة إلى المواد الأساسية، نظراً إلى تخوّفها من الدور التبشيري للمبشّرين المسيحيين. وقد قدّمت تعليماً أحدث وأكثر جودة للمسلمين مما قدّم "الكتّاب". لكن التعليم الديني الإسلامي يختلف اليوم، إذ يشكّل جزءاً من المناهج الدراسية في الدول العربية، بحسب نوع المدرسة، وكيفية تدريسه وتمثيله في الكتب المدرسية، والوقت المخصّص للتدريس. والتعليم الديني الإسلامي حاضر في نظام المدارس الحكومية بوصفه مقرّراً دراسياً مستقلاً، في جميع الدول العربية تقريباً. وقد دُمِج، في معظم البلدان، في منهج اللغة العربية والدراسات الاجتماعية في شكل أفكار ومواضيع وقيم. تتميّز البيئة المدرسية بأكملها بمعايير ومدونات قواعد سلوك إسلامية في المدارس الإسلامية الخاصة في الدول العربية، وفي المدارس الحكومية في العديد من البلدان الأخرى، ولاسيّما في دول مجلس التعاون الخليجي. إذ يُفرَض على الطلاب والموظفين مراعاة جميع الشعائر الإسلامية مثل الصلاة والصوم، ويتعيّن على الفتيات تغطية أنفسهن وارتداء الحجاب. التجربة المصرية وفقاً للكتب المدرسية المصرية المعتمدة لمقرر التربية الدينية الإسلامية، ثمة دين واحد صحيح هو الإسلام الذي أنزله الله على آدم وجميع الأنبياء بمَن فيهم موسى وعيسى ومحمد. ينقل أحد كتب الصف الثامن آية من القرآن الكريم تقول: "ومَن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين" . ومع ذلك، 10 في المئة من سكان مصر هم من المسيحيين، والدين المسيحي يُعطى مساحة في المناهج الدراسية في المدارس الحكومية . يتولّى معلمون أو كهنة مسيحيون تدريس الطلاب المسيحيين الدين المسيحي، في حين يتولّى معلمون أو شيوخ مسلمون تدريس المسلمين الدين الإسلامي. وتشمل المقرّرات تعليم العقائد الدينية والطقوس وقواعد السلوك. ويتعلّم الطلاب المسلمون في المدارس الحكومية عن المسيحية من منظور القرآن والأحاديث النبوية، في حين لايتعلم الطلبة المسيحيون عن الإسلام في مقرّر الدين المسيحي، لأنه يؤرّخ بتاريخ لاحق لنصوصهم الدينية. تستخدم الكتب المدرسية لمادة التربية الدينية الإسلامية مقاربتين متناقضتين تجاه المسيحيين واليهود. فتعرّف إحدى المقاربتين المسيحية واليهودية بوصفهما ديانتين توحيديتين نشأتا مع إبراهيم، "أول مسلم"، ويوصف رسولاهما، عيسى وموسى، بأنهما مسلمان. أما المقاربة الأخرى فتعتبر التوراة والإنجيل نسختين مشوّهتين من الكتب المقدسة الحقيقية التي نزلت على موسى وعيسى، وأن القرآن وحده يتضمّن المحتوى الصحيح لهذين الكتابين. فضلاً عن ذلك، تتبنّى الكتب المدرسية مفهوم الجهاد أو الشهادة ضدّ العدو، الذي يندرج ضمن فئتين: الكفّار وأعداء الوطن. كما تدلّ مؤشّرات عدّة على أن الكتب المدرسية لمادة التربية الدينية الإسلامية في مصر لا تستهدف تنمية مهارات الطلاب في التفكير التحليلي. ويبدو هذا جلياً في طريقة عرض المادة وتحديد المهام ونوع التدريبات.. يجري إطلاع الطلاب في مصر، المسلمين والمسيحيين على حد سواء، على العديد من جوانب الإسلام أثناء تلقّنهم المواد الدراسية الأخرى، ولاسيما اللغة العربية والدراسات الاجتماعية. وتحظى دراسة اللغة العربية بأهمية خاصة بالنسبة إلى المسلمين لأنها لغة القرآن واللغة المستخدمة في الصلوات. اللغة العربية هي أيضاً اللغة الرسمية في مصر وسائر الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، لذلك يجب أن يتعلّمها جميع الطلاب في المدرسة.. وفقاً لدراسات حلّلت مضمون الكتب المدرسية باللغة العربية في مصر، ثمّة مجموعة كبيرة من النصوص والمواضيع الدينية التي تدعو إلى التقوى والالتزام الديني. تتضمّن النصوص العربية المخصّصة لدراسة اللغة في المرحلة الابتدائية آيات مختارة من القرآن واقتباسات من الأحاديث المتعلقة بحياة النبي محمد. تُستَخدَم معظم هذه النصوص لتعليم أهميّة القيم الاجتماعية الشاملة، كالصدق وكرم الضيافة وحب الخير والإحسان، التي لاتتعارض مع معتقدات الديانات الأخرى وتقاليدها. على سبيل المثال، في أحد دروس اللغة العربية للصف السادس، "طريق القوة والفلاح،" تنبع الفكرة الرئيسة للدرس من آيتين في القرآن تدعوان إلى التمسّك بتعاليم الدين لأن الدين هو القوة التي تربط الناس بمودّة وأخوّة. عنوان أحد دروس الصف الثامن بشأن أهمية الحفاظ على علاقات القرابة ("صلة الرحم") هو عبارة مستوحاة من القرآن مباشرة.. مع ذلك، ثمة آيات أيضاً تطعن في معتقدات غير المسلمين، مثل الآيات التي تدعو إلى وحدانية الله المطلقة وتتعارض مع العقيدة المسيحية في الثالوث المقدّس. ويستهدف التعليم الديني وتعليم اللغة العربية في بعض الأحيان قيماً متناقضة مع تلك المنصوص عليها في موضوعات التربية المدنية المدرجة في منهاج الدراسات الاجتماعية، ومع معايير إنسانية أوسع. على سبيل المثال، تُدرَّس المساواة بين الجنسين في الدراسات الاجتماعية، لكن يُناقَش موضوع عدم المساواة بين الجنسين في أحد دروس اللغة العربية للصف الثامن عن أنصبة/حصص الرجال والنساء ، والعنوان بحدّ ذاته ("للرجال نصيب وللنساء نصيب") عبارة مأخوذة من القرآن؛ ويفسّر النص آيات من القرآن تنصّ على أن الناس غير متساوين، وينتمون إلى مراتب أو طبقات مختلفة، وأنه لا ينبغي أن يحصل الرجال والنساء على حصص متساوية من الميراث. بعض الطوائف الإسلامية، ولاسيّما الشيعة، فضلاً عن غير المسلمين، لا تؤيّد هذا الاعتقاد. يميل تدريس التاريخ إلى التركيز على العصور القديمة، وعلى الحقبة التي مرّت منذ ظهور الإسلام. وثمّة وصف تفصيلي لحياة النبي محمد والدولة الإسلامية الأولى التي أسّسها في المدينة. كما تُعرَض فترة "الخلفاء الراشدين" الأربعة بالتفصيل. على النقيض من ذلك، تدريس التاريخ القبطي وجيز جداً ويقتصر إلى حدّ كبير على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع القبطي اليوم. ولعلّ مايثير القلق أكثر بالنسبة إلى الطلاب المسيحيين هو التعريف السلبي الذي يقدّمه الكتاب المدرسي ل"الروم" (أي المسيحيين الشرقيين الأرثوذكس)، على أنهم أشخاص "انحرفوا" عن مبادئ المسيحية التي نادى بها السيد المسيح. وهذا يعزّز اعتقاد كثير من المسلمين بأن المسيحية، كما بشّر بها ومارسها المسيحيون منذ ظهور الإسلام، هي نسخة مشوّهة عن الدين الحقيقي الذي دُمِج في الإسلام. لا تقدّم المدارس الحكومية المصرية مقرّراً منفصلاً عن التربية المدنية أو المواطنية.. الاستثناء الوحيد هو مقرّر التربية الوطنية الذي يُقدَّم لطلاب الصف الثاني عشر، إلا أنه لايشمل القضايا الرئيسة في التربية المدنية أو المواطنة. وبشكل عام، يُدرَّس الطلاب المصريون نصوصاً إسلاميةً تشير إلى أنه لا يمكن لغير المسلمين تولّي مناصب إدارية عليا في الدولة، مثل منصب رئيس الدولة أو قائد الجيش. يتلقّى الطلاب في المدارس الحكومية في مصر رسائل متضاربة بشأن مايعنيه أن يكون الفرد عضواً مشاركاً في المجتمع المصري. ففي حين تعزز كتب مادة الدراسات الاجتماعية مبادئ التعدّدية، والوحدة الوطنية، وقبول المعتقدات والثقافات الأخرى، والمساواة بين المسلمين وغير المسلمين، ينمّي التعليم الديني في المدارس نفسها، سواء كان إسلامياً أم مسيحياً، التمييز الديني وعدم المساواة. ما يزيد الأمور تعقيداً هو دور المعلم في نقل القيم والسلوك الديني، إذ يفرض هؤلاء المعلمون أفكارهم ومواقفهم الخاصة على تلاميذهم في سياق عملية تتأثّر بالثقافة السائدة داخل المدارس، وتسهلها طرق التدريس المرتكزة إلى المعلم حيث تطغى المحاضرات والاستظهار، فضلاً عن عدم تشجيع النقاش المفتوح والتفكير النقدي داخل الفصل الدراسي. وتختلف الصورة إلى حدّ ما في المدارس الخاصة. فالمدارس العلمانية والدولية في مصر إما أنها لاتقدّم تعليماً دينياً، وإما تُدرِّس مقرّراً للدراسات الاجتماعية يتضمن معلومات عامة عن مختلف الأديان ودور الدين في المجتمع. وتنطبع أخلاقيات أو ثقافة المدرسة الخاصة بمعايير مديرها وقيمه. بالتالي، تتخلّل الثقافة الإسلامية والأعراف الإسلامية، تفاعلات المعلمين مع الطلاب وأسرهم، في مدرسة إسلامية. تشجّع مثل هذه المدارس وتهلّل لما تعتبره سلوك الطلاب "الإسلامي" الجدير بالثناء، مثل أداء الطقوس الدينية وبرّ الوالدين. وهي تنتقد أيضاً ما تعتبره سلوكاً يخالف الشريعة الإسلامية، مثل استهلاك المشروبات الكحولية أو عدم ارتداء الفتاة الحجاب أو طاعة أولياء أمرها. في المقابل، تطلب المدرسة المسيحية من الطلاب حضور قدّاس الأحد، وإظهار السلوك المسيحي المثالي. التعليم الديني في تونس تقدّم تونس مقاربة مختلفة تجاه التعليم الديني. إذ تبدو قيم وأهداف التعلّم الخاصة بالدراسات الدينية والمدنية التونسية أكثر انسجاماً مما هي عليه في مصر، ويهدف المنهج المدرسي لمختلف المواد، إلى تطوير القيم الشاملة للحرية المسؤولة، والتعاون، والمساواة، والعدالة الاجتماعية، واحترام الآخر. كما أن التسامح موضوع متكرّر في الكتب المدرسية التونسية. ومن اللافت أن للتسامح جذوره في إصلاحات جرى تنفيذها خلال فترة الرئاسة السلطوية لزين العابدين بن علي. في العام 1989، عيّن زين العابدين بن علي محمد الشرفي، وهو محام وناشط في مجال حقوق الإنسان منذ فترة طويلة وأحد منتقدي الرئيس، وزيراً للتعليم، ربما لوضعه تحت المراقبة، أو لتطهير نظام التعليم من المحتوى المُعادي للغرب. نفّذ الشرفي إصلاحات هامة شملت المراجعة والتدقيق في الكتب المدرسية كافة. وكان الغرض من ذلك حذف جميع العبارات التي تشجّع على التعصّب تجاه الأديان والجماعات المختلفة، والحفاظ على الجوانب الليبرالية من الفكر الإسلامي في التعليم الديني. فنُقِّحَت مناهج العلوم، على سبيل المثال. رفض حزب النهضة هذه الإصلاحات، واتّهم زين العابدين بن علي ب"تجفيف المنابع" أو "محو أسلمة" البلد. ربّما تكون إصلاحات الشرفي أسهمت في النظرة الديمقراطية والتعدّدية لجيل الشباب التونسيين الذين تمرّدوا على نظام الحكم في دجنبر 2010. أما اليوم، وبما أن 98 في المئة من السكان مسلمون سنّة، في حين يشكّل اليهود والمسيحيون أقلّ من 2 في المئة من السكان، فإن الدين الوحيد الذي يدرّس في المدارس الحكومية هو الإسلام. ومع ذلك، يُدرَّس تاريخ اليهودية والمسيحية والإسلام جميعاً كجزء من مادة الدراسات الاجتماعية في المدارس الثانوية الحكومية. تؤكّد الكتب المدرسية التونسية لمقرّر التربية الإسلامية في المدارس الابتدائية الحكومية على الجوانب الأخلاقية والمعنوية للإسلام وأركانه الرئيسة، إضافة إلى التدريب على أداء الشعائر الدينية، ولاسيّما الصلاة والصوم. كذلك، يُبرَز التسامح الديني تجاه المسيحيين واليهود باعتباره قيمة إسلامية. وخلافاً لما هو عليه الحال في الدول العربية الأخرى، تذهب الكتب التونسية أبعد من ذلك للتحذير من استبعاد غير المؤمنين وإثارة العداء تجاههم، مشدّدة على عموم التضامن الإنساني. وأحد الأمثلة الموحية المُستخدَمة في كتاب التربية الإسلامية، يتمثّل في قصة عن النبي محمد تظهر احترامه لجنازة يهودي مرّت به في المدينة. فعندما سئل لماذا وقف لإظهار التوقير، قال: "أليست نفساً؟ إذا رأيتم الجنازة فقوموا". ووفقاً لأحد النصوص، فإن تعريف التسامح من حيث احترام الأديان الأخرى وحرية العقيدة موجود في 36 سورة و125 آية من القرآن، وهو يمثّل "الفكرة الأساسية في القرآن". إذ يُشجَّع الحوار مع الآخر وقبوله، ويعتقد أن الآخر لديه حقوق وواجبات متساوية لتلك التي للمسلمين، بغضّ النظر عن اللون أو الدين أو مستوى التعليم. ويشجِّع مقرّر التربية الإسلامية السلام ولا يقبل الحرب إلا في حالة العدوان أو الاضطهاد، ويعرّف الجهاد على أنه صراع روحي ضدّ أوجه القصور الأخلاقي للنفس. ومفهوم الجهاد أو الشهادة ضدّ العدو لا يحظى بالتأييد. وفي الوقت نفسه، يتم تبنّي القيم الديمقراطية كمنتج تاريخي لثقافة عالمية. يعرّف مقرّر التربية الإسلامية في المدارس الابتدائية والمتوسطة في تونس الشعائر الإسلامية بوصفها مسألة شخصية وواجباً دينياً يحمل مسؤولية فردية تجاه الله. في المرحلة الثانوية، يُطلَق على مقرّر التربية الإسلامية في المدارس الحكومية اسم "التفكير الإسلامي"، مايعكس هدف المنهج الدراسي المتمثّل بتعزيز التفكير التحليلي الذي لايتعارض مع الأركان الأساسية للإسلام. نظرة مقارنة إلى الدين في التعليم يمكن استخلاص بعض الاستنتاجات العامة حول التعليم الإسلامي في المدارس الثانوية الحكومية في مصر وتونس بناءً على مراجعة وثائق المناهج الدراسية. وبقدر ما يتعلق الأمر بالتفاصيل، يتبع المنهج التونسي الأعراف الدولية في تعريف الإطار المرجعي والأهداف ومخرجات التعلم وأساليب التعلم والتقييم، في حين أن وثيقة المنهاج المصري هي ورقة مناهج وجيزة تعرض محتويات المقرّر. وعموماً، المواضيع المختارة في المنهاج الدراسي التونسي - مثل الإنسان والتوحيد والإنسان والمجتمع - هي أكثر قابلية للتحليل الأعمق والتفكير الفلسفي من موضوعات المناهج الدراسية المصرية، مثل الدروس المستفادة من غزوات النبي، والتدخين، وتناول الكحول، والانحراف، ومجموعة قيم إسلامية مختارة. وثمة أيضاً تغطية أكبر في المنهج التونسي لمجموعة واسعة من القضايا التي تتّصل بالحضارة والحداثة والإصلاح والمعرفة، كما أن مقاربة الدين على هذا المستوى المدرسي تجمع المعنى الوجودي في الأديان مع واقع الحضارة الحديثة. وفي حين تؤيّد أهداف المنهاج التونسي الحوار، والمرونة، والاعتدال، والتسامح، والانفتاح على المقاربات والقيم الشاملة بوضوح وصراحة. في عهد الأنظمة المخلوعة التي كانت حكمت كلاً من تونس ومصر على وجه الخصوص، عانى الطلاب في كلا البلدين أيضاً من وجود فجوة كبيرة بين ما تعلّموه في المدرسة وما رأوه يُمارَسُ في الحياة الحقيقية. كان الطلاب الصغار على بيّنة من إساءة استخدام السلطة السياسية والفساد وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية للمواطنين. ونتيجة لذلك، وصف تقريرٌ يقيّم مدى إدماج مبادئ حقوق الإنسان في المناهج الدراسية للمدارس الثانوية في العالم العربي هؤلاء الطلاب بأن لديهم حالة من "انفصام الشخصية في تكوينهم الأكاديمي" ترجع جزئياً إلى التناقض بين القيم المثالية التي يتعلمونها وبين تجربة الحياة. من حيث تخصيص الوقت، يخصّص الطلاب المصريون في المدارس الحكومية ثلاثاً من أصل ثلاثين ساعة في الأسبوع لدراسة العلوم الدينية في المرحلة الابتدائية، وساعتين في المستويات الأعلى. ويدرس الطلاب التونسيون الإسلام لمدة ساعة في الأسبوع في الصفوف الابتدائية وساعة ونصف الساعة في كل الصفوف الأعلى. وإذا ماوسّعنا نطاق البحث ليشمل بقية بلدان العالم العربي، وجدنا أن عدد ساعات الدراسة المخصّصة للدين في المدارس الابتدائية تتراوح بين ساعة واحدة أو اثنتين في بلدان مثل المغرب، وثلاث ساعات في الأردن، وتصل إلى ست ساعات في عُمان. في المدارس السعودية، الوقت المخصص للدراسات الإسلامية في أي مستوى مدرسي هو الأعلى بين الدول العربية، فهو يصل في المرحلة الابتدائية إلى تسع ساعات في الأسبوع. وعلى غرار حالة مصر، تُدرِّس المدارس الحكومية في الأردن والسلطة الفلسطينية الطلاب، المسلمين والمسيحيين على حدّ سواء، المعتقدات والمفاهيم الإسلامية من خلال مادتي اللغة العربية والتاريخ. فمنهج اللغة العربية في البلدين غني بالموضوعات والقيم الإسلامية، التي تشترك في الكثير منها المسيحية والأديان الأخرى، مثل الصدق والعدل ومساعدة المحتاجين. يعرض منهج التربية المدنية والوطنية في الأردن قضايا الحرية وحقوق الإنسان وسيادة القانون، مدعومة بالأمثلة والشروح التي يغلب عليها الطابع الإسلامي، مع إشارة بسيطة إلى عالمية هذه الحقوق. وتُناقَش أيضاً حقوق المرأة والطفل مع التركيز على البعد الديني فيها. وتتضمّن الوحدة الخاصة بالمواطنة في مقرّر التربية المدنية عناصر ليست موجودة في المقرّرات المماثلة في المجتمعات الديمقراطية، أي فكرة الإيمان بالله والكتب المقدسة والرسل. ربما تبعث هذه المقاربة رسالة مفادها أن الأشخاص الذين لا ينتمون إلى الديانات الثلاث الكبرى ليس لديهم شعور بالانتماء إلى أوطانهم. تثقيف الطلاب بشأن الطوائف المختلفة الموجودة بين المسلمين ليس جزءاً من المناهج الدراسية في المدارس الحكومية في الدول العربية. وتوفّر معظم هذه الدول إما مقرّراً عاماً في المبادئ والأخلاق الإسلامية، أو تحصر مضمونها بمعتقدات وطقوس العقيدة السائدة في مجتمعها. كما يُنظَر إلى الديانات والمعتقدات الأخرى من منظور إسلامي فقط، ناهيك عن أن البحث في المصادر التي تعرض وجهات نظر مختلفة حول هذه المسألة، والمشاركة في مناقشات مفتوحة داخل الفصل/ الصف الدراسي، لا يلقيان أي تشجيع.