إنّ موضوع التربية والتعليم موضوع جدير بالاهتمام بحيث يعتبر أساس كل تقدم وإصلاح، وعنوان كل تغيير ونهضة، والسبيل الوحيد إلى تهذيب النفوس وتثقيف العقول، والمجتمع الأوروبي بجميع مؤسساته التربوية يعمل على توجيه وإعداد أبناء الجالية على الطريقة التي يريدها وذلك لأجل خدمة مصالحه. والآباء في هذا الصدد يواجهون صعوبات في تربية أبنائهم: أولها مقاومة الإغراءات التي يقدمها المجتمع لأبنائهم لإبعادهم عن الدين، وما يستخدم لأجل ذلك من أساليب مشوقة ومغرية تسحر الألباب وتزين طريق الإنحراف بدعوى الحرية والتحرر، والاستقلال في الرأي. ونظرا لتخلي الأسرة المسلمة عن دورها في هذه المواجهة، ولغياب المؤسسات الاجتماعية التربوية الإسلامية؛ لا يجد الشّباب المسلم بديلا عن المؤسسات الأجنبية. وثانيها التّطوّر المذهل والرّهيب الذي عرفته وسائل الإعلام بشتّى أنواعها(الإنترنيت، التلفاز، السينما ….) ولا يخفى على أحد اليوم ما تؤدّي إليه هذه الوسائل من خراب ودمار إذا ما ساء استخدامها والتّصرّف فيها. وأمام هذا الواقع، يجب ألاّ تبقى الجالية مكتوفة الأيدي، وعليها أن تتحرك لمواجهة هذه التحديات، و الحفاظ على هوية أبنائها. إن تربية النشء في المهجر مسؤولية كبيرة وخطيرة تختلف عن التّربية في البلد الأصلي، وتتطلّب عناية خاصة تُوفّق بين ما يرجوه جيل الآباء من تجنيب أبناءهم الوقوع في المعاناة التي عرفوها، وبين ما يريده جيل الأبناء من استقلالية وإثبات للذّات وتفاعل مع المجتمع من حولهم. فالتربية في المهجر لا تقبل الشدّة والعنف لأنّ ذلك يؤدي إلى الانحراف ومغادرة بيت الأسرة، خصوصا وأنّ المدارس في أوروبا تُحرض الفتيات المسلمات على اللّجوء إلى الأمن في حالة إساءة معاملة الأسرة لهن. والأطفال في المدارس الابتدائية يتلقون العلوم الدينية الخاصة بالدين المسيحي؛ دون أن يعلموا عن دينهم شيئا، وقد تنبه المسلمون أخيرا إلى ذلك فطالبوا المسؤولين بإعفاء أبنائهم في مرحلة الابتدائي من هذه الدروس حفاظا على عقيدتهم الإسلامية. وفي نهاية الثمانينات أبرمت السلطات المغربية اتفاقية مع البلد المضيف يستطيع بمقتضاها المغرب أن يّعدّ دروسا ومقرّرات لتلقين وتعليم اللغة العربية حيثما كثر عدد الأطفال المغاربة المهاجرين في المدارس الابتدائية الألمانية. ويتولى أمر هذا التعليم مدرّسون حاصلون على شهادات من وزارة التربية الوطنية المغربية؛ وبلغ عدد المدرسين والمربيين الذين عيّنتهم السلطات المغربية في ألمانيا 45 مدرسا. لكن هذا لم يحلّ المشكل؛ من جهة لأنّ ساعة ونصف في الأسبوع لا تخدم المشروع بالشّكل المطلوب، ومن جهة أخرى لما تقوم به السلطات الألمانية تدريجيا لإزالة مادّة اللغة العربية من مناهجها الدراسية بدعوى أنّ ذلك يعرقل عملية الإدماج. فالتعليم في المدارس الحكومية يعتبر من بين المشاكل التي تواجه مستقبل أبناء الجيل الأول، وذلك بسبب عدم معرفة اللغة الألمانية أو كثرة الأمية لدى الوالدين، وهذا يؤدي بهم في كثير من الأحيان إلى الفشل في دراستهم التي لا تعينهم عن التكوين للالتحاق بعمل متميز، ومنهم من ينحرف ويلتجئ إلى بيع الممنوعات بجميع انواعها … ومنهم من يصل إلى المرحلة الثانوية ثم يلجأ إلى معاهد التكوين المهني للحصول على مهنة تساعده للدخول بها إلى سوق العمل، وهذا الآخر نتيجة عدم اهتمام الوالدين بالعلم وكذا حديث الأسرة في بيوتهم عن جمع الأموال والافتخار بشراء السيارات وغير ذلك مما لا يشجع أبناءهم على التعليم. أما الفئة الأخرى فهي تتكون من أبناء الجيل الثاني والطلبة الوافدين إلى ألمانيا قصد متابعة دراستهم الجامعية ثم استقروا بسبب من الأسباب (مثل الزواج) في هذا البلد، فهؤلاء فئة مثقفة تتمثل في الأطباء والأساتذة والمهندسين، ونسبتهم لا بأس بها، حيث يبلغ عدد الطلبة المغاربة في الجامعات الألمانية 8.600 طالبا، ومن بينهم 1.200 طالبة؛ وهذا العدد يعتبر إيجابيا بالنسبة للجالية المغربية حيث يعادل %8 من مجموع المغاربة المقيمين في ألمانيا. تدل الاحصائيات الرسمية على أن %17,5 من أبناء الأجانب المقيمين في ألمانيا (ومن بينهم المغاربة) بدون أي شهادة دراسية (والألمان %7,2 ), و %40,5 من الحاصلين على الدراسة الإبتدائية ( الألمان %14,8 ), و %8,2 من الحاصلين على الباكلوريا ( الألمان %25,7 ). أمّا مشروع تعليم الدين الإسلامي في المدارس الألمانية؛ فإنّه لم يعرف لحدّ السّاعة سبيلا إلى الإنجاز – إلا في بعض الولايات- بسبب تباين وجهات نظر الجمعيات وعدم استقرارهم على رأي واحد. فتركيا تتبنى مشروع تدريس الدين الإسلامي في المدارس الألمانية وتجري وراء تحقيق هذا الهدف. ولسدّ هذا الفراغ تُنظّم الجمعيات الدينية والثقافية المغربية بالإضافة إلى تحفيظ القرآن الكريم دروسا في اللغة العربية على هامش النظام التربوي الرّسمي للبلد المضيف؛ وذلك صيانة لهوية الناشئة؛ فالمثل يقول: “الذي لا يعرف تاريخه يفقد هويته والذي يفقد لغته يفقد أصله”. ورغم هذه الجهود المتواضعة للجمعيات المغربية فإن نتائج تعليم اللغة العربية للأطفال المغاربة لم يحقق النتيجة والأهداف المتوخاة، فعدد حفاظ القرآن الكريم من الأطفال قليل جدا وإتقان اللغة العربية يعتبر حالة نادرة جدا. وهذا راجع إلى عدة أسباب أبرزها: قلّة الوقت المخصص للتدريس (أربعة ساعات في نهاية الأسبوع). غياب منهج علمي واضح لتعليم اللغة العربية. انعدام الكتاب المدرسي الخاص بغير الناطقين بالعربية مثل أبناء الجالية المغربية المنحدرة من شمال المغرب . ثم يأتي عدم قدرة الجمعيات على تحمل مصاريف التعليم والذي أدى بها إلى استيراد مناهج وكتب من هنا وهناك، تجعل الطفل المتعلم في حيرة من أمره. ويبقى التّعليم أكبر التحديات التي تعيشها ناشئة الجالية المغربية في الخارج. وهو ما يؤكّد الدّور الحيوي الذي تضطلع به المساجد والمراكز الإسلامية.