أثار إقدام مديرية المناهج بوزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي بخصوص تقليص حصة التربية الإسلامية في مسلك العلوم التجريبية والتقنية إلى ساعتين كل خمسة عشر يوما، ردود فعل مستنكرة من لدن بعض الهيئات المدنية المهتمة بالموضوع ومن بعض علماء المغرب. وجاءت تصريحاتهم في هذا الصدد مستغربة من الانقلاب على ما جاء في الكتاب الأبيض وتطمينات الوزير حبيب المالكي بخصوص مادة التربية الإسلامية في مسالك التعليم. واعتبرت التصريحات هذا الإجراء خطوة نحو تهميش المادة الإسلامية التي تعد مادة توازن لا غنى للتلميذ عنها أيا كان تخصصه التعليمي، داعية في الوقت نفسه المسؤولين إلى التدارك وإرجاع الأمور إلى نصابها والعمل على تعزيز حصصها بدل تقليص ساعاتها. وأشار بيان المكتب الوطني للجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية، أصدره عقب اجتماعه أول أمس الاثنين، إلى أن القرار المفاجئ الذي جاءت به مديرية المناهج اعتداء سافر وتجاوز غير مفهوم المقاصد لميثاق التربية والتكوين، الذي أكد أن نظام التربية والتكوين للمملكة المغربية يهتدي بمبادئ العقيدة الإسلامية وقيمها الرامية لتكوين المواطن المتصف بالاستقامة والصلاح، والمتسم بالاعتدال والتسامح، وانقلابا وتعطيلا وتجاهلا لعمل وطني توافقي تجسد في الكتاب الأبيض الذي كان نتاج حوار واسع، وإبطالا لأعمال لجان وأوقات وأموال استهلكت. وأضاف أن هذه الإجراءات تعد انحرافا واضحا عن التوجيهات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله والقاضية بإعطاء التربية الإسلامية المكانة اللائقة بها في تحصين أبنائنا من كل انحراف أو تطرف أو فهم سيء للدين في زمن تزداد فيه رغبة التلاميذ إلى إشباع حاجاتهم الفطرية للتدين. وقال عبد الله عطاش، ممثل النقابة الوطنية لموظفي التعليم في ندوة نظمتها النقابات التعليمية أمس، في رده على سؤال ل»التجديد< أن الوزراة سجلت خللا كبيرا وتراجعا عن الاتفاقات السابقة، بل حتى الوزير أخلف وعده الأخير. ورغم أن القرار لم يكن مدرجا في جدول أعمال الندوة، فقد شدد عطاش باسم الجامعة الوطنية لموظفي التعليم على ضرورة الدفاع عن إعادة الاعتبار لتدريس مادة التربية الإسلامية بكل الوسائل والسبل الممكنة. وفي هذا الصدد، اعتبر الدكتور محمد بلبشير الحسني، عميد الدراسات الإسلامية بالمغرب، أن التربية الإسلامية عنصر أساسي في تكوين النشء المغربي والحفاظ على هويته الإسلامية وقيمه الحضارية تعزيزا لدور المغرب في الحفاظ على الهوية الإسلامية. وأضاف بلبشير الحسني، أن المغرب بحكم قربه من أوروبا واهتمام هذا الأخيرة بالحوار بين الأديان، هو البلد المؤهل لهذا الحوار. وأسند بلبشير إلى أن الأساتذة المتخرجين من الدراسات الإسلامية مهمة القيام بهذا الحوار. وأكد محمد الروكي، رئيس جمعية خريجي الدراسات الإسلامية العليا بالرباط، أن نظام التعليم في بلادنا يجب أن ينطلق من أصول ذاتنا ومقوماتنا حضارتنا العتيقة ويعكس مضمون قيمنا ومبادئنا الراسخة، ومن لوازم ذلك أن يكون مُشرَبا بما فيه الكفاية من المادة الدينية والفكر الإسلامي النقي، الذي يستقي من علوم الشرع ومعارفه ومضامينه السامية، لأن ذلك يسهم إلى حد كبير في تكوين العنصر المستقيم وتخريج المثقف السوي القوي الذي يسعى إلى بناء بلده وتنمية مجتمعه والدفع به إلى التي هي أقوم. ومن أجل ذلك، يقترح رئيس جمعية خريجي الدراسات الإسلامية العليا بالرباط، أن تتصدر التربية الإسلامية، وتأخذ حظها الكافي في جميع مراحل التعليم وفي كل أنواعه وأقسامه وتخصصاته. فالعلوم والمعارف، التي يمكن تقديمها للمتلقي في التربية الإسلامية كثيرة وعميقة وواسعة، يتابع الروكي، وهي العنصر الوحيد الذي يضمن لنا الحصانة الخلقية له ويكفل لنا حفظ هويته الإسلامية وحسن إعداد لخدمة وطنه ومجتمعه. ويلفت الروكي إلى أن لنا في الثقافة الإسلامية والعلوم الشرعية تراثا غزيرا يجب الاستفادة منه والاغتراف من معينه العذب، وهو بطبيعته يمتلك عناصر القوة ومقومات التجديد والمواكبة واستيعاب التطورات، وهو غير قاصر على مادة الوعظ والإرشاد، كما قد يتوهم، بل هو تراث شامل متكامل، فيه حظ وافر مما يتصل بالفكر العلمي البحت، فمن العلوم التي نجدها فيه: علم الطب والصيدلة والهندسة والفلك والجغرافيا والفلك والكيمياء وغيرها من العلوم البحتة، التي يمكن أن تطعم مناهجنا ومقرراتنا وبرامجنا التعليمية بحظ منها. وشدد الروكي، في ختام حديثه ل"لتجديد"، أن المساس بحصة التربية الإسلامية في التعليم الثانوي مساس بقيمنا وحضارتنا وتراثنا: لا معنى أمام هذا كله لتقليص وتحجيم حصة التربية الإسلامية في بعض الشعب بنظامنا التعليمي، لأن ذلك يعني المساس بقيمنا وحضارتنا وتراثنا، الذي تناقلناه جيلا عن جيل، كما أنه يعني تهميش أهم مقوم من مقومات ذاتنا وأقوى عنصر من عناصر هويتنا، ثم إن هذا المساس وهذا التهميش إذا لم يتدارك بالإصلاح، فإنه سيفضي لا محالة إلى هشاشة البناء وضحالة النماء. واعتبر الدكتور أحمد الريسوني، أستاذ فقه الأصول والمقاصد بجامعة محمد الخامس بالرباط، من جهته، إن الخطوة التي أقدمت عليها وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، خطوة مفاجئة لأن الوزير كان قد طمأن الرأي العام ونواب الشعب بالبرلمان بالإبقاء على حصص التربية الإسلامية، لأنها الضامن للحفاظ علة هوية المغرب الحضارية، لكن الوزير، يضيف الريسوني، استغفل الجميع ليفرض الأمر الواقع الذي فرضته الوزارة اليوم. وأوضح الريسوني أن مادة التربية الإسلامية تعتبر من المواد الاستراتيجية، لأنها المكون الأساسي للشخصية الوطنية والمكون الأساسي لكل تنمية بشرية، كما أنها عنصر توازن لا غنى للتلميذ وللمواطن عنه، وبالتالي فالخطوة خذلان للتلاميذ وأوليائهم. وتعجب الريسوني من المساس بالتربية الإسلامية في حين لا يتم المساس بشعب أخرى في هيكلة المواد والحصص الأسبوعية، وقال: ما يتعجب له أن التربية البدنية لا تمس مثلا، ونحن مع هذا الاختيار، ولكن أختها الكبرى، أي التربية الروحية والنفسية تظل دائما في مهب الريح. وتابع موضحا: ما أريد قوله بخصوص هذا التراجع، وقد قلته مرارا هو أن حاجة التلاميذ العلميين والتقنيين إلى مادة التربية الإسلامية هي أشد من حاجة زملائهم الأدبيين، لأن هؤلاء تبقى لهم صلات متعددة بلغتهم وثقافتهم العربية والإسلامية، بينما أولئك منهمكون في دروسهم التقنية بعيدا عن لغتهم الأصلية وثقافتهم الوطنية، ولذلك فهم أحوج لهذه المادة ورسالتها الثقافية والتربوية. ومن جهته أوضح التجكاني، أستاذ بكلية أصول الدين بتطوان بجامعة القرويين، أن المغاربة مسلمون والدستور المغربي ينص على أن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، ولدينا صفة أمير المؤمنين، بل إن المغرب ينفرد بهذه الميزة، وهذا يقتضي أن تكون للتربية الإسلامية حصة يومية وليس فقط حصة أسبوعية أو نصف شهرية لتتعرف ناشئتنا على دينها وعلى هويتها وعلى مميزاتها الحضارية. ويوضح التجكاني أن مفهوم الدين لدى المغاربة نظام شامل يشمل العقيدة والعبادات والنظام الاجتماعي بكل فروعه من نظام الأسرة والمعاملات بما يضم من اقتصاد وسياسة وعلاقة دولية في السلم والحرب ويضم الأخلاق بكل أبعاده: أخلاق المسلم مع ربه ومع نفسه ومع الآخر مسلما كان أو غير مسلم، وهذا يتطلب زيادة حصص التربية الإسلامية وليس تقليصها. وذكر التجكاني بتاريخ المغرب في الحفاظ على التربية الإسلامية والعلم، وقال: إن المغرب منذ أن عرف الإسلام وهو يقدم الإسلام لأبنائه في الكتاتيب القرآنية والمساجد والمدارس العتيقة وفي خطب الجمعة والأعياد، ولكن الاستعمار أراد أن يصوغنا على نمطه هو، لكن المغاربة وأولي الأمر من أمراء المؤمنين كانوا حريصين على معرفة المغاربة لدينهم، والذي يتتبع الأحباس على دروس العلم بالمغرب وعلى كتب محددة بالذات، في التفسير والسيرة النبوية والفقه المالكي، يرى حرص المغاربة على بقاء هويتهم محفوظة عبر التاريخ. ويقترح التجكاني إعادة النظر في حصص التربية الإسلامية بحيث تتاح للناشئة المغربية الفرصة للتعرف الكامل على دينها وعلى عوامل استمرارها والأمل في الله كبير وحكمة أولي الأمر بالمغرب لإعادة الأمور إلى نصابها.