قال محمود جبريل، رئيس المكتب التنفيذي للمجلس الانتقالي الليبي سابقا، إن النخب العربية مازالت متخلفة عن إيقاع الشارع وتطلعاته، وهذا الأخير هو من سيحسم صراع المرجعيات في ميادين الربيع العربي. واعتبر جبريل، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، بأصيلة التي زارها مشاركا في ندوة "فصول الربيع العربي من منظورنا ورؤية الآخر"، أن الأنظمة السياسية والأحزاب ومختلف قطاعات النخب العربية لا تواكب انتظارات شارع متقدم سيحسم بإرادة شبابه ونسائه مخاض التجاذب بين الدمقرطة والنكوص الى الوراء مشددا على أن الوقت حان لتغيير جذري في الخطاب التقليدي للمنظمات الحزبية بمختلف تلاوينها. وذكر المسؤول الليبي السابق في مرحلة ما بعد القذافي، بأنه منذ الثمانينات، سجل تغير في البراديغم حين أصبح الفرد مركز الفعل السياسي، مضيفا أن الحاسوب الشخصي غير كل شيء والشبكات الافتراضية أصبحت ذات الكلمة العليا في صنع اختيارات الشباب. وعن المشهد الليبي في مرحلة بناء الدولة الجديدة، لاحظ جبريل أن الوضع العام لا يختلف عما يجري في باقي الساحات العمومية ببلدان الحراك، حيث النخب السياسية القائمة مفصولة عن نبض الشارع غير أن الخصوصية الكبرى المثيرة للقلق في هذا المشهد تبقى لجوء بعض التيارات الى حمل السلام لفرض أجندتها الخاصة، وإن بدا واثقا أن "السلاح الاقوى يبقى في يد الشارع وصراع الأحصنة ظاهرة مؤقتة". ولم يخف، من جهة أخرى، تحفظه على إطلاق أحكام متسرعة حول مآلات الأوضاع بعد الربيع العربي منبها الى أن "الظاهرة غير مسبوقة في العالم العربي، ومن الخطأ الجسيم الحكم على ظاهرة في طور التشكل". وقال جبريل "نحن في الفصل الأول من كتاب طويل. وفي تطور الشعوب عام وعامان لا شيء" مضيفا أن الذين رسموا صورا وردية لمآلات الأمور بشكل سحري كانوا مخطئين. وذكر في نفس السياق بأن ما تم في الربيع العربي لم يكن عملا مخططا يحمل مشروعا مسبقا، بل "بركانا شعبيا لازال يقذف بحممه، وحين يستقر البركان يمكن الحديث عن اتجاهات هذا الربيع الصعب". ومن موقع الفاعل السياسي الذي يواجه تحدي أحزاب الإسلام السياسي في بلاده، اعتبر محمود جبريل أن "البرنامج التنموي، لا الخطاب الدعوي، هو ما ينبغي أن يعطي الحركة الاسلامية مصداقيتها" مؤكدا أنه لا يمكن لأحد أن ينكر للحركة حق المشاركة واستخدام المرجعية الدينية لكن المطلوب ترجمة الشعارات الى برامج تنموية. وأضاف جبريل أن الدعوة المفصولة عن الواقع غير ذات جدوى مبرزا أنه لا خلاف على المرجعية الدينية، ففي ليبيا "كلنا مسلمون ولم تكن هناك تفرقة بين ليبي وآخر على أساس مذهبي، قبل أن تظهر حاليا نعرات متعصبة في هذا الاتجاه أو ذاك". وخلص الى القول إن رفع اليافطة الدينية خطر على الحركة الاسلامية نفسها، و"إن قدر لهذه الحركة الفشل في غمار الحكم سينسب البعض، وخصوصا الغرب، هذا الفشل الى الإسلام ككل". وعلى صعيد آخر، نفى جبريل وجود مؤامرة خارجية وراء إطلاق ما يسمى بالربيع العربي، مضيفا أنه عايش من داخل تجربته في الثورة الليبية سعي القوى الغربية (الولاياتالمتحدة، فرنسا وبريطانيا...) الى تقصي المعلومات حول التربة التي أنتجت الحراك وتوجهات العناصر الثورية ومعالم المستقبل، وهو ما لا يستقيم مع أطروحة المؤامرة. لكن السياسي الليبي أقر أنه من الطبيعي أن تعمل هذه القوى الكبرى على استغلال حالة الفراغ الأمني التي حدثت في خضم الحراك وبعده من أجل خدمة مصالحها. وكان محمود جبريل قد ألقى مداخلة في افتتاح الندوة التي نظمتها على مدى يومين جامعة المعتمد بن عباد الصيفية في إطار موسم أصيلة الثقافي الدولي، الى جانب صناع قرار وباحثين ودبلوماسيين عرب وأجانب قاربوا الربيع العربي من مختلف الزوايا. * و.م.ع