حموشي يستقبل المستشار العسكري الرئيسي البريطاني للشرق الأوسط وشمال إفريقيا    تنفيذا للتعليمات الملكية.. منح مساعدات مالية بقيمة 14 مليون و8 ملايين للسكان الذين هدمت مساكنهم جراء الفيضانات وتمديد دعم متضرري الزلزال    ارتفاع أسعار النفط في ظل تصاعد مخاوف جيوسياسية    مندوبية طنجة تعلن عن منع صيد سمك بوسيف بمياه البحر الأبيض المتوسط    تطبيقات المدن الذكية في صلب مناقشات مؤتمر علمي بطنجة    حركة "بي دي إس" المغرب تدعو للمشاركة في مسيرة 6 أكتوبر بالرباط    وقفة أمام البرلمان في الرباط للتضامن مع لبنان وغزة ضد عدوان إسرائيل    اتحاد طنجة يتقاسم صدارة البطولة الاحترافية مع نهضة بركان    توقيع اتفاقية لدعم القدرات الرقمية للمؤسسات التعليمية بجهة طنجة-تطوان-الحسيمة    موسم أصيلة الثقافي يحتضن مواضيع الحركات الدينية والحقل السياسي والنخب العربية في المهجر    النظام الجزائري يستغل التظاهرات الرياضية الدولية لتصريف معاداة المغرب    غارة إسرائيلية على مقر هيئة إسعاف تابعة لحزب الله ببيروت وأوامر بإخلاء مبان في الضاحية الجنوبية        سجناء يتدربون على المعلوميات بخريبكة    مقتل صهر حسن نصر الله في قصف دمشق    المفوضون القضائيون يضربون عن العمل لثلاثة ايام    الحكومة تعوض الوكالات الحضرية ب"الوكالات الجهوية للتعمير والاسكان"    المغرب يشرع في فرض ضريبة "الكاربون" اعتبارا من 2025    مستقبل الصناعات الثقافية والإبداعية يشغل القطاعين العام والخاص بالمغرب    اقليم اسفي : انقلاب حافلة للنقل المدرسي واصابة 23 تلميذا    تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. منح مساعدات مالية مهمة للسكان الذين هدمت مساكنهم جراء فيضانات الجنوب الشرقي‏    بعشرة لاعبين.. اتحاد طنجة يتعادل مع بركان ويتربع على صدارة البطولة الوطنية    تعنت نظام الكبرانات.. احتجاز فريق مغربي بمطار جزائري ليلة كاملة ومنعهم دخول البلاد    نتائج اليوم الثاني من جائزة "التبوريدة"    نائلة التازي: الصناعات الثقافية و الإبداعية رهان لخلق فرص الشغل    ملكة هولندا "ماكسيما" تفتتح معرضاً حول "الموضة المغربية" في أوتريخت    مغربي يقود مركزاً بريطانياً للعلاج الجيني    السياحة المغربية: رافعة أساسية للتشغيل، لكن هناك حاجة ملحة لتعبئة أكبر لجميع المناطق    انخفاض جديد في أسعار الغازوال والبنزين بمحطات الوقود    في العروق: عودة ليزلي إلى الساحة الموسيقية بعد 11 عامًا من الانقطاع    طقس الخميس .. امطار بالشمال الغربي ورياح قوية بالواجهة المتوسطية    مواجهة أفريقيا الوسطى.. منتخب الأسود يقيم في مدينة السعيدية    بلينكن يجدد دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي في الصحراء    عبد اللطيف حموشي يستقبل المستشار العسكري البريطاني لمناقشة تعزيز التعاون الأمني            الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل ثمانية من جنوده في معارك مع حزب الله بجنوب لبنان    أساتذة الطب والصيدلة يتضامنون مع الطلبة ويطالبون ب"نزع فتيل الأزمة"    الودائع لدى البنوك تتجاوز 1.200 مليار درهم    "حزب الله" يعلن تدمير 3 دبابات إسرائيلية    الإحصاء العام للسكان والسكنى 2024: انتهاء مرحلة تجميع المعطيات من لدن الأسر    فيلم…"الجميع يحب تودا" لنبيل عيوش يتوج بجائزتين    الدنمارك: انفجار قنبلتين قرب سفارة إسرائيل    الصويرة بعيون جريدة إسبانية    لقجع: "سننظم كأس العالم لكرة القدم داخل القاعة 2028 وسنفوز بها على أراضينا"    إيران تقصف إسرائيل وتهدد باستهداف "كل البنى التحتية" لها    الولايات المتحدة تثمن الدور الحيوي الذي يضطلع به جلالة الملك في تعزيز السلام والأمن في الشرق الأوسط    الرياضة .. ركيزة أساسية لعلاج الاكتئاب    السيد: مستشرقون دافعوا عن "الجهاد العثماني" لصالح الإمبراطورية الألمانية    الزاوية الكركرية تواصل مبادراتها الإنسانية تجاه سكان غزة    رجل يشتري غيتاراً من توقيع تايلور سويفت في مزاد… ثم يحطّمه    دراسة: التلوث الضوئي الليلي يزيد من مخاطر الإصابة بالزهايمر    جدري القردة يجتاح 15 دولة إفريقية.. 6603 إصابات و32 وفاة    تناول الكافيين باعتدال يحد من خطر الأمراض القلبية الاستقلابية المتعددة    القاضية مليكة العمري.. هل أخطأت عنوان العدالة..؟    "خزائن الأرض"    موسوعة تفكيك خطاب التطرف.. الإيسيسكو والرابطة المحمدية للعلماء تطلقان الجزئين الثاني والثالث    اَلْمُحَايِدُونَ..!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمازيغية هي الحل،"انفلاس وازرفان" والقيم الحديثة4/2
نشر في هسبريس يوم 28 - 06 - 2013

"إزرفان" هي القوانين المحلية في الأوساط الأمازيغة، وهي اتفاق والتزام بين مختلف مكونات "لجماعة"، بهدف التشريع وتنظيم الحياة العامة في المجتمع المحلي. و"انفلاس" أو "أيت ربعين" هو مجلس القبيلة الأمازيغية، ينتخب بشكل ديمقراطي وتناوبي، وتوكل للمجلس مهمة تنظيم وتسيير شؤون القبيلة.
وتعكس جل هذه القوانين في اطارها التنظيمي والوضعي، وارتباطها بالخصائص والمعطيات الثقافية والاجتماعية في الأوساط التي تسن فيها، نوعا من التشريع العقلاني الذي يعلي من قيمة ومصلحة الإنسان والمصلحة العامة، والفصل بين مجال تنظيم المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي وبين الحياة الدينة للسكان، بقدر ما تتضمن أيضا بعض الخصائص القيمية والحقوقية والديمقراطية الحديثة.
لتناول حدود علاقة الثقافي والاجتماعي بالديني في الأوساط الأمازيغية منذ تاريخ عريق، يمكن التوقف عند دور وخصائص القوانين العرفية المحلية "إزرفان" في تنظيم الحياة العامة، والفصل بين الديني والدنيوي في تدبير شؤون الساكنة. فهذه القوانين التي تهم تنظيم العلاقات والحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجال الأمازيغي، توضح أن مكانة الفقهاء والمساجد لا تتجاوز إطار المرفق الاجتماعي الذي يستفيد منه السكان، وتخضع بدورها للقوانين المحققة لمصالحهم وتصورهم الثقافي والسياسي للحاجة الدينية.
تقدم "الألواح" باعتبارها سجلات هذه القوانين، أحكاما عرفية لتنظيم مرافق الجماعة كالمخازن العمومية وجني ثمار الأشجار وتنظيم المؤسسات بما فيها الدينية والتربوية مثل "تمزكيدا" والكتاتيب والمدارس القرآنية والزوايا، وتمنحها حماية خاصة ولمن يعمرها من الطلاب وأئمتهم وحراسها وأمنائها، بل وحتى الزوار الذين يرتادونها ويستفيدون من خدماتها.
كما كانت الألواح تتضمن قوانين وضوابط تشتمل على إجراءات تتعلق بعقوبات مالية ضد أي مس بمال الإنسان وشرفه أو عرضه، ولم تستثني السكان اليهود الذين كانوا متواجدين بكثرة في عدة مناطق أمازيغية في المغرب من الاستفادة والخضوع لهذه القوانين، ومن العيش والتمتع بهذه الحقوق في الأوساط الأمازيغية، بل أن اليهود كانوا يشكلون نخب بارزة على مستوى عدة مهن حرفية كالحدادة والفضة وصنع البردعات...، وكانت تربطهم بالسكان الأمازيغ علاقات التبادل والاشتراك في المهن والأنشطة الفلاحية والرساميل التجارية، في اطار نوع من الاحترام المتبادل.
من جهة أخرى، لم يكن السكان يتعاملون من خلال هذه القوانين المحلية والثقافة السائدة في الأوساط الأمازيغية مع الأقليات الدينية أو العرقية بمنطق الخضوع وأداء ضرائب زائدة أو اعتبارهم "أهل الذمة" كما كان يذهب إلى ذلك بعض الفقهاء، بل كانت بعض الأقليات والدواوير المرتبطة بالهجرات العربية مثلا، كما تدل على ذلك أعراف بعض المناطق، تملك ممثلها في مجلس "إنفلاس" وتخضع لمنظومة الحقوق والواجبات المعمول بها دون أي تمييز أو إخضاع.
ومن المعلوم أنه خلال انجاز هذه الألواح وسن القوانين التي تتضمنها، لم يكن للفقهاء و"الطلبة" القيمين على هذه المرافق أي دور في وضع هذه الأعراف وسنها، حيث يتحدد دورهم في الغالب في الحضور الرمزي وتدوين مقررات "الجماعة" أو "إنفلاس" على الألواح. وكانت هذه القوانين تبقي مجال التشريع مفتوحا لاجتهادات مجلس "انفلاس" ووفق ما تقتضيه حاجات السكان ومتطلبات أو تطورات محيطهم وحياتهم المحلية.
كما أن استشارة رأي الفقيه لا تتجاوز في الكثير من المناطق الأمازيغية حدود الأحوال الشخصية، بل أن مجلس "انفلاس" و"الجماعة" كانا يحظيان بسلطة تشريعية وقضائية أكبر. فقد أثار روبير مونطاني، مثلا أن "إنفلاس" كانوا يتدخلون لإنصاف ضحايا بعض أحكام الفقهاء المغلوطة والمنافية لما عهده سكان الأطلس الكبير، ولعقد الصلح بين المتخاصمين من الناس في المسائل التي يحتكم فيها إلى القضاة.
انطلاقا مما سبق يتضح أن الألواح والقوانين التي كان يضعها السكان لتنظيم حياتهم وشؤونهم المحلية في الأوساط الأمازيغية تتضمن في جلها العديد من الخصائص والقيم الحقوقية الحديثة، كاحترام مكونات الساكنة وتعدديتها الدينية والعرقية واللغوية... كما أن اطارها التنظيمي يقوم على مبادئ تحيل على الأنظمة الحديثة بما في ذلك آليات سنها الديمقراطية، والنسبية وفتح مجال التطوير والاجتهاد، والانطلاق من الحاجيات والإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة، والفصل بين هذه القوانين والتدابير المحلية وبين الشؤون الدينية والروحية ووظائف الفقهاء القيمين على المرافق الدينية. كما تتضح سلطة مجلس "انفلاس" و"الجماعة" وتبويئه مكانة أكبر من دور الفقهاء والمرافق الدينية، خاصة من خلال قراراته التي تصحح أراء الفقهاء عندما تتعارض مع مصلحة السكان ومع معطيات وخصائص حياتهم وشؤونهم المحلية، الثقافية والاجتماعية والتنظيمية.
فليست هذه القوانين والإطارات التنظيمية ذات الأبعاد الثقافية والاجتماعية الهامة، والتي تتضمن خصائص قيمية وحقوقية وديمقراطية عصرية، بمقومات للتحديث والتنمية، يمكن أن تفيد في تطوير منظومة التشريع وجعلها تنسجم مع المعطى الترابي والمداخل الممكنة لتحقيق الدينامية المجالية الضرورية للتنمية البشرية؟ الشرط الإنسي والثقافي في بلورة المشروع التنموي وتطوير الكيان الهوياتي، ذاك هو السؤال الثالث موضوع مقالنا القادم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.