المغرب يعزز جهوده لإغاثة فالينسيا عبر إرسال دفعة جديدة من الشاحنات ومعدات الشفط    تراجع طفيف في ثمن البنزين في محطات الوقود    حجز أزيد من 155 ألف قرص مهلوس بميناء طنجة المتوسط    حريق ياتي على العديد من المحلات التجارية في سوق الجوطية بالناظور    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    النيابة العامة بإنزكان تحقق في أحداث شغب تورط فيها 150 شخصاً من أصول إفريقية    منظمات مغربية تدين تحيّز الإعلام الهولندي للاسرائيليين في أحداث أمستردام    عمر حجيرة: لا ترضيات في التعديل الحكومي    تعهدات في مؤتمر وزاري في جدة بمقاومة مضادات الميكروبات بحلول عام 2030 (فيديو)    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأحد    بعثة المنتخب الوطني تحل بمدينة وجدة تأهبا لمباراة ليسوتو    من أصول مغربية.. وزيرة هولندية تهدد بالاستقالة بعد أحداث أمستردام    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025.. المنتخب الوطني قدم عرضا جيدا وهناك مجال للتطور أكثر (وليد الركراكي)    قبل مواجهة الديربي.. الرجاء الرياضي دون مباريات ودية    المحامون يتوصلون إلى توافقات مع وزارة العدل    إنعقاد المؤتمر الدولي بالداخلة حول "المبادرة المغربية للحكم الذاتي:نموذج للحكامة الترابية بإفريقيا الأطلسية".    جائزة المغرب للشباب تحتفي بالتميز    رؤية الرئيس الصيني.. التعاون الدولي لتحقيق مستقبل مشترك    زوجة المعارض المصري عبد الباسط الإمام تناشد السلطات المغربية إطلاق سراحه وعدم تسليمه إلى نظام السيسي    نقابي يكشف أسعار الغازوال والبنزين المٌفترضة بالمغرب خلال النصف الثاني من شهر نونبر    أكبر منتج لزيت الزيتون يتوقع انخفاض الأسعار إلى النصف مع تحسن الإنتاج    دعوة في طنجة لتبني إعلام جهوي يواكب التحولات المجتمعية والتكنولوجية    السكوري يكشف تشكيل لجنة حكومية تدرس منح دعم للكسابة في العالم القروي لمواجهة فقدان الشغل    ‪أمن دبي يقبض على محتال برازيلي    المرتجي: التراث اللامادي بين المغرب وهولندا أفق جديد للتعاون الثقافي    الفلبين تأمر بإجلاء 250 ألف شخص        حشرات في غيبوبة .. "فطر شرير" يسيطر على الذباب    أنفوغرافيك | ⁨لأول مرة.. جامعة الحسن الثاني تدخل تصنيف "شنغهاي" الأكاديمي العالمي 2024⁩    ارتطام وأغدية متطايرة.. حالة من الرعب عاشها ركاب طائرة    اتهام فنزويلا بارتكاب "أفعال دنيئة" أمام البرازيل    وزارة الداخلية تكشف عن إجراءات حاسمة لإنهاء الفوضى بقطاع "التاكسيات"    أنفوغرافيك | أرقام مخيفة.. 69% من المغاربة يفكرون في تغيير وظائفهم    منع جمع وتسويق "المحارة الصغيرة" بالناظور بسبب سموم بحرية    صانع المحتوى "بول جايك" يهزم أسطورة الملاكمة "مايك تايسون" في نزال أسطوري        فريق الجيش الملكي يبلغ المربع الذهبي لعصبة الأبطال الإفريقية للسيدات    السوق البريطاني يعزز الموسم السياحي لاكادير في عام 2024    "طاشرون" أوصى به قائد يفر بأموال المتضررين من زلزال الحوز    كيوسك السبت | 800 مليار سنتيم سنويا خسائر الكوارث الطبيعية بالمغرب    دراسة تكشف العلاقة بين الحر وأمراض القلب    الأمم المتحدة.. تعيين عمر هلال رئيسا مشاركا لمنتدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي حول العلوم والتكنولوجيا والابتكار    حملات تستهدف ظواهر سلبية بسطات    "باحة الاستراحة".. برنامج كوميدي يجمع بين الضحك والتوعية    مغاربة يتضامنون مع فلسطين ويطالبون ترامب بوقف الغطرسة الإسرائيلية    مقابلة مثالية للنجم ابراهيم دياز …    "طاقة المغرب" تحقق نتيجة صافية لحصة المجموعة ب 756 مليون درهم متم شتنبر    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    شراكة مؤسسة "المدى" ووزارة التربية    خناتة بنونة.. ليست مجرد صورة على ملصق !    المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكشف عن قائمة الأسماء المشاركة في برنامج 'حوارات'    "السودان يا غالي" يفتتح مهرجان الدوحة    وكالة الأدوية الأوروبية توافق على علاج ضد ألزهايمر بعد أشهر من منعه    مدينة بنسليمان تحتضن الدورة 12 للمهرجان الوطني الوتار    ارتفاع كبير في الإصابات بالحصبة حول العالم في 2023    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأمازيغية هي الحل،"انفلاس وازرفان" والقيم الحديثة4/2
نشر في هسبريس يوم 28 - 06 - 2013

"إزرفان" هي القوانين المحلية في الأوساط الأمازيغة، وهي اتفاق والتزام بين مختلف مكونات "لجماعة"، بهدف التشريع وتنظيم الحياة العامة في المجتمع المحلي. و"انفلاس" أو "أيت ربعين" هو مجلس القبيلة الأمازيغية، ينتخب بشكل ديمقراطي وتناوبي، وتوكل للمجلس مهمة تنظيم وتسيير شؤون القبيلة.
وتعكس جل هذه القوانين في اطارها التنظيمي والوضعي، وارتباطها بالخصائص والمعطيات الثقافية والاجتماعية في الأوساط التي تسن فيها، نوعا من التشريع العقلاني الذي يعلي من قيمة ومصلحة الإنسان والمصلحة العامة، والفصل بين مجال تنظيم المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي وبين الحياة الدينة للسكان، بقدر ما تتضمن أيضا بعض الخصائص القيمية والحقوقية والديمقراطية الحديثة.
لتناول حدود علاقة الثقافي والاجتماعي بالديني في الأوساط الأمازيغية منذ تاريخ عريق، يمكن التوقف عند دور وخصائص القوانين العرفية المحلية "إزرفان" في تنظيم الحياة العامة، والفصل بين الديني والدنيوي في تدبير شؤون الساكنة. فهذه القوانين التي تهم تنظيم العلاقات والحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المجال الأمازيغي، توضح أن مكانة الفقهاء والمساجد لا تتجاوز إطار المرفق الاجتماعي الذي يستفيد منه السكان، وتخضع بدورها للقوانين المحققة لمصالحهم وتصورهم الثقافي والسياسي للحاجة الدينية.
تقدم "الألواح" باعتبارها سجلات هذه القوانين، أحكاما عرفية لتنظيم مرافق الجماعة كالمخازن العمومية وجني ثمار الأشجار وتنظيم المؤسسات بما فيها الدينية والتربوية مثل "تمزكيدا" والكتاتيب والمدارس القرآنية والزوايا، وتمنحها حماية خاصة ولمن يعمرها من الطلاب وأئمتهم وحراسها وأمنائها، بل وحتى الزوار الذين يرتادونها ويستفيدون من خدماتها.
كما كانت الألواح تتضمن قوانين وضوابط تشتمل على إجراءات تتعلق بعقوبات مالية ضد أي مس بمال الإنسان وشرفه أو عرضه، ولم تستثني السكان اليهود الذين كانوا متواجدين بكثرة في عدة مناطق أمازيغية في المغرب من الاستفادة والخضوع لهذه القوانين، ومن العيش والتمتع بهذه الحقوق في الأوساط الأمازيغية، بل أن اليهود كانوا يشكلون نخب بارزة على مستوى عدة مهن حرفية كالحدادة والفضة وصنع البردعات...، وكانت تربطهم بالسكان الأمازيغ علاقات التبادل والاشتراك في المهن والأنشطة الفلاحية والرساميل التجارية، في اطار نوع من الاحترام المتبادل.
من جهة أخرى، لم يكن السكان يتعاملون من خلال هذه القوانين المحلية والثقافة السائدة في الأوساط الأمازيغية مع الأقليات الدينية أو العرقية بمنطق الخضوع وأداء ضرائب زائدة أو اعتبارهم "أهل الذمة" كما كان يذهب إلى ذلك بعض الفقهاء، بل كانت بعض الأقليات والدواوير المرتبطة بالهجرات العربية مثلا، كما تدل على ذلك أعراف بعض المناطق، تملك ممثلها في مجلس "إنفلاس" وتخضع لمنظومة الحقوق والواجبات المعمول بها دون أي تمييز أو إخضاع.
ومن المعلوم أنه خلال انجاز هذه الألواح وسن القوانين التي تتضمنها، لم يكن للفقهاء و"الطلبة" القيمين على هذه المرافق أي دور في وضع هذه الأعراف وسنها، حيث يتحدد دورهم في الغالب في الحضور الرمزي وتدوين مقررات "الجماعة" أو "إنفلاس" على الألواح. وكانت هذه القوانين تبقي مجال التشريع مفتوحا لاجتهادات مجلس "انفلاس" ووفق ما تقتضيه حاجات السكان ومتطلبات أو تطورات محيطهم وحياتهم المحلية.
كما أن استشارة رأي الفقيه لا تتجاوز في الكثير من المناطق الأمازيغية حدود الأحوال الشخصية، بل أن مجلس "انفلاس" و"الجماعة" كانا يحظيان بسلطة تشريعية وقضائية أكبر. فقد أثار روبير مونطاني، مثلا أن "إنفلاس" كانوا يتدخلون لإنصاف ضحايا بعض أحكام الفقهاء المغلوطة والمنافية لما عهده سكان الأطلس الكبير، ولعقد الصلح بين المتخاصمين من الناس في المسائل التي يحتكم فيها إلى القضاة.
انطلاقا مما سبق يتضح أن الألواح والقوانين التي كان يضعها السكان لتنظيم حياتهم وشؤونهم المحلية في الأوساط الأمازيغية تتضمن في جلها العديد من الخصائص والقيم الحقوقية الحديثة، كاحترام مكونات الساكنة وتعدديتها الدينية والعرقية واللغوية... كما أن اطارها التنظيمي يقوم على مبادئ تحيل على الأنظمة الحديثة بما في ذلك آليات سنها الديمقراطية، والنسبية وفتح مجال التطوير والاجتهاد، والانطلاق من الحاجيات والإمكانيات المادية والبشرية المتوفرة، والفصل بين هذه القوانين والتدابير المحلية وبين الشؤون الدينية والروحية ووظائف الفقهاء القيمين على المرافق الدينية. كما تتضح سلطة مجلس "انفلاس" و"الجماعة" وتبويئه مكانة أكبر من دور الفقهاء والمرافق الدينية، خاصة من خلال قراراته التي تصحح أراء الفقهاء عندما تتعارض مع مصلحة السكان ومع معطيات وخصائص حياتهم وشؤونهم المحلية، الثقافية والاجتماعية والتنظيمية.
فليست هذه القوانين والإطارات التنظيمية ذات الأبعاد الثقافية والاجتماعية الهامة، والتي تتضمن خصائص قيمية وحقوقية وديمقراطية عصرية، بمقومات للتحديث والتنمية، يمكن أن تفيد في تطوير منظومة التشريع وجعلها تنسجم مع المعطى الترابي والمداخل الممكنة لتحقيق الدينامية المجالية الضرورية للتنمية البشرية؟ الشرط الإنسي والثقافي في بلورة المشروع التنموي وتطوير الكيان الهوياتي، ذاك هو السؤال الثالث موضوع مقالنا القادم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.