سأحكي لكم قصة حب وقعت في زمن ليس بالقريب ولا بالبعيد زمن كان يقال لنا فيه إن البلاد تنعم في السلم والسلام حتى أصبحت تحت الضربات الموجعة والموقظة للخبير الإسلاموجي والمخبرالديماغوجي (من الدماغ طبعا)..ولازال أصحاب هذه الهجمات يتربصون بالبلد كل فترة وحين... قصة بدأت ولم تنتهي وستبدأ أخرى و أخرى... قصة بين شابة وشاب يقيمان في مدينة صغيرة ،لا هي قريبة و لا بعيدة عن همومنا وتفكيرنا، وخيالنا و شعورنا، مدينة أنجبت و لا زالت تنجب كل أصناف الرجال و النساء من الصعاليك حتى الوزراء مرورا بالمفكرين و الفنانين و المثقفين... مدينة لا هي حديثة ولا هي قديمة بناياتها متشابهة أحياءها صاخبة دروبها إذا دخلتها أرعبتك ،وإذا خرجت منها اكتشفت أنها مدينة معشوقة في الصيف حالمة في الشتاء.. أما إذا استهوتك طبيعتها و أراضيها الخضراء و بركها و أحواضها و قراها و أناسها البسطاء ستفاجئك ضواحيها و هوامشها بأحيائها العشوائية القصديرية القاهرة والمنتجة للقهر والمقهورين والمقهورات.. الشاب و الشابة نشآ و ترعرعا بين أحضان هاته الأحياء في عائلات بسيطة مقهورة تصارع من اجل النقاء و تحارب الزمن و الزمان و المكان لانقاد الأفواه من الجوع و التسكع و التشرد, فكان لكل واحد منهما عالمه مدينته حيه جيرانه أصدقاءه مدرسته معلمته طموحه.... في سنوات الطفولة كان اللعب و اللهو و عدم الاكتراث للهم و الحزن و القهر المصاحب للأب و الأم و الجد و الجدة , فكانت الفرحة الأولى يوم ولجا المدرسة فتعرفا على الأصدقاء و الأحباب في القهر فكان اللقاء و بدأ الصبيان فك رموز الحياة بتعلم أول حرف تم كلمة فبيان أول بيان تلقياه هو القهر الجوع الحزن الهم و الفراق عن الحرف و الكلمة.. فبدأ التيه و الدوران و البحت عن السبل للخروج من الفقر فتعلم الولد الحدادة و البنت الخياطة فتخرج هو حدادا و هي خياطة, بعد سنين من الكد و العمل و إعالة الآباء و الأجداد و الإخوان بقي الشوق و الحنين إلى الحرف و الكلمة فلجآ إلى الجمعية لتعلم أبجدية العلوم الدينية، فتعرف هو على الإخوان ونصحوه بالابتعاد عن الصبيان و الجيران و الإتيان بالقميص و القمصان ليصبح من أهل العلم و السداد و الإلمام بالعقيدة و الدفاع عنها أمام كل ناكر و فاجر.. وتعرفت هي على الأخوات فبدأت الابتعاد عن السراويل و السترات و مالت إلى الستر و الاحتجاب عن النضرات فقالوا لها عليك بالنقاب لتصبحي عالمة بالسنة والكتاب.. فشرعا العمل بالنصيحة و بعد أيام طويلة أصبحا من دعاة الطريقة طريق النهج و العقيدة يعطون الدروس للنفوس داخل الأحياء المكدسة في البيوت المتعوسة و المنحوسة.. فاشتهروا بين الأهل و الأحباب و ذيعا صيتهم عند الصبيان و الجيران من داك الزمان و المكان فتناقلت الألسن كلام و أوصاف صاحب القميص والقمصان و جمال و محاسن صاحبة النقاب و عالمة السنة و الكتاب... تعلق قلب صاحبنا و اغرم بما سمع من كلام عن الحسن و الجمال فاختلط عليه الأمر و المنكر و البهتان فكاد أن يفقد عقله من شدة التفكير عن الوسيلة لإيصال شغفه و حبه إليها حتى يفوز بقلبها و النظر إلى وجهها دون أن يثير الشكوك و الابتعاد عن تهكم العدو اللدود حتى لا يقال انه تعدى الحدود فنظر فقرر أن يرسل رسالة حب و غرام لصاحبته في جمعية الحرف و الكلمة , انتظر أيام و أيام حتى انتقل القلب من الغرام إلى الهيام و صاحبتنا لم تتوقع أن يصدر من صاحب القميص و القمصان حركة تنم عن الجهل و النقصان.. فاعتبرت أن الحب حرام و بهتان.. فشكته للأخوات و الإخوان، أقيمت له محكمة ونصب له قاضيان فقالا له : "ما قولك فيما أتيت به من بهتان وأنت صاحب القميص و القمصان" فدفع عن نفسه التهمة بالدليل و البرهان على أن الحب إحساس يسبق اللقاء والقران فلم يخالف لا الشرع ولا القرآن .. لم يقتنع القاضيان بقول صاحب القمصان فكان القرار قاسيا الفصل و النسيان و العودة إلى القهر و الحرمان و التشدد و الغليان فدفعا بصاحبنا إلى الانفجار و زعزعة الاستقرار، فهل هو من أصحاب الجنة أم من أصحاب النار؟؟ !! "" حاتم الخباز -دكتوراه في الكيمياء