كلهم يتحدثون عن حقوق الإنسان و عن وجوب احترام حقوق الإنسان : الأعداء والأصدقاء ، الأقرباء والغرباء إلى أن أصبحت حقوق الإنسان لازمة " نرددها في كل تجمع ومنتدى ،و في كل تواصل وأثناء أي حديث. لقد أصبحت قضية حقوق الإنسان ورقة حمراء من السهل رفعها في وجه المستهدفين. ومما لاشك فيه أن حقوق الإنسان هي حقوق متأصلة في جميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو مكان إقامتهم، أو نوع جنسهم، أو أصلهم الوطني أو العرقي، أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم، أو أي وضع آخر. وإن للناس جميعا الحق في الحصول على حقوقهم الإنسانية على قدم المساواة وبدون تمييز، سواء كانت حقوقا مدنية أو سياسية، مثل الحق في الحياة، وفي المساواة أمام القانون وفي حرية التعبير؛ أو اقتصادية واجتماعية وثقافية، مثل الحق في العمل والضمان الاجتماعي والتعليم؛ أو حقوقا جماعية مثل الحق في التنمية. هناك تقارير منظمات مهتمة بمجال حقوق الإنسان محليا و على المستوى الدولي ، تستنكر التدخلات العنيفة للشرطة في حق المتظاهرين ، بينما لا حديث- بإسهاب- عن تدخلات الشرطة في حق متظاهرين في الدول الديمقراطية .ففي أحداث أثينا وأحداث مدريد وأحداث باريس ونيويورك وموسكو ولندن لم نسمع عن ربيع أوروبي . والسؤال هل فعلا حقوق الإنسان داخل الدول الديمقراطية محترمة ؟ ففي أحداث جد قريبة ، وفي وقائع ملموسة تبين أن احترام حقوق الإنسان داخل الدول التي تعتبر نفسها ديمقراطية ما هي إلا شعارات ، وإلا لماذا تم التضييق على النساء اللواتي يرتدين الحجاب؟ ولماذا ثم التضييق عن المهاجرين والهاربين من جهنم الفقر؟ ولماذا يتم منح فرص الشغل لأبناء الدولة الأصليين ويتم رفض طلبات أبناء المهاجرين ؟ ولماذا هناك تأشيرات تمنع " إنسان الجنوب" وتقف أمامه حاجزا وتمنعه من اختيار البلد الأوروبي الذي يفضل العيش فيه؟ فمن دخول الولاياتالمتحدة مثلا هناك شروطا، ولقد اخترعوا بعد الشروط شروطا أخرى لمنع الراغبين في تغيير مكان العيش لأسباب قهرية ، سياسية أو نفسية . يطالبون الدول الضعيفة بتكييف قوانينها مع القوانين الكونية فهل كيفوا أقوالهم بأفعالهم ، مع ما يقوله الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 13 الفقرة 2 صراحة؟ :" يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه." فهل سبق أن رأينا ولو مرة تلك البلدان الديمقراطية تستقبل الأفراد الراغبين دخول أراضيها بالورود ، أم هي عوض ذلك تقودهم كالخرفان في ملاجئ خاصة ثم ترجعهم إلى بلدانهم على متن طائرات خاصة؟. في المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نقرأ:" لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير" والسؤال التعبير . ونحن متفقون على أن الإنسان من حقه التعبير عن قلقه وانزعاجه ومطالبه ورفضه ومعارضته للأفكار والأفعال التي تتناقض وقناعاته الشخصية ، ودون أن يحاول إكراه الآخرين على الاقتناع بأفكاره. ولنأخذ نموذج مغني الراب التونسي علاء الدين اليعقوبي "ولد الكانز" الذي استغل الحق في الرأي والتعبير سوء استغلال حينما تعدى حدود اللياقة فوصف شرطة تونس " بشرطة الكلاب" تلك الشرطة التي تحميه وتسهر على أمن البلد . فحكمت عليه ابتدائية تونس بسنتين سجنا نافذا ، وعلى الممثلة في صابرين القليبي والمصور محمد الهادي اللذان شاركا في الكليب بستة أشهر سجنا كذلك. ومباشرة قبل وبعد النطق بالحكم ارتفعت أصوات من هنا وهناك تطالب باحترام حقوق الإنسان، رغم أنه كان فيه تجني واضح على مؤسسة دولة. والسؤال هل ولد الكانز احترم معايير الرأي وحرية التعبير؟ ودون شك أن له أنصار وبلا شك كذلك أن هناك إلى جانبهم من يرفض وصف الناس بأوصاف دونية . فوصف علاء الدين اليعقوبي شرطة تونس – بالكلاب-لا يقل خطورة عن وصف القذافي شعبه بالجرذان . ذلك الوصف الذي كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس. ونفس الحادث تكرر في ثورة الأتراك ضد أردوغان حينما وصف المتظاهرين باللصوص، إلا أن أردوغان اعتذر عن ما صدر منه. ففي الفقرة الأولى من المادة27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان :" لكل فرد الحق في أن يشترك اشتراكاً حراً في حياة المجتمع الثقافي وفي الاستمتاع بالفنون والمساهمة في التقدم العلمي والاستفادة من نتائجه"، ولكن، هل السب والقذف يمينا ويسارا في الشرطة وغدا في رجال التعليم وبعد غد في رجال القضاء وبعد ذلك في شريحة من الناس يعتبر اشتراكا يحقق الاستمتاع والمساهمة في التقدم وتطوير الفنون ، أم يساهم في زرع الحقد والفوضى والانقسامات والحقد والخلافات داخل المجتمع؟ هذا فقط نموذج ضمن عدة نماذج أخرى تتكرر داخل أي مجتمع وفي كل يوم . فمثلا ،حيث يخرج المتظاهرون إلى الشوارع من أجل التعبير عن سخطهم ب يتحول ذلك السخط إلى انتقام بحرق السيارات وتكسير واجهات المساكن وقطع الأشجار وضرب المارة بالحجارة. في حين أن سخط المتظاهرين في الدولة التقدمية يتحول إلى أناشيد وشعارات بطريقة منظمة ومدعومة من طرف هيئات وازنة وأحزاب كبيرة وشخصيات معروفة . وليس المقصود من ذكر هذه الأمور هو اتهام كل من يعبر عن رأيه بأنه يستغل حق حرية الرأي والتعبير سوء استغلال ، وإنما فقط لمحاولة التمييز بين من يعبر فعلا عن رأيه في إطار المسموح به قانونا واجتماعيا ، وبين من يستغل حقوق الإنسان سوء استغلال . ولنا في القاضي محمد عنبر نائب رئيس القضاة بالمغرب نموذج المتظاهر المتحضر، والذي كان بإمكانه جمع " بلجية" من أطفال ونساء " كي يْكبَّرْها باش تَصْغارْ" ولكنه اختار طريقة الاعتصام المفتوح أمام محكمة النقض وإلى أن يستجاب لمطالبه المشروعة . بين نموذج علاء الدين اليعقوبي الذي وصف الشرطة بالكلاب ، والذي بدأت صحف تونس وصحف أوروبا تتحدث عنه لأنه سيساهم في كسر عظم تونس وتهشيم سيادتها أمام الأوربيين ، وبين نموذج محمد عنبر القاضي الذي يدافع عن حقوق الإنسان من خلال حقوقه والتي ستساهم في التغيير الإيجابي يلاحظ الفرق بين من يستغل حقوق الإنسان سوء استغلال ورغم ذلك تواكب حالته منظمات حقوقية وبين من يجعل منها سلاحا سلميا من أجل استرداد الحقوق وإحداث التغيير فتواجهه المتاعب ولا تلتفت إليه الجمعيات الحقوقية .