نجحت الصين في تحييد التهمة عنها، بحيث لم يصنف وباء "كورونا" ك"وباء صيني"؛ لكن الهند استطاعت أن تطور سلالة خاصة بها، ولا تتردد وسائل الإعلام في وصفها "كوفيد 19" الجديد بالسلالة الهندية. وبغض النظر عن سخرية الفيسبوكيين من تزامن الوباء الهندي مع اقتراب موسم جني فاكهة "الهندية" المغربية، التي راحت جل محاصيلها نتيجة الوباء؛ فإن المشاهد القادمة من بلاد شاروخان لا تدع أي مجال للضحك. هناك يموت الناس اختناقا، ورحلة البحث عن الأوكسجين لاستنشاق الهواء رحلة محفوفة بالموت، في ظل انهيار النظام الصحي وعدم قدرة المستشفيات على استيعاب الضحايا.. هناك تتسابق السكك الحديدية والقوات الجوية والبحرية على توفير قنينات الأوكسجين، الشبيهة من حيث حالتها المتردية بقنينات غاز البوتان.. تتسابق لكي توصل الأوكسجين إلى المناطق الأكثر تضررا؛ بينما يلهث المصابون وراء الطواقم الطبية للحصول على جرعة هواء، تحول بينهم وبين الاختناق.. بعض المشاهد القادمة من بوليود؛ لكنها مع الأسف، هذه المرة، ليست مشاهد من أفلام مصورة، ولا تتضمن أية رقصات صاخبة، بل هي مشاهد حقيقية، وأي تشابه بين هول الواقع والخيال فهو حقيقة مقصودة من المنتج "كوفيد19′′، حيث تتكدس الجثث أمام الأفران في انتظار لحظة إحراقها. وقد سمحت السلطات بإحراق الجثث المجردة من الحياة في الحدائق العامة، بعدما تصدعت أعمدة الأفران من شدة حرارة اللهيب المتواصل.. مشاهد تدعو بكل أسف إلى البكاء على الإنسانية، والحل الوحيد أمام السلطات الهندية هو إغلاق البلاد حتى إشعار آخر.. وبطبيعة الحال، فانغلاق الهند على نفسها يوازيه تعليق كافة الرحلات الجوية نحو الأراضي الهندية، والأمل معقود على الطواقم الطبية والرحلات الإنسانية التي يمكن أن تصل إلى هذا البلد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. ولا مجال للعب مع "السلالة الهندية"؛ فهي تمثل، حسب المعطيات الأولية، تحورا جديدا للفيروس، ويصعب على الجهاز المناعي التعرف عليها وبالتالي يتعذر عليه مقاومتها، وهي تتمتع بقدرة كبيرة على اختراق أنظمته الدفاعية، ويزداد الطين بلة بعدما أثبتت السلالة امتلاكها لسرعة رهيبة في الانتشار، فضلا عن خصائصها المرعبة فيما يتعلق بما يصاحبها من أعراض شديدة؛ مثل ضيق التنفس، وألم الصدر، والشعور بالاختناق.. وهذا السبب الأخير هو الذي يرفع من حدة الطلب على قنينات الأوكسجين، ولهذا يقولون في وسائل الإعلام بأن "الهند تختنق". ولم يكن "كوفيد 19" ليحقق هذه الغزوة الكبرى في الهند لولا استهتار المواطنين بتدابير السلامة الصحية وعدم ارتداء الكمامات وعدم الالتزام بمسافة التباعد الاجتماعي، والمشكل هو أن السلالة الجديدة ما زالت في طور الاكتشاف العلمي، ولا يعرف ما إذا كانت الأمصال المنتجة حتى الآن قادرة على مواجهة هذا النوع من الفيروسات أم أن العالم سيعود إلى نقطة الصفر.. إن المعنى الحقيقي للجائحة هو ما يقع اليوم في الهند، والمثل المغربي يقول: "تشوف هموم الناس يولي همك خماس عند الناس".. والمغرب ليس استثناء في هذا العالم، بعد اكتشاف إصابتين تنتميان إلى السلالة الجديدة، والوعي والتحلي بالحكمة هو السبيل الوحيد لخروج الجرة سالمة، والسير نحو التخفيف التدريجي لهذا الحظر الذي يخنق البلاد والعباد..