انتقد الدكتور المصطفى بوهندي طريقة التعامل الشائعة لدى الناس مع القرآن الكريم، حيث قال، ضمن الجزء الثاني من حواره مع هسبريس: "نحن نأتي إلى القرآن بعلمنا، وبتاريخنا، وبأمورنا المختلفة، ونأتي إلى القرآن لنقول له: كن موظفا عندنا، نبحث عن قطع من القرآن لنرصع بها منظوماتنا الموجودة". وأوضح بوهندي أن مفهوم العصمة، الذي أثار ردود فعل على إثر مشاركته في برنامج تلفيزيوني، في سياق التأليه بالنسبة للمسيحية، ولما وصل هذا النقاش لدى المسلمين تحفظوا بداية إزاءه، ولما جاء الشيعة وقالوا بعصمة أئمتهم أصبح النقاش محصورا بين أهل السنة والشيعة حول العصمة بين الأنبياء والأئمة، فأهل السنة يقولون ليس هناك عصمة إلا للأنبياء دون الأئمة، "ولكن هذا الكلام كله لم يكن له أي سند من القرآن، على أن هناك نبي معصوم، فكلمة معصوم لا ورود لها في القرآن" يقول بوهندي. وعن موضوع الإعجاز العلمي الذي شاع خلال السنوات القليلة الماضية، فقد انتقده بوهندي واعتبر أكثره خاطئا ما دام المشتغلون به يأخذون كلاما من أي شخص ومن أي جهة ويقولون: الله يقول، والله لم يقل ذلك، و"هذا الربط هو اجتهاد بشري أكثره اجتهاد خاطئ" حسب رأيه. تبعا لقولك هذا ..هل يمكن أن نذهب أبعد من ذلك ونقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يخطئ في تبليغ الوحي؟! موضوع الوحي تكفل به الله وليس محمدا صلى الله عليه وسلم، يعني محمد صلى الله عليه وسلم بشر لا يمكنه أن يحفظ هذا الوحي، فالوحي يحفظه الله، وحتى سيدنا محمد يعصمه الله من الناس، فحفظ الوحي ليس له أية علاقة بالعصمة، فالله هو من حفظ الوحي ويحفظه " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" فحتى الأنبياء الآخرون نزل عليهم الوحي، وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم تتجلى مهمته في تبليغ الذكر الذي نزل إليه كما نزل على جميع الأنبياء عليهم السلام من قبل، والذكر هو الحقائق الثابتة، والتي أريد لها قبل النبي صلى الله عليه وسلم أن تندرس ويطالها النسيان، فجاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بما أنزل الله عليه، لكي يخرج هذا الحق الثابت والنور الخالد، الذي جاء به الأنبياء عليهم السلام جميعا فيظهره وينشره. لقد أراد الكثير من الناس أن يطفؤوا نور الله بأفواههم، ليس الآن وحسب بل حتى في القديم من الزمان، ولكن هل يمكن لأحد أن يطفئ نور الله بنخات أفواههم؟ نور الله هو النور الذي جاء به جميع الأنبياء ومهمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يكمل هذا النور، وسيدنا محمد لم يأت ليلغي ويبطل، بل جاء ليكمل ولذلك فالذكر الذي أنزله الله على جميع الأنبياء باق ومحفوظ ولا يمكن أن ينقص أو يضيع. إننا نستعمل الكثير من المفاهيم غير الصحيحة ومنها مفهوم العصمة، فالعصمة قيلت في سياقات معينة، في سياق التأليه بالنسبة للمسيحية، فهم يتحدثون عن سيدنا المسيح الذي اعتبروه إلها معصوما من الأخطاء، وأمه كذلك معصومة من الأخطاء وما داموا هم معصومين من الأخطاء فهم آلهة، ثم بدأ الحديث عن كتابات الإنجيل والوحي، هل هي معصومة أم لآ؟ لأن هذا الوحي يجب أن يكون معصوما، وكتبته ينبغي أن يكونوا معصومين كي لا يخطئوا وحتى يصح ما نقلوه . وكان هذا النقاش يجري بين المسيحيين أنفسهم وبين أهل الكتاب بشكل عام، ولما وصل هذا النقاش لدى المسلمين تحفظوا بداية إزاءه، وقالوا سنفرق بين الأنبياء وبين غيرهم، ولما جاء إخواننا الشيعة وقالوا بعصمة أئمتهم أصبح النقاش محصورا بين أهل السنة والشيعة حول العصمة بين الأنبياء والأئمة، فأهل السنة يقولون ليس هناك عصمة إلا للأنبياء دون الأئمة، ولكن هذا الكلام كله لم يكن له أي سند من القرآن، على أن هناك نبي معصوم، فكلمة معصوم لا ورود لها في القرآن... القرآن يتحدث لنا عن الاستعصام، "راودته عن نفسه فاستعصم" فهذا كلام المرأة، ولذلك يوسف عليه السلام قال: "السجن أحب إلي مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن" بمعنى أن يوسف عليه الصلاة وسلم كان يفهم أنه غير معصوم، ولذلك كيف صرف الله عنه كيدهن؟ لقد أدخله إلى السجن لأنه غير معصوم، ولو كان معصوما لبقي بين النساء دون مشاكل، ولذلك فجميع الأنبياء، بما فيهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لن تزيدهم العصمة أخلاقا ولا أي شيء، بل العصمة ستكون أمرا خارجيا عنهم وليس منهم، ويكون الذين سيقتدون بهم عليهم أن يعصموا أنفسهم، أي يستعصمون؛ وسيكون الأمر حينها غير صحيح ولا منطقي... طيب، كلامكم هذا سيقذف بنا مباشرة في مشروعكم حول التفسير وقراءة التراث، ما الجديد من حيث المنهج؟ يجب أن نميز ما بين كلام الله وكلام البشر، وهذا يجب أن يكون واضحا، ثم يجب أن نعرف بأن كلام الله الموحى به لا يمكن أن يتناقض، فلو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا، فليس في كلام الله عز وجل تناقض، وليس في كتبه تناقض، كما أنه لا يمكن أن يتناقض أمر الله وخلقه، فالقوانين والقواعد والأسس الثابتة الموجودة في الطبيعة وفي الكون والتاريخ والمجتمع...الخ من القوانين التي خلق الله والسنن الثابتة التي لا تبدل ولا تغير، لا يمكن أن تتناقض مع أمر الله وشرعه ودينه، ولذلك فعلى الدين ان يكون متوافقا مع الفطرة ومع العقل ومع قوانين التاريخ والمجتمع والطبيعة وكل شيء، لأن الذي خلق هو الذي أمر وليس بينهما أي تناقض بين خلقه وأمره، عندما نفهم هذه الأسس يصبح عندنا طريقة لقراءة هذا الكلام، كلام الله عز وجل في إطار هذه القوانين التي خلق، وتصبح لنا قراءتان: قراءة باسم الذي خلق، الذي امر، وقراءة باسم هذا الكون بالنظر وبالبحث وبغير ذلك، وهاتان القراءتان هما الأساس. كيف نفهم آيات الله؟ آيات الله ليست نصوصا، فآيات الله هي أدلة وبراهين من الكون والتاريخ والمجتمع في الطبيعة، في النفس، وفي كل شيء. والأمر الإلهي فقط يوجه الإنسان إلى النظر والبحث وتشغيل الأجهزة، ولذلك نحن لدينا ثلاثة أعمدة: القرآن والإنسان والوجود. فهذا الجدل كما سماه بعض الباحثين بين الطبيعة والإنسان والغيب، هذا هو الأمر المهم، وعندما نتكلم عن الغيب فالقرآن فيه أمر إلهي.. وعندما نستحضر هذه الأمور الثلاثة بشكل متوازن مأخوذ من أمر الله ونفهم آيات الله التي يوجهنا إليها أمره، ونشغل أجهزتنا (أفئدتنا)، هنا سيصبح التكامل الأساسي الذي يريده الله سبحانه وتعالى من أجل بلوغ الهداية التي هي أقوم، ومن ثمة فكتاب الله هذا يقدم لنا مجموعة من مشاريع العمل في مختلف الميادين، ويمكن أن يكون المنطلق من القرآن الكريم، منه ننطلق وإليه نعود، لكن ننطلق إلى أين؟؟ قل سيروا في الأرض، ننطلق إلى الطبيعة وإلى النظر في كل شيء في الوجود، هنا ستتحول الأمور إلى شيء آخر، وإنما ما يقدمه الله لنا من قصص ليست أمورا خيالية أو أمورا جمالية، إنه يحكي لنا قصة الحضارة وتاريخ الإنسان وكل شيء يقدمه لنا، كل قضية، كل كلمة، وكل عبارة وكل جملة تحتاج منا إلى تدبر من أجل فهم تاريخ الإنسانية وقصة الحضارة ومن أجل البحث في هذا الكون في الطبيعة والنفس والنبات والماء والبحر...الخ، وهذه هي آيات الله التي ينبغي التفكير فيها، وعندما نتفكر في هذه الأشياء نقوم بتشغيل أجهزتنا.. بأي منهج يا ترى؟ بأي منهج؟ هذا ما سنتعلمه ونحن نسير في الأرض، نسير في الأرض ونصنع مناهجنا، وهذه المناهج ليست خالدة لأنها مناهج بشرية ونطورها كل ما زاد علمنا، ولتفعيل هذه الأمور الثلاثة: الإنسان والغيب والطبيعة. وكثيرا ما نُعمل الطبيعة والإنسان دونما استحضار للغيب، ولكن نحن نجد في كل جملة من القرآن هناك استحضار للغيب وكذلك استحضار للطبيعة واستحضار للإنسان.. ما هو الستار الذي يحجب على الناس هذه القراءة، هل هو التراث أم الثقافة أم هي عادات وتقاليد أم ماذا؟ في كثير من الأحيان نحن لا نأتي إلى القرآن من أجل أن نتعلم، نحن نأتي إلى القرآن بعلمنا، وبتاريخنا، وبأمورنا المختلفة، ونأتي إلى القرآن لنقول له: كن موظفا عندنا، نبحث عن قطع من القرآن لنرصع بها منظوماتنا الموجودة، هذه هي المنظومات الموجودة والموروثة هي التي ندافع عنها، نحن لا نأخذ من القرآن شيئا، فالقرآن هو موظف عندنا، كل مذهب سيوظف من القرآن ما يشاء ويختار منه ما يشاء، لكن أبدا ما نأتي إلى القرآن لنتعلم، لا نقدم بين يدي الله ورسوله، نحن نقدم كل أفكارنا وكل موروثاتنا فرحين بالعلم الذي عندنا، وعندما يتحدث القرآن عن "ما وجدنا عليه آباءنا"، ما الذي وجدنا عليه آباءنا؟ إنها هذه الثقافة الموروثة التي صنعناها عبر هذا التاريخ الطويل. لا بد حين نرجع إلى القرآن ألا نجعل ثقافتنا مثل القرآن، لابد أن نجعل هذه الثقافة محل الدراسة ومحل البحث ومحل المراجعة بنور القرآن.. هل نفهم من كلامك أنك تريد أن تلغي الثقافة والذهاب للقرآن، ونصبح أمام ما يسمى ب"الجهل المقدس" كما تفعل بعض التيارات في عصرنا الحالي؟ بالعكس، عندما تصبح الثقافة هي إلهنا، ونحن صنعناها لنعبدها، ها هو المشكل، عندما يصبح للثقافة كهنوت ويصبح لها ملأ ومقدسات، ومن مس الثقافة كمن مس الله، يمكن أن تمس هذه الثقافة القرآن الكريم، ويصبح القرآن ينسخ ويتشابه ويبطل إلى آخره. ولكن الثقافة تبقى، الثقافة هي أولا والقرآن هو ثانيا. لا، ينبغي أن نقلب القضية، لابد أن ننظر في الوحي نظرة جديدة، الوحي لا يكلمنا من خلال تاريخ الثقافة، الوحي يكلمنا من منظور عال حديث.. النظرة الجديدة تتطلب منا عقلا وإرادة.. ولكن بأي منهج؟ العجيب أن القرآن بسيط، هذا القرآن ميسر للذكر فهل من مذكر، لابد ,ان نتعامل مع القرآن بإزالة المسبقات عن التعامل مع القرآن.. ولو كانت هذه المسبقات معرفية؟ كل المسبقات يجب أن توضع باعتبار أنها تحتاج إلى إعادة النظر، وأي ثقافة عندنا، كل الثقافة، وكل مرة نأخذ منها قضية واحدة لنراجعها. ولكن إذا أردنا أن نرجع إلى القرآن، فلا بد وأن نميز القرآن الكريم بمصطلحاته ومفرداته وبسوره وبمنظومته عن كل المنظومات الأخرى، تعرف أن القرآن عندما يستعمل مفردة فإن له استعمال خاص فيها، وعندما نقرأ هذه المفردة في الثقافة فنحن لا نقرأها في القرآن، مثلا نأخذ كلمة سنة، فإنها تستعمل في القرآن استعمالا خاصا، سنة الله في الذين خلوا من قبل، سنة الله ي المرسلين، لكن سنة الله ليست هي السنة التي تستعمل عند اللغويين او عند الفقيه أو عند المحدث أو عند الأصولي، عندما يأتي واحد ويقول لي سأفسر هذه السنة في إطار آخر نقول له : لا، لابد وأن تحترم هذه المفردة القرآنية ولا بد وأن تفسرها في إطار القرآن الكريم... محمد عابد الجابري تحدث عن "نحن والتراث" والهدف من قراءته للتراث محاولته لعقلنة الحاضر عن طريق عقلنة التراث، أي أنه حاول أن يسترشد بالنزعة العقلانية في التراث، أما أنت فتحدثت عن "نحن والقرآن" هل يعني أنك أردت أن تقطع مع التراث لتذهب مباشرة إلى القرآن، هل يعني أنها قطيعة مع التراث بإيجابياته وسلبياته، أي التمرد على الثقافة التي تجعل القرآن "موظفا" عندنا كما عند السلف، ثم ألا يمكننا أن نستفيد من سلبيات التراث كتجربة بشرية كما يستفيد المسلم من "اخطاء وأغلاط" الأنبياء، حسب تعبيرك، ألا يمكننا أن نوظف هذه الأخطاء ونعيد القراءة من جديد؟ ثم ألا يمكننا أن نعرض هذه الأخطاء على القرآن الكريم حتى يتيسر السير في الأرض من جديد " قل سيروا في الأرض"؟ ما فيه مشكل، هناك تخصصات، والتراث مادة مهمة جدا، لكن ينبغي أن نزيل عن التراث القداسة فقط، عندما نزيل عنه القداسة من خلال كلام الناس وكلام المفسرين والعلماء وعن حقول العلم. هذه ليست كلام الله، إنما هي كلام البشر، عندما نزيل عنها القداسة يصبح لنا إمكانية الأخذ منها والإضافة إليها وتطويرها والإزالة منها، وتجاوز أشياء كثيرة منها، ومن ثمة فالتعامل مع التراث عندما يكون مقدسا يكون تعاملا صعبا، ولكن عندما يصبح التراث بشريا يكون التعامل معه سهلا، ولذلك نحن ليست لنا مشكلة مع التراث، بل بالعكس، لابد من فهم المعرفة كيف نشأت وكيف تطورت وكيف وصلت إلينا وماهي المواطن المختلفة للتغيير وللاشتقاق التي طرأت على المعرفة، وأين هي العوائق المعرفية، والشروط الضرورية لتجاوزها، وأنا دائما أقول إن علم الحديث وروايات الحديث هي مادة مهمة جدا للمعرفة السوسيولوجية والسياسية والاقتصادية والثقافية، لأن هذه الروايات هي وثائق على الأقل تحدثنا عن تاريخها وعن كيف كان يفكر الناس في الدين في تلك العصور، وتبين لنا جوانب كثيرة لم تسجلها وثائق كثيرة أخرى، ومن ثمة هذا مجال للبحث مهم وكبير جدا، يحكي لنا عن المجتمع والتاريخ والسياسة واللغة والفن والعلاقة بالدين، ولكن مع إزالة القداسة عنها. لكن إذا أخذناها بشكل مقدس ونحن نريد أن نتعبد بها، هنا يصبح من الصعب أن نتعامل بها، لأنها ستصبح في إطار أيديولوجي يستعمل لهذا التوجيه أو من أجل دعم هذه الفكرة أو ضد فكرة أخرى، وهنا لن نستفيد منها، وستكون أساسا للصراعات ولغير ذلك من المشاكل، وربما تكون أساسا لتحريف القرآن وجعل القرآن يسير في هذا الاتجاه أو في هذا الاتجاه الآخر، أما التعامل مع القرآن فهو أمر آخر، القرآن لم يكن مصدر علومنا حقيقة عبر تاريخنا كله، القرآن دائما كان يُوظف، ونحن نريد الآن أن نقول هل يمكن للقرآن أن يكون مصدرا للمعرفة كما يقول القرآن : "إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم" ونسأله هل يمكنه أن يهدينا للتي هي أقوم في المنهج؟ وهو يستطيع طبعا، المنهج في ماذا؟ المنهج في المعرفة وفي السياسة والاقتصاد وغيرها.. وكيف ترى ما يسمى الآن بالإعجاز العلمي في القرآن؟ هم يأخذون كلاما من أي شخص ومن أي جهة ويقولون: الله يقول، والله لم يقل ذلك، وهذا الربط هو اجتهاد بشري أكثره اجتهاد خاطئ.. ألا يمكن القول بأن تفاعل عقل المسلم في واقع معين مع القرآن الكريم يمكن أن ينتج معرفة إسلامية، ولو أنها تبقى نسبية ولكنها تصدر عن طبيعة فكرية متصلة مع القرآن والإسلام بشكل عام؟ جيد، ليس هناك أي مشكل. هذا أمر كما هو في العلوم والفلاحة... ولكن بأي منهج، وهي مناهج شتى وأفكار شتى ويعني أن حتى الفكر السلفي يفتح مواقع للإعجاز العلمي، وحتى في المسيحية واليهودية هناك الإعجاز العلمي في الكتاب المقدس، محاولات الربط ما بين اشياء كثيرة، هناك نظريات دينية مثلا حديثة، أصبحت جزءا من العلوم الحديثة، وعلوم التاريخ هي علوم تزوير كبيرة جدا، وهي العلوم التي دخلت فيها الأركيولوجيا والأنثروبولوجيا وغيرها، وهي علوم استعمارية جعلت ما يسمى بالشرق الأوسط أساس الحضارة البشرية، وكل الحضارة البشرية والتاريخ البشري أصبح هناك، وكل تاريخ الأديان أصبح هناك. بينما عندما ننظر ونعيد النظر بالكتاب المقدس نفسه وبالقرآن الكريم نفسه سيكون الأمر مختلفا، سنجد أن هذا الربط العلمي لم يكن سوى ربط إيديولوجي، لأن المنهج المعتمد والمسبقات المعتمدة هي الأساس. بأي منهج نتعامل مع هذه الأمور، هل نتعامل بمنهج الجمع ما بين الخلق والأمر؟ لا يمكن أن يتناقض الخلق مع الأمر، وهل يمكن بقراءة النص نفسه، النص القرآني أو النص التوراتي والإنجيلي قراءة لا تقبل التناقض؟ لا بد وأن يكون هناك الانسجام داخل النص، فلابد من منهج. أما أننا نربط بين ظواهر علمية واجتماعية وبين النص القرآني أو نصوص الكتاب المقدس فهذا تفسير، لكن بأي منهج؟ هل نعتمد على مجموعة قواعد وجدناها أو وضعناها؟ هل نعتمد منهج حدثنا أو منهج أخبرنا أو الكثير من المناهج التي نعمل بها الآن؟ أو مناهج وجدنا العلماء الكلاسيكيين يقولون بها، ونحن نترجم كلامهم، من علماء اليونان والرومان وغيرهم، والتي صنعنا منها تاريخا وقواعد لغوية ومصطلحات .. وفرضناها على الكتاب المقدس وعلى القرآن الكريم وعلى البشر حضارة وتاريخا...الخ. لقد حان الوقت لفتح أبواب الحوار في الدين على مصارعها، أمام الرأي والنقاش والمراجعة والتقويم والبناء، بالاستفادة من جميع التخصصات والاتجاهات والمناهج، ومن غير إقصاء ولا طائفية ولا تسلط، وبالاحترام اللازم؛ وفي إطار تكاملي يؤمن بأن الزبد يذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.