بعد البيان الذي نشرته الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول زيارة أردوغان، إضافة إلى صورة لأحد المناضلين الجدد وهو يرفع لافتة يصفه بالمجرم، رأيت لزاما علي أن أوضح ما يجري في تركيا من منطلق أنني مقيم فيها، ومتتبع للأحداث منذ بدايتها، أولا أود أن أفند شائعة ذكرها بيان الجمعية حيث أنه لم تتم أي حالة وفاة أبدا، وهنا أود أن أعرف هل صارت الجمعية تقوم بالمعارضة بالوكالة فمرة تساند الانفصاليين ومرة تساند بشار وهي الآن تتدخل في الشأن التركي الداخلي. وكما لايخفى على أحد أن العالم العربي المضلل إعلاميا قد تفاجأ بحجم المظاهرات التي شهدتها مدينة اسطنبول وباقي مدن تركيا، وفسرت هاته المظاهرات على أنها بداية لربيع تركي، فصدق الإعلام العربي هذه الاكذوبة، وصار يروج صورة أردوغان الدكتاتور الذي يقمع شعبه بعنف لرفضهم إزالة منتزه وبناء منتزه آخر فوقه، لتتدخل أمريكا وروسيا والنظام الأسدي مطالبين أردوغان الانصات لشعبه. لكن التضليل الاعلامي لم يقتصر فقط على الإعلام العربي، فإعلام المعارضة بتركيا روج لمجموعة من الأكاذيب والمغالطات إضافة إلى صفحات الفايسبوك والتويتر حيث تم نشر صور لتدخلات عنيفة لشرطة في قمع المتظاهريين على أنها بتركيا، لكن الحقيقة أنها أحداث وقعت في مصر وأوروبا الشرقية لكن الخطير هذه المرة هو انخراط قيادات المعارضة على أعلى مستوى في ترويج هذه الأكاذيب وكان آخرها أنه في برنامج متلفز لقناة معروفة بدعمها لبشار وللمعارضة العلمانية، فبعد انتهاء الحلقة نسي المقدم إغلاق الميكرفون وهو يحاور ضيوفه حيث قال أنه كان يتمنى لو قتل بعض المتضاهرين حتى تتأزم الأوضاع. الاحداث بدأت مع إقرار بلدية اسطنول مشروعا ضخما قبل سنة للإعادة هيكلة منتزه "غازى" الواقع فى ميدان "تقسيم" أشهر ساحة في اسطنبول لكن بعض جمعيات حماية البيئة عارضت المشروع لأنه سوف يكون على حساب إزالة العشرات من الأشجار بالمنتزه، وبدؤوا باحتجاجات رمزية وجد محدودة، لكن لما بدء قطع بعض الأشجار نظَّم عددٌ من المعارضين إعتصاماً داخل المنتزه مما أدى بالشرطة إلى فض الاعتصام بالقوة مستعملة قنابل الغاز وخراطيم المياه لتفريقهم، غير أن التدخل العنيف للشرطة خلق تعاطفا كبيرا مع المتظاهرين لتستغل قيادة الحزب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال اتاتورك وبعض قيادة اليسار المتطرف الفرصة ليطلبوا من أنصارهم النزول إلى الساحات مطالبين باسقاط أردوغان وحكومته بعد عجزهم عن إسقاطه في صناديق الانتخابات، لكن غالبية الأتراك استغربوا من موقف المعارضة لأنه معروف أن اعضائهم قد صوتوا لصالح المشروع أثناء مناقشته بالبلدية. الصراع الشرس بين الحكومة والمعارضة بدأ منذ أن فاز حزب العدالة والتنمية برئاسة الوزراء، فخلال حكمهم شهدت تركيا نموا اقتصاديا كبيرا واستقرارا اجتماعيا إضافة إلى تصالح الأتراك مع ماضيهم، إضافة الى اتساع الحريات الدينية بشكل كبير مما جعل الحزب الحاكم يكتسح جميع الانتخابات المقامة في تركيا منذ أكثر من عشر سنوات، إضافة إلى أنه ومنذ أكثر من 30 سنة من الصراع مع الأكراد تمكنت الحكومة من حل القضية الكردية ودخلت في مفاوضات مع الحزب العمال الكردستاني مما أدى ازدياد شعبيته وتراجع عدد منتقديه، وهنا اود ان اضيف ان الحكومة قد بدات في اشغال 21 مشروع ضخم على اساس اتمامه في 2023 في ذكرى تاسيس الجمهورية. وميزانية هذه المشاريع حسب المسؤولين الاتراك تفوق ميزانية 130 دولة مجتمعة. وأمام هذه الانجازات بدأت المعارضة باتهام الحكومة بمحاولة أسلمة الدولة، وبأن الحكومة تحاول التدخل في الحياة الخاصة للمواطنين, حيث أنه ليلة الأحداث البرلمان التركي قانون يفرض قيود أكثر صرامة على مبيعات الخمر حيث سوف يمنع بيعه في محيط 100 متر للمؤسسات التعليمية ودور العبادة، إضافة إلى سن قانون يشجع الأسر التركية على الانجاب حيث ستخصم سنتين من سن التقاعد للأم مقابل كل ولد تنجبه، وكما يعرف الجميع حساسية مواضيع كثيرة النسل بالنسبة للعلمانين. لكن الأزمة الحقيقة هي أن تركيا مقبلة على انتخابات محلية لذلك فالمعارضة تستغل الأحداث لزيادة شعبيتهاأ فتركيا الآن تعيش نقاشا حادا حول مواد الدستور المزمع عرضه على الشعب التركي للتصويت، والذي يطمح من خلاله أردوغان إلى تحويل نظام البلاد من نظام برلماني إلى نظام جمهوري ليتمكن اردوغان ورفاقه الممنوعون قانونيا من الترشح لمرة ثالثة من الاستمرار في السلطة عن طريق الترشح لرئاسة الدولة. وخلاصة القول أن ما يقع في تركيا هو صراع العلمانيين والإسلاميين على هوية تركية، هل تظل دولة علمانية كما أرادها أتاتورك أم ستعود دولة إسلامية؟.