تحضر الخيول بشكل كبير في تاريخ المغاربة، وهو ما جعل المملكة من البلدان التي أبدى سكانها اهتماماً كبيراً بتربيتها واستعمالها في الحروب والنقل والفلاحة، وصولاً إلى "التبوريدة" والسياحة في عصرنا الحالي. ويناهز حالياً عدد الخيول في المغرب حوالي 150 ألفا، وهو عدد يعرف انخفاضاً سنة بعد سنة نتيجة التغيرات التي باتت تطبع حياة المغاربة، ناهيك عن اندثار خدمات عديدة كان يقوم بها الحصان في ما مضى. وفي السابق، كانت العائلات المغربية في القرى تفتخر بتربية الخيول أيما افتخار، ففي ذلك تجسيد لحديث نبوي يقول إن "الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة"، فأينما وُجد الخيل عم الخير. وقبل سنوات، قال الملك محمد السادس إن الفرس يمنح الجمالية لأعيادنا الدينية والوطنية ولاحتفالاتنا الشعبية، كما أشار إلى أن "بعض سلاطين المغرب جعلوا من ظهر الفرس عرشاً لهم، مجسدين بذلك أسمى المراتب التي رفع إليها الإنسان المغربي قيمة الفرس". لكن اليوم أصبح عدد الخيول في المغرب في انخفاض مستمر، فحتى عروض ومواسم الفروسية التي تشتهر بها أغلب مدن المملكة أصبحت في تناقص مستمر؛ فبعد أن كان عدد خيول "التبوريدة" يناهز 22 ألفا أصبح اليوم يناهز 10 آلاف. وقد راهن المغرب منذ عقود على دخول نادي الأمم الكبرى التي طورت اقتصاد سباقات الخيول المزدهر بشكل كبير، ويخلق قيمة مضافة عالية في عدد من بلدان العالم، من الخليج إلى أوروبا وأميركا، بما يمثل مليارات الدولارات سنوياً؛ لكن ذلك لم يتأت بعد. سباقات الخيول عالمياً تكبد قطاع تربية الخيول عبر العالم خسائر كبيرة بسبب اندثار عدد من الخدمات التي كانت يقدمها الحصان لفائدة الجيش وجر عربات النقل والفلاحة والحصاد منذ بداية القرن الماضي، لكن محبي الخيول بحثوا عن خدمات جديدة، من أبرزها اليوم رياضة الفروسية والعربات السياحية، كما تستخدم الخيول أيضاً لدى الحرس الملكي والدرك الملكي والشرطة. وموازاة مع الخدمات الجديدة التي باتت تقدمها الخيول، تطور قطاع سباقات الخيول بشكل كبير في عالم اليوم، وأصبح رقم معاملاته يمثل حوالي 90 في المائة من الاقتصاد العالمي للخيول، بفضل الرهانات على اللاعبين واستقطاب كبار المستشهرين الدوليين. ويفرض الوضع الراهن اليوم على كل دولة راغبة في إنقاذ قطاع الخيول أن تسارع إلى الانضمام إلى البلدان الرائدة في مجال الخيول ذات القيمة الوراثية العالية، مثل إنجلتراوفرنسا وإيرلندا والولايات المتحدة الأميركية واليابان وأستراليا ونيوزيلندا، التي تربح مليارات الدولارات سنوياً بفضل تصدير الخيول التي تستعمل في السباقات. صوريك منذ 2003 سنة 2003، جرى تأسيس الشركة الملكية لتشجيع الفرس (SOREC)، وهي تابعة لوزارة الفلاحة والصيد البحري، بهدف تأطير تربية الخيول وتحسين سلالاتها في المرابض الوطنية، وتنظيم سباقات الخيول في المضامير والحلبات الخاصة وتدبير الرهان. وإن كانت الشركة ترى أن عملها أعطى ثماره على أرض الواقع، إلا عدداً من الفاعلين في هذا الميدان يرون أنها فشلت في مهمتها بشكل كبير، وفوتت على المملكة فرصة استغلال إمكانيات هائلة، وضيعت رهان دخول نادي الكبار في سباقات الخيول. ويشتكي المهنيون في هذا المجال، وعلى رأسهم مربي الخيول، من تدهور قطاع سباقات الخيول على الرغم من التوصيات التي يرفعونها للمسؤولين على رأس شركة "صوريك"، بحيث يؤكدون أن القطاع يتراجع بشكل مهول. وحسب المعطيات التي حصلت عليها هسبريس فإن هذا القطاع يعرف فقداناً لمئات مناصب الشغل سنوياً ما بين المربين والمالكين، بحيث لا يتجاوز اليوم من يشتغلون فيه 10 آلاف شخص، يسهرون على تغذية 10 آلاف خيل ذات قيمة وراثية عالية. وقد ساهم المربون والملاك للخيول على مدى السنوات الماضية في استثمار مليارات الدراهم من أجل بناء "الرهان التعاضدي الحضري" المغربي القائم على الخيول المغربية الأصيلة، وهو ما كان سيفيد بالدرجة الأولى العالم القروي، لكن ذلك لم ينجح، وبقي الاعتماد مستمراً على سباقات فرنسا. وذكر عدد من المهنيين في هذا القطاع، في إفادات استقتها هسبريس، أن "الشركة الملكية لتشجيع الفرس" تجاهلت أن خيول السباقات ليست خيول ترفيه بل تندرج ضمن شراكة بين القطاعين العام والخاص، بهدف يتمثل في تحقيق 7 مليارات درهم كرقم معاملات في الخيول المغربية التي تتم تربيتها محلياً، خصوصاً في العالم القروي. وكثيراً ما تثير تربية خيول السباقات جدلاً حول كلفتها، وهو تم تبيانه بعدما كلفت "صوريك" مكتب الدراسات MAZARS للوقوف على واقع الحال، وكانت النتيجة أن الكلفة السنوية لتربية خيول السباقات في المجموع لا تتجاوز 210 ملايين درهم من الشركة، من أصل 630 مليون درهم في المجموع، التي يؤدي النسبة الأكبر منها الملاك والمربون. وأمام هذا الرقم الذي يعتبره المهنيون ضعيفاً، يشيرون إلى أن "الشركة الملكية لتشجيع الفرس تنفق على موظفيها البالغ عددهم 600 حوالي 250 مليون درهم بمكاتب من الطراز الرفيع وسيارات فخمة وسفريات منتظمة واستقبالات كبيرة". كما يعيب المهنيون على شركة "صوريك" تشييد بنيات تحتية غير ذات أولوية، من بينها مركز التدريب ببوسكورة الذي كلف حوالي 200 مليون درهم، مع إنفاق 300 مليون درهم على مرابض الخيول الوطنية بدون مردودية؛ "وهي أغلفة استثمارية لم تنفقها حتى الدول الخليجية التي تربح من سباقات الخيول مليارات الدولارات". الانتقادات الموجهة إلى الشركة تركز بالأساس على أن نسبة كبيرة من نفقاتها توجه لأمور غير ذات أولوية، تأتي على حساب تربية الخيول التي يجب أن تكون المحرك المالي للقطاع بأكمله، الذي بات يحتضر اليوم بسبب التخلف عن ركب الدول التي استفادت من تطوير هذا القطاع بشكل كبير. ويقول أحد المهنيين في القطاع في حديث لهسبريس: "لقد سبق أن اقترحنا تقديم دعم كامل لوحدات تربية الخيول التي تنتج على الأقل خمس رؤوس، لكن الشركة الملكية لتشجيع الفرس تفضل الزبونية وتغدق الدعم لفائدة من يدور في فلكها". ويستحضر كثير من المهنيين في هذا القطاع "التعليمات التي أعطاها الملك محمد السادس بأن يكون أكبر سباق وطني للخيول مخصصا للخيول التي ولدت وترعرعت في المغرب"؛ وفي ذلك "إشارة واضحة لدعم الملاكين والمربين المغاربة، لكن شركة 'صوريك' تتجاهل هذا الأمر تماماً". وحسب الإفادات التي استقتها هسبريس فإن الشركة عمدت إلى نشر تصريحات عبر صحيفة رياضية ممولة جزئياً من طرفها تحاول من خلالها أن تروج أن الملاكين والمربين الكبار هم المستفيدون الكبار من القطاع على حساب الملاكين والمربين الصغار، وأن الكبار يمتلكون إمكانيات كبيرة من الإنتاج الكثيف وغير المعقلن للخيول. ويرد المهنيون على هذه التصريحات بالقول إن "على الشركة الملكية لتشجيع الفرس أن تفطن إلى أن ما تقوم به من خلال هذا التصريحات هو تأجيج الصراعات الشعبوية غير العقلانية، وأن تعي جيداً أن تدبيرها القطاع سيكون له تأثير سلبي على برنامج المغرب الأخضر المحدث من قبل وزارة الفلاحة والصيد البحري". الرهان التعاضدي الحضري يُقصد بإنشاء الرهان التعاضدي الحضري، الذي يدعو إليه مهنيو القطاع، سباقات الخيول التي تتم في حلبات السباق، والتي يتم الرهان عليها من قبل محبي ألعاب الحظ الذين يبحثون عن ضربة حظ لنيل مبلغ محترم يغيرون به مستواهم المعيشي. وحالياً يتم الرهان في المغرب على سباقات خيول تتم في فرنسا في الغالب، وهو ما يضيع على المغرب فرصة تحريك القطاع من خلال إيلاء أهمية للخيول المغربية وتطوير مختلف المهن المرتبطة بالخيل. وتكمن القيمة المضافة في إحداث رهان تعاضدي حضري مغربي في دعم قطاع تربية الخيول التي ولدت وترعرعت في المغرب، والتي تتم تربيتها بالأساس في العالم القروي، وهو ما سيأتي بالفائدة بالدرجة الأولى لسكان القرى. ومن شأن دعم إنشاء الرهان التعاضدي الحضري أن يضمن للقطاع ديمومة واستمرارية ويجعل المغرب في مصاف الدول التي جعلت من تربية الخيول نشاطاً مدراً للدخل، ومحركاً للاقتصاد وخالقاً لمناصب الشغل. ومن أجل المضي قدماً في هذا الصدد، راسل عدد من المهنيين في القطاع وزير الفلاحة والصيد البحري حول واقع الحال، وانتقدوا عدم اتخاذ الشركة الملكية لتشجيع الفرس ما يلزم للنهوض به كما فعلت عدد من الدول. كما اقترح المهنيون في رسائلهم التي وجهوها إلى الوزير، باعتباره وصياً على الشركة، إحداث فدرالية بيمهنية وتوقيع عقد برنامج للنهوض بالقطاع، لما فيه مصلحة المربين الصغار المتواجدين في الوسط القروي. وتسعى مقترحات المهنيين إلى إنقاذ مكاسب العقود الثلاثة الماضية عبر توقيع عقد برنامج يمتد من 2021 إلى 2025، سيمكن القطاع من تحقيق 6 في المائة من الإيرادات السنوية من الرهان التعاضدي الحضري عوض 3 في المائة حالياً.