كلما طلع علينا موازين، مهرجان الفرجة والفرحة، إلا ونادى مناد: أيتها الجموع إنكم لمدعوون لأيام تنسيكم همومكم، وتطرد أحزانكم، إنه فرصتكم للرقص والغناء، والابتعاد عن كوابيس المعيشة المزعجة التي تقض مضاجعكم طوال السنة. يجب على الشعب المغربي أن يتقدم بالشكر للساهرين على هذا المهرجان، لأنهم يختارون التوقيت المناسب لإطلاقه، فقبل نهاية كل موسم دراسي بقليل، حيث تكون الأسر المغربية قد أنهكها الكد والجهد، بسبب المشاكل المزمنة مع التعليم والصحة والسكن والقضاء والغذاء.. فيأتي موازين في وقته ليخفف عنهم آلامهم وينسيهم أحزانهم ويدخل عليهم البهجة والفرح. المغاربة في أمس الحاجة إلى الغناء والرقص حتى ينسوا الهموم، ولذلك فإن إدارة المهرجان توفر لهم كل عناصر الفرجة والمرح، وتتعاقد مع ألمع النجوم والنجمات في مجال الغناء والطرب من الغرب والشرق ليشاهدها شعب موازين مباشرة، وهم الذين لم يحلموا بمشاهدتها حتى في الأحلام، مع حرص هذه الإدارة على أن تكون مواده وفقراته متنوعة ومتعددة إرضاءا لأكبر عدد ممكن من الجمهور المغربي، لذلك لا ينسى الساهرون على نجاح المهرجان، تأثيثه ببعض نجوم الأغنية المغربية الشعبية والعصرية. لم يعد سرا ما يتطلبه المهرجان من ميزانية ضخمة، وحسب شهادة مدير المهرجان فإن الميزانية تقارب 6 مليار سنتيم، لكن حسب نفس المصدر أكثر من 60 % منها هي عائدات لمداخيل الجمهور، بل وأصبح المهرجان يدر على ميزانية الدولة 20% من مداخيل التذاكر والبطاقات، وهذا ما يجعل احتجاج البعض على موضوع ميزانية المهرجان غير مبرر، ما دام شعب موازين هو الذي يموّله. صراحة المهرجان أصبحت له شهرة عالمية، وحسب منظميه فهو يخلق 3000 منصب شغل سنويا، إضافة إلى الرواج التجاري الذي تشهده العاصمة، فضلا عن التسويق السياسي والسياحي، حيث يقدم المغرب كبلد متعدد الثقافات والفنون، وهذا ما يؤكده مدير المهرجان عزيز الداكي حيث قال: "إن المهرجان يخلق رواجا كبيرا ويعطي صيتا عالميا، متسائلا: "لماذا مهرجان موازين الذي يحقق كل هذه النجاحات ويلمع صورة البلد في الخارج لا يستفيد من دعم المدينة والمؤسسات العمومية؟. وحسب نفس المتحدث فإن موازين مهرجان شعبي بامتياز، يحضره مليوني متفرج، ألا يكفي كل هذا ؟ وهناك مسألة لا ينتبه إليها منتقدو المهرجان، وهي مجانية السهرات الفنية التي تضمن له الشعبية، حيث إن شعب موازين من الأغنياء يجود على الشعب الفقير، من خلال عائدات التذاكر والبطاقات، حتى يتقاسم الأغنياء والفقراء الفرجة، وهو ما أكده مدير المهرجان بالقول: "إننا حريصون على أن يبقى الولوج إلى 80% من مساحات العرض مجاني، وتبقى المداخيل التي تحققها منصة OLM السويسي، والتي تزيد عن 80% من المداخيل، هي التي تغطي مصاريف المساحات المجانية في باقي منصات المهرجان". صراحة لا أفهم لماذا يعارض البعض المهرجان، ويكيل له الانتقادات، رغم أنه مهرجان نموذجي سواء من حيث النجوم الوازنة التي تحيي لياليه أو من حيث المنوعات الفنية والموسيقية التي يتحف بها الجمهور المغربي، وبالتالي فهو يقدم خدمات جليلة لا يدركها إلا أصحاب الشأن، الساهرين على التنفيس على هذا الشعب المقهور. ومع كل هذه الإيجابيات، ما الذي لا يعجبكم في المهرجان؟ رجاء أيها المحتجون والغاضبون على المهرجان، دعوا الناس ترقص وتفرح لأيام معدودات، عساها أن تزيح عنها الغم والهم الذي تعيشه طوال السنة، مع هواجس البطالة وارتفاع الأسعار والسكن وهزالة الخدمات الصحية وبيروقراطية الإدارة... كنتم تنتقدون الدعم الذي يحظى به المهرجان من ميزانية الدولة، لكن إدارته أكدت أنها استغنّت عنه، أما اعتراضكم على بعض الأسماء أو المغنين الذين يستقدمهم المهرجان، ويخلقون الفرجة باستعراضاتهم المثيرة للجمهور، كما حصل مع المغنية البريطانية حليقة الرأس "ووجيسي جي" التي أثارت ردود فعل غاضبة، لكونها غنت من دون سروال، وهو ما اعتبره البعض فعلا فاضحا في مكان عام لا يليق ببلد مسلم، واستنكره نشطاء على المواقع الإجتماعية، واحتجوا على القناة الثانية التي نقلت تلك "الفضيحة" بحسب تعبيرهم.. وإن كنت أقدر مشاعر الغاضبين والحزانى على تلك الإثارة المجانية التي لا علاقة لها بمجال الفن والغناء، إلا أن ذلك لا يستحق كل تلك الضجة على لباس مغنية أجنبية هي حرة في جسدها، ولو لم تجد جمهورا يهتف لها ويتراقص أمامها ما كانت لتقوم ما قامت به، ومع ذلك فهي لم تتعرّ كليا كما فعلت ممثلة مغربية على خشبة المسرح (يا حسرة)، بل احتفظت بلباسها الفوقي، ربما حتى تدفع عنها تهمة الانتماء لحركة "فمين".. وإذا كان شعب موازين الذي حضر السهرة أو تابعها عبر القناة الثانية، أعجبته تلك المشاهد واللقطات الساخنة، فلماذا تريدون حرمانه منها ليضطر للبحث عنها في أماكن أخرى؟ لا أحد له الحق في الوصاية على جمهور متعطش للإثارة.. لا تنسوا أننا في مجتمع حر وديمقراطي وتعددي، ولا مجال فيه لكبت الحريات وتنميط الأذواق، ثم لماذا الاحتجاج على قناة دوزيم لنقلها السهرة؟ القناة مشكورة لم تقم إلا بواجبها المهني في نقل البضاعة التي وصلتها، وهي قناة ظلت وفية لخطها الإعلامي التحرري. أعجبني ما عبّر عنه كاتب مغربي بقوله إن: " النقاشات السطحية حول 'إفساد‘ الأخلاق و'زعزعة‘ العقيدة و نشر 'الرذيلة‘ وما إلى ذلك، لا تعدو كونها محاولات لإخراج النقاش من مجراه الطبيعي العميق إلى مجاري متشعبة وفاترة يضيع مفعولها أمام الزخم الجماهيري الذي تشهده منصات العروض على اختلافها". صحيح، لا شيء يستحق إثارة كل هذا الضجيج، الخطاب الأخلاقي لا مكان له في هذه الأيام، المهم هو الزخم الجماهيري، خاصة في صفوف الشباب الذي لا زال عاشقا للأنماط الفنية التي يقدمها المهرجان،وبالتالي لا خوف عليه من التشدد والانغلاق، وهذا ما عبّر عنه أحد الرفاق المعجبين بالمهرجان بفرح طفولي قائلا: "لا خوف على المغرب يا رفاق" (يقصد لا خوف على الحرية في المغرب من الإسلاميين). وهناك من تساءل لماذا صمت حزب العدالة والتنمية عن انتقاد المهرجان، كما كانت عادته في المعارضة؟ وفسره البعض بالتراجع عن موقفه. لكني لا أعتقد ذلك، كل ما في الأمر هو تغيّر المواقف بتغير المواقع، ولكل مقام مقال، موقع المعارضة يتيح هامشا كبيرا من الحركة والانتقاد والاحتجاج، بخلاف موقع الحكومة الذي يكبّل أصحابه بالمسؤوليات ويجعل أولوياتهم مختلفة وتحركاتهم محسوبة ومدروسة، فضلا عن كون الموقع الحكومي يجعل المتواجدين فيه أكثر اطلاعا على معطيات وحقائق لم تكن متاحة لهم في المعارضة، وبالتالي لا أعتقد أن الحزب تراجع عن موقفه من المهرجان، وإنما أملته المسؤوليات الحكومية. وبالمناسبة، فقد عبر مدير موازين عن أمله في حضور وزراء العدالة والتنمية هذه السنة، لكني لا أتوقع حضورهم، ليس لأنهم ضد الفن كما يروّج خصومهم، ولكنهم ضد تنميط الفن وفرض أذواق معينة، فلو أخذ المهرجان بعين الاعتبار الاختيارات الفنية والذوقية لهؤلاء الوزراء لضمن حضورهم. لذلك فإن إدارة المهرجان مطالبة مستقبلا، مراعاة لأذواق بعض الشرائح الاجتماعية المحافظة، استضافة أسماء غنائية تقدم فنا ملتزما، يحترم اختياراتهم الفنية، مثل النجمين العالميين ماهر زين أو سامي يوسف أو النجم المغربي رشيد غلام أو غيرهم، المهم هو أن يجد التيار المحافظ مكانا له في مهرجان العاصمة. وبذلك ستكون إدارة المهرجان، قد ضربت عصفورين بحجر واحد، وسّعت القاعدة الشعبية للمهرجان، بحيث تضم إليها الشرائح الاجتماعية المحافظة، وفي نفس الوقت تُنهي الجدل الذي يثيره كل عام، ويصبح المهرجان ممثلا لكل أطياف الشعب، ولا يبقى مهرجانا موجها لفئات معينة.