ما يعيشه المهاجرون العرب خاصة المغاربة في إسبانيا شيء مهين و خطير و عنصري لا يتماشى و قيم ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة التي قام عليها الاتحاد الأوروبي و إسبانيا عضو في هذا الاتحاد و جزء منه. تصوروا للحصول على إعانات التعويض عن البطالة تلزم السلطات الإسبانية المهاجرين المغاربة بترك جوازات سفرهم في نسختها الأصلية كضمانة،حيث يمنعون من مغادرة - لا أقول البلاد - بل حتى الإقليم الذي يقطنون فيه. حينما زرت مدينة برشلونة أخبرني بعض المهاجرين المغاربة من الفاعلين الجمعويين أنهم رفعوا دعوى قضائية ضد القرار أمام القضاء الإسباني فقضى بإلغاءه،لكم حكم المحكمة لم يخرج عن إطار الورق الذي دون فيه ،بمعنى أن الحاكمين في إسبانيا حين يتعلق الأمر بالمهاجرين مستعدون لضرب الأحكام القضائية عرض الحائط و إبقاء قوانينهم التمييزية سارية المفعول. حين سألت مسؤولا في أحد مكاتب العمل في برشلونة التي تمنح العاطلين عن العمل إعانات للتعويض عن البطالة بعد فقدانهم لعملهم،أخبرني أن السبب هو إجبار المستفيدين من الإعانات المادية على إنفاقها في محيط عيشهم،بعد أن تبين لنا - و الكلام لمخاطبي الإسباني - أن هؤلاء المهاجرون ينفقون ما تمنحهم إسبانيا من تعويضات في بلادهم الأصلية المغرب. وكل من خالف القرار فإنه يعرض نفسه لعقوبات مالية ثقيلة قد تصل إلى عشرين ألف يورو و إرجاع كل سنتيم تقاضاه كتعويض عن البطالة . لا أعرف لماذا لم تحرك المفوضية الأوروبية ساكنا بشأن هذا القرار المجحف و الظالم الممارس داخل التراب الأوروبي من قبل دولة عضو،فمن يعيش في أوروبا يعلم جيدا أن إعانات البطالة هذه ليست هبة أو صدقة من الحكومات على الناس،بل هي عصارة الإقتطاعات المالية الإجبارية التي تتم في رواتب العاملين أثناء عملهم..يعني إن عملت خمسة أعوام مثلا تكون الدولة قد أخذت جزءا مهما من راتبك طيلة هذه المدة و القانون يمنحك حق الحصول على التعويض على البطالة عن مدة عملك إذا قدر الله و فقدته. هذا هو النظام المعمول به في كل أوروبا فلماذا تستثني إسبانيا المهاجرين المغاربة من هذا الحق و تجبرهم على إنفاقه داخل ترابها،فلكل الحق في إنفاق ما يشاء في المكان الذي يشاء و الزمن الذي يشاء و حرية التنقل تكفلها كل دساتير العالم و المواثيق الدولية و أي تغيير يجب أن يسري على الجميع بما في ذلك العاطلين الإسبان أنفسهم. و في ظل الصمت الرسمي المغربي و تجاهل الحكومة المغربية لمشاكل رعاياها في الخارج و ضعف أداء سفاراتها و قنصلياتها و انشغالها فقط بحفلات "كعب غزال و المقروط و أتاي" و بالتجسس على مواطنيها في مساجد أوروبا،يتعامل معظم الإسبان مع المهاجرين المغاربة كما لو أنهم قنابل موقوتة أو حالات مرضية ينبغي عدم الاقتراب منها أو الأمان إليها. للإسبان دون غيرهم من الشعوب الأوروبية عادات غريبة مع الحياة والناس، هم يتراشقون بالطماطم في أوقات معلومة ويدفعون بالثيران الهائجة إلى الأزقة لتنطح مؤخرات بعضهم البعض وتمسح بالبعض الآخر الأرض،لذلك فهم لا يترددون في التعامل مع المهاجرين المغاربة بذات المنطق،خاصة و أن السلطات المغربية أدارت ظهرها لرعاياها في إسبانيا و قنصلياتها لا تحرك ساكنا في الأمر. العديد من المهاجرين المغاربة في اسبانيا يضطرون للعودة إلى المغرب لاستخراج البطاقة البيومترية وجواز السفر من مقر إقامتهم بأرض الوطن،فقط اتقاءا لشر القنصليات و التمثيليات المغربية في الخارج،نتيجة التعسفات الممارسة عليهم من قبل البعثات الدبلوماسية للمغرب باسبانيا وكذلك لغياب وزارة الخارجية المغربية عن تتبع أوضاع الجالية بالمهجر،و اكتفاء وزارة الجالية بتمويل حفلات "أتاي و الكعب غزال و المقروط" و دعوة الإسبان إليها بينما المهاجرون يرزحون تحت الظلم المسلط على رقابهم. إسبانيا كما باقي بلدان أوروبا غرقت حتى الأذنين في أزمة اقتصادية لا أول و لا آخر لها،و ديونها السيادية بلغت رقما قياسيا و في الأزمة تكشر القوانين العنصرية عن أنيابها. تتشابه القصص والألم واحد، تتحد الأوجاع والأسباب مختلفة، أزمة حلقت في سماء هذا البلد الذي يتخبط في أزمة ليقبض التوازن فأبت الظروف التاريخية إلا أن تطرحه أرضا فتتلوث نفسية كل من راهن على تحسن الظروف أو تغيرها.." شوف شوف المورو خدّام وحنا مالقيناهاش وييييييييييييو هوووووووه".."هذا ما يحدث لنا أثناء وقوفنا امام محطات الحافلات أو المترو اثناء توجهنا إلى العمل، أصبح العيش هنا صعبا والظروف أصعب" تقول مهاجرة مغربية وتضيف :" أضحى الاسبان يكرهوننا، يعتقدون أننا نأخذ أرزاقهم ونشاركهم في لقمة عيشهم الفقيرة، والمنعدمة في بعض الأحيان، بات الناس هنا مأزمين ويظنون أننا سبب الأزمة، وهذا شعور صعب، بتنا مأزمين نفسيا أكثر مما هو الحال اقتصاديا"... البحرُ من ورائكم، والعدوُّ أمامَكم … هكذا بدأ طارق بن زياد خطبته الشهيرة حين انطلقت جيوش المسلمين لفتح الأندلس، أما اليوم،لو عاد طارق بن زياد من نومته الأبدية لينظر في واقع وحال بني جلدته في البلاد التي أخضعها بقوة الخيل والسيف..من المؤكد أنه لن يتذكر من خطبته الشهيرة سوى عبارة : “اعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام”، ليخاطب بها هؤلاء المهاجرين المشتتين على حقول وأسواق وشوارع المدن والقرى الإسبانية مثل فلول جيوش هاربة من ساحة المعركة. السلطات الإسبانية لا ترحم العاطلين عن العمل من المهاجرين المغاربة،فهي لا تكتفي بتجريد طالبي إعانات التعويض عن البطالة من جوازات سفرهم المغربية،بل تمتد عنصريتها إلى رفض تجديد إقامة أولئك الذين فقدوا عملهم بسبب الأزمة ممن شارفت بطائق إقامتهم على انتهاء صلاحيتها،و بالتالي طردهم بالبلاد و لو بالقوة. يبدو حال الإسبان، اليوم، كما لو أن طرد المسلمين من أرض الأندلس لم يشف لأجدادهم غليلا، لذلك حافظ الأحفاد على حكايات و أساليب الأمس . السلطات الاسبانية، طالبت العديد ممن استفادوا من الإعانات المخصصة للبطالة وغادروا التراب الاسباني، بإعادة الأموال التي حصلوا عليها،و هناك من أدين بغرامات مالية خيالية وصلت في بعض الأحيان إلى 20 الف يورو،و هي قضايا نصبت فيها وزارة العمل الاسبانية نفسها كطرف مدني. ستظل العلاقة بين الضفتين محط مفارقات وتصورات متناقضة،و من هذه التناقضات أن ترفع السلطات سيف ترسانتها القانونية في وجه المهاجرين المغاربة دون سواهم،و تطبق عليهم قرارات عنصرية دون امتثال لأحكام القضاء. أعتقد أن الخطوة التي أقدمت عليها السلطات الاسبانية هي بمثابة تقييد لحرية تنقل الأشخاص،بل هي إجراء تمييزي على اعتبار أن الرعايا المغاربة هم أغلب من تعرض لهذه الشروط الجديدة، بحكم العامل الجغرافي وقرب المغرب من اسبانيا وسهولة التنقل. سلطات مدريد تحججت بأن الخطوة الجديدة يراد منها التقليص من حالات الاحتيال وضمان تواجد العاطل عن العمل فعلا على أراضيها،علما أن الأزمة الاقتصادية التي ضربت إسبانيا تسببت في عودة الكثير من المغتربين المغاربة إلى أرض الوطن على اعتبار أن المنحة المخصصة للبطالة - تقريبا 425 يورو كل ثلاثة أشهر - غير كافية ولا ترقى حتى للأجر الوطني المضمون في إسبانيا. أحد الشباب المغاربة ممن التقيتهم في برشلونة و يعمل في محل لتنظيف الملابس "مصبنة" في قلب "الرامبلا" الشهيرة سألته كم يتقاضى كأجر مقابل وقوفه النهار بكامله من الساعة التاسعة صباحا حتى التاسعة ليلا في المحل،أجابني 15 يورو لليوم 5 منها تذهب في المواصلات. برأيكم هل يتغرب المرء عن بلده و يعيش الغربة خارج وطنه و يقبل بكل أصناف العنصرية و التمييز مقابل 10 يورو في اليوم؟ استقيموا يرحمكم الله *إعلامي مغربي مقيم في باريس