فتح الحزب نقاشا داخليا أو ما أطلق عليه بالحوار الوطني عقدت على إثره ندوات كانت بحسب مناضليه بمثابة مراجعة ونقد ذاتي ومساءلة لتوجهات الحزب واختياراته وخطه السياسي على خلفية التراجع الملحوظ للحزب في الانتخابات التشريعية الأخيرة (7 شتنبر 2007). واللافت للانتباه أن من القضايا التي هيمنت على النقاش في بدايته ثنائية الهوية والتدبير وقد تم نشر بعض مداخلات قادة الحزب حول قضية الهوية والتدبير وهي ثنائية جديدة/ قديمة على غرار ثنائية الدعوي والسياسي وإن اختلفت الصيغة. ونتساءل عن جدوائية هذه الأطروحة ووجاهتها في هذا الوقت بالذات، ولماذا تم التركيز عليها فقط بدلا من قضايا أخرى؟ وهل تشكل قضية الهوية أو مسألة التدبير مشكلة حقيقية؟ أولا: الناظر في الحزب الذي يغلب عليه الطابع الهوياتي يجده يتضمن قراءة سياسية للإسلام، وتركيز على البعد الإيديولوجي السياسي الذي يمنحه إمكانية كبيرة لمواجهة السياسات الإمبريالية،وكذا الخصوم السياسيين المحليين ويتمايز في هذا الخط السياسي الطرف الإسلامي عن الطرف العلماني أما الحزب ذو الطابع التدبيري التنموي، فيهتم بالبرامج الاقتصادية والاجتماعية وتنفيذها وأجرأتها على أرض الواقع، طبعا على حساب المبادىء، ويسعى لتحقيق احتياجات ومصالح المواطنين المادية في سياقاتها المتناقضة. أما الخلط بينهما وهو ما يسعى، ربما إليه الحزب الإسلامي بالربط بينما هو هوياتي وتدبيري على مستوى الخطاب والممارسة فهو فقط يساعد على الانفتاح والاقتراب ولو نسبيا من الآخر المخالف سياسيا، كما يضمن عدم اهتزاز القاعدة الحزبية والكثلة الناخبة، وتبقى لهذا الخيار مشاكله الخاصة. ثانيا: يمكن أن نتساءل عن مستقبل الحزب في حالة تخليه ولو نسبيا عن طرح الخطاب الهوياتي لاسيما بالمعنى الذي راكمه الحزب منذ بداياته مع استحضار التكوين التربوي والثقافي لقواعده المرتبطة غالبيتها بتنظيم "التوحيد والإصلاح"التنظيم الدعوي.هذا إضافة إلى غياب نقاش عميق حول موضوعة الهوية في أدبيات الحزب وعلاقتها بالمرجعية وهذا راجع إلى ضعف النقاش الفكري والنظري أصلا في الحزب. وكيف نتصور حزبا سياسيا يقدم خدمات اجتماعية وتنموية مجردة عن أي خلفية فكرية وتصورية؟ هذا أكيد عمل لن يصدقه الخصوم السياسيون. إن هذه الثنائية "تدبير هوية" تبدو توهيمية نظرا لتأثرها بالخطاب الذي ساد في الآونة الأخيرة حول نهاية الإيديولوجيا، وأطروحة أفول الإسلام السياسي، التي تروج لها جهات أكاديمية وسياسية معينة تريد وضع الطبقة التكنوقراطية في الواجهة على حساب الطبقة السياسية. إنها ثنائية منسوخة أو مستوحاة من التجربة السياسية التركية، يراد تكييفها مع السياق المغربي؛إذ بما أن حسن التدبير يخدم الهوية فما جدوى الحديث عن الاهتمام بجانب وترك الآخر اللهم إذا كان ثمة تحولا في الفكر السياسي للحزب نحو توجيه خطاب "الطمأنة" للآخر أكثر منه للأنا الحزبية. تفضي هذه المسألة إلى منعرجات ومتاهات؛ فتفويض أمر الهوية للحركة التوحيد والإصلاح باعتبارها خزان المعنى الروحي، وتفويض التدبير للحزب باعتباره خزان المعنى المادي، يجعل للحزب في هذه الحالة مكلفا بمهمة إنقاذ المجتمع وليس إنقاذ الدين. فهل ثمة تمهيدا لنحت علاقة جديدة بين الديني والسياسي تفضي إلى علمانية "إسلامية" ممغربة – إن صح هذا التعبير – بسمات خاصة؟ إن صناعة القرار الحزبي لم تتحرر بعد من تلك العقلية الواحدية القائمة على مع أو ضد التي أدت إلى فكرة الثنائيات المتناقضة التي كبلت الإبداع من قبيل دين ودولة، أصالة ومعاصرة، هوية وتدبير... فلا المقاربة التوفيقية /التلفيقية بين الهوية والتدبير قادرة على تأسبس مشروع سياسي واضح المعالم، ولا تبني أحدهما قادر على فتح آفاق جديدة. إن الانعكاسات السلبية للمقاربة التدبيرية والتنموية لا تظهر عيوبها إلا بعد خوض الحزب تجربة الحكم حيث يكون الاستغراق في التدبير الذي لا يترك فرصة للتفكير. كما أن ممارسة الخطاب الهوياتي المكثف ينطوي هو الآخر على خطورة من نوع آخر من قبيل انتشار الكراهية والعنف والاحتراب الداخلي بين أبناء الوطن الواحد المختلفين كما حصل في بعض البلدان. وبالرغم من هذه الملاحظات يبدو أن النخبة داخل الحزب وإن لم تلامس الإشكاليات الجوهرية بعد فإنها تحوم حولها وهذه خطوة إيجابية في أفق الارتقاء بنقاش سياسي هام، ينتشل الحزب من الدوران في حلقة مفرغة ويؤسس لخطاب سياسي بعمق نظري وفكري واضحين. ""