لم يشهد العالم منذ زمن أجدادنا و آبائنا عزوفا عن الزواج كما يشهده العالم بشكل واسع اليوم، الى أن أصبحت ظاهرة خطيرة تهدد بنية المجتمع و تركيبته الاجتماعية، مما يؤدي الى إختلال توازن المجتمع، فتصبح بهذه معضلة تثقل كاهل مجتمعنا لنعلق بذلك أخطائنا على عاتق الوطن. فقد كان الزواج المبكر سمة منتشرة و علامة ميزت المجتمعات الاسلامية بتقاليدها و عاداتها و حرصها على الحفاظ على مفهوم الزواج و الأسرة ، ليس لكونه أمرا في ديننا فالاسلام لم يحدد سنا للزواج إلا أنه حث على ذلك، فقد قال الحبيب المصطفى عليه الصلاة و السلام يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فانه اغض للبصر و احصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء ،الا أننا نرى اليوم تغيرات كبيرة غير أنها ليست جميعها ايجابية و ذات نفع رغم تناسبها مع العصر. فالمشكلة تتلخص في كلمات هي أن في المسلمين آلافاً مؤلفة من البنات في سن الزواج لا يجدن الخاطب، و آلافاً مؤلفة من الشباب يرفض الزواج أو لايجد له سبيلا أو كما يقول البعض أنهم يرفضون العودة لأيام السلف لإختلاف الحياة و العقليات ،لكن إن لم يجد المجتمع حلا في ضوء الحلال فلن يجد الشباب للوصول الى حاجاتهم الغريزية إلا طريق الحرام، و عندها نكون أمام أمواج فساد يصعب المثول أمامها. ففي العهود السابقة كان الزواج مسيرا ، ليس كزمننا مطالب تثقل كاهل الشباب فتنهكه، فكانت الفتاة ما إن تبلغ حتى يسارع الخطاب لطلبها درأ للفساد، إلا أن اليوم فقدَ الزواج قداسته كقيمة إنسانية و ضرورة لإستمرار النسل البشري، فتغير المفهوم و النظرة لمؤسسة الزواج و اختلفت نمطية التفكير و العادات والتقاليد بسبب ضعف الوازع الديني، و الغزو الفكري و الاعلامي والعولمي ، كل هذا يمكننا وضعه في كفة و نفتح الكفة الأخرى لنسرد أغلب معيقات الزواج. فالتغيرات الإقتصادية أصبحت تتصدر قائمة الأسباب حيث أصبح الزواج تجارة في المهور و تفاخرا بين العائلات على من يقدم أغلى مهر لإبنتهم، ظنا منهم أنه ثمن لإعطاء قيمة لإبنته غير آبهين أن الطيب لا يحتاج لثمن ، إضافة الى غلاء تكاليف الزفاف و احتياجاته و مدته التي قد تدوم لأسبوع ليتسابق فيه على الإسراف و التبذير رغم إنخفاض مستوى الدخل لدى الشاب الذي يعلق على عنقه ديونا في بداية الحياة الزوجية، فتمس أعماقه ماهيته الوجودية ككائن يفرض عليه منطق الحياة لتوفير المستلزمات و تأسيس أسرة متكاملة، و هناك سبب الإقبال على الدراسات العليا لكلتا الجنسين فيرفض كلاهما الإرتباط حتى إنهاء دراسته التيتعني شهادة يمكن منها الحصول على راتب مغري يوفر متطلبات الحياة، إضافة الى الشروط التعجيزية لدى بعض العائلات التي تقول أن هذا من حقها لضمان مستقبل إبنتهم غير أن أخلاق و دين و صدق الشاب و عائلته هو الضامن الوحيد. ولاننسى عدم رغبة بعض الشباب تحمل المسؤولية و تقييد الحرية وخوف البعض الآخر من الطرف الآخر، حيث يقول أغلبهم مكانش بنات الناس ههه ،طبيعي أن لاتجدهم إن كنت من أصحاب الليالي الحمراء، وكذلك رفض بعض الفتيات السكن مع أهل الزوج حتى إن كان ذلك مؤقتا خوفا من المشاكل و حبا للاستقلالية، و مشكل المستوى التعليمي حيث غالبا ما يرغب الشاب في فتاة أقل منه سنا و علما. ولا ننسى الاعلام الذي ينثر سمومه عبر المسلسلات التلفزية ،فيبدون الجانب السلبي فقط للزواج بينما يتم التحفظ على الجانب الإيجابي فليس في الدنيا شيء إلا ويقابله شيء ،أنا لا أقول أن لامشاكل في الزواج، فلو كانت الدنيا تصفولأحد لصفت لأنبيائه و رسله، إضافة إلى انتظار الفتيات لذلك الفارس على الحصان، الذي لا أظنه سيأتي لأن زمن الفرسان انتهى. تعدد الأسباب ليصبح تعدادها من المستحيلات لإختلاف الوسط و الفكر، لكن يمكننا تقسيم الشباب بالنسبة للزواج الى قسمين، قسم صادق عاجز عن الإتيان بشروك الآباء المعجزة لزواج بناتهم ،فيضعون العراقيل وهو يبذل جهده في محاولة إتمام هذا الزواج فهذا لا يمكننا سوى الذعاء له بالتيسير، اما القسم الثاني فهم المعرضين عن الزواج بأسباب تتساقط تدريجيا بكل تلقائية ليجد لنفسه كل مرة عذرا ليستمر في حريته كما يقول. إن تجاوزنا لهذه الظاهرة بإصلاحها عن طريق إحكام الوازع الديني ، و خفض المهور وتيسير تكاليف الزواج و عدم انتظار الشخص الكامل كما يقول البعض ،فالكمال لله سبحانه، إضافة الى نصح و ترشيد الأهل و ترغيبهم في الحياة الزوجية ،وتحذيرهم من الوقوع في الحرام وتخويفهم منه.