البعض صوت على حزب "العدالة والتنمية" أو لم يصوت متوقعا أن يعمل فور توليه الحكم على إغلاق الخمارات وإلغاء برامج الغناء والمسلسلات وغض بصر الرجال وتحجيب البنات وسد دور الدعارة ومنع الخليجيين القادمين للسياحة من المغربيات.. متناسين أو جاهلين بأن المنتِج رأسمالي حر والمستهلك هو شعب حر، وما الحكومة من كل ذلك إلا متفرج مُوقع على عقود استثمار تنمية تخرج من بنودها حفلات ومهرجانات تغني لتغطي على صرخات هذا الواقع المر. كتبت في مقال سابق بعنوان: "النيو ليبرالية وحكومة بنكيران" عن اقتصاد الليبرالية الجديدة التي حررت البنوك والشركات من كل تعليمات الدولة، وكيف انتقلت إلى المغرب منذ ثمانينات القرن الماضي لتحول السياسة والهوية والدين إلا خدام اقتصاد، وأعطيت معلومات باختصار وبساطة تشرح مدى تفوق الرأسماليين عالميا على المسؤولين، خاصة في حالة مثل حكومة "بنكيران" حيث السلطة لا علاقة لها بالمال، وبالتالي ليست قادرة على السيطرة على معاملات أصحابه ولا تملك في تجاراتهم أي قرار. وإن كان أصحاب المال أناس غير متدينين ولا يعترفون في التجارة بالحلال والحرام، يبقى الحل ومفتاح اللعبة كله في يد المستهلك، وكيف سيوقف عجلة الإنتاج والعرض أو يضخها بزيادة الاستهلاك والطلب. هنا، يصعب علي أن أفهم شعبا يطالب حكومة "بنكيران" بإغلاق الخمارات وهو يرتادها، وبسد دور الدعارة وهو مسيرها، وبإيقاف لعب الحظ والميسر والقمار وهو زبونها، وبمنع بث البرامج الماجنة من التلفزيون وهو مشاهدها، وبتغطية البنات وتحجيب الفنون، وبغض بصر الرجال وهم ينظرون! كيف يطلب الشعب من الحكومة الإسلامية تغيير واقعه المعيش وتنقيته من معاصيه الشخصية، معاصي استهلاك الموجود، بحذف الموجود. ما هذه الصورة العجيبة التي يرسمها المغربي لنفسه على أنه المسلم المسير الذي يحتاج لمن يمهد له ظروف العبادة، وإلا أخطأ، وألقى اللوم على الحكومة وأغرمها صفتها الإسلامية! وحمل ذنوبه على عفاريت نظام الرأسمالية. يذكرنا هذا بآية من سورة غافر: "وإذ يتحاجُّون في النار فيقولُ الضعفاء للذين استكبروا إنّا كُنا لكم تبعا فهل أنتم مُّغنونَ عنّا نصيبا من النار. قال الذين استكبروا إنّا كُلٌّ فيها إن الله قد حكم بين العباد". كيف يمكن لحكومة أن تحارب الليبرالية الجديدة باسم الشعب.. وزبون الليبرالية الجديدة هو الشعب نفسه. باسم من ستحارب الحكومة وكيف ستحارب، وللسلع زبائنها، وللرأسماليين مستهلكون، وللعرض طلب؟ هل ستحارب الرأسماليين وتحارب المستهلكين؟ هل ينتظر الشعب من الحكومة الإسلامية لتستحق لقب إسلامية أن تحارب التاجر والزبون، أن تحارب البائع والمشتري، أن تحارب من فوقها ومن تحتها وتقيم حدودا لو طبقت لوقعت على %99 من الشعب؟ وأين دور الشعب نفسه الذي صوت على حزبا لتطبيق دين من تطبيق هذا الدين؟ لن تستطيع الحكومة مساومة اللوبي الرأسمالي على الترويج لنوع من السلع يمر من مصفاة الحلال والحرام مادامت تلك السلع الحرام تجد لاستهلاكها زبائن بالملايين من المسلمين!!! وتجد أسواقا تحرك أسهما وتحرك اقتصادا آيلا للسقوط. ولن تستطيع الحكومة مواجهة اقتصاد ليبرالي بوجه قاتم زاحف بثبات إلى المغرب مادام المغاربة جاهزون سلوكيا لاحتضانه. أعلم أن التأثيرات الخارجية للإعلام والجمعيات الحقوقية أخذت مأخذها من الشعب وسربت له كل التوجيهات الاستهلاكية باسم الحرية وباسم الحق وباسم المساواة ليخرج الرجال والنساء أفواجا إلى العمل والشراء والسداد في نوع من العبودية العصرية المجملة، وأعلم خاصة أن هناك جيلا جديدا صاعدا خلطت عليه كل مفاهيم الحق والعدل حين وجد آباء منقادين إلى ما يروج له الإعلام.. لكن إرادة الشعب في تغيير سلوكياته قادرة على تغيير واقعه. فلم يكن سهلا أن يتغير شعب من الاستهلاك المشترك المقنن وسلوكيات الشراء العائلية الجماعية في نوع من الرأسمالية الإسلامية التي تبيح التجارة الحلال ونوع من الاشتراكية الإسلامية التي تبيح الاستهلاك بقصد والتكافل الاجتماعي، إلى استهلاك فردي يفوق إنتاج الفرد نفسه، بميزانيات تفوق قدرته.. برأسمالية مبنية على إقراض الناس وقتلهم بالفوائد واشتراكية معدومة حيث لم يعد في المجتمع معنى للتكافل قط، لم يتم ذلك إلا عبر إدخال مفاهيم الحرية بالفردية، وتفريق العائلة وتشتيت الأسرة، وتغيير نمط العيش إلى نمط أناني مادي محض. حين صوت على حزب العدالة والتنمية لم أكن أنتظر منه اجتماعيا: أن يقفل الخمارات ويفرض على النساء الحجاب.. ولم أكن أنتظر منه اقتصاديا: أن يؤدي عن المغرب قروضه إلى البنك الدولي.. ولم أكن أنتظر منه سياسيا: أن يعلن الخلافة الإسلامية! إنما صوت له ليبقي فقط على الموجود، أي اجتماعيا: أن لا نعلن حق الشواذ في الزواج.. اقتصاديا: أن لا نزيد تبعية للغرب.. سياسيا: أن لا نعلن المغرب دولة علمانية! .. حتى نتمكن مع إحساسنا بالاستقرار والحفاظ على الموجود المطالبة بالباقي عبر نشر التوعية. علما مني.. علم اليقين، أن أي حزب آخر مستعد لأن يبيع المغرب لمن يدفع أكثر لأجل السلطة والمال، ويدخل الليبرالية الجديدة من بابها الواسع ويقترض ليفك الأزمة ويسدد ببيع الهوية وأرض المغرب. علما مني علم اليقين أن مع حزب "العدالة والتنمية لا زال هناك أمل، أمل أن أكتب ما أكتب اليوم وأنشره، أمل أن أنشر الوعي دون أن أمنع باسم محاربة الإرهاب! لأن وجود حكومة إسلامية يضمن لي ما يضمن من حق التوعية الإسلامية في صيغها السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل منشور ومقال.. لأن حكوماتنا حكومة إسلامية.. رغم كل ما يقال! www.facebook.com/elMayssa