غابت طويلا أعمدتي الهستيرية على موقع هسبريس، وقطنت لسنة على صفحتي على الفايسبوك بأفكاري التي تناضل ضد الرأسمالية والمساواة والحريات حتى أصبحت أبدو للبعض كائنا فضائيا أعيش في الأوهام.. وسماني البعض الآخر "خونجية" وكأن الوحي نزل بالقرآن على مرشد جماعة "الإخوان"! لم أغير توجها رغم المزاعم والانطباع الغالب، هو نفس التوجه ربما زاد ثقة لما التألم القلب مع القالب! غبت محملة بلعنة حركة "20 فبراير"، التي لطالما رأيت فيها قيادة وأتباع، ولطالما حكمت عليها من القيادة، وهو عين المنطق، كما يقول المثل المغربي: "الحاجة للي ما تشبه مولاها حرام". قيادة اجتمع فيها المتناقضان، علمانيون يناضلون لتفريق الدين عن السياسة، وجماعة ترغب بإعادة الخلافة، تحابوا لهدف واحد : إفراغ كرسي سيتكارهون لاحقا استباقا عليه كما يجري الآن في مصر .. ماذا يجري في مصر؟ جماعة إسلامية ضد حشود علمانية، قالوا تحابوا لمصلحة الشعب، والآن يتناطحون ويموت بينهم الشعب! ولذلك، وخلال هذه السنة، خوفا على المغرب من أيدي علمانية، وخوفا على السياسة من فكر "الجماعة الإسلامية"، التي تتبنى منطق "جورج بوش": إن لم تكن معنا فأنت مع الإرهاب فأنت مع الكفار.. اخترت الحل الوسط، الحل القانوني، حزب بمرجعية إسلامية يحافظ على الإسلام دينا رسميا للدولة، بدافع إسلامي محض، يقينا مني أن إصلاح الوطن ليس بيد أحد!! صوتُّ على حزب "العدالة والتنمية"، وفرحت لفوز "بنكيران" برئاسة الحكومة، دون أن أنتظر منهم الشيء الكثير! على أساس أنها ليست مسألة تغيير قادة ورؤساء، ولا تغيير حكومات، ولا تغيير رجل برجل، في ظل نفس النظام العالمي . وقد يتساءل كثيرون، وما دخل النظام العالمي في الشأن الوطني، هو كمن يستاءل: ما دخل المخزن في فيضان واد الصرف الصحي في حينا؟ وجوابه سهل: ها هي ذي حكومتنا الإسلامية تجوب البلدان الأوروبية طلبا لسلف الله الصالح.. ها هي ذي الأزمة الاقتصادية تطل علينا في المغرب لتشحن ضد حكومة إسلامية المسلمين والعلمانيين، لتقلب عليهم السجادة والطاسة غيظا في رفع الدعم عن صندوق المقاصة.. ها هو ذا اقتصاد تونس في الحضيض، بطالة أنهكت الشباب ولا زال العلمانيون متأثرون بالخسارة والإسلاميون بفوزهم في يوم عيد.. ها هي ذي ليبيا، انتهى عهد القذافي والدينار الذهبي الذي وعد به القارة الأفريقية، ولا زالت فرنسا تسترد ما خسرت على الثوار الليبيين من أسلحة تسف البترول الليبي إلى ما لا نهاية.. هاهو ذا مرسي، الذي وقف أمام الألمانية مريكيل: حين بلع الرجل لسانه، وأخفى إسلامه، وأسمع المرأة ما يروقها طلبا للمال، وما أدراك ما المال.. يخلط على المرء الحرام و الحلال.. إذن إنها ليست مسألة سياسة، إنما مسألة اقتصاد، رأسمالية عالمية تحتكر قيمة المال، وتطبع قيمته في أوراق ليس لها قيمة، وتقرضها بمقابل النصب والاحتيال.. وإذ أننا في حاجة لهم استثمارا وسيولة، يمنعون عنا الأبحاث العلمية، ويجعلون على أراضينا قواعدهم العسكرية، ويستثمرون فينا منتجاتهم المحلية، ويستنزفون بأبخس الأثمان مواردنا الطبيعية.. إنها مسألة اقتصاد، تزيد من حدة الاستعباد، تقيدنا في دوامة من التبعية.. هل نستطيع نحن كشعب أن نصبر على ما صبر عليه عمال الصين واليابان من إجهاد واضطهاد وعبودية حتى ننمي اقتصادنا يدويا بمنتجاتنا المحلية ونصل إلى ما وصل إليه اقتصادهم الآن؟ هل نستطيع أن نخترع ونبتكر دون أن نسرق ونحتكر وننافس المنتجات الغربية لنصل بالتكنولوجيا إلى الأسواق العالمية؟ أم أننا نريد اقتصادا قويا منزلا كالوحي؟ أم أننا نريد عملة قوية كعملة الأورو لسواد عيوننا.. ها نحن، شعوب كسولة متكاسلة متواكلة، ترفض مجرد التفكير بأن التغيير ربما يجب أن يبدأ بصحوة قبل ثورة.. ولنفرض أن التغيير يجب أن يبدأ بالقمة حتى تنفرج عن الأمة الغمة، من هذا القائد الراشدي القادر على فرض اقتصاد إسلامي دون أسلحة، ودون أبحاث علمية نصنع بها قنبلة نووية ندافع بها عن نفسنا، كما هو حال إيران الذكية، التي فهمت منذ زمن طويل أنها فور تبنيها نظاما مخالفا للنظام الإمبريالي العالمي ستوضع في خانة الدول الإرهابية! من هذا القائد النابغة الذي سيأتي ليفرض بيت مال للمسلمين، يقتص له الزكاة غصبا من ثروات الرأسماليين، ودون جيش يدافع به عن نفسه حين تستقصده تلك المافيا، تلك النخبة التي تنمو على لحم الطبقة المتوسطة، تستنزف رواتبها عبر فوائد القروض الربوية. إن كانوا هم جزءا من الجيش! من رئيس الدولة أو الحكومة هذا الذي سيأتي ليطبق القرآن، وعلماءنا نائمون في التقليد، لم يأتوا في العلوم الإسلامية ولا الشروحات القرآنية ولا الدراسات الحديثية بجديد، علما أن القرآن صالح لكل زمان ومكان، لكننا نحن من نحتاج علماء قادرين على استنباط معانيه لما نحن فيه من محن الآن! إننا لسنا فقط في خصاص رجال أو قادة، وولكننا في خصاص البحث العلمي الذي حرمنا منه، في خصاص جيش قادر على أن يحمي البلاد لا أن يروع العباد، في خصاص لخطط وأسلحة، تخرجنا من هول التبعية الأمريكيةالغربية.. لم تعد العلمانية ترعبني، لأني أعلم علم اليقين أن الشعب المغربي، رغم تناقضاته وسلوكياته الليبرالية شعب مومن متمسك بدينه وهويته، لن يختار أبدا لبلده غير الإسلام بقرآنه وسنته، لم أعد أفكر ما في وسع الحكومة أن تعمل أو لا تعمل، ولم تعد تهديدات الثوريين تستفزني، لأني على يقين: بأنه لن يتغير حال تونس.. لن يتغير حال مصر.. لن يتغير الحال بالثورة على نظام داخلي موالي تابع.. إنما الثورة على نظام النخبة الصانع.. هي ليست مسألة سياسة.. إذ لا توجد أصلا سياسة.. بما أنه لا يوجد تطبيق.. والقوانين مخترقة.. والدساتير مداد على ورق.. ورجالها سياسيون من ورق! إنما هي مسألة اقتصاد.. نظام مبني على الاستثمار والربح والفوائد.. والتوسع لاستنفاذ الموارد.. وشعب عامل مؤطر بالإعلام ليجعلوا منه مكنة للاستهلاك عابد.. ما يلزم.. لتتغير تونس ومصر وليبيا.. ليتغير المغرب.. ثورة اقتصادية.. ضد الرأسمالية.. من يقدر على الثورة على الغول الرأسمالي العالمي.. فليتقدم إلى ساحات التحرير مشكورا.. www.facebook.com/elMayssa