بدعوة كريمة من منظمة التجديد الطلابي، شاركت بداية الأسبوع الماضي في المنتدى الفكري السابع، دورة " الدين و الدولة في السياق الإسلامي المعاصر مقاربات نقدية"، بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان، وقد تقدمت بورقة بحثية في موضوع :"مفهوم الدين في القرآن الكريم". في مستهل الورقة طرحت ثلاثة أسئلة أولية مؤطرة لمنهجية البحث. لماذا الحديث عن مفهوم الدين؟ - بعد وصول الإسلاميين إلى السلطة، عقب حَراك " إرادة الشعب"، تصاعد الحديث عن الدين بصفة عامة، و عن دين الإسلاميين بصفة خاصة، فاختلفت المقاربات و المواقف، بين مشكك بصراحة، في قدرة الدين الإسلامي، وعجزه عن تقديم إجابات واقعية في الاقتصاد و الثقافة و السياسة و حقوق الإنسان و الحريات..، وبين منتقد لتوظيف حركات الإسلام السياسي للدين في الصراعات الانتخابية و الإيديولوجية من أجل الوصول إلى السلطة، وبين مدافع عن ما يسمى ب"المشروع الإسلامي" المؤسس على المرجعية الدينية، و قدرته على تقديم الحل للمشاكل التي يعاني منها الإنسان العربي..، إزاء هذا الجدل، يتضح أن كل طرف له تعريف محدد للدين الإسلامي، يصل مداه إلى مستوى التضاد و التناقض ! - أغلب الندوات التي تطرح إشكالية" الدين و الدولة"، تقع في خلل منهجي، على مستوى المدخل المفاهيمي الذي يشكل المقدمة الأولى للبحث، فيركز معظم الباحثين على مفهوم الدولة من حيث الدلالة و التداول، غير أن مفهوم الدين لا يحظى بدراسة مفاهيمية دقيقة، بتحديد مفهومه في النص و في الممارسة التاريخية داخل الاجتماع الإسلامي، وكأن هذا المفهوم واضح لا يحتاج إلى تفسير و تعريف، غير أن الواجب اليوم، هو إعادة تعريف الدين من منظور قرآني، و العمل على سبر أغوار حضوره في سياقه التاريخي. - كل الحركات الإسلامية في العالم تؤكد على أن مرجعيتها، هي مرجعية وحيانية، تستند إلى القرآن و السنة، مما يعني أن الدين كما تتصوره، تشكل من خلال هذه المرجعية، ولا يمكن التحاور مع هذه الحركات دون الرجوع إلى مصادر معرفتها، و الغوص في المفاهيم المركزية، التي تشكل رؤيتها، و على رأسها مفهوم الدين/ الشريعة ..، فلا يكفي دراسة الظاهرة الإسلامية، من خلال سلوكها السياسي، و خطابها الدعوي، وفعلها الاحتجاجي.. لماذا الحديث عن مفهوم الدين في القرآن الكريم؟ - توظف الحركة الإسلامية في خطابها، مفردات المعجم القرآني، و من بين هذه المفردات الأكثر جدلا ما يلي:" الدين، الشريعة، الحدود، الردة، الجهاد، الحكم، الخلافة، الشورى، الوسطية، الإيمان، الكفر، الإرث، الأخلاق، العفة، الحجاب."، فهذه المفردات و غيرها، لها موقع في القرآن الكريم، الذي يشكل رؤية الإسلام للوجود الإنساني في كل أبعاده، و من الطبيعي، أن تنهل هذه الحركات من هذا المصدر الأول، و تعبر عن رؤيتها الاجتهادية من خلاله، فكل ما تقدمه وجهة نظرها، التي تتراوح بين الصواب و الخطأ، باعتبار أن القرآن الكريم يتجاوز التفسير الواحد إلى التفاسير المتعددة. غير أن المشكلة لا تكمن في هذه الحدود الخاضعة للاجتهاد العلمي الجاد، بل تبرز المشكلة في توظيف هذا المعجم في إطار الصراع السياسي من أجل الوصول إلى السلطة بين كل الفاعلين، الذين يتحمسون إلى الدين، و الذي هم ضد الدين، فيقع التزوير و الانتحال و الغلو في المفاهيم، الشيء الذي يدعو إلى إعادة التذكير بالمفهوم كما يرد في نصه المرجعي الأول، و حماية القرآن الكريم من عبث العابثين.. - يقدم القرآن الكريم بنائية مفاهيمية دقيقة، فكل مصطلح يدل على مفهوم محدد، و كل مفهوم يدل على الرؤية الكلية للقرآن، و لا يمكن أن نحدد تعريفا لمصطلح ما إلا بالنظر في شبكة علاقته مع باقي المصطلحات، فالتعريف كما هو معلوم في علم الدلالة هو محصلة علاقة مصطلح ما، بشبكة من المصطلحات، و عليه لا يمكن أن نعرف الدين، إلا بتحديد تراكيبه الإضافية و الإسنادية و الوصفية و العطفية، مثلا كهذا التركيب الوصفي الوارد في القرآن " الدين القيم" أو هذا التركيب الإضافي " دين الحق".. ، وبتحديد علاقات الدين مع المفردات الآتية:" الشريعة، الملة، الإيمان، الإسلام، الإخلاص، الإحسان، الكفر..". فبهذا المنهج الذي يتجاوز التوظيف الانتقائي للمفاهيم، و الذي يسعى إلى وضع المفهوم في إطاره البنائي الكلي، يستطيع أن يحمي المصطلح القرآني، من الاستعمالات المخلة، و خصوصا في الجداليات السياسوية و الإيديولوجية، التي لا تتوخى الدقة و الأمانة في إبلاغ المفاهيم القريبة من حقيقتها. بقدر ما سطع نجم الإسلاميين في الساحة السياسية في العالم العربي، بقدر ما تصاعد النقاش في المفاهيم المرجعية لهؤلاء الفاعلين، غير أن النقاش في غالب الأحوال لا علاقة له بالخطاب العلمي الرصين، كل ما في الأمر، القصد إلى التخويف من الإسلاميين إلى درجة الفوبيا، أو تكفير المخالفين إلى درجة الشيطنة، و القلة منتيسمع إلى صوت إلى العلم. في تقديري إن الشعوب مدعوة إلى اكتشاف الخطاب القرآني، و إعادة بناء حياتها على ضوء مفاهيمه، حماية لوجدانها و عقلها من سحرة الإعلام، و دجاجلة السياسة. [email protected]