عندما يتحدث تاريخ الإنسانية عن الذكريات والأحداث التي صنعت على مدار الدهر، هي محطات لزم أن يتوقف عندها المرء بتأن ورويه ، لكي يستجلي منها جملة من عبر الأيام ودروس الماضي ، وليبني عليها بالتالي دعائم المستقبل انطلاقا من رؤية متبصرة بالواقع المعاش ، حينها ينبغي له أن يرجع بذاكرته بكل إجلال وإكبار لصفحات المملكة المغربية الشريفة ، وتاريخها المشرق حقا ، والتي كللت جبين الدنيا بأزاهير التسامح والسلام والتعايش الحضاري الإنساني بين مكونات شعبها وشعوب العالم ؛ بحكم موقعها الجغرافي وتميزها الثقافي... فكأنما باتت أسطورة من نسج الخيال، ابتدأت مع قصة رجل فقيه عالم من آل البيت النبوي وهو المولى ادريس بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي ابن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمه عاتكة بنت الحارث بن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي ، فهو إذن قرشي من الأبوين، ولعلمه ونسبه الشريف فبمجرد ما وطأت قدماه أرض المغرب قادما من بلاد الحرمين الشريفين بايعه المغاربة على سنة الله ورسوله يوم الجمعة 4رمضان سنة 172ه الموافق 6فبراير789م بمدينة وليلي.. ومن تلك الحقبة الزمنية وجيلا بعد جيل وسنة بعد سنة ، بدأت تتشكل الأمة المغربية وبروز خصوصياتها ، ومنها محافظتهم على إمارة المؤمنين نظاما لحكمهم وتدبير شؤون دينهم ودنياهم ل ايقبلون به بديلا ، ولا يبغون عنه حولا، مع الأخذ بالطريف المفيد والمبتكر الجديد من اجتهادات أهل العلم والمعرفة التي ل ايتعارض ومقاصد الشرع الحنيف . "" فعيد العرش المجيد كما يسميه أهل المغرب أوعيد البيعة يذكرنا ببيعة الرضوان التي بايع الصحابة الكرام رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم ، والذي ذكرها القرآن الكريم ومازالت تتلى في سطوره إلى قيام الساعة " لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم .." وعلى هذه السنة الحميدة بل والفريضة الملزمة انعقدت إمارة المؤمنين بالمغرب ومنهم إمامنا الشاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله ؛ فنظام البيعة في أعراف وتقاليد مغربنا الحبيب يرتكز أساسا على مبدأ توثيق الحقوق والواجبات المتبادلة بين الراعي والرعية ، والمنسوجة دائما بخيوط الحب والتسامح والمساواة والصدق والأمانة والوفاء..أليس ذلك كله مدعاة لأن يخلد الشعب المغربي الأصيل ذكراه عيد العرش المجيد ، وهو يطوي سنته التاسعة في عهد صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله تعالى ، بثوب العزة والكرامة يصاحبه الأمل والتفاؤل في استشراف المستقبل الفياء بالعطاء . فاحتفالنا بهذه الذكرى المجيدة نستحضر من خلالها ما تحقق في عهد جلالة الملك محمد السادس من عطاءات وإنجازات وعلى جميع الميادين الثقافية والسياسية والتعليمية والاجتماعية والقانونية والدينية والتنموية ، وأن هذه المسيرة التنموية الشاملة التي لاتزال تسير عليها المملكة اليوم ، إنما هي انعكاس لسياسة الأمس منذ عهد التأسيس والاستقلال على يد الأب الروحي للمغاربة المغفور له بإذن الله تعالى محمد الخامس طيب الله ثراه، وزعيم الوحدة والاستقلال المغفور له جلالة الملك الحسن الثاني أدخله الله فسيح جناته ، تبعهم في هذا النهج إبنهم البار في النماء والإعمار أمير المؤمنين محمد السادس ، والذي يعمل بجد وحزم وبكل شفافية ووضوح لايعتريها من لبس أو يمايزها من زيف ، على إرساء دعائم دولة الحق والقانون والشورى والديمقراطية ، كما يبذل جلالته للرفع من تحسين مستوى المعيشة لتمكين شعبه في جميع أرجاء مملكته من العيش برخاء وطمأنينة ، يقول جلالته في إحدى فقرات خطابه لسنة 2006م "..إن علينا كأمة عريقة التاريخ ، أن نؤمن إيمانا قويا بصواب اختياراتنا ، وأن نعتز أشد مايكون الاعتزاز، بما نخطوه من خطوات ثابتة ، على درب التنمية والديمقراطية..وعلى الفاعلين الجمعويين والاقتصادين أن يعطوا المثال ، بالتزامهم الصادق بقضايا الأمة وطموحاتها ، وبانخراطهم الموصول في الأوراش التنموية للبلاد.." والمتأمل للفكر المقاصدي والاجتماعي والتنموي لجلالته يرتكز على قناعات ثلاثية الأبعاد ، ينبني أولها على التزام صاحب الجلالة الملك محمد السادس في القطاع الاجتماعي ، من خلال محاربته للفقر والأوضاع المشينة التي تمس بالخصوص الطبقات المعوزة . أما المرتكز الثاني فهو المحفزات الاقتصادية ،باعتبار أن تحقيق إقلاع اقتصادي حقيقي للبلاد سيظل بعيد المنال مادامت هناك فئة كاملة من السكان والمناطق تعيش على هامش دورات إنتاج الثروات والحياة الكريمة . والمرتكز الثالث هو مستمد من الجانب الثقافي والحضاري ، من كون أن المجتمع المغربي يتوفر على رصيد وركاز لاينضب من التضامن والتكافل ، يظل من مهام الدولة والمجتمع بأكمله ، مما ينبغي المحافظة عليه وتطويره وتفعيله والاجتهاد في فتح أبواب جديدة من مخزونه . وانسجاما مع المواقف التاريخية للمملكة المغربية وخطها الواضح فيما يتعلق بالعمل العربي المشترك والتضامن بين دوله ومجتمعاته والعمل دائما على استنهاض الهمم والوقوف بجانب الحق مهما كانت مرارته قال جلالته في خطاب العرش الموجه لشعبه العزيزفي24/7/2006م : " ومن منطلق الثقة والمصداقية التي يحظى بها المغرب جهويا ودوليا ، فإنه يظل شريكا فاعلا في مسلسل السلام بالشرق الأوسط ، رغم الصعوبات القائمة ، وفي هذا السياق نعرب عن انشغالنا البالغ بالتطورات الخطيرة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة ، وتنديدنا الشديد بالاعتداءات السافرة التي تقوم بها الآلة العسكرية الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين ، ومنشآتهم الحيوية ومؤسساتهم ..." إن هذه الذكرى المجيدة الذي يحتفل بها الشعب المغربي من كل سنة والعالم العربي والإسلامي يموج في ظلمات الجهل والتخلف ، ناهيك عن الصراعات المذهبية والطائفية التي أشعلها دعاة الكراهية والإرهاب وسط الشارع العربي المسلم ، زاد في الصورة قتامة وسوادا ، وهذا الداء الخطيرا لذي بدأ يدب في صفوف شبابنا وأبنائنا في مغربنا الحبيب ، هوفي الحقيقة زائردخيل على خصوصياتنا وهويتنا الحضارية ، المبنية على الحب والتسامح وتقبل فكر الآخر، وبالتالي يصعب عليه العيش والاستمرار والاستقرار في أراضينا ، لأنه فقير لارصيد له ، ويحمل بذو رفنائه في جيبه، ونحن لانشك في قدرات ملكنا الهمام واستراتيجياته الحكيمة في معالجة الكثير من المشاكل وعلى رأسها ملف التطرف والإرهاب ، ولن يتأتى لنا ذلك إلا بوقوفنا جميعا جنبا إلى جنب ، وبوضع يدنا في يد جلالته ونتلوا قول الله تعالى جماعة وبطريقة ورش المغربية " إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ..." وأمام هذه التحديات رفع جلالته من علاقات الشراكة البناءة مع باقي الدول والقارات الأمريكية والأوروبية والأسيوية ، وفق دينامية منفتحة ومتكاملة ومنسجمة. كما أن سياسته الرشيدة لم تغفل البعد التعليمي ولما له من أثر إيجابي في تقدم الشعوب أوتخلفها .. لذا اقتضت حكمته جل وعلى أن يكون أول ماخلق الله "القلم" وأول كلمة أنزلها على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم "إقرأ" وهذه دلائل قاطعة وإشارات واضحة على ما للعلم من قيمة في منظومتنا الإسلامية وجذورنا التاريخية، يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه في هذا الصدد : "من أراد الدنيا فعليه بالعلم ومن أراد الآخرة فعليه بالعلم ومن أرادهما معا فعليه بالعلم " وعليه فبدون علم لايكون تقدم ولاتنمية ولاحضارة ولاأي شيء .. فجلالة الملك محمد السادس أعز الله أمره وحفظه ، قد تربى وترعرع بين أحضان العلم والعلماء وتتلمذ على أكابر الفقهاء من المغرب وخارجه ، يعي دورالعلم ولما له من بصمات مشرقة في تاريخ مسيرة الشعوب التنموية ..مما دفعه إلى أن يؤكد في خطابه بتاريخ 24/7/2006م : " ....ومن منطلق إيماننا الراسخ بالدور النوعي للبحث العلمي والتقني في خدمة التنمية ، وولوج مجتمع المعرفة والتوكنولوجيا ، فقد أشرفنا على تنصيب أكاديمية الحسن الثاني للعلوم والتقنيات ، واثقين مما يزخربه بلدنا من كفاءات وطنية واعدة داخل المغرب وخارجه ، ومن التزامهم الصادق بالإسهام الفاعل في بناء مستقبل وطنهم..." وخلاصة القول، إننا دائما نستبشر خيرا في جلالته لأنه مؤمن بأهمية أن تكون المملكة المغربية الشريفة مركزا ماليا وسياحيا وحضاريا وعلميا واقتصاديا ، لأن الاقتصاد هو عصب الحياة في واقع اليوم ، ولاننسى دوره الداعم للعمل الخيري والاجتماعي والإنساني عموما . 9 سنوات سمان من الحكم العادل حمل فيهما جلالته مسؤوليات جساما في مقدمتها أمن المغرب واستقراره وسلامته من شر الأشرار وكيد الفجار... 9 سنوات من المسؤولية جعلا المغرب منارة عربية وإسلامية تساهم في صنع قطار الحياة والأخذ بعجلاته إلى شاطئ النجاة ... 9 سنوات من الخيرات والعطاءات والبركات جعلانا نقول : أمد الله في عمر أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس وارث سر أجداده الميامين ، المنصور بالسبع المثاني والقرآن العظيم ، كما نرجو الله أن يحفظ جلالته في ولي عهده الأمير مولاي الحسن ، وأن يشد عضده بصاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد ويحفظه في باقي الأسرة الملكية الشريفة ، إنه على ذلك قدير والسلام على مقام مولانا أمي المؤمنين ، وكل عام والشعب المغربي بألف خير.