من الخطإ الفادح توجيه اللوم ل"حركة 20 فبراير"، وتوجيه نفس اللوم والانتقاد للنشطاء الذين انخرطوا فيها، قيادة وانتماء، بأنهم لم يصمدوا بحركتهم أزيد من سنة، على أكبر تقدير، وسرعان ما تفرقوا تيارات وشخصيات وشيعا، هنا أو هناك، وبالاستمتاع بمناصب حكومية ريعية، أو بالانزواء والاكتواء بأسى السجن ومعاناته ووحشته، أو بالرجوع إلى حضن الإطار السياسي أو الجمعوي أو الدعوي والانتظار عما قد تسفر عنه الأيام المستقبلية من مفاجآت سياسية واجتماعية! يا سادتي الأعزاء ويا سيداتي العزيزات "20فبراير" هي حركة اجتماعية عفوية ازدانت بلادنا في خضم موجات اجتماعية عاصفة شهدتها المنطقة، ولأنها تعبير انفعالي يعكس حاجة مجتمع إلى الصراخ بأقوى صوت لتذكير الدولة والمسؤولين، بغياب العدالة الاجتماعية والديمقراطية والتوزيع العادل للثروة والحقوق الآدمية، كما هي في العالم المتحضر، كالحق في الشغل وفي الصحة وفي التعليم، فإن المنتسبين إلى هذه الحركة لم ينتظروا أن يقفوا على أبواب السلطة لاستخراج وصولات التظاهر، كما لم ينتظروا طبعا استدعاء هذا السياسي أو النقابي أو الحقوقي أو الدعوى هيئاته المركزية واللامركزية، للتقرير عما إذا كانت هيئته ستسمح بالخروج للتظاهر أم ستعرض عن ذلك.. وقد رأى العالم كيف كان الخروج الحاشد المدوي، في كل ربوع مملكة محمد السادس، وبنظام وانتظام، وبخضوعٍ فقط لتعليمات آنية من قيادات ميدانية، أعطت المثال الصارخ في حسن التدبير والقدرة على القيادة والتأطير التي يفتقد إليها سياسيونا العجزة المتهافتون المتكالبون فقط على توزيع المكاسب والمغانم بين زبانيتهم! ولذلك فقد سمع صوتها من أعلى رأس هرم الحُكم، واستجاب لكثير من مطالبها وبسرعة قياسية! ولأن "20 فبراير" حركة اجتماعية عكست رغبة مجتمع بكامله، في توصيل مطالبه مباشرة إلى النظام، وإلى مَن يهمهم الأمر، ولم تولد من رحم بيروقراطية صارمة، إما خاضعة لأجندات سلطة قمعية، أو لهواجس ونزوات سياسيين ونقابيين، وغيرهم ممن يحسبون لمنطق وميزان الربح والخسارة حسابهم الخاص، الذي يعود عليهم ومريديهم بالنفع أوّلا، فإن الحركة لم يُخطَّط لها من قبل، ولا يمكن التخطيط لإحيائها من بعدُ، لأنها لن تعود لتُبعث من جديد تحت نفس العنوان، وهو ما تؤكده تجارب الاحتجاجات والثورات في العالم! لكن من المؤكد أن مثيلات حركة 20 فبراير، كفعل اجتماعي وحراك مجتمعي، ستعود من جديد لتملأ الشوارع وربما بأكثر حدة، تبعا لحاجة المجتمع إلى إسماع صوته، وتبعا لدرجة الإحساس بالظلم وباللاعدالة وبالإقصاء، وانطلاقا من عجز الوسطاء السياسيين وغيرهم، على إيصال ذاك الصوت إلى الدولة/الحُكم، وعجز الأخير أو تقاعس وتخاذل أجهزته وتخلفها عن جس نبض الشعب، والتفاعل مع قضايا وانشغالات المواطنين! لذلك فإنه من الإجحاف بل ومِن الظلم، وأحيانا من سوء النية وسيئاتها، اعتبار أن تشتت "حركة 20فبراير"، وعدم قدرة من لايزال يحن إلى بعث الحياة والنفخ فيها، على لملمة صفوفها والعودة إلى ساحة الاحتجاج تحت نفس المسمى، أن يُعتبر ذلك فشلا في القدرة على التحشيد والتعبئة، مِن أي جهة كانت، أو أن يعتبر مَواتاً وعقما في فعل الاحتجاج، الذي يُصر دوما وأبدا أن يتخذ اسما ونمطا وزخما خاصا بالظروف التي تصنعه؛ بحيث لا تستطيع لا أعين السلطات ولا أجندات السياسيين والنقابيين ونشطاء المجتمع المدني، ولا حتى تنبؤات وتنظيرات المُنَظّرين، التنبؤ به.. وَوحدُها ذاكرة الأوطان، هي القادرة فقط على تأريخ فعل الاحتجاج هذا، والذي قد يصير ثورةً، وقد يكون عاصفا بنُظم سياسية، وقد فعل ببعض الأوطان، بغض النظر عن التكلفة المادية والبشرية.. ! بكلمة واحدة.. "20 فبراير" إنما هي هبّة شعْب ستُعاد وتُبعث من جديد عندما تنضج شروطها، وليس ضروريا بل غيرُ وارد -في الغالب- أن تحمِل نفس المسمى، لكن من المؤكد أنها ستعكس غضبا شعبيا على أوضاع ليست على ما يُرام وغير عادلة..