بسم الله الرحمن الرحيم على العالم الإسلامي أن يختار بين التعايش سنة وشيعة أو الاقتتال قاعدة وشبيحة،هذا ما تنطق به حقائق الواقع والمصلحة والعقل والتاريخ والجغرافيا والماضي والحاضر والمستقبل،وتحمل على الاعتقاد به مؤامرات أعداء الداخل والخارج،والظاهر والباطن،بالخطابات المعلنة والمضمرة، ضمن استراتيجية أمريكية جديدة ترمي إلى إشعال الحرائق المذهبية والطائفية لإبطال مفعول الثورات على المستبدين الذين كانت تدعمهم وتطيل من أعمارهم،وبتحالف واقعي مع أنماط من التدين المغشوش المبني على الاحتفال بالأشكال والمظاهر،والمفتعل لمعارك هامشية وهمية لا تصب بتاتا في مصلحة الإسلام والمسلمين ،وإنما تعمل على توسيع دائرة العداوات وتقليص دائرة الصداقات،والأدهى من كل ذلك أنها تدخل ضمن لعبة كبرى تحرك خيوطها جهات ذات سوابق استعمارية يستحيل التخلي عنها بين عشية وضحاها،لأن جذورها تستوطن البناء النفسي،والتصور العقدي،والنهج السياسي المرتبط بالرواسب التاريخية ذات الطابع الصدامي،والمعجم الحربي. ومما لاشك فيه هو أن ظهور الخوارج في التاريخ الإسلامي مثل كارثة كبرى،لأنهم مثلوا سلفا لتيارات الجمود والتحجر والتكفير والقتل على الهوية، وإن كان يعوزهم في ذلك الوقت المال لتدبير اختلافهم مع الجماهير،فإن العزيمة لم تعوزهم كي يسلطوا عليها سيوفهم، وأوتوا من قبل الفهم الخاطيء لنصوص الوحي،فكانوا يعتبرون أنفسهم المسلمين الحقيقيين،وفي الأعصر المتأخرة سقت أموال النفط و"المدَّخر التيمي" ذلك الفهم مياه الحياة، ولم تسلم قطاعات واسعة في العالم الإسلامي من الأثر الخارجي. وفي هذا المضمار عد المفكر الإيراني مرتضى المطهري"الاتجاه الإخباري" كارثة كبرى في عالم التشيع،ومهد لحملته على تيار الجمود بدراسة سياسية ونفسية قيمة للخوارج، لاعتقاده أن "مذهبهم وإن يكن قد انقرض إلا أن روحه ظلت باقية وحلت في الكثيرين" فعرض لسماتهم المتمثلة في استماتتهم في الدفاع عما يعتقدونه حقا، مع زهد وحرص على العبادة إلا أنه غلب عليهم الجفاء والتحجر، والجمود الفكري والغرور، ويعيب المطهري على جامدي هذا العصر عدم اقتدائهم بالخوارج في الصدع بالحق، ولكنهم اقتدوا بهم في التعصب واتباع المظاهر، ولاحظ وجود مدارس فقهية قامت وانتشرت حازت الكثير من صفات الخوارج، وعد من تلك المدارس المدرسة الإخبارية ،ويبرز نظرة المقلدة الجامدين إلى الآخرين فيقول: "فيزعمون أن الجميع لا يفهمون جيدا، أو لا يفهمون إطلاقا، وإنهم قد تجنبوا طريق الصواب فأصبحوا جميعا من أهل النار"،وينعتهم بالخوارج الجبناء "الذين تركوا السيوف في أغمادها وتخلوا عن فكرة تقصد رجال السلطة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنها كانت خطرا عليهم، ولكنهم راحو يسلقون رجال الفضل والفضيلة بألسنة حداد"، ويؤكد "أننا لو أخذنا بأقوال هؤلاء لما وجدنا بين أظهرنا أي عالم إسلامي حقيقي" . هذا الفهم الجامد أشاعه"علميا" الاتجاه الإخباري"،وسياسيا تكفلت بتكريسه "الدولة الصفوية" التي حكمت إيران قبل قرون،وازدهر في عهدها "التشيع الصفوي" الذي نال حظا من النقد والنقض من طرف مفكر إيراني آخر هو الدكتور علي شريعتي،فأتى على ذكر الكثير من الخصائص التي ميزت ذلك التشيع الصفوي السلفي منها: 1. سوء تدبير الاختلاف مع المخالفين:إذ أظهر التشيع الصفوي هذا السوء" على شكل تهم وافتراءات وسباب وشتائم يأنف عنها أي إنسان .. وبذلك أصبح سائغاً جداً لدى الشيعي الإيراني أن يدع التركيز على الفضائل الأخلاقية والإنسانية لعليّ ،ويقتصر على اللجوء الى التنفيس عن عقده وأحقاده بلغة سوقية وألفاظ مبتذلة وافتراءات وأقاويل مقززة بحق الخلفاء ، ويعمد الى اختلاق فضائل وكرامات فارغة للأئمة توجب استغفال عقول الناس وتخديرهم" 2. تكريس التعصب العرقي والقومي: إذ تم " توظيف المشاعر الصادقة وأحاسيس المذهب الشيعي في خدمة أهداف حركة شعوبية فرضت على إيران طوقاً من القومية عزلها عن العالم الإسلامي وأقامت بين الشعب الإيراني المسلم وسائر شعوب الأمة الإسلامية جداراً أسود من الحقد والضغينة وسوء الظن بالآخر والتهمة والافتراء والطعن واللعن والتحريف والتزييف والتفسيق والتكفير"، ،هنا يطرح سؤال:على أي أساس تشخص الدولة الإيرانية الحالية مصلحتها ،(وهي لديها مجلس لتشخيص مصلحة النظام) فلا يخلو الأمر من افتراضات ثلاث:تشخيص المصلحة على أساس الدين الجامع،أو على أساس المذهب،أو على أساس القومية، ومن الأسف الشديد أن تؤكد الوقائع المتكررة،والسلوك السياسي الإيراني حقيقة مؤداها أن خطاب وسلوك "الثورة الإيرانية" ارتدا إلى محاور الولاء الطائفي والقومي،والمعروف هو أن التشيع الحقيقي لآل البيت ينطوي على معاني الاحترام والتسامح والمحبة لعامة المسلمين وخاصتهم والإنسانية والمستضعفين. وورثت الشبيحة أسوأ ما في عالم التشيع، وهي الجماعات التي أطلق النظام السوري يدها للتنكيل بالشعب السوري وتقتيله لمنعه من نيل حريته،وهي ذات بنية طائفية معروفة،تحول الدين عندها إلى " مجرد انتماء جمعي مغلق في طوائف صغيرة،يحل فيها الانتماء إلى الجماعة محل الإيمان الديني،فتقدس الطائفة مباشرة بدلا من مباديء الدين" ،و"حزب الله" إن لم يراجع موقفه من الثورة السورية ومن طريقة تدبيره للاختلاف مع مخالفيه سائر إلى التشبيح لا محالة، فالقتل على الهوية بكل سادية وبوحشية لم يسبق له مثيل في التاريخ المعاصر ،وعلى نحو يندى له جبين (علي الإمام) جبل الصبر والرحمة الذي أقسم بالله لو اعطي الاقاليم السبعة بما تحت افلاكها على ان يعصي الله في نملة يسلبها جلب شعيرة ما فعل فكيف بسلب حرية شعب بكامله., في عالم "أهل السنة" الذين يمثلون السواد الأعظم للأمة تعقَّد المشهد السلفي بعد حرب الخليج الأولى التي أعقبت احتلال صدام للكويت،ودخول الجيوش الأمريكية إلى الجزيرة العربية،وتم الاحتجاج على المملكة العربية السعودية بنفس المقولات التي كانت تدعو وتنفق الأموال الطائلة للترويج لها،بدأ الاحتجاج بالخطب والبيانات وتصريحات الشجب والاستنكار من بعض رموز الحركة السلفية ،ولما ظهر لها أن شيئا لم يتحقق اتجهت صوب استعمال القوة،وبدأ الحديث عن تنظيم "القاعدة" الذي تشكلت نواته من"الأفغان العرب"،وصار لكل بلد عربي ومسلم "قاعدته" إما وهميا من صنع الدوائر المخابراتية ،وإما حقيقيا من صنع حب الرئاسة والزعامة ، لما تسلل إلى عقول المنتسبين إليها الخلل في فهم الجهاد باختزاله في معنى القتال(تماما كما يسمي حاليا "حزب الله" مساندة بشار على قتل شعبه"مهمة جهادية") ،والخلل في ترتيب الأولويات ،والخلل في فقه مراتب الأعمال (السنة والبدعة)،والخلل في فهم شبكة المصالح المعقدة وموازين القوى في العالم ،والخلل في تدبير الاختلاف مع المخالفين الداخليين والخارجيين (التكفير) ،والخلل في تماسك البناء الداخلي(الاختراق المخابراتي والأجنبي)،وإنها لإساءة بالغة للثورة السورية أن تعلن جهة منخرطة في الثورة المسلحة مبايعتها لتنظيم القاعدة،في مصادرية واضحة لحرية الشعب السوري في اختيار من يحكمه بعد نجاح الثورة،ولقد أحسن "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" صنعا عندما شجب ذلك الإعلان المشبوه،ودعا "جبهة النصرة" إلى " أن تعود إلى محيطها، وتعيش صفاً واحداً مع بقية المجاهدين، وتترك مصير الحكم والدولة في سوريا إلى ما بعد التحرير". إن المنطقة الممتدة من العراق والبحرين ولبنان وسوريا ودول الخليج إلى باكستان توجد على برميل من البارود ،فالشيعة بين خيارين لا ثالث لهما إما التحول إلى شبيحة طائفية لا صلة لها بعلي ولا بالحسن ولا بالحسين عليهم رضوان الله،وإما الاندماج في البلدان التي يقطنونها مع الاحتفاظ بخصوصياتهم المذهبية والعقدية تحت ظل الإسلام الجامع،كما يخشى في نفس الآن على قطاعات واسعة في عالم التسنن التحولَ إلى قاعدة تكفيرية تتمنطق بأحزمة العنف لقتل الأبرياء، وبكلمة: السنة والشيعة أو القاعدة والشبيحة.