مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الحادية عشرة للجمهورية الإسلامية1، تبدو الساحة السياسية الإيرانية منشغلة بالإعداد لصراع انتخابي جديد قد ينتج فصلا جديدا في الممارسة السياسية، أو يترتب عليه تكريس هيمنة النظام الحاكم على كل مراكز السلطة والقرار. سنحاول في هذه السطور استكشاف أهم المحددات التي ستؤثر على العملية الانتخابية، إضافة الى أهم التيارات والأطياف السياسية الفاعلة حاليا في الساحة الانتخابية. - حصيلة أحمدي نجاد: استطاع أحمدي نجاد أن يخلف وراءه آثارا بالغة في الممارسة الحكومية والسياسية الإيرانية، يمكن للبعض أن ينظر إليها من زاوية إيجابية فيرى فيها محاولة لإعادة الاعتبار لمفهوم القيادة الشعبية2 في التدبير والخطاب، وإخراج منصب الرئاسة من دائرة نفوذ النخبة. هذه النظرة يمكن أن تنطبق أيضا على محاولة نجاد زعزعة هيمنة الحرس الثوري ومحيط خامني عن مواقع السلطة والقرار. لكن تأمل التجربة من زاوية أخرى يجعلها تبدو سلبية، حيث تحولت رغبة نجاد في تكريس سلطة الشعب إلى ممارسة سياسية شعبوية، كما انتهى به سلوكه السياسي الصدامي إلى فقدان الشركاء والحلفاء في كل مراكز القرار والقوة، وهو ما أثر بشكل مباشر على تنفيذ برامجه الحكومية، وبالتالي أدخل البلاد في حالة من التأزم الإداري والمالي. وشكلت الحصيلة الاقتصادية لأحمدي نجاد أبرز مؤشر سلبي يتداوله الإيرانيون اليوم، حيث تسلم نجاد رئاسة السلطة التنفيذية سنة 2005 من محمد خاتمي، وسعر الدولار الأمريكي يقارب 9004 ريال إيراني، بينما سيغادر نجاد الرئاسة وسعر الدولار يعادل 24747 ريال، ما يعني أن العملة الوطنية فقدت حوالي 270 بالمئة من قيمتها خلال رئاسة نجاد3. وترك خاتمي منصب الرئاسة سنة 2005 ومعدل التضخم المعلن رسميا هو 21.1 بالمئة4، بينما بلغ هذا المعدل نسبة 31.5 حتى مارس سنة 20135 بحسب مركز الإحصاء الإيراني الرسمي6، وفي نفس الفترة بلغت نسبة البطالة 12.2 بالمئة، بينما سجلت البطالة في نهاية ولاية الرئيس السابق سنة 2005 نسبة 11.5 بالمئة7. وتبدو تجربة نجاد خلال الثماني سنوات الماضية قاتمة، بالنظر إلى فشلها في تحقيق وعودها الاقتصادية، وإخفاقها في تحقيق التوازن مع مرشد الثورة، وعدم قدرتها على إعطاء دور توافقي لمؤسسة الرئاسة داخل الساحة السياسية الإيرانية، لكن من الصعب جدا تحميل إخفاقات التجربة كلها لنجاد وفريقه الحكومي، ذلك أن الدستور الإيراني وواقع ممارسة الحكم، يؤكدان أن رئيس الجمهورية هو رئيس للسلطة التنفيذية ضمن شبكة معقدة من مواقع وأجهزة تتدخل بقوة في صناعة القرار، حيث يقع الجميع تحت سلطة مرشد الثورة الذي يملك لوحده حق توجيه السياسات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية. 1- تحديات الصراع الانتخابي: يشكل انتخاب رئيس الجمهورية في إيران حدثا مهما للغاية، لكنه لا يؤدي بالضرورة إلى تغيير جذري في الملفات الاستراتيجية الإيرانية، ونقصد هنا الملف النووي، والقضايا الإقليمية، والعلاقة مع أوربا والولايات المتحدة الأميركية، لهذا السبب يصعب انتظار تغيير حقيقي في هذه الملفات بعد الانتخابات القادمة، خاصة أن المرشد خامنئي أمَرَ جميع الأطراف السياسية المتنافسة بعدم الخوض في هذه الملفات والقضايا، وبضرورة تركها بعيدا عن ساحة المزايدات الانتخابية. وبناءً عليه، من المتوقع أن لا تؤثر كثيرا نتائج الانتخابات الإيرانية على اختيارات النظام الإيراني الاستراتيجية في الخارج، بينما سيبقى تأثيرها محدودا جدا على القضايا الداخلية التي يعتبرها المرشد خطوطا حمراء، خاصة في المجال الأمني والثقافي، لكن بإمكان الرئيس الجديد أن يصل إلى توافقات مناسبة مع المرشد والحرس الثوري على مجموعة من الملفات، كما يمكنه أن يقدم ممارسة سياسية تجتهد في إدارة الاختيارات الاستراتيجية للنظام. ومن المتوقع أيضا أن تنهي الانتخابات الرئاسية القادمة فصلا مهما من الممارسة السياسية خلفتها ثماني سنوات من رئاسة أحمدي نجاد للجمهورية الإسلامية. 2- سيولة الترشيحات: انتقادات وشكوك تكشف التحضيرات الانتخابية الجارية عن سيولة في الترشيحات القادمة من الصف الأصولي بكل أطيافه واتجاهاته، يمكن لهذه الحالة أن تكون تعبيرا طبيعيا على الانقسامات التي أصبح يعيشها التيار الأصولي رغم تعدد القواسم المشتركة بين توجهاته، خاصة أن الاخفاقات المتكررة في تدبير العملية السياسية وإدارة التداول على السلطة قد عصفت بتماسك التيار، ودفعت به إلى المزيد من التشرذم. ويمكن النظر إلى هذه السيولة باعتبارها عرضا طبيعيا للانسداد السياسي الذي يعاني منه النظام منذ أحداث 2009 وما نجم عنها من عزل للتيار الإصلاحي. وفي اعتقادي قد تكون هذه الحالة الانتخابية من الانعكاسات السلبية لتجربة نجاد الرئاسية، والتي جعلت الرئاسة طموحا متاحا عند الكثير من السياسيين، فبالنظر إلى ماضي الرجل السياسي المتواضع، وتدبيره الرئاسي خلال السنوات الماضية، أصبح الكثيرون يرون في أنفسهم القدرة على تقديم الأفضل. وقد تكون حالة السيولة في ترشيحات التيار الأصولي ترجمة عملية لتصريحات بعض المسؤولين في النظام، والداعية إلى هندسة العملية الانتخابية وتأمينها، ولا شك أن هذا التوجه ينسجم تماما مع رغبة النظام في تفادي أي مفاجأة قد يحدثها دخول التيار الإصلاحي على خط المنافسة، كما يمكنه أن يشكل واقيا من الفراغ الذي يحتمل أن يحدثه غياب هذا التيار من الصراع الانتخابي. وأمام هذا الوضع نقترح تصنيفا مرنا للفاعلين في التحضيرات الانتخابية الجارية، ونميز فيه مبدئيا بين التيار الأصولي والتيار الإصلاحي، وطيف هاشمي رفسنجاني، وسنحاول من خلال الجدول الآتي عرض أهم مكونات كل تيار وطيف، وعدد المرشحين المتداولة أسماؤهم داخل كل واحد منها: - خاتمة: إن المعطيات المتوفرة حتى الآن حول تحضيرات الانتخابات الرئاسية الإيرانية لا تحمل معها ما يمكن اعتباره عنصر مفاجأة، فالمشهد القائم لا يخرج عن القاعدة المألوفة في الساحة السياسية الإيرانية منذ 2009، فمع غياب ترشيحات رموز سياسية مؤثرة يصعب الحديث عن صراع انتخابي حقيقي. ويبدو واضحا أن النظام يتجه نحو الحيلولة دون حدوث أي مفاجأة سياسية غير متوقعة، رغم حرصه على تسجيل أكبر قدر ممكن من المشاركة الانتخابية، ذلك أن حضور القوى السياسية وعموم الناخبين في العملية هو دعم مباشر لشرعية الجمهورية الإسلامية، وتأكيد لرسوخ النظام في مواجهة القوى المعادية له. لكن يبقى السؤال هو: كيف سيتحقق الاجماع الانتخابي كما يريده مرشد الثورة مع عزل ومحاصرة أكبر طرفين حصدا أصواتا مليونية في منافسات سابقة ؟ نقصد هنا الطيف النجادي والتيار الإصلاحي. قد تشكل مساهمة هؤلاء في الانتخابات المحلية التي ستنظم بموازاة مع الانتخابات الرئاسية مؤشرا لدور متوقع لهم مستقبلا، لكنه سيبقى غير مؤثر في إعادة تأهيل الحياة السياسية والاقتصادية، كما أنه لن يقنع النخب والقواعد الاجتماعية بكونها مشاركة حقيقة في القرار الوطني. ومع وجود تحذيرات المرشد للفاعلين السياسيين من الخوض في القضايا الاستراتيجية للنظام، من غير المتوقع تماما أن تكون الملفات الإقليمية، خاصة الملف السوري، موضع نقاش انتخابي بين المتنافسين، علما أن محددات السياسة الاستراتيجية الإيرانية تجاه الوطن العربي كما نعرفها، تجعلنا لا نتوقع من أفضل رئيس إيراني إلا تنويعا في الممارسة، دون انتظار تغيير جذري، ذلك أن التغيير المطلوب في هذا الاتجاه يستوجب جهدا عربيا ذاتيا. وفي ظل الظروف الصعبة التي تمر بها إيران، ستكون خطة الإنقاذ، في اعتقادنا، هي العنصر الأساس المنتظر من أي تحرك انتخابي، بحيث ستكون الشخصيات المتنافسة على مقعد الرئاسة مطالبة بتقديم خريطة حلول حقيقة للأزمة الاقتصادية، ومصير برنامج الدعم الاقتصادي الذي بدأه أحمدي نجاد8، بالإضافة إلى كيفية التعامل مع الحصار الاقتصادي الغربي. وختاما، تبقى الحالة الانتخابية الإيرانية مفتوحة على أسئلة متعددة، نكثفها هنا في ما يلي: هل سيسمح النظام في آخر لحظة بدخول شخصية تعيد للساحة السياسة توازنها؟ أم أنه سيكتفي بالمرشحين المقبولين من مجلس صيانة الدستور؟ ويحصل في النهاية على رئيس منسجم مع رغبات المرشد، وهل بالفعل سيكون خيار الرئيس المتوافق تماما مع منهج خامنئي هو الحل الأمثل لأزمات الجمهورية الإسلامية؟ أم أن أعطاب إيران هي أعمق من هذا بكثير، وتحتاج إلى إجراءات جذرية تنتج حلولا إيرانية شاملة داخليا وخارجيا. * باحث متخصص في الدراسات الإيرانية - المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات. أنقر للاطلاع على الورقة كاملة ************************* هوامش: 1 - ستجري الانتخابات الرئاسية وفق المواعيد الآتية: ستقدم الترشيحات رسميا بين 7 و11 مايو 2013. بعد فحص ملفات الترشيح من قبل مجلس صيانة الدستور، ستعلن وزارة الداخلية عن الأسماء المؤهلة للمنافسة الانتخابية يومي 22 و23 مايو، وسيكون يوم 14 يونيو هو موعد الاقتراع. 2 - يعتبر مفهوم "القيادة الشعبية" من أهم الركائز التي يقوم عليها الخطاب السياسي الإيراني بعد ثورة 1979. 3- في سنة 2005 كانت قيمة كل دولار أميركي تساوي 9004 ريال إيراني، وفي سنة 2013 بلغت هذه النسبة حوالي 24747 ريال بحسب أرقام مركز مبادلات العملة الذي تم تأسيسه أخيرا بهدف الحد من تدهور قيمة العملة الوطنية، تاريخ: 18-04-2013 ، الرابط: http://alef.ir/vdcf0jdytw6dcca.igiw.html?184825 4 - موقع "خبركزارى فارس" (وكالة فارس للأنباء)، تاريخ: 22-04-2006، الرابط: http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=8502020391 5 - المقصود هنا هو السنة الإيرانية الرسمية 1384، وتقابلها بحسب التاريخ الميلادي الفترة الممتدة بين 21 مارس 2012 و21 مارس 2013. 6 - "مركز آمار ايران" (مركز إحصاءات إيران)، تاريخ: 30-03-2013 ، الرابط: http://www.amar.org.ir/Portals/0/Files/reports/r2_tavarrom_86-91.pdf 7 - "مركز آمار ايران" (مركز إحصاءات إيران)، تاريخ: 13-04-2013 ، الرابط: http://www.amar.org.ir/Portals/0/Files/abstract/1391/ch_niru_91.pdf 8 - نقصد هنا برنامج ترشيد الدعم الاقتصادي الحكومي، والذي بموجبه تم رفع الدعم الحكومي عن مجموعة من المواد الأساسية، وتقنينه لمجموعة أخرى من المواد، مقابل توزيع مباشر للأموال بين الأسر الفقيرة.