بعد الهبة الشعبية الكبرى وحملات الاستهجان والاستنكار من عموم الشعب المغربي بشتى أطيافه ردا على تصريحات الناشط عصيد؛ خرج الأخير بمقال له نشر في يومية الاتحاد الاشتراكي في عددها الصادر يوم السبت/الأحد 27-28/04/2013؛ بعنوان "أخلاق المناظرة وهوس التحريض والتهديد" أصر فيه على حصر النقاش الدائر حول وصفه لرسائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (بالإرهابية وغير المشرفة) مع السلفيين دون باقي المسلمين من عموم الشعب المغربي؛ المقيمين في أرض المغرب وخارجه؛ والمعترضين على طعنه الصريح في صاحب الرسائل -عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام- الموجهة للحكام والملوك. فخاطب عصيد السلفيين وحدهم دون غيرهم -ربما لاستشعاره أن الخطر يأتي من جهتهم- من برج عال وبكبر غير متناه؛ وادعى أنه كانت له أفضال عليهم.. وأنه دافع عنهم في السجن.. وأن مناظراته مع هذا التيار كان من دوافعها تمرينهم على الحوار مع الغير؛ وإدماج الفاعلين الإسلاميين في الحياة السياسية والثقافية للبلاد؛ وعدم تركهم في عزلة تكون لها نتائج وخيمة؛ حسب قوله. مصورا بذلك نفسه المعلم الذي يجلس أمامه السلفيون على طاولات في الفصول الدراسية خاضعين منكسرين ينتظرون من هذا العبقري الألمعي كي يعلمهم هاته العلوم والفنون الغريبة عنهم! والتي لم يسمعوا عنها قط قبل لقياه والتشرف بمطالعة محياه. وهذا الأسلوب هو الأسلوب نفسه الذي ينتهجه العلمانيون في كل بلاد المسلمين؛ يعاملون مخالفيهم بكبر وعتو واستكبار؛ ومن يتابع مخاض مصر وتونس وليبيا سيدرك جيدا ما أقول. وادعى عصيد في مقاله أن الشخص الذي هاجمه -ويقصد طبعا الشيخ حسن الكتاني- "معضلته لا تتعلق بغيرته على شخص النبي أصلا؛ وإنما تكمن فيما بقي في نفسه من نقاش سابق لنا لموضوع شجرة الأنساب؛ والتي لم نجد لها أساسا في موضوع المواطنة الذي نتبناه" حسب قوله؛ ليسقط بذلك عصيد في خطأ كبير بعد استطالته على أعراض المسلمين وطعنه في الأنساب؛ حين تدخل في نيات الأفراد وادعى الاطلاع على ما في قلوبهم وحكم على النوايا وحاسب عليها؛ وهذا أمر مستغرب جدا ممن يدعي الانتساب إلى فصيل (الحداثيين الديمقراطيين)! وهي حيدة أو ربما تصرف يدل على جهل كبير بعقائد المسلمين الذين يعلمون بالاضطرار أن من مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله تعظيمه وتوقيره والإيمان بشريعته والانقياد لها قولا وعملا واعتقادا، ومحبته صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين، قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}. وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه: من ولده، ووالده، والناس أجمعين" [متفق عليه]. فرسول الله صلى الله عليه وسلم مقدم على النفس والولد والوالد وعلى أعزّ الناس إلى الإنسان. وهو ما يفسر الهبة الشعبية الكبرى لكل المسلمين؛ وفي جميع بقاع العالم؛ إذا ما مُسَّ جناب النبي محمد صلى الله عليه وسلم أو توجه إليه طرف أو جهة بالسب أو القدح أو الاستهزاء؛ وهذه عقيدة راسخة لدى كل المسلمين يعلمونها كما يشربون الماء وينفسون الهواء؛ ويجهلها للأسف الشديد العلمانيون أو يصرون على تجاهلها. فعصيد الذي يمنُّ ويدعي أنه كانت له أفضال على السلفيين الواقع يكذب دعواه؛ فلم يتوانى هذا الشخص على الإطلاق في أن يكون طرفا هاما في كل الحملات المضللة التي يشنها الإعلام اللائكي ضد الدعوة السلفية داخل المغرب وخارجه؛ فبعد نشر يومية الصباح -مثلا- للخبر الكاذب بأن سلفيين جردوا فتاة من ثيابها بحي السويقة في المدينة العتيقة بالرباط؛ باشر عصيد بنشر مقالة بعنوان: (في حرية اللباس بين "الحجاب" الممنوع و"الحجاب" القسري)؛ جعل عمودها الفقري الخبر المفترى الذي روجته جريدة الصباح؛ والذي تأكد من خلال الاستطلاع كذبه وزيفه. والأمر نفسه ينطبق على الإشاعة التي أطلقتها جريدة الصباح؛ وزعمت فيها هذه المرة أن سلفيين مغاربة دمروا نقوشا صخرية عمرها 8000 سنة يعود تاريخها إلى عهد الفينيقيين؛ في الموقع التاريخي المعروف باسم "ياغور" فوق قمم جبال الأطلس الكبير، فدخل على الخط كما كان متوقعا عصيد؛ وادّعى وفق ما جاء في موقع الجزيرة نت: "..أن سلفيين وراء هذا العمل"؛ وألب وسائل الإعلام الغربية فصرح لوكالة الأنباء رويترز بقوله: "هذا العمل يأتي في أعقاب زيادة ملحوظة في أنشطة السلفيين في المناطق التي يغلب عليها الأمازيغ في المغرب"، وأكد لجريدة الصباح بأن السلفيين يحاربون الفن الأمازيغي بالمال. وقد حرك الخبر لحساسيته وزارات الداخلية والعدل والثقافة؛ واستلزم تفريغ وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة وتنقله إلى عين المكان مرفوقا بالعديد من المختصين في مجال الآثار وإعلاميين؛ تأكد لهم من خلال المعاينة أن الخبر عار تماما عن الصحة؛ ولا يعدو أن يكون إشاعة جديدة روجت للنيل من السلفيين. فليست انتقادات عصيد موجهة إلى أصحاب قراءة معينة للنصوص الدينية؛ أو إلى جماعات معينة يراها متطرفة؛ بل مشكلته كما كتب ببنانه في مقاله "أسئلة الإسلام الصعبة": (تطرحها نصوص الدين الإسلامي). إن عصيد تزعجه أبواق المسجد؛ ويرى أن الأذان كإشهار القمار؛ ولا يرى الصلاة في المؤسسات العمومية؛ ويعتبر شعائر عيد الأضحى تتنافى والسلوك المدني وأن تصرفات المواطنين خلال هذا العيد تجعله يكاد يشك في سلامة عقل المواطنين الذين يقومون بذلك؛ ويعترض بشدة على المسلمين إذ يعتبرون دينهم أفضل الأديان وأصحّها على الإطلاق، ويعتبرون ديانات غيرهم خرافية ومنحرفة ولا عقلانية... فأصحاب هذه العقول المفخخة وأتباع هذا التيار يهدفون علانية إلى العبث بالتراث؛ وهدم الثوابت والأصول، ولا يجرؤون على البوح بذلك؛ لعلمهم أن جل الناس سيحاربونهم وسيبوء مشروعهم بالفشل؛ لذلك فهم يعمدون إلى الاختباء وراء القراءة التنويرية للنصوص الدينية؛ والتي تعني تطويع الدين لأهوائهم وما يؤمنون به من نظريات وفلسفات مادية بشرية. [email protected]