بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد فإنَّ أمر الكتابة محفوظ في الإسلام حيث قال ربي ( نون والقلم وما يسطرون ) فإن لم يأت في القرآن إلا هته الآية لكانت كافية لشرف الكتابة وأهميتها ، وقد سَطَرَ العلماء على أنها أحسن وسيلة لحفظ معلومات البشر ، وبها يتجاوزون آفة النسيان والشك في الكلام ، وفيها من العجب ما يُوقِدُ الذهن ويُفطن العقل حيث يكوِّن الإنسان من رموز وأشكال خطية أفكارا تعلم وتنقد وتُحمس وتغضب وتسر. ولا شك في أنها نعمة عظيمة على البشر خصوصا من وظفها فيما يرضي الله ورسوله ، وجعل قلمه جهادا له درجاته ومعاليه ، ولا شك أيضا أستاذتي الكريمة من أنك تعرفين دونما ريب بفضل هذه النعمة على البشر. راع انتباهي مؤخرا مقال للكاتبة فوزية حجبي في جريدة المحجة عدد 321 تحت عنوان "دعوا ناقة باراك أوباما فإنها مأمورة" وقد أخذ مني العنوان مأخذه حيث كُوِّنَ من ألفاظ معروفة لدي بصفتي إنسان مسلم ، وما راعني أكثر قولها [ وكان الأمر أشبه بحادثة ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين راح العرب يزايدون على بعضهم البعض حول من هو الأحق باستضافة رسول الله صلى الله عليه وسلم وناقته ، فتقدم سادة القبائل ووجوه عائلته الكرام من أخواله إلى الموكب راجين حظوته وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما ساق أحدهم الناقة إلى مرابعه قال عليه السلام "خلوا سبيلها فإنها مأمورة" نعم كان الأمر أشبه بمهزلة إزاء تلك المزايدات التي راحت تستنبط الأعاجيب من حط رحال ناقة أوباما المأمورة في مصر وتوجيه الخطاب من مصر دون السعودية ] . لا شك عندي من أن الكاتبة عارفة تمام المعرفة أن لسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ضوابط وخصائص تتميز بها عن سائر السير والتجارب - فهي عضو بالمجلس العلمي لجهة الدارالبيضاء - فهو رسول الله صلى الله عليه وسلم الموحى إليه بأمر من الله جل في علاه ، بحيث يكون الإنسان حذرا أشد الحذر أثناء توظيف ما جاء في السيرة العطرة خوفا من تحريف المراد وتغير مقتضى الخطاب ، وقد وجد من العلماء الكرام من نبّه الوعاظ وطلبة العلم أثناء أخذهم السيرة من التوظيف السيئ لها تبعا لما تعلموه هم عن الأسلاف الكرام كما قال الحسين "كنا نتعلم السيرة كما نتعلم السورة من القرآن" ولا شك فالسورة من القرآن لها ضوابط التلاوة والتجويد والفهم والبيان وعدم التحريف والزيادة والنقصان وغير ذلك مما هو معروف لدى علمائنا الكرام فيكون التعامل مع السيرة كالتعامل مع السورة. وكما سبق أن قلت أن علماءنا الكرام رحمهم الله حذروا طلبة العلم من تشبيه الناس في الفعل برسول الله صلى الله عليه وسلم كأن يقول أحد حاكيا عن فعل رجل من العامة "إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني" لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رسول أوحي إليه ، يتبع الوحي ولا يحيد عنه قيد أنملة ، والرجل المحكي عنه هو رجل من العامة ، فلا يكون حال تشابه المقام دافعا لتوافق المقال ، فمقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صادر من كون مقامه رسولا ، ومقال الرجل صادر عنه من كون مقامه بشرا لا رسولا . وكفى الناقة شرفا ركوب رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها ، أفيكون جزاؤها أن نجعلها مقاما تنسب في المقال لأوباما الرجل الذي لا يعرف معنى الشهادتين والذي لا يزاول عمله حتى يشرب كأسا من الخمر ، فلا أرى هذا الصنيع إلا كمثل تلك المرأة التي ركبت على ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم وفرت من قريش لمّا أسرتها فلما ابتعدت عن قريش نذرت أن تذبحها لمّا أنجتها كشكر على صنيعها ، فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك قال "بئسما جزيتها لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم" . فما وجه الشبه بين دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينةالمنورة وبين دخول أوباما مصر ؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المدينة مهاجرا والناس الذين استقبلوه من أحب الناس إليه وأوباما دخل مصر مستهزئا والناس الذين استقبلوه من أبغض الناس لديه ويكفي دليلا على ذلك أنه في وقت خطابه وقراءته لأيات من كتابنا كانت طائراته تقتل أبناءنا في أفغانستان ، فما وجه الشبه بين باراك أوباما ورسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وما وجه الشبه بين الصحابة رضوان الله عليهم وبين ظلمة الشعوب ؟ حاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن نجعل كافرا في مقام التشبيه بحاله صلى الله عليه وسلم. لقد نهى علماؤنا الكرام عن تشبيه فعل النبي صلى الله عليه وسلم بفعل الكفار والمشركين أو مقارنة حالهم بحاله ، أو أخذ شيء من سيرته العطرة وتوظيفه في سيرهم وحياتهم فهذا لا يخرج عن اثنين : 1 - إما بخس لقدر رسول الله صلى الله عليه وسلم. 2 - وإما رفع لقدر الرجل المشبه حاله بحال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأن نجعل أوباما كرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة فهذا أمر خطير والأخطر منه توظيف مصطلحات إسلامية وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر يعلمه هو لا غيره ، فلا أحد من الصحابة كان يعلم أن الناقة مأمورة بمكان جلوسها. ولذلك فجعل حال أوباما يوم دخل مصر كحال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم دخل المدينة نحلله وندرسه من قبيل التشبيه ، أظن أن هذا أمر يجب أخذ الحيطة فيه . **** * - باحث ومفكر مغربي [email protected]