منذ الإعلان عن ميلاد مبادرة "حركة لكل الديمقراطيين" لم تهدأ موجة التحليلات والتعليقات التي تبحث في المرامي والأهداف الحقيقية التي وجدت من أجلها، هذا من جهة و من جهة أخرى ارتفع سيل المؤاخذات والانتقادات الموجهة لأعضاء مكتبها التنفيذي، وبالتحديد إلى من هو ورائها، خاصة وأن من مؤسسيها شخصية عمومية بارزة، هي ليست سوى فؤاد عالي الهمة صديق الملك وكاتب الدولة السابق في الداخلية مع حكومة إدريس جطو التي كانت، وبرلماني دائرة الرحامنة ورئيس لجنة الخارجية بمجلس النواب بالبرلمان المغربي، وكذا التكهنات بمستقبل الحركة ومآلها التنظيمي، هل ستحتفظ بصيغتها التنظيمية الأولى التي ظهرت بها إلى الوجود "مبادرة"، جمعية تنشط كباقي جمعيات المجتمع المدني، أم أنها ستتحول إلى حزب سياسي، وتدخل بذلك معترك الاستحقاقات الانتخابية الجماعية التي على البال، المزمع إجراؤها في2009. وتظل مجمل هذه التحليلات والتعليقات ومختلف التكهنات، واردة، مادامت الاجتماعات واللقاءات التواصلية للحركة متواصلة، ورغم بلوغها عقد سبع لقاءات، كان أبرزها وأقواها اجتماع جهة الدارالبيضاء - الشاوية ورديغة، ولم يحسم جهازها التنفيذي بشكل قاطع واضح ونهائي مع كل هذه التساؤلات والتكهنات. إذا كانت أوراق الحركة وأرضيتها التي توزعها على الحضور من المنتسبين إليها أو مدعويها لأول مرة في اللقاءات التي تنظمها من جهة إلى أخرى، تؤكد في مجملها على خدمة المشروع المجتمعي لهذا البلد، فهي تخوض في ذلك بشكل عام دون تعمق "حركة لكل الديمقراطيين" في تفاصيل برنامجها، ودون تحديد المجالات والقطاعات التي من المفروض أن تعالجها الحركة، فلماذا هذا التعميم والغموض الذي يلف مجال اشتغال الحركة إذا ما استثنينا تركيز الحركة على نتائج الانتخابات التشريعية، وتحديدا عزوف المواطنين عن المشاركة، هي التي شكلت مرجعية التفكير لمؤسسيها. ففي هذا التغييب الواضح لتحديد القطاعات والميادين التي يجب معالجتها، قد يكمن وجه المفارقة في الطرح الذي تتبناه الحركة، ما دام ما تتبناه في بيانها التأسيسي هو تحسين وتقوية ما راكمه المغرب من مكتسبات وإنجازات في مجال الديمقراطية والتحديث، وتعبئة المواطنين وإشراكهم في صياغة حاضرهم ومستقبلهم لمجابهة التحديات التي يواجهها المغرب، ومادام أن المسؤوليات الجسام ملقاة على عاتق الجميع: مجتمعا ودولة، فإن تساؤلات عديدة وعلامات استفهام كبرى تطرح اليوم على الحركة.. على اعتبار أن المشروع المجتمعي هو كل لا يتجزأ. ولعل من أبرز هذه التساؤلات هو ما يطرحه اليوم الجسم الثقافي والفني ببلادنا، عن موقع هذا القطاع، "قطاع الثقافة والفن" من اهتمامات "حركة لكل الديمقراطيين"؟؟ هل هناك في مسودات البرنامج العام للحركة وفي ما تعده من أوراق وأرضيات، ما يطمئن المشتغلين بالحقل الثقافي والفني على هذا القطاع غير المنظم والذي تطبعه العشوائية والارتجالية، وتوجهه حسب الأهواء والمصالح جماعات تتحكم في دوالبه من داخل الدهاليز والكواليس المعلومة وغير المعلومة..؟؟. فكثيرا ما استغلت هيئات ومنظمات وجمعيات "الثقافة والفن" كورقة لتحقيق أهداف معينة لا داعي لتوضيحها لأنه يعرفها العام والخاص في أكثر من مناسبة ومحطة، وكثيرا ما وظف المثقفون والفنانون فقط لتأثيث اجتماعات ولقاءات وتجمعات خطابية، ليس إلا، والأمس القريب حافل بمثل هذه السيناريوهات والتخريجات. سؤال موقع الثقافة والفن في اهتمامات "حركة لكل الديمقراطيين" وفي أوراق ومقررات الحركة، يمليه ما يحدث من مستجدات متسارعة، فحركة الهمة تجاوز امتدادها استقطاب الفعاليات السياسية والجمعوية ورجال المال والأعمال وحتى الرياضيين ليطال الفنانين والمثقفين، وعلى مدار كل الاجتماعات واللقاءات التواصلية التي تعقدها "حركة لكل الديمقراطيين" بمختلف مدن وجهات المملكة تحضر وجوه وأسماء فنية وثقافية وازنة، ولعل اجتماع الحركة التواصلي الذي شهدته جهة الدارالبيضاء الشاوية ورديغة، هو الذي عرف حضورا لافتا لأسماء ووجوه فنية وثقافية معروفة بعطاءاتها الفنية في الأغنية المغربية والمسرح والتلفزيون والسينما والتشكيل، والإبداع الثقافي والفني الوطني بشكل عام. أسماء لها وضعها الاعتباري والرمزي داخل المشهد الثقافي والفني المغربي، وتحظى بحب وتقدير جمهورها الواسع، ومعروف عن البعض منها مواقفه المبدئية وفنه الملتزم. هل "حركة لكل الديمقراطيين" تضم في صفوفها منخرطين من الفنانين والمثقفين المغاربة، دون الكشف عن أسمائهم ؟ وهل هناك أسماء فنية كبيرة معروفة تعمل مع الحركة دون الانتماء إليها عضويا ودون الانخراط الفعلي في صفوفها ؟ هل الحركة مفتوحة أمام الجميع، سياسيين وفاعلين جمعويين بما فيهم الفنانين والمثقفين والرياضيين لخدمة المشروع المجتمعي الشامل؟ هل الحركة تستثمر شهرة الفنانين ليس إلا، أم أن انتماؤهم هو قيمة مضافة للحركة؟ هل بالضرورة على جميع الكفاءات والفعاليات أن تنخرط في هذا المسار وتهتم بالشأن العام؟ هل للحركة برنامج يهتم بقطاع الفن، وبالتالي فإن الحركة ترى أن قطاع الثقافة والفن ببلادنا يحتاج إلى إرادة سياسية واضحة، لطرح الإشكاليات والملفات الكبرى التي تعيق إصلاح وتقدم القطاع؟ وبالتالي كان لابد من الانفتاح على الفنانين لمعرفة طبيعة المشاكل والملفات، فأهل مكة كما يقولون، هم أدرى بشعابها.أم أن حركة لكل الديمقراطيين ترى أنها لابد من توظيف شهرة الفنانين لتمرير أطروحاتها وخطاباتها، مادام الفنانون يحظون بشعبية كبيرة واحترام كبير من الجمهور؟ أم فقط لأن الحركة ورائها رجل هو صديق للملك وقريب من مواقع القرار؟ وهل أعيا فنانينا ومثقفينا أسطوانة ملوا من تكرارها مع كل استحقاق انتخابي، تتبنى في حملاتها أحزاب معروفة وهيئات سياسية بعينها ورقة الثقافة والفن، وسرعان ما يتم نسيان الأمر؟ وتظل الحقيقة تابثة وهي أن "قطاع الثقافة والفن"، هذا القطاع بالذات هو المدخل الرئيس وقاطرة معالجة مختلف الاختلالات والمنزلقات التي تشكو منها المجالات والميادين الأخرى.