مؤسسة إدريس بنزكري لحقوق الإنسان والديمقراطية مبادرة ملكية وحلم الفقيد طالهما سوء التدبير و كياسة التعامل جاء تأسيس مؤسسة إدريس بنزكري لحقوق الإنسان والديمقراطية وفاءا لرجل كرس حياته لاحترام كرامة الإنسان وصيانتها، وساهم فكريا وميدانيا في محطات كبرى وحاسمة في تاريخ المغرب المستقل من موقع المعارض والضحية وموقع المساهمة في صناعة القرار الحقوقي عبر ثقل قوته الاقتراحية التي ظل الملك محمد السادس يباركها. ورغم نبل دواعي ومرتكزات خلق مؤسسة تحمل اسم أحد أبرز مناضلي الحركة الحقوقية المغربية، إلا أن بعض رفاق الراحل إدريس بنزكري رفضوا الانضمام إليها بدعوى عدم إشراكهم منذ البداية في مراحل التهييء لهذا البنيان الحقوقي. رفض أم استقالة أم مجرد تحفظ؟ منذ الإعلان عن تأسيس مؤسسة إدريس بنزكري تعالت بعض الأصوات، ممن تم اختيارهم، معلنة عن تحفظاتها، إما لسبب عدم الإخبار أو عدم العلم بالأمر أو عدم التوصل بالأرضية أو لكون الأمر لا يعنيها. توالت استقالات أشخاص عينوا كأعضاء بمجلسها الإداري وهيأتها المديرية، وكانت أول استقالة، هي التي أعلن عنها محمد علي طبجي، أحد ضحايا سنوات الجمر والرصاص كفاعل في الحركة الحقوقية منذ انطلاقتها، وتلاه مشيا على نفس الدرب أحمد ويحمان كفاعل أمازيغي. وبعد ذلك ظهرت إعلانات وبلاغات صادرة عن أشخاص آخرين، منهم أحمد المرزوقي، من جمعية قدماء تازمامارت، الذي صرح أن تعيينه كعضو بمؤسسة إدريس بنزكري تم دون علمه، وحين إخباره توجه إلى مقر صندوق الإيداع والتدبير في الوقت المحدد للمشاركة في نشأة المؤسسة غير أنه لم يجد أحدا. أما محمد الصبار، رئيس منتدى الحقيقة والإنصاف، فقد اعتبر نفسه غير معني بالأمر وأن اختياره ليكون عضوا بالمؤسسة تم دون علمه، في حين أعلن عبد الرحيم الجامعي، الفاعل الحقوقي ورئيس المرصد الوطني للسجون، بعدم وجود أية علاقة بينه وبين المؤسسة في بيان نشره بعد أيام معدودة عن تأسيس مؤسسة إدريس بنزكري لحقوق الإنسان والديمقراطية. ويبدو أن المتحفظين بهذا الخصوص قد أجمعوا على أن المؤسسين ارتكبوا خطأ أصليا عندما قدموا على تعيين أشخاص في المجلس الإداري أو الهيأة المديرية دون علمهم وموافقتهم القبلية، وأنهم سمحوا بإقحام رجال المال والأعمال وآخرين محسوبين على المخزن بامتياز، وأن التأسيس يفتقر لمرجعية واضحة. وفي هذا الصدد اعتبر البعض أن مؤسسة بنزكري احتضنت أسماء قد تكون سببا في الحكم عليها بالإعدام منذ ولادتها، علما أن رئيسها، عبد السلام بودرار، يعتبر أحد رفاق محنة الراحل إدريس بنزكري، حيث قضى معه خمس سنوات (من درب مولاي الشريف إلى السجن المركزي مرورا بسجن غبيلة.( المدافعون يجمع المدافعون على أن الأمر يتعلق بمؤسسة وليس بجمعية، إنها فضاء، ليس للنضال أو الكفاح أو المطالبة أو الضغط، وإنما هي إطار للبحث والدراسات والاجتهاد، عبر الحوار والتشاور في القضايا الكبرى. وفي هذا السياق يؤكد إلياس العمري أن مؤسسة إدريس بنزكري لحقوق الإنسان والديمقراطية لا يحكمها نظام خاص، ولا تتطلب انتخابا، وإن أبوابها مفتوحة في وجه الجميع دون أي اعتبار حقوقي أو سياسي أو غيرهما. وتضم شخصيات من شأنها أن تدلي بدلوها، كل من موقعه، لخدمة الأهداف التي تسعى إليها المؤسسة. وما دام أكبر المستهدفين، هو فؤاد عالي الهمة، فإن أغلب المدافعين أجمعوا على أن هذا الأخير لعب دور الوسيط بين منتدى الحقيقة والإنصاف حينما كان يترأسه الراحل إدريس بنزكري، كما قام بنفس الدور بين الملك محمد السادس والمنتدى وقت الإعداد لمعالجة ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وهذا هو مدخل ارتباطه بمجال حقوق الإنسان. لكن الكثيرين يرون أن المؤسسة تضم أسماء قد تكون سببا في تعطيلها، إذ يعتبرون أن مؤسسة تحمل اسم إدريس بنزكري وتعنى بحقوق الإنسان والديمقراطية لا يمكن أن تنطلي عليها الصبغة الرسمية أو المخزنية، سواء بشفافية أو من وراء الستار، والمقصودون بالأساس، هم عبد السلام أحيزون، القائم على اتصالات المغرب ومصطفى بكوري، المدير العام لصندوق الإيداع والتدبير، وبالأخص فؤاد عالي الهمة. مؤسسة من العيار الثقيل يراد من مؤسسة إدريس بنزكري أن تكون من عيار المؤسسات الثقيلة، من قبيل المؤسسات التي تحمل اسم الملك أو والده أو جده. لقد أريد لمجلسها الإداري أن يضم 115 عضوا وللجانها أن تكون متخصصة، ومجال اهتمامها مرسوم سلفا، التنمية والديمقراطية والعدالة الانتقالية وحقوق الإنسان والتعددية الثقافية واللغوية والحكامة المؤسساتية والمواطنة. وأريد كذلك أن يرأسها أحد ضحايا سنوات الجمر والرصاص الذي حوكم ضمن ملف "السرفاتي ومن معه"، قضى خمس سنوات رفقة الراحل إدريس بنزكري وأفرج عنه في نهاية 1979. لكن البعض يصر على أن هناك اعتقادا سائدا وسط النخبة الحقوقية، مفاده أن كل ما يأتي من لدن "المخزن" أو يصدر عنه يدعو إلى الحذر، في حين يرد أحد الفاعلين الجمعويين قائلا، إن كان من الضروري إحداث دولة الحق والقانون وإقرار الديمقراطية بالمغرب، فلا مندوحة من القيام بذلك بمعية النظام الملكي ورجالاته، وإلا فستكون هناك "إن كبيرة"، والمهم، في رأيه، ليس هو من خلق المؤسسة، وكيف؟ وإنما الأهم من ذلك كله هي أهدافها وغاياتها وإلى ما تصبو إليه. بذرة تأسيس مؤسسة إدريس بنزكري إن إحداث هذه المؤسسة لم يأت من مبادرة هذه الجهة أو تلك، وإنما تنفيذا لتعليمات الملك محمد السادس الرامية إلى إنشاء مؤسسة للبحث والاجتهاد في مجال حقوق الإنسان، مع وجوب ضمان الإمكانات اللازمة والتمويل الكافي، لذا كان من الطبيعي اعتماد الأبواب المفتوحة أمام كل الفاعلين - من مختلف المواقع والميادين - القادرين على المساهمة لبلوغ الهدف الذي أحدثت من أجله، ما دامت هي، أولا وأخيرا، مؤسسة للبحث العلمي وتطوير الثقافة الحقوقية، علما أن هذا النوع من البحث لا لون ولا مرجع له، سواء كان سياسيا أو إيديولوجيا أو مذهبيا أو عقائديا. وفي هذا المضمار سبق لمحمد معتصم، مستشار الملك وعضو المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، أن أكد في سياق التكريم الملكي للفقيد إدريس بنزكري، بأن الملك محمد السادس قرّر الاستجابة لرغبة الراحل في إحداث مؤسسة للبحث في مجال حقوق الإنسان وتزويدها بالإمكانات الضرورية، وذلك كخطوة على درب ترسيخ قيم المواطنة الملتزمة. وتزامن تأسيس مؤسسة إدريس بنزكري مع حلول الذكرى الأولى لوفاته، وحضر الجمع التأسيسي عدد من أعضاء الحكومة منهم الوزير الأول وبعض الفاعلين الحقوقيين وشخصيات أخرى، وكان من الأولى الحرص على استدعاء وحضور كل الذين تم اقتراحهم (أو تعيينهم) كأعضاء في المجلس الإداري أو الهيأة المديرية، تلافيا لحدوث شوشرة وسد الأبواب على مختلف التأويلات التي تناسلت منذ الإعلان الرسمي عن ميلادها، لاسيما وأن بعض الأشخاص المختارين لا علم لهم بذلك، ممّا جعلهم يعتبرون هذا التصرف من قبيل وضعهم أمام الأمر الواقع أو الفرض، الشيء الذي جعل بعضهم يعتمد النقد اللاذع رغم عدم مخالفتهم للهدف النبيل للمؤسسة. وهذا أمر كان من الممكن تلافيه بقليل من التفكير والتواصل. الأهداف والوسيلة تسعى مؤسسة إدريس بنزكري إلى مرافقة مسلسل ترسيخ ثقافة وقيم حقوق الإنسان والمواطنة بالمغرب ومواكبة حركية الإصلاح والتغيير بهدف توطيد لبنات الصرح الديمقراطي المؤسسي. إن هدفها الأساسي يكمن في محاولة الرقي بالممارسة الديمقراطية والحقوقية، والمرور بها من مستوى الانفعال مع الطارئ على الصعيد الوطني والإقليمي والقاري والعالمي، إلى مستوى الفعل والتأثير في المجريات عبر إنتاج قيمة مضافة مغربية بحثة في سياق الانتقال الديمقراطي من البناء إلى التوطيد والمأسسة. وفي هذا الصدد، يقول إلياس العمري، في واقع الأمر، إن إحداث هذه المؤسسة، ما هو إلا لتحقيق حلم الراحل إدريس بنزكري، المتعلق بإشاعة ثقافة حقوق الإنسان وترسيخها بالدرجة التي تجعلها تخترق بالقوة اللازمة كل دواليب صناعة القرار والممارسة السياسية والاضطلاع بالمسؤولية وإجراءات التنفيذ والتسيير وحياة المواطن اليومية في مختلف مظاهرها. وتتجلى وسيلتها في الحوار العمومي والتواصل الاجتماعي والنشر والإعلام والمرافعة والاستشارة والتناظر الحر لغاية تفعيل تراكم قدرات مختلف الفاعلين وتنمية التعاضد والتعاون بينهم، لبلوغ هدف لم يعد يختلف بخصوصه إثنان بالمغرب. عبد السلام أبودرار/ رئيس مؤسسة إدريس بنزكري لحقوق الإنسان والديمقراطية ذاكرة بنزكري ليست ملكا لأحد، للجميع الحق في صيانتها وإشعاعها كيف كانت ولادة فكرة إنشاء مؤسسة بنزكري، ولماذا؟ ثم هل كان ميلادها عسيرا؟ الفكرة تدوولت بين بعض المقربين من المرحوم وأصدقائه مباشرة بعد وفاته، وتطورت من مجرد مشروع تحويل بيته المتواضع بالهرهورة إلى متحف يحفظ ذاكرته ويعرف بمساره وعطائه، إلى إحداث مؤسسة (Fondation) بالأهداف والمقومات التي جاءت في وثائق التأسيس، الشيء الذي أخّر إطلاق المبادرة من ذكرى اليوم الأربعين إلى ذكرى مرور سنة على وفاته لإتاحة الفرصة لإنضاج المشروع. ما هي الأسماء التي شكلت النواة الأولى لميلاد هذه المؤسسة؟ + ليس لهذا الأمر أهمية، فحتى إذا افترضنا أن هناك من كان له فضل السبق، فلا أعتقد أنه يرتجي جزاء أو شكورا، فضلا عن أن ذاكرة المرحوم ليست ملكا لأحد، بل للجميع الحق في الاحتفاء بها والعمل على صيانتها وإشعاعها. يقال إنه تم تعيين أسماء في مجلسها الإداري دون علمها، فما هو مدى صدقية هذا القول؟ كما اعتبر البعض هذا الإجراء خطأ أصليا، ما رأيكم في هذا الحكم؟ هنا وجب التمييز، من جهة، بين منظمة حقوقية جماهيرية تفترض في تأسيسها مجموعة من القواعد الديمقراطية (ولا أعتقد أن هناك حاجة ملحة لإضافة منظمة من هذا النوع لما هو متوفر الآن)، ومن جهة ثانية، بين مؤسسة خاصة (Fondation) بادر إلى إحداثها مجموعة من الأشخاص وفق مبادئ وأهداف وتنظيمات لها كامل الحق في تسطيرها، على أن تتصل بالفعاليات المختلفة التي ترى في تبنيها للمشروع أهمية أو قيمة مضافة، لضمان التحاقها أو مساندتها. لا أنفي أن المبادرة شابتها أخطاء ارتكبت عن حسن نية، نتجت عن بعض التعثر في التنسيق والتسرع في إعلان التأسيس إدراكا للذكرى الأولى لرحيل الفقيد، حيث لم يؤخذ الوقت الكافي للاتصال بالفعاليات واحدا واحدا وإطلاعهم على فحوى المشروع وضمان تبنيهم له وقبول المسؤولية المقترحة عليهم. وأكرر أن ذلك كان عن حسن نية ذلك أن تبني الفكرة شيء مفروغ منه. وأنا أعتذر عن هذه الأخطاء بالنيابة عن كافة أصحاب المبادرة. كيف ترون وجود أشخاص بالمؤسسة لا علاقة لهم بالمجال الحقوقي إطلاقا، بل منهم، حسب بعض الحقوقيين، من كان يناهض الحركة الحقوقية؟ أكرر أننا خلقنا مؤسسة (Fondation) لحفظ ذاكرة المرحوم وإشاعة ثقافة حقوق الإنسان، وليس منظمة أخرى للدفاع عن حقوق الإنسان. لذا، فليس غريبا أن تضم شخصيات وفعاليات من مختلف المشارب جمعها بالفقيد احترام وتقدير فائقين ومحبة خالصة، فرضها صموده وثباته على المبادئ، ومرونته في التعامل والإنجاز ودماثة أخلاقه وترفعه عن المغريات (خلافا لما كان ينعت به). ولبعض هؤلاء، نظرا لموقعهم الرسمي، الفضل الكبير في مساعدته على انتزاع العديد من المكتسبات. فقط يستثنى من مؤسسة كهذه، الجلادون والذين لازالوا يكنون العداء لكل ما يمت إلى حقوق الإنسان بصلة، بل والذين يجاهرون بذلك، بل ويدافعون عنه. لقد اختار إدريس بنزكري العمل من أجل حقوق الإنسان والحقيقة وإنصاف الضحايا يدا في يد مع المؤسسات الرسمية (الشيء الذي لا يعني مهادنتها في حال خلاف مبدئي)، وليس في صراع تناحري معها، والمؤسسة تظل وفية لهذا المنطق. ذهبت بعض الجهات إلى القول إن بعض الشخصيات تسعى ، عبر مؤسسة بنزكري، إلى تبييض وجهها لتقوية موقعها السياسي تحسبا للمستقبل، فما قولكم في هذا الأمر؟ لا علم لي بالنوايا ولا أعتبر كشفها بذي أهمية كبرى. كل ما يمكن أن أشهد به أن بعض الشخصيات المقصودة كانت من المثابرين على زيارته في مصحته ومن أول الهارعين إلى جانبه، بتأثر وتواضع بالغين، قبيل وفاته وطيلة الليلة التي تلتها واليوم الموالي، حيث لم تكن هناك لا كاميرا ولا صحفيين! فسر البعض الاستقالات الأخيرة من المؤسسة بسبب وجود بعض الأسماء مثل فؤاد عالي الهمة وعبد السلام أحيزون وغيرهما، ما قولكم بهذا الخصوص؟ إضافة إلى ما وضحته في الإجابة على السؤالين الرابع و الخامس، سيما في ما يتعلق بحالة فؤاد عالي الهمة. وإن كنت لا أحبذ الخوض في ذكر الأسماء، فأعتذر مسبقا لعبد السلام أحيزون ومصطفى بكوري إن كنت مضطرا لخيانة تواضعهما وتكتمهما. فالأول كان صديقا حميما لإدريس يجمعهما الانتماء لمنطقة قروية واحدة وارتياد نفس المدارس (مع فارق السن طبعا). أما الثاني، فكان سباقا إلى الانخراط في مشروع "جبر الضرر الجماعي" الذي يهم العديد من المناطق المتضررة خلال سنوات الرصاص. ولقد أبرمت بهذا الصدد معاهدة بين مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير والاتحاد الأوربي من جهة، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان من جهة ثانية. والحالة هذه، واعتبارا لتعثرات المؤسسة في بداية مشوارها، ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه لتفعيل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، سيما المتعلقة بالتغيير والتي ما زالت حبيسة الرفوف إلى حد الآن؟ إن أمر تفعيل توصيات هيئة الإنصاف موكول إلى المجلس الاستشاري في ارتباط بالسلطات العمومية من جهة، والهيئات الحقوقية من جهة ثانية. أما مؤسسة بنزكري، فسوف تبتكر وسائل مساندة وتعزيز وفقا لأهدافها ومجال نشاطها (إشاعة ثقافة حقوق الإنسان ...)، وأحيلكم على قانونها الأساسي الذي يتضمن بعض هذه الوسائل وأشكال العمل. هناك من يقول إنكم قبلتم رئاسة مؤسسة بنزكري سعيا وراء الاستوزار، بما تردون على هذا القول؟ إن من يظن هذا، لا شك بأنه لا يعرفني ولا يسعني إلا أن أحيله على من يعرفني فقد يهتدي إلى الجواب الصواب. أما أنا فأكن كافة التقدير والاحترام لكل من يدلو بدلوه لتتقدم بلادنا ويتقدم شعبنا كل حسب قناعاته وطاقاته، بغض النظر هل يشاطرني الرأي والتوجه أم لا. وأعتبر مؤسسة بنزكري لبنة في هذا الاتجاه، أتمنى أن تلتف حولها أوسع الطاقات وأنبلها.