أخيرا اعترفت الأجهزة الأمنية الجزائرية، ولو بطريقتها الملتوية والغير مباشرة كالعادة، عن وجود علاقات عضوية وبنيوية بين البوليساريو والطوارق من جهة، والقاعدة في المغرب الإسلامي من جهة أخرى، ولقد تناولت هذا الموضوع بعجالة في مقال سابق حول العلاقات القائمة بين الجزائر و "الناتو" و عن احتمال تفكك البوليساريو ووقوعه تحت سيطرة القاعدة، وأضاف الزميل بوصوفة الجزائري للموضوع معلومات قيمة حول تاريخ العلاقات الجزائرية الإسرائيلية و عن التعاون العسكري الجزائري الإسرائيلي في ميدان تبادل المعلومات و حول آليات وتجربة الجزائر في مواجهتها للإستراتيجية العسكرية للقاعدة. "" إن انضمام الطوارق وعناصر من البوليساريو إلى سرايا القاعدة، كان أمرا متوقعا ومنتظرا و تداعياته خطيرة على استقرار وأمن شمال افر يقيا بأكملها. وقد كذبته المؤسسة العسكرية في القطر الشقيق في عدة مناسبات أمنية وعسكرية خاصة أمام الأمين العام " للناتو" خلال زيارته الأخيرة للجزائر، كما أنكرته عندما أثير الموضوع من طرف الحلف الأطلسي أثناء زيارة الرئيس الجزائري لمقر الحلف ببروكسيل، حيث قال " إننا نواجه نفس الخطر وأن أمن أوروبا من أمن الدول المتوسطية ". أمام هذه التغيرات الإستراتيجية الجديدة للقاعدة ، أعد الحلف عدة سيناريوهات عسكرية لمواجهة الإرهاب في الصحراء الكبرى عامة والصحراء الجزائرية خاصة. - السيناريو الأول : يكمن في كيفية معالجة الوضع الأمني والعسكري في حالة تفكك البوليساريو وسقوط الجناح المتشدد في جبهة البوليساريو تحت سيطرة مختار بلمختار المدعو الأعور الذي انتقل إلى شمال موريتانيا و خلفه يحي أبو عمار القائد العسكري للقاعدة في الصحراء الكبرى. إن هذا الأخير، أنشأ عدة قواعد في الصحراء الكبرى نذكر منها : معسكرات بن لادن، ومصعب الزرقاوي، أبي حفص المصري، المنتشرة في ضواحي أم الناس، وإليزي وعين صالح في الجزائر وضواحي كدال في مالي، وضواحي مدينة النعمة في موريتانيا، وفي المنطقة العازلة بين المغرب و موريتانيا و إفراون في شمال النيجر، هذه المنطقة الشاسعة التي تعادل مساحة أوروبا، أصبحت مجالا حيويا تنشط فيه القاعدة، وتجار الأسلحة والمخدرات ومهربوا الإعانات الدولية القادمة من دول غنية، أعضاء في " الناتو" بكل حرية. - السيناريو الثاني : الذي انكب حوله خبراء الحلف الأطلسي، هو ظاهرة أسلمة وغلو بعض الشبان الصحراوين وتطرفهم في مخيمات المحتجزين بتند وف. فالتطرف الإسلامي أصبح شائعا ومهددا لقيادة جبهة البوليساريو التي لم تنجح لحد الآن في تصفيتهم واستئصالهم نظرا لامتداداتهم القبلية، فالإسلاميون الصحراويون الجهاديون السلفيون يعارضون فكرة التشرذم والتمزق والتوجه الماركسي للقيادة الحالية التي تعيش بذخا ورغدا كبيرين. إن تفكيك بعض الجماعات الموريتانية المنتمية للقاعدة مؤخرا، أبان عن دور الجهاديين الصحراويين في زعزعة أمن موريتانيا، وذلك من خلال تدريبهم وتسليحهم وتأمين قواعد آمنة لهم عند تنفيذهم لعملياتهم العسكرية ضد النظام الموريتاني . إن الأصولية الإسلامية بدأت تتجدر في المخيمات، أملها هو الاستيلاء على ترسانة البوليساريو الحربية وعلى قيادة الإنفصالين، أوطردهم من المخيمات، كما فعل شاكر العبسي مع منظمة فتح في مخيم نهر البارد في لبنان. -السيناريو الثالث : الخطير، هو استيلاء القاعدة على المخيمات، وعلى مخازن الأسلحة المتطورة الممنوحة للبوليساريو من طرف الجزائر، وجنوب إفريقيا وفنزويلا وكوبا ونيكاراكوا. إن " الناتو" بما له من أقمار صناعية تجسسية قد تجمعت لديه معلومات خطيرة حول هذه التحركات التي تجري في الصحراء الجزائرية، و قد عبر لجنرالات الجزائر عن قلقه إزاء هذا السيناريو الذي قد يهدد منشآت البترول والغاز في حاسي مسعود و حاسي الرمل. إن هذا الخطر القادم بهدوء وعلى رمال ساخنة، سوف يأتي على الأخضر واليابس في جميع دول شمال إفريقيا وجنوب أوروبا، خطر بدأت علاماته تظهر في كل مكان من الصحراء الكبرى. -السيناريو الرابع : هو دخول قبائل الطوارق على الخط إن تهميش الطوارق، وعدم مشاركتهم قي القرار السياسي والاقتصادي في الجزائر و النيجر ومالي و موريتانيا و بوركينافاسو، دفعهم إلى الارتماء في أحضان كتائب الملثمين والفاتحين. و تجدر الإشارة أن التحام كتائب الطوارق مع كتائب يحي جوادي الملقب "يحي أبو عمار" الذي لعب دورا كبيرا في تنظيم سرايا القاعدة في شمال الجزائر، سوف يكون له نتائج وخيمة و كارثية على كافة دول المغرب العربي، والسبب يرجع إلى معرفة الطوارق بمسالك وطرق وآبار الصحراء، إضافة إلى تفننهم في حرب العصابات. إنها قيمة إضافية للقاعدة وسراياها المتحركة في الصحراء. إن الدراسات العسكرية الأخيرة التي قام بها "الناتو"حول الموضوع تعاكس كل الضمانات التي قدمتها المؤسسة العسكرية الجزائرية التي سعت في السابق إلى إنكار هذه الفرضية بدعوى وجود قواعد عسكرية جزائرية كثيرة منتشرة حول مخيمات الصحراويين، وجود عسكري يضمن الأمن والسيطرة على المنطقة، إن هذا الوضع المعقد والمتحرك للميولات السياسية والإيديولوجية و الدينية للمحتجزين في تندوف في مناخ ساخن واحتقان كبيرين، أظهر أن انزعاج الحلف الأطلسي كان في مكانه، ونتائج استجواب بعض المعتقلين في الصحراء الجزائرية تؤكد تخوفات الحلف الأطلسي من مستقبل جبهة البوليساريو، الأمر الذي يرفضه جنرالات الجزائر الذين يستمرون في إعطاء الضمانات الأمنية للحلف. إن اعترافات المعتقل الصحراوي الجريح الذي قبض عليه في الحدود الليبية، الذي نشرته جريدة الخبرالجزائرية، يوم 15 مايو 2008، يؤكد وجود عناصر من البوليساريو في معسكر أبي مصعب الزرقاوي الموجود على الحدود الليبية - قتله الأمريكيون في محافظة الفلوجة- ، إنه منحنى أمني خطير على إستراتيجية قيادة أفر يكوم. لهذا السبب تحث الدراسات الغربية الأمنية على ضرورة إيجاد حل متفق عليه للنزاع القائم بين المغرب من جهة والجزائر والبوليساريو من جهة أخرى و في أقرب الآجال،" فالناتو" حسب مصدر مطلع في بروكسيل، لا يمكنه مساعدة دول اتحاد المغرب العربي في مواجهة القاعدة إذا لم تغير الأطراف المعنية من مواقفها المتشددة في نزاع الصحراء. وفي الأخير احيي رئيس الحكومة الجزائرية السابق و الوطني المغاربي والاقتصادي المعروف السيد أحمد بنبتور، وأشد على يده بحرارة عندما صرح أن مستقبل الجزائر السياسي والأمني و العسكري و الاقتصادي هو في اتحاد المغرب العربي وليس في الحلف الأطلسي أو إتحاد المتوسط..... ملحوظة: إن التعتيم الإعلامي والأمني الجزائريين، حول علاقات البوليساريو مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال والجماعة المسلحة الجزائرية والسكوت عن عدد الصحراويين المفقودين والمختطفتين أثناء العشرية السوداء في الجزائر هو جريمة إنسانية ينبغي إيضاحها أمام الرأي العام العالمي ومسائلة منفذيها والساكتين عنها. ذ.عبد الرحمن مكاوي أستاذ العلاقات الدولية/جامعة الحسن الثاني [email protected]