فرحة المغاربة اليوم فرحتان، فرحة بالشروع في التلقيح ضد الوباء الذي فتك بالاقتصاد والأرواح، وحطم التلاحم العائلي، وفرحة أخرى لا تقل عما سبق، وهم يشاهدون ملكهم المحبوب، الملك محمدا السادس، وهو يتزعم طابور التلقيح ضد فيروس كورونا. وتماما كما يحصل في الدول الكبرى، قدم أمير المؤمنين درسا للجميع في الشجاعة وفي شهامة القيادة، حيث يربط القائد مصيره بمصير شعبه. كوفيد 19 وباء لا يرحم، وأحزانه لن تنمحي بالتأكيد بين عشية وضحاها، فكم من ولد فقد أمه أو والده، وكم من زوجة فقدت زوجها، وكم من أسرة فقدت معيلها الوحيد. ليس هذا فحسب، بل إن هذا الوباء غير المسبوق حرم "أهل العزاء" من إلقاء النظرة الأخيرة على فقيدهم أو فقيدتهم..لا صلاة جنازة، ولا مواساة، وحدها القلوب ظلت تتألم في انتظار الفرج.. ولعل الفرج طرق أبوابنا اليوم. هكذا بكل بساطة، أعطى الملك الدرس لباقي المسؤولين والسياسيين وهو يمد ذراعه للتلقيح، دون حاجة إلى البروتوكول؛ الأمر الذي ترك أثر بالغا في نفسية الشعب، بداية من الطبيب الذي كان يحمل الحقنة ويداه ترتجفان، أمام ضغط اللحظة التاريخية، فالأمر لا يتعلق بإعطاء حقنة لمريض، بل تجسيد لقرار سيادي، يعلن فيه المغرب أمام العالم أنه من كبرى الدول في ما يتعلق بمواجهة وباء كورونا، وهو ما تأكد فعلا اليوم من خلال تقدم المملكة على كثير من الدول في الشرق والغرب في ما يتعلق بالحصول على المصل المضاد لوباء كوفيد 19. التصرف الملكي اليوم في القصر، وسط ديكور مغربي خالص، جابت صورته العالم، وهو يتلقى الجرعة الأولى، وضع حدا لأي إمكانية لمحاولة الركوب على اللقاح لتحقيق أغراض سياسية، كما وضع حدا لكل إمكانيات التشكيك والتلاعب؛ علما أن الصرامة الملكية التي أحاطت موضوع التلقيح منذ البداية كانت كفيلة بإغلاق أي باب للتلاعب، إذ إن القائد الأعلى للجيش ورئيس أركان الحرب العامة هو الذي ترأس شخصيا جلسات العمل الخاصة بمواجهة كوفيد 19، وكان منذ البداية في خط المواجهة الأول مع الجائحة، لتصب كل القرارات في صالح الشعب، انطلاقا من توفير المواد المعقمة، وإحداث صندوق كورونا، وتوفير الكمامة بثمن رمزي... وصولا إلى "مجانية اللقاح". عاش الملك وعاش الشعب هو عنوان ملحمة اليوم، وانتصار آخر من الانتصارات المغربية في زمن الجائحة؛ فمن كان يتصور أن يحقق المغرب كل هذه الإنجازات في زمن الوباء، بداية من تأمين معبر الكركرات، ووصولا إلى اعتراف أمريكا بمغربية الصحراء... بقي فقط أن نكون جميعا في مستوى اللحظة، فكل نجاح له أعداء، وأعداء المغرب معروفون. لكن النجاح أيضا عادة، وكل المتمنيات أن يصبح عادة مغربية، وما ذلك على الله بعزيز.