أديس أبابا: انتخاب لطيفة الجبابدي نائبة لرئيسة شبكة نساء إفريقيات من أجل العدالة الانتقالية    نمو صادرات الصناعة التقليدية المغربية    مغرب الحضارة زيارة الرئيس الصيني للمغرب عندما يقتنع الكبار بمصداقية وطموح المغرب    انخفاض مفرغات الصيد البحري بميناء الناظور    موتسيبي "فخور للغاية" بدور المغرب في تطور كرة القدم بإفريقيا    فتح بحث قضائي في شبهة تورط رجل أمن في إساءة استعمال لوازم وظيفية واستغلال النفوذ    إسبانيا...كيف إنتهت الحياة المزدوجة لرئيس قسم مكافحة غسل الأموال في الشرطة    كرة القدم النسوية... الناخب الوطني يوجه الدعوة ل27 لاعبة استعدادا لوديتي بوتسوانا ومالي    اعتقال الكاتب بوعلام صنصال من طرف النظام العسكري الجزائري.. لا مكان لحرية التعبير في العالم الآخر    وزير الخارجية السابق لجمهورية البيرو يكتب: بنما تنضم إلى الرفض الدولي المتزايد ل"بوليساريو"    المعرض الدولي للبناء بالجديدة.. دعوة إلى التوفيق بين الاستدامة البيئية والمتطلبات الاقتصادية في إنتاج مواد البناء    تيزنيت : انقلاب سيارة و اصابة ثلاثة مديري مؤسسات تعليمية في حادثة سير خطيرة    بعد متابعة واعتقال بعض رواد التفاهة في مواقع التواصل الاجتماعي.. ترحيب كبير بهذه الخطوة (فيديو)    الدار البيضاء.. حفل تكريم لروح الفنان الراحل حسن ميكري    محمد خيي يتوج بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة    الطيب حمضي: الأنفلونزا الموسمية ليست مرضا مرعبا إلا أن الإصابة بها قد تكون خطيرة للغاية    محامون يدعون لمراجعة مشروع قانون المسطرة المدنية وحذف الغرامات    كأس ديفيس لكرة المضرب.. هولندا تبلغ النهائي للمرة الأولى في تاريخها        19 قتيلا في غارات وعمليات قصف إسرائيلية فجر السبت على قطاع غزة    النقيب الجامعي يكتب: على الرباط أن تسارع نحو الاعتراف بنظام روما لحماية المغرب من الإرهاب الصهيوني    مثير.. نائبة رئيس الفلبين تهدد علنا بقتل الرئيس وزوجته    الوزير برّادة يراجع منهجية ومعايير اختيار مؤسسات الريادة ال2500 في الابتدائي والإعدادي لسنة 2025    فولكر تورك: المغرب نموذج يحتذى به في مجال مكافحة التطرف    اختفاء غامض لشاب بلجيكي في المغرب    ترامب يعين سكوت بيسنت وزيرا للخزانة في إدارته المقبلة    سبوتنيك الروسية تكشف عن شروط المغرب لعودة العلاقات مع إيران    مرحلة استراتيجية جديدة في العلاقات المغربية-الصينية    فعالية فكرية بطنجة تسلط الضوء على كتاب يرصد مسارات الملكية بالمغرب        ضربة عنيفة في ضاحية بيروت الجنوبية    "كوب29" يمدد جلسات المفاوضات    "السردية التاريخية الوطنية" توضع على طاولة تشريح أكاديميّين مغاربة    بعد سنوات من الحزن .. فرقة "لينكن بارك" تعود إلى الساحة بألبوم جديد    تخليد الذكرى ال 60 لتشييد المسجد الكبير بدكار السنغالية        وسيط المملكة يستضيف لأول مرة اجتماعات مجلس إدارة المعهد الدولي للأمبودسمان    الموت يفجع الفنانة المصرية مي عزالدين    طقس السبت.. بارد في المرتفعات وهبات ريال قوية بالجنوب وسوس    كيوسك السبت | تقرير يكشف تعرض 4535 امرأة للعنف خلال سنة واحدة فقط    عندما تتطاول الظلال على الأهرام: عبث تنظيم الصحافة الرياضية    كندا تؤكد رصد أول إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة    بنسعيد: المسرح قلب الثقافة النابض وأداة دبلوماسية لتصدير الثقافة المغربية    موكوينا: سيطرنا على "مباراة الديربي"    مهرجان "أجيال" بالدوحة يقرب الجمهور من أجواء أفلام "صنع في المغرب"    افتتاح أول مصنع لمجموعة MP Industry في طنجة المتوسط    من العاصمة .. إخفاقات الحكومة وخطاياها        مجلس المنافسة يفرض غرامة ثقيلة على شركة الأدوية الأميركية العملاقة "فياتريس"    مندوبية التخطيط :انخفاض الاسعار بالحسيمة خلال شهر اكتوبر الماضي    طبيب ينبه المغاربة لمخاطر الأنفلونزا الموسمية ويؤكد على أهمية التلقيح    الأنفلونزا الموسمية: خطورتها وسبل الوقاية في ضوء توجيهات د. الطيب حمضي    لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظام هيئة موظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة
نشر في هسبريس يوم 28 - 01 - 2021

صدر مؤخرا بالجريدة الرسمية عدد 6948 مكرر بتاريخ 31 دجنبر 2020 المرسوم رقم 2.19.453 صادر في جمادى الأولى 1442 (22 دجنبر 2020) بمثابة نظام أساسي بشأن هيئة موظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، حيث تمت الإشارة من طرف وزير المالية والاقتصاد وإصلاح الإدارة إلى الطابع الأمني كمبرر لاعتماد هذا النظام بعد عقود من الممارسة، وإلى طبيعة المهام الخاصة لهيئة الجمارك والضرائب غير المباشرة، الأمر الذي استدعى من جانبنا تخصيص هذا النظام بالدراسة والتحليل في محاولة لتقييم مضامينه، وللتمعن في مدى الجدوى من إقراره.
أولا: في المرجعية القانونية
تم إقرار النظام الأساسي لهيئة موظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بمقتضى مرسوم حكومي رغم أن هذه الهيئة تضم بين أعضائها فئة تسمى بأعوان المصلحة العامة بإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ممن يحق لهم حمل السلاح الوظيفي، حيث يجدر تأطير حملة السلاح بمقتضى ظهير شريف بدل مجرد مرسوم لا يرقى حتى إلى القانون الذي يصدر عن البرلمان في قوته التشريعية.
وفي هذا السياق نلاحظ على سبيل المقارنة أن موظفي الوقاية المدنية والأطباء، العاملين بالمديرية العامة للوقاية المدنية والمصالح الخارجية التابعة لها، قد تم تحديد نظامهم الخاص بمقتضى الظهير الشريف رقم 70.17.1 الصادر في10 ذي القعدة 1439 الموافق ل24 يوليوز 2018، بناء على نظام الانضباط العام في حظيرة القوات المسلحة الملكية، رغم عدم استعمالهم للسلاح، حيث أن مهامهم لا تختلف كثيرا عن مهام موظفي الجمارك، مثلما ينص على ذلك هذا الظهير في مادته السادسة التي تقول: "مع مراعاة الاختصاصات والصلاحيات المسندة إلى إدارات أو مؤسسات أو هيئات أخرى، تناط بموظفي الوقاية المدنية في إطار المهام المسندة إلى المديرية العامة للوقاية المدنية، على الخصوص المهام التالية: – العمل على حماية السكان والممتلكات من الأخطار الطبيعية والتكنولوجية والعمرانية وكذا من الأخطار المرتبطة بالأنشطة الترفيهية؛ السهر على مكافحة الحوادث والكوارث والتخفيف من آثارها على السكان والممتلكات والبيئة. كما يساهمون، في نطاق المهام السالفة الذكر، في عمليات حفظ النظام العام".
وجدير بالذكر أن مرجعية مهام هيئة موظفي الجمارك تعود إلى مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة كما تمت المصادقة عليها بموجب الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.77.339 بتاريخ 25 شوال 1397 (9 أكتوبر 1977)، التي حددت في معظم فصولها مهام وواجبات المراقبة الجمركية مثل الفصل 38 الذي يقول: "1- لأجل تطبيق هذه المدونة ورغبة في البحث عن الغش، يجوز لأعوان الإدارة أن يقوموا بمعاينة البضائع ووسائل النقل وتفتيش الأشخاص.
2- يجب على سائق كل وسيلة من وسائل النقل الامتثال لأوامر أعوان الجمارك".
أو مثل الفصل 23 الذي يستفاد من فقرته الأولى مهام موظفي الجمارك في المحافظة على الأمن والصحة العامة عندما يقول: "لتطبيق هذه المدونة، تعتبر محظورة جميع البضائع التي يكون استيرادها أو تصديرها:
أ) ممنوعا بأي وجه من الوجوه؛
ب) أو خاضعا لقيود أو لضوابط الجودة أو التكييف أو لإجراءات خاصة".
لكن من حيث أن مدونة الجمارك تعد في حد ذاتها مصدرا تشريعيا قويا بما اشتملت عليه من أحكام في المراقبة لكل ما يدخل إلى المملكة أو يخرج منها، وبعد أن جاءت بتنظيم مهام موظفي الجمارك وما أملت عليهم من واجبات وحقوق، فقد كان يكفي إغناء المدونة في هذا الجانب ببعض المقتضيات لا غير، خاصة تلك التي لازالت تقُضُّ مضجع القائمين على الشأن الجمركي مثل المنع من ممارسة الحق النقابي أو المنع من الانخراط في الأحزاب السياسية.
وتملك إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة سلطة مطلقة في تعديل بنود المدونة الجمركية، بحكم معرفتها بالشأن الجمركي من جهة وبالنظر إلى طبيعة القانون الجمركي المتميز بطابعه المتجدد كل سنة، بفعل مستجدات قوانين مالية السنة والمتجدد خلال السنة نفسها أيضاً بفعل المستجدات ذات الطابع الحمائي.
كما أن مدونة الجمارك تشمل في الآن ذاته كلا من القانون الجمركي الذي ينص على الجرائم الجمركية وعقوباتها، وكذا قانون المسطرة الجمركية الذي ينظم إجراءات التقاضي الجمركي من قبيل شكلية المحاضر، ويشتمل أيضاً على التنظيم الجمركي مثل مقتضيات تسطير حدود دائرة ومكاتب الجمارك وبعضاً من مقتضيات النظام الأساسي للموظفين التي تنص على واجبات وحقوق أعوان ومفتشي الجمارك، بحيث يمكن تشبيه هذه المدونة الجمركية بمدونة المحاكم المالية كما تم إحداثها بمقتضى القانون رقم 99-62 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 124-02-1 الصادر في فاتح ربيع الآخر 1423 (13 يونيو 2002)، والتي تضم كتاباً أولاً في المجلس الأعلى للحسابات من ناحية الاختصاصات والتنظيم، وكتاباً ثانياً في المجالس الجهوية للحسابات من ناحية الاختصاصات والتنظيم، وكتاباً ثالثاً في النظام الأساسي لقضاة المحاكم المالية.
ثانيا: في الحقوق والواجبات
تم بموجب المادة الرابعة من النظام الأساسي لهيئة موظفي الجمارك والضرائب غير المباشرة النص على أنه "...لا يجوز للموظفين المنتمين لهيئة موظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة أن يؤسسوا أو ينخرطوا في منظمة نقابية أو حزب سياسي أو ممارسة أي نشاط من أنشطتهما، لا سيما القيام بأي شكل من أشكال التظاهر أو الاحتجاج الجماعي".
أما المادة السادسة فقد أشارت في فقرتها الأولى إلى ما يلي: "يدعى موظفو إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة لممارسة مهامهم، بالإضافة إلى الأوقات العادية، بالليل والنهار وخلال أيام العطل، إذا اقتضت ضرورة المصلحة ذلك".
وهي نفس الصياغة تقريبا التي تم اعتمادها في الفصل 62 من القانون الأساسي لموظفي الوقاية المدنية والتي جاء فيها: "يمكن أن يدعى كل موظف من موظفي الوقاية المدنية لمزاولة مهامه، سواء بالنهار أو بالليل، ولو خارج أوقات العمل، وتعوض فترات العمل المنجزة خارج أوقات العمل العادية بفترات للراحة".
ويمكن القول إن مثل هذا المقتضى لا يضر لو تم إقحامه ضمن الفصل 31 من مدونة الجمارك الذي سبق له أن تطرق للعمل خارج التوقيت الإداري عندما أكد بالقول: "1- تحدد في قرارات للوزير المكلف بالمالية ساعات فتح و إغلاق مكاتب الجمرك.
2- يمكن بطلب من المعنيين بالأمر وبعد موافقة الإدارة، أن تتم الإجراءات الجمركية إما خارج مكاتب الجمرك وإما خارج ساعات فتح وإغلاق المكاتب المذكورة. وفي هذه الحالة تستوفي الإدارة أجرا يحدد مقداره وتخصيصه بمقرر لمدير الإدارة.
3- تحدد بمقرر لمدير الإدارة شروط تطبيق 2 أعلاه".
كما يلاحظ من جهة أخرى أن الفقرة الثانية من المادة السادسة من النظام الأساسي لموظفي هيئة الجمارك قد جاءت صياغتها معيبة عندما قالت: "يتم، وفق ما تسمح به ضرورة المصلحة، تعويض فترات العمل المنجزة خارج أوقات العمل العادية بفترات للراحة لا تحتسب ضمن أيام الإجازة السنوية". بحيث تفيد قراءة هذه الفقرة بأن فترات العمل خارج التوقيت الإداري، لا يمكن تعويضها إلا إذا سمحت به ضرورة المصلحة، وهذا مما يتنافى مع أبسط الحقوق المقررة في نطاق الوظيفة سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص.
أما الفقرة الثالثة من المادة السادسة المذكورة أعلاه، فقد ألزمت "موظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بالانضباط والتقيد باحترام السلطة التسلسلية وبالامتثال لقواعد الانضباط التي يقتضيها حق حمل السلاح وارتداء البذلة الرسمية".
وهو ما يفيد أيضا بكون الانضباط والتقيد باحترام السلطة التسلسلية أمر موجه إلى أعوان المصلحة العامة من حاملي السلاح والعاملين بالزي النظامي دون غيرهم.
كما شددت الفقرة الرابعة والأخيرة من المادة السادسة على ضرورة "التقيد بمدونة السلوك المهني لموظفي إدارة الجمارك التي تعدها إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة ويصادق عليها بقرار للسلطة الحكومية المكلفة بالمالية".
وإذ لا يخفى على أحد ما في مقتضيات هذه الفقرة من عيوب، فإن الدفع بعدم دستوريتها يظل قائما، حيث تتنافى مع الفقرة الثالثة من الفصل السادس لدستور المملكة التي تقول: "تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة".
فإذا كان القصد من وجوب نشر القاعدة القانونية هو الإلمام مُسبقاً بما تتضمنه قبل التقيد بها تحت طائلة العقوبات التأديبية على من يخالفها، فإن التقيد بمدونةٍ للسلوك لم تخرج بعدُ إلى حيز الوجود ليس من أبجديات القانون ولا من تعاليمه حيث لم نسمع بقانون أو مرسوم يفرض على مُخاطِبيه الالتزام ببنودٍ قانونية مُعَلَّقة، ناهيك عن محتواها الذي قد يصدر بالمخالفة للدستور أو للتشريعات التي تعلوها مرتبة.
من جهتها تضمنت المادة السابعة من النظام الأساسي لموظفي هيئة الجمارك تناقضا بين فقرتيها، حيث أعطت الفقرة الأولى منه إلى وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة الحق في مباشرة انتقالات موظفي إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة، مع مراعاة الحالة العائلية للمعنيين بالأمر ضمن الحدود الملائمة لمصالح الإدارة، بينما أعطت الفقرة الثانية لإدارة الجمارك الحق في أن "تجري للموظفين الخاضعين لهذا النظام الأساسي حركية جغرافية ووظيفية، إما بطلب من الموظف، أو بمبادرة من الإدارة، كلما دعت ضرورة المصلحة إلى ذلك، من أجل تحقيق التوازن في توزيع إعادة انتشار الموظفين".
وقد كان على واضع النص في سعيه لتكريس استقلالية الإدارة الجمركية أن يخص مدير إدارة الجمارك وحده بحق التعيين وحق الإشراف على انتقالات موظفيه بدل تخويل هذه الحقوق إلى وزير المالية، وذلك على غرار النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني خاصة في الفقرة الأخيرة من مادته الثالثة التي تقول: "يمارس المدير العام للأمن الوطني سلطة تعيين وتسيير موظفي ومصالح الأمن الوطني، مع مراعاة أحكام الظهير الشريف رقم 1.99.205 الصادر في 18 من جمادى الآخرة 1420 (29 سبتمبر 1999) بتفويض سلطة التعيين".
ولعل هذا المقتضى من شأنه أن يعصف بالغاية من إقرار نظام خصوصي ما دام لم يقم سوى بنقل مقتضيات المادة 64 من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية التي تقول: "للوزير الحق في مباشرة انتقالات الموظفين الموجودين تحت سلطته. ويجب أن تراعى في تعيين الموظفين الطلبات التي يقدمها من يهمهم الأمر وكذا حالتهم العائلية ضمن الحدود الملائمة لمصالح الإدارة".
على أن المتتبع للمسار الوظيفي بالمغرب لا بد أن يسترعي انتباهه عبارة النقل لدواعي المصلحة العامة، والتي لا ينبغي تصورها في مَعزلٍ عن النظام الأساسي الخاص الذي يؤطر شروطها ودواعيها حسب خصوصية الإدارة المعنية. ففي الوقت الذي كرست فيه بعض الأنظمة الخصوصية جانب الاستقرار باعتباره حقا طبيعيا مثل المادة 165 من مدونة المحاكم المالية في الباب الثالث المتعلق بالنظام الأساسي لقضاة المحاكم المالية، والذي يقول في بدايته: "يؤلف قضاة المحاكم المالية هيئة موحدة ويتمتعون بعدم قابلية العزل والنقل إلا بمقتضى القانون، ويسهر مجلس قضاء المحاكم المالية المنصوص عليه في المادة 235 بعده، على تطبيق هذا النظام الأساسي"، فإننا نجد أن إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة قد سلكت عملية تنقيل واسعة لموظفيها قبل صدور نظامها الأساسي الحالي، وهو ما يعني إصدار قرارات إدارية بغير سند من القانون ما دام المرجع في هاته الحالة هو قانون الوظيفة العمومية في فصله 64 الذي لم يسبق لأي إدارة تخضع لمقتضياته أن انتهجت حركية واسعة لموظفيها، لِمَا في ذلك من زعزعة للاستقرار الأسري الذي ينعكس لا محالة على مردودية العمل. كما أن التخوف من استفحال الرشوة في مناطق معينة لا يكفي أن يقوم سببا لإدراج هذا الأمر في حظيرة المصلحة العامة بالشكل الذي يؤدي إلى تنقيل المئات من الموظفين من مدن مختلفة واستبدال بعضهم ببعض، مع ما يستلزم ذلك من إهدار للمال العام عندما يتم الأمر بمبالغ مالية برسم التنقل الإجباري لكل موظف غير مقررة في القوانين أو النصوص التنظيمية من جهة، ولا تفي بالغرض من تقريرها من جهة ثانية، علما أن مرجعية التعويض في إطار الوظيفة العمومية، إنما تكون مقررة في حالة الإلحاق التلقائي من طرف الإدارة إلى إدارة أخرى وتكون في حدود ثلاثة أضعاف الأجرة الشهرية، ومع العلم أيضا بانتهاج الإدارة الجمركية للحركية الوظيفية داخل المجال الجهوي للتحكم في استفحال الفساد الذي قد يظهر من حين لآخر. وبالتالي فالقرار الإداري متى صدر بهذه الصورة مُخَلِّفاً آثاره السلبية على الجانب الاجتماعي أو مُفْقِراً لخزينة الدولة، إنما ينبغي التصدي له، بحيث تقع مسؤولية ذلك على عاتق القضاء الإداري الذي لا ينبغي له أن يكتفي فقط بإلغاء القرار المشوب بأحد عيوب المشروعية، وإنما سيكون مُطالباً في سعيه لبلوغ العدالة إلى ابتداع الحلول الكفيلة بردع المسؤول ومُصدِر القرار الذي يعتريه عيب جسيم كان سيؤاخذ الموظف البسيط على ارتكاب مثله بأشد العقوبات، حيث إن العدل الأمثل يقتضي القصاص ضد كل من يلحق الأذى بحقوق الوظيفة العمومية من اقتطاع بغير حق كمن يأكل أموال الناس بالباطل أو يستهتر بالأموال العمومية أو الجمعوية بدون سند من القانون، ولأن دستور المملكة هو أسمى قانون في البلاد، فقد وجب على الجميع التقيد بمضامينه ومنها قوله في الفصل السادس: "القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بمن فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له..." والسلطة العمومية كما هو معلوم تكون مجسدة في شخص المسؤول المتصرف باسمها، ومن ثم وجب إخضاعه للمساءلة وتوقيع العقاب متى أضر المصلحةَ العامة بقراره وبعدم تَبَصُّرِه، حتى لا يصدق علينا قول رسول الله عليه الصلاة والسلام: "إنما أهلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".
ثالثا: في حقوق لم يتم التطرق إليها
بناء على التبرير الذي تقدم به وزير المالية والاقتصاد وإصلاح الإدارة في ديباجة التصديق على مرسوم النظام الأساسي الخاص بهيئة موظفي إدارة الجمارك، من أجل إقراره، والتي تمثلت في الطابع الأمني، اتضح أن هذا النظام لم يعر أي اهتمام لتوظيف أبناء الجمركيين ممن تعرضوا لآفات أو للموت في سبيل الدفاع عن حقوق الدولة وأمنها، حيث تنص مثلا المادة 18 من النظام الأساسي لموظفي الوقاية المدنية على أنه: "يمكن بطلب كتابي أن يتم إدماج أزواج وأبناء موظفي الوقاية المدنية المتوفين أثناء مزاولتهم لمهامهم، وذلك في حدود خمسة في المائة من المناصب المالية المراد شغلها برسم كل سنة مالية مع مراعاة الشروط المتعلقة بولوج الرتب أو الدرجات والأسلاك". وهو نفس المقتضى الذي جاء في النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني عندما أقر بموجب المادة التاسعة قائلا: "مع مراعاة الشروط الخاصة المقررة للتوظيف في كل درجة، يمكن أن يوظف في أسلاك موظفي الأمن الوطني، بصفة مباشرة وبناء على طلبهم، أزواج أو أبناء موظفي الأمن الوطني المتوفين أثناء ممارسة عملهم، وذلك في حدود خمسة في المائة من المناصب المالية المراد شغلها برسم كل سنة مالية".
وإن غياب مثل هذا المقتضى عن ذهن المشرع الجمركي، إنما ينم عن عدم اكتراثه للجهود المبذولة من طرف الأعوان والمفتشين التي تفضي إلى هلاكهم، كما يشهد على ذلك ما تشنه إدارة الموارد البشرية من دعاوى إفراغ الأرامل ممن فقدوا أزواجهم الجمركيين، أو من المتقاعدين الذين أفنوا عمرهم دفاعا عن أمن وسلامة المملكة رغم ما يميز هذه المساكن من طابع جمعوي لا يمت للسكن الوظيفي بصفة تذكر، وجب التفكير في إيجاد حلول جذرية له عن طريق خلق عمل اجتماعي إداري بمقتضى القانون، مثلما تنص على ذلك المادة 26 من النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني في بدايته الأولى التي تقول: "تحدث مؤسسة للأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني تحمل اسم جنابنا الشريف. تهدف المؤسسة إلى النهوض بالأعمال الاجتماعية وتنميتها وتطويرها لفائدة موظفي الأمن الوطني وأفراد أسرهم...".
كذلك الأمر بالنسبة لمنحة السكن عن النقل الإجباري التي لم يشر إليها النظام الأساسي الجديد، رغم أن الإدارات التي تنهج الحركية لموظفيها تنص على ذلك بصريح العبارة مثل المادة 18 من النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني التي تقول: "يخول مسؤولو وأطر وأعوان الأمن تعويضا مناسبا عن السكن أو سكنا وظيفيا في حالة توفره، وذلك وفق شروط وكيفيات تحدد بموجب نص تنظيمي". هذا مع العلم أن عدد موظفي الجمارك المحدود لا يقارن بأعداد موظفي الأمن الوطني.
بل حتى في الأنظمة العسكرية نجد النص على تعويضات النقل مقررة بموجب القانون، حيث تنص المادة 46 مثلا من النظام الأساسي للقوات المساعدة على أنه: "يعتبر في حالة تنقل لأجل المصلحة، كل فرد من أفراد القوات المساعدة يتنقل بأمر من رؤسائه التسلسليين خارج دائرة تعيينه، إما بصورة مؤقتة أو بمناسبة تغيير محل إقامته. ولهذه الغاية، يستفيد من تعويضات عن التنقل، تحدد مقاديرها وشروط منحها، سواء داخل أو خارج المملكة، بموجب النصوص التنظيمية الجاري بها العمل".
أما في ما يخص واجبات الحماية، فلم يشر هذا النظام إليها، على اعتبار كونها مقررة بموجب الفصل 32 من مدونة الجمارك الذي يقول: "1- يحمي القانون أعوان الإدارة ويمنع كل شخص أن يعترض مزاولة مهامهم بمجموع التراب الجمركي بما في ذلك الطرق السيارة. 2- يجب على السلطات المدنية والعسكرية وعلى أعوان القوة العمومية أن تقدم بمجرد ما يطلب منها ذلك يد المساعدة إلى أعوان الإدارة للقيام بمهامهم" الشيء الذي يؤكد عدم جدوى النظام الأساسي هذا في وجود مدونة جمركية شاملة. يبقى فقط على المشرع الجمركي أن يرتقي بهذا النص حتى يضمن لموظفي الجمارك حماية حقيقية من خلال حلول الإدارة محل الموظف المصاب في الدفاع عنه وتعويضه بالقدر اللازم الذي يغطي أضراره الجسدية مثلما تم النص عليه ضمن الفصل السابع من النظام الأساسي لموظفي الأمن الوطني. ذلك أن التغاضي عن هذا الأمر، لا شك سيدحض تحجج الإدارة بالجانب الأمني الذي تضطلع به وإن كان هذا الأخير قد عرف تراجعا كبيرا بفعل التخلي عن سياسة وضع السدود الطرقية، بلغ أدنى درجات الحضيض في البعض من الدوائر الجمركية المفترض فيها كونها حرما جمركيا لا تقربه أجهزة الأمن الأخرى، الأمر الذي يطرح من جهة أخرى الجدوى في ظل هذا الوضع من الشرط المتطلب لتوظيف حراس الجمارك ممن يتمتعون بقوة سمع تمكنهم من سماع الهمس على بعد خمسين سنتمترا، وعلى سمع صوت عال على بعد خمسة أمتار كما جاء ضمن المادة 25 من النظام الجديد.
يضاف إلى ما سبق غياب الحماية على المستوى الوظيفي، حيث لا زالت الأجهزة الأمنية الأخرى تتدخل في الشأن الجمركي الذي تم تحديد نطاقه وصلاحياته بموجب مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة الصادر بتنفيذها ظهير شريف.
رابعا: في تنظيم هيئة موظفي الجمارك
لم يقدم هذا النظام الأساسي لشريحة موظفي الجمارك أي جديد على مستوى جدول الأرقام الاستدلالية لسلاليم الأجور، حيث ظلت الأرقام هي نفسها المقررة بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، الشيء الذي يطرح التساؤل حول الجدوى من سن قانون خصوصي في الوقت الذي تسعى فيه حكمة المشرع إلى توحيد القوانين وتجميعها تفاديا للإطناب وترغيبا في الدلالة والوضوح.
وقد كان حريا بالمشرع الجمركي أن يعمل على إغناء مدونة الجمارك كما سبق القول بالمقتضيات التي تهم الوضعية الفردية للموظف، وأن يُحيل على مرسوم في حالة ما إذا قرر منح امتيازات في سلم الأجور على غرار الفقرة الأخيرة من المادة 165 السابق ذكرها من مدونة المحاكم المالية التي تقول: "يحدد ترتيب مختلف الدرجات وتسلسل أرقامها الاستدلالية وكذا نظام تعويضات قضاة المحاكم المالية بموجب مرسوم".
ونذكر على سبيل المقارنة فيما يخص الامتياز الذي قد تستفيد منه بعض القطاعات، ما هو منصوص عليه ضمن الفصل الثاني والثالث والرابع من المرسوم رقم 807-93-2 الصادر في 6 محرم 1415 (16 يونيو 1994) في شأن النظام الأساسي الخاص بهيئة التفتيش العام للمالية، حيث أشارت هذه الفصول إلى أن الأرقام الاستدلالية تبتدئ من الرقم 336 إلى 940، علما أن هيئة التفتيش العام للمالية بحسب الفصل الأول من النظام، تشتمل على ثلاث درجات: درجة مفتش للمالية ودرجة مفتش للمالية رئيس بعثة ودرجة مفتش للمالية من الدرجة الممتازة وعلى المنصب السامي للمفتش العام للمالية، بينما تبتدئ الأرقام الاستدلالية لهيئة موظفي الجمارك بحسب النظام الأساسي الجديد من الرقم 153 لتنتهي في 870 كأعلى رقم، مع ما تم استحداثه من مسميات جديدة جعلت هيئة الموظفين تتكون من حراس الجمارك، ضباط الجمارك، الأعوان التقنيون للجمارك، مفتشو الجمارك، المهندسون والمهندسون المعماريون للجمارك، بالإضافة إلى منصبين ساميين لمراقب عام للجمارك ولمفتش عام للجمارك.
أما على مستوى التأديب، فقد انفرد هذا النظام الأساسي عن نظيره الخاص بموظفي الأمن الوطني بعقوبة النقل التأديبي على نفقة المعني بالأمر، مما يجعل هيئة موظفي الجمارك من وجهة نظر المسؤولين أكثر عرضة للفساد من غيرهم، كما أن هذه العقوبة من جهة أخرى تجعل من الحركية الجغرافية التي تتبناها الإدارة وسيلة للتأديب بدل ابتغاء المصلحة العامة التي تنادي بها.
وبالخلاصة لما سبق، فقد كان على المشرع الجمركي التشبث بمقتضيات مدونة الجمارك، وتحيين ما جاء فيها من حقوق وواجبات خاصة بهيئة موظفي الجمارك على غرار ما هو معمول به في مدونة المحاكم المالية المتعلقة بقضاة المجلس الأعلى للحسابات، حيث تعتبر مدونة الجمارك منة أنعم بها المشرع على الإدارة الجمركية، بما اشتملت عليه من قوانين ونصوص تعنى بالشأن الجمركي في كل جوانبه بما فيها من نظام أساسي لا ينكره إلا جاحد، مصداقا لقول ربنا جل جلاله في الآية 83 من سورة النحل: "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون" صدق الله العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.