أتذكر جيدا حرب الشواطئ التي عرفها المغرب في بداية الألفية, أتذكرها ببصمتين: الأولى على مرفقي و الثانية على وجهي, أتذكر جيدا كيف كنا نحمل أمتعتنا و الكثير من الأصدقاء و نتوجه قصدا إلى شاطئ البحر حتى نستمتع به كما حال كل المواطنين, و اتذكر جيدا كيف كان رجال الأمن يحاولون منعنا من ذلك تأكيدا لنظرية (أنتم لستم مواطنين "أو لي بغى يعوم مخصوش يكون معارض")...لي بغى يعوم خاصو يقول لعام زين... البصمة الأولى: أتذكر جيدا لحظة اعتقال والدي أمام ناظري, و أنا الطفل الذي لم يتجاوز الحادية عشر من عمره, تحركت بحرقة خلف الموكب الأمني الذي أمسك والدي...أتعلمون ماذا تلقيت بعد تعقبهم؟؟...ضربة "زرواطة كحلة" على مرفق يدي الصغيرة, من "وحش" لم يفرق بين طفولتي و حرقتي على أبي و بين أوامر سادته بضرب أصحاب الذقون....كانت أولى بصمات رجال المخزن على جسدي النحيف...أثرها انتفخ ثم ازرقَّ و دام ذلك لما يفوق الأسبوعين... ثاني البصمات: أتذكر جيدا كيف كنت أرافق بعض أصدقاء والدي ليلا للتجول في نفس سنة الحرب الشاطئية, و أتذكر جيدا كيف أشرت إلى أحد رجال القوات المساعدة بيدي, في خضم حديثي عنهم لابن عمتي...هييييييييييه أداك لبعلوك أجي هنا....صيحة "وحش" من الوحوش تناديني..ذهبت إليه ببراءة طفل لا يفرق بين هذا الوحش و الوحش الذي ضربه سابقا....كنت نية مسكين....ما إن وصلت إليه حتى أطلق لسانه بكلام يذيء وصفني به حينها....ثم عيني ما تشوف إلا النور....صفعة...نعم صفعة بكل قوته على وجه الطفل "أنا"...لقد صفعني بشدة... أحاسيس الطفل أتذكر جيدا أنني حينها شعرت "بالحكرة"...والدي معتقل...رجال الأمن يضربونني خلال شهر واحد مرتين...لا أحد قد تكلم أو استنكر...نفسي ولفت نكون هازها في نيفي...اغتضت و تألمت ليس من حر الضربة, لكن من ألم استبداد أناس يلبسون الزي الأخضر الباهت أو الأزرق القاتم...لم أكن أفهم شيئا من أمور تدبير الدولة...لكن ما بقي في ذاكرتي حينها أن هاؤلاء الرجال أصحاب "الزرواطة لكحلة" هم وحوش ظلمة...هم "بوعو" الذي كان أهلنا يرهبوننا به...و اكتشفت بعدها أنهم مجرد أداة يستخدمها "البوعو" الحقيقي للبلاد. خلاصة: ما لم يعلمه هؤلاء, أنهم ساهموا في تكوين طفل يكره استبدادهم...نعم أنا الطفل الممانع لطغيان "البوعو" و سأظل إلى أن يشاء رب العباد....