مجلس الجالية يشيد بتبسيط إجراءات توثيق الزواج وإيجاد حل بديل بشأن التوارث في حالات الزواج المختلط    نشرة انذارية.. تساقطات ثلجية على المرتفعات بعدد من مناطق المملكة    التفكك الأسري: من إصلاح مدونة الأحوال الشخصية إلى مستجدات مدونة الأسرة المغربية    قوات الأمن السورية تلقي القبض على "سفاح" سجن صيدنايا    قيادة "الجرار" تريد إيصال تعديلات مدونة الأسرة بسرعة إلى البرلمان بعد "اجتماع عاجل" مع أطراف الأغلبية    حصاد سنة 2024.. مبادرات ثقافية تعزز إشعاع المغرب على الخارطة العالمية    "زوجة الأسد تحتضر".. تقرير بريطاني يكشف تدهور حالتها الصحية    محكمة سلا تقضي بالحبس موقوف التنفيذ في حق 13 ناشطًا من الجبهة المغربية لدعم فلسطين بسبب احتجاجات    تحذير من ثلوج جبلية بدءا من السبت    المغرب يفاوض الصين لاقتناء طائرات L-15 Falcon الهجومية والتدريبية    أبناك تفتح الأبواب في نهاية الأسبوع    المحافظة العقارية تحقق نتائج غير مسبوقة وتساهم ب 6 ملايير درهم في ميزانية الدولة    330 مليون درهم لتأهيل ثلاث جماعات بإقليم الدريوش    سرقة مجوهرات تناهز قيمتها 300 ألف يورو من متجر كبير في باريس    نظام أساسي للشركة الجهوية بالشمال    المديرية العامة للضرائب تعلن فتح شبابيكها السبت والأحد    بيت الشعر ينعى محمد عنيبة الحمري    إياب ساخن في البطولة تبدأ أطواره وسط صراع محتدم على اللقب وتجنب الهبوط    غياب الطبيب النفسي المختص بمستشفى الجديدة يصل إلى قبة البرلمان    الدحمي خطاري – القلب النابض لفريق مستقبل المرسى    المنتخب المغربي يشارك في البطولة العربية للكراطي بالأردن    العام الثقافي قطر – المغرب 2024 : عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية    استخدام السلاح الوظيفي لردع شقيقين بأصيلة    تعاونيات جمع وتسويق الحليب بدكالة تدق ناقوس الخطر.. أزيد من 80 ألف لتر من الحليب في اليوم معرضة للإتلاف    اكتشاف جثة امرأة بأحد ملاعب كأس العالم 2030 يثير الجدل    إسرائيل تغتال 5 صحفيين فلسطينيين بالنصيرات    بلعمري يكشف ما يقع داخل الرجاء: "ما يمكنش تزرع الشوك في الأرض وتسنا العسل"    "ال‬حسنية" تتجنب الانتقالات الشتوية    "الاتحاد المغربي للشغل": الخفض من عدد الإضرابات يتطلب معالجة أسباب اندلاعها وليس سن قانون تكبيلي    حلقة هذا الأسبوع من برنامج "ديرها غا زوينة.." تبث غدا الجمعة على الساعة العاشرة    أسعار الذهب ترتفع وسط ضعف الدولار    صناعة الطيران: حوار مع مديرة صناعات الطيران والسكك الحديدية والسفن والطاقات المتجددة    هجوم على سفينة روسية قرب سواحل الجزائر    كندا ستصبح ولايتنا ال51.. ترامب يوجه رسالة تهنئة غريبة بمناسبة عيد الميلاد    أسعار النفط ترتفع بدعم من تعهد الصين بتكثيف الإنفاق المالي العام المقبل    طنجة تتحضر للتظاهرات الكبرى تحت إشراف الوالي التازي: تصميم هندسي مبتكر لمدخل المدينة لتعزيز الإنسيابية والسلامة المرورية    الارتفاع يفتتح تداولات بورصة الدار البيضاء    "التجديد الطلابي" تطالب برفع قيمة المنحة وتعميمها    الممثل هيو جرانت يصاب بنوبات هلع أثناء تصوير الأفلام    الثورة السورية والحكم العطائية..    اعتقال طالب آخر بتازة على خلفية احتجاجات "النقل الحضري"    مباراة ألمانيا وإسبانيا في أمم أوروبا الأكثر مشاهدة في عام 2024    "أرني ابتسامتك".. قصة مصورة لمواجهة التنمر بالوسط المدرسي    المسرحي والروائي "أنس العاقل" يحاور "العلم" عن آخر أعماله    الضرورات ‬القصوى ‬تقتضي ‬تحيين ‬الاستراتيجية ‬الوطنية ‬لتدبير ‬المخاطر    جمعيات التراث الأثري وفرق برلمانية يواصلون جهودهم لتعزيز الحماية القانونية لمواقع الفنون الصخرية والمعالم الأثرية بالمغرب    مصطفى غيات في ذمة الله تعالى    جامعيون يناقشون مضامين كتاب "الحرية النسائية في تاريخ المغرب الراهن"    التوجه نحو ابتكار "الروبوتات البشرية".. عندما تتجاوز الآلة حدود التكنولوجيا    هل نحن أمام كوفيد 19 جديد ؟ .. مرض غامض يقتل 143 شخصاً في أقل من شهر    دراسة تكشف آلية جديدة لاختزان الذكريات في العقل البشري    برلماني يكشف "تفشي" الإصابة بداء بوحمرون في عمالة الفنيدق منتظرا "إجراءات حكومية مستعجلة"    نسخ معدلة من فطائر "مينس باي" الميلادية تخسر الرهان    طبيب يبرز عوامل تفشي "بوحمرون" وينبه لمخاطر الإصابة به    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سنة 2020 وأزمة كورونا .. رياح الجشع الليبرالي تعبث بفسيفساء الاستقرار
نشر في هسبريس يوم 18 - 01 - 2021

رغم السنة الفارقة التي عاشها العالم مع الجائحة، إلا أن قوانين الكون لم تتغير، ولم يتغير عالمنا البشري، وما يزال منطق العرض والطلب متحكما، ويختبئ خلفهما منطق الربح المرتبط بالاستهلاك، الذي يرتبط بدوره بسيادة "العامّة والعاميّ".
انطلاقا من تأمل للعديد من مناحي التجربة الإنسانية خلال عام الاستثناء، يتوقف الباحث إدريس القري عند ما عشناه مع العالم المجهري في سنة 2020، وما عاشته أركان قريتنا الصغيرة من اهتزاز.
ومع أننا استأنفنا العيش في سنة جديدة بعد الأزمة التي هزت طمأنينة العادة، يقف الباحث في أحدث مقالاته عند عدد من المفاهيم المفاتيح، من خوف عالمي، وشك، ورقمي، ومناخ، وثلاثي الأنا والغير والعالم،… مسطرا على تحديات يواجهها وجودنا البشري، وما يجب الرهان عليه في مرحلة ما بعد ال"كوفيد".
نص المقال الذي توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية:
2020 تحت "سُلطة" كوفيد-19: فُسيفِساءُ استقرارٍ يُبعثِرُها جَشعٌ ليبراليّ مُتغطرس
عوالم_الماكرو – الدَّهشة_الكونية
لم تتغير دورات الأرض لا حول نفسها ولا حول الشمس، ولا تغيرت دوراتُ القمر حولها، بل ولا التغير مس ايقاع ونسقية النظام الشمسي والمجرِّي من حولنا. بين 16 دقيقة التي تفصلنا، بسرعة دوران الأرض حول الشمس، عن كوكب أورانوس، و80.000 سنة عن أقرب نجمة نراها في سماء الليل الصافية، لا شيء تغير. إنها الأكوان الإلهية التي يتجاوز سحرُ توازناتها ودقة جمالياتِ نسقيتها كل عقل بشري كما قال ذلك أبو حامد الغزالي، ثم إيمانويل كانط، وغيرهم كثير، عن حدود العقل الفلسفي والعلمي. نفس السرعة ونفس الإيقاع يسير به عالم الماكرو-فيزياء على الرغم مما يحدث لثوان معدودات من "لفحات" حرارية ومغناطيسية شمسية تهز أركان النسق الكهربائي والإلكتروني بشكل لا ينتبه إليه سوى خاصة الخاصة.
لم يزعزع هذا العالم المُدهِش الرّباني شيئا من استقرار البشر رغم وجود أشرار كُثر، وأغبياء أكثر بكثير، بينهم.
هذا من جهة أولى.
عالم العين المجردة أو عوالم السياسة والاقتصاد: عالمنا
من جهة ثانية، هي أقرب إلينا كجماهير، لم يتغير عالم تدبير وتسيير عالمنا البشري سياسيا واقتصاديا وثقافيا، حيث لا زال كل شيء يسير بمنطقين أساسيين يتحكمان في السوق، سوق تسليع كل شيء، إنهما قانونا العرض والطلب، وخلفهما مختبئ منطق الربح المرتبط عضويا بالاستهلاك الكمي، وبالتالي بسيادة العامَّة والعامِّي اللَّعِينين. الجديد في عصر تكنولوجيات الرقمي أن العامَّة والعامِّي يختبآن في جبة كبار الاقتصاديين والسياسيين ومهندسي المال والباحثين والفنانين الذين باعوا أرواحهم للشَّيْطان، إلا من رحم ربك، وهم قِلة القِلَّة، مبحُوحة الصوت لا تكاد تُسمع إلا في مَجالِس سُقراط Socrates وهو يُعرِّي على ديمقراطية "الأواني النحاسية" محروما من "مُكبر الصوت".
ها قد أصبح الشيطان مُتجسِّدا في ذكاء اصطناعي يحتجز بلايين البيانات، (في و. م. أ. أساسا وفي روسيا والصين)، عن البشر في مغارب الأرض ومشارقها، يمن تعقيد ما علمه "المهندسون الجدد" للرقمي من أساليب معالجتها، غدى يتحكم في الميول والأذواق والمواقف والآراء ويتكهن بها، (ليس هناك تكهن إلا انطلاقا من بيانات وتراكم هائل: Big Data)، بل ويستغلها لاقتراح "نماذج روبوتيكية" لك ولي وللغير، فيما نحن عليه نفسيا وعصبيا وثقافيا بل ومزاجيا حتى، وهو ما يمكن من اقتراح ما يمكن أن يعجب المستخدم-المستهلك.
أكسيوم أولي
هكذا يمكن إجمال الحياة على مستوى العين المجردة التي صاغ "أقليدس" Euclid انطلاقا منها بديهياته ومُسلَّماته التي لازالت الأغلبية المُضَلَّلةُ اليوم تُؤمِن بها، وهو ما يجعلها فريسة لعلماء النفس والاجتماع خُدَّامًا لمُهندِسي عالمٍ افتراضي، يعمِّقُون أزمة القيم والأخلاق عبر عالم مُعَوْلمٍ تزداد فداحة خسائره الإنسانية اطرادا مع جني نُخَبِهِ الأربَاح الطَّائلة.
ما الذي حدث على مستوى العين المُجردة، المستوى الذي نلمسه ونحسه وندركه خلال سنة غادرتنا، بعد أن ساقت أمامها جيشا عرمرم من أحاسيسنا وخلايانا ومواطنينا الكونيين إلى غير رجعة؟
ما الذي طبع وميز هذا العالم في ال"2020″ الذي نحن/كُنا فيه وضمنه ومنه وإليه، عالمٌ/عامٌ هو مُولِّدُ كل النِّعم وكل المِحن.
قالها السفسطائي بروتاغوراس: "الإنسان مقياس كل شيء": أليس الإنسان نسبي، خيِّرٌ/شرِّير ومُصِيب/خطَّاء؟
عوالم مدهشة مجهرية
عشنا في 2020 من جهة ثالثة، مع العالم الميكروسكوبي، كالعادة، وما يدخل ضمنه من مكونات دقيقة لكل مستوى أبعاد الوجود البيولوجية والفيزيائية.
كان شعارنا نحن المغاربة شعبيا في التعامل مع اللامرئي للعين المجردة: "اللي ما قتلت تسمَّن". إنه عالم مثير للدهشة بالمعنى الفلسفي هو أيضا كسالفه عالم الكواكب والنجوم وسرعة الضوء والثقوب السوداء إلخ. عالم لم يتغير إلا بالقدر الذي تحتاج معرفته تقبلا عميقا لمنطقِ الفيزياء المُعاصرة وما ترتكز عليه من احتمالات لا متناهية، ومنطق للصدفة الذي لم يعد ينفلت من مبدأ الحتمية، منذ نهاية القرن التاسع عشر، ودلالات القانون العلمي في صيغته النسبية والمنفتحة على التطور الدائم، كما صاغها الرياضيون والفيزيائيون الإبستيمولوجيون من جورج كانتور حتى كارل بوبر مرورا بغاستون باشلار إلخ.
هذ العالم بكائناته الدقيقة هو الأكثر تحديا لثقافات وحضارات ومعرفة وعلوم الإنسان في كل أبعادها وتعدُّدها باعتبارها طرائق ومناهج ونظريات مضبوطة "للإمساك" بحقيقة الظواهر الطبيعية!
في هذا السياق تدخل جائحة كوفيد-19 التي هزت أركان العالم، بتنوع دُوله وثقافاته واقتصاداته التي غدت مترابطة فيما بينها، من الصعب على أي منها اتخاذ قرار دون حساب عواقبه على ذاته وعلى اقتصادات مكونات "القرية الصغيرة"، الأرض. ذلك هو المُعطى الأكثر إدهاشا، بمنطق الابتكار الذي أتت به أدوات عولمة العالم في قرية صغيرة، وذلك عبر تكنولوجيات التواصل والترويج وتصنيع المحتويات والاتصالات والعمليات التبادلية من كل نوع: مالية وتجارية وتدبيرية: لقد أتت بهذا المُعطى تكنولوجيا الرقمي.
سياق زمن الكتابة
نكتب ونحن في اليوم الأول من سنة "جديدة"، نعيش إرثا من 2020 يتمثل في "تهديدٍ" غير مسبوق لعناصر كل من: "الوجود المتوازن" وعناصر "الوعي المتوازن"، (نقصد المستقر والمُوحي بالطمأنينة عادَةً).
تغيرت عناصر هذين الوجودين على مستويات وأبعاد كثيرة في حياتنا ونحن على سطح مركبتنا الفضائية، الأرض. في هذه المقالة، يسرنا مُساءلتها هذه المستويات عبر هذا التحليق السريع فوق كلمات-مفاتيح كما يلي:
2020 الخوف العالمي
إذا استرشدنا بتعاريف القواميس التركيبية لمختلف العلوم الإنسانية عن الخوف، فسنقول بأنه حالة انفعالية ووجدانية تلم بالإنسان أمام كل إحساس بالخطر أو التهديد، فيمكننا أن نضيف أن كل مجهول يخيف عندما يكون على صلة بحياتنا وباستقرارها واستمراريتها. هكذا عرفت جائحة كوفيد-19 نفسها عبر وسائل الإعلام والإجراءات الاحترازية وحملات التواصل التوجيهية، بل الملزمة، التي غمرت بشكل غير مسبوق العالم دون تمييز. وصل الأمر بالخوف "العالمي" حد إقفال الحدود وتوقيف كل العلاقات مع الخارج بسبب فيروس غير مرئي ولا هو معروف، آنذاك، من المنظور العلمي الذي لا يدعي معرفة إلا بالسيطرة على ظاهراتها والقدرة على التحكم فيها والسيطرة على حركتها. هكذا استقبلتنا السنة 2020 وهكذا فرضت خوفا جماعيا بل عالميا، عوْلمتهُ، وسائل الاتصال بشكل أدرَّ عليها البلايين سواء كانت متخصصة في التواصل أو في البيع أو في صناعة المحتوى. وقد كانت تكنولوجيات الإقناع، Persuasive Technology هي أداة منهجية الربح في أيدي المهندسين-السادة الجدد، ومن ورائهم قياصرة الرقمي وتكنولوجياته مالكو أغلب أسهم وقرارات شركات Apple, Facebook, Google, Instagram, Amazon Twitter… ومساهميهم الذين لا يعرفون إلا الربح وقريبا قد لا يتعرف عليهم ولا على قراراتهم الذكاء الاصطناعي الذي يركبون قوته الهائلة متسارعة التطور.
الشك
نعرف أن الشك كان على مر تاريخ المعرفة الإنسانية الرصينة، أي تلك الناتجة عن مناهج ونظريات مضبوطة، طاقة للتطوير وللتجديد. الشكل وقود النقد الذي يلجم الشك عن أن يصبح ريبا، أي شكا مطلقا يفضي مباشرة إلى اليأس والعنف والضياع.
خوف 2020 كان طاقة هائلة لتعبئة عالمية ظهرت خلالها عبقريات وإرادات وطاقات عمل وابتكار ورفع للتحدي. هكذا انطلق نقاش علمي وسياسي وتنظيمي ودبلوماسي وفكري وأخلاقي عالمي ووطني، كانت نتائجه مفيدة في كل الأحوال على الجميع، لولا اختراقات "أغنياء الحرب" كما العادة في الأزمات الكبرى.
انتشرت بفعل هؤلاء الأنانيين الجشعين، وعلى كل مستويات الحياة، الأخبار الزائفة Fake news، والمضللة والدعائية من كل الأصناف، ولفائدة جهاتٍ حاولت استغلال الأزمة لتحقيق مآرب محددة، سياسية ومالية وجيوسياسية واقتصادية وإيديولوجية حتى، انطلاقا من خلط الأوراق الذي سببته جائحة كوفيد-19، وخاصة في بداياتها التي أربكت الجميع ارتباكا فسح الفضاء العالمي لسيادة الخوف، الخوف الناتج أساسا عن عدم معرفة "العدُّو".
الطاقة
غالبا ما يولد الخوف طاقة سلبية تؤدي إلى التردد والاحتماء في الانتظار والتقهقر. لكن الشخصية "السوية"، للأشخاص وللثقافات والدول، غالبا ما تسود على هذه الطاقة وتحولها إلى طاقة إيجابية للمواجهة والتصرف حيال الخطر الكامن وراء المجهول والمهدد.
بين الطاقة السلبية المجمدة للمبادرة والطاقة الايجابية المنتجة لها، تحركت الدول والمؤسسات المدنية والأفراد والمنظمات الدولية، ممثلة للوعي الإنساني وللإرادة الخلاقة، لمواجهة الخوف أساسا. كانت المبادرات متعددة ومتوازية بين العملي والسياسي والتنظيمي والمالي والاجتماعي والنفسي والفكري والعلمي … إلخ.
فتحت خزائن الابتكار والأفكار والمال فكانت الإجراءات الاحترازية والقرارات الحمائية والابتكارات الحامية والداعمة للاقتصادات وللأفراد، ولمؤسسات هددها الإفلاس بسبب الإغلاق.
تحركت آلة العلمي وظهرت حقائق بنيات الخدمات الصحية العمومية منها والخاصة في كل بلدان العالم. هنا كانت الريادة لكل من استثمر لعقود في التعليم الجامعي والبحث العلمي وبنيات الخدمات الصحية العمومية، وفي التنظيم العقلاني والصارم للخدمة الصحية الخصوصية، تمويلا وبنيات تحتية، ومع ذلك تبين الفرق بين القدرات وأنساق البحث العلمي بين من اعتبرناهم كبارا ومن اعتبرناهم صغارا. تبين أن لا فرق بين كبير وصغير إلا بجودة التعليم والسياسات العمومية والحفاظ على القيم الكونية والحريات والديمقراطية في صورها الدستورية المتعارف عليها تاريخيا ومن خلال أنصع التجارب السياسية والثقافية في النصف الثاني من القرن الماضي حتى اليوم.
الأنا والغير والعالم
ثلاثة أبعاد هي قلب الوعي إذا استلهمنا مرجعية فلاسفة الوعي أمثال هيجل وسبينوزا وسارتر على سبيل المثال. لن ينهض وعي متراص وقادر على استيعاب تعقيد الواقع من جهة أولى، وعلى الاعتراف بالغير لجزء من وجود ووعي الأنا مندمجا في تكوينه من جهة ثانية، وعلى التموضع ضمن عالم متعدد القيم ومستويات الوجود وبالتالي الإدراك والمعرفة.
وحده هذا البعد الفلسفي التراكمي ينقذ الإنسان من الوجود التافه والطافي على سطح معرفة لا سياسات ولا تنظيم اقتصادي ولا إنتاج ثقافي دون عمقها وحمايتها له.
هي ذي الأطروحة لما بعد كوفيد: البعد الثقافي الفلسفي الإنساني التركيبي في مراجعة النماذج التنموية والأولويات الاستراتيجية، لأي تخطيط ليس للانتقال الرقمي، بل للتعميم الرقمي الحتمي.
كانت أفلام الخيال العلمي بالتحديد، في السينما، من فيلم Star trek حتى فيلم The Midnight Sky، في صورتها "النبوئية"، مرورا بروائع نخبوية مثل فيلم Odyssey 2000، سباقة لمنحنا صورة عن هذا العالم وتحدياته ومعاركه الجوهرية بين الإنسان والذكاء الاصطناعي الذي لا قوة له إلا بمن وراءه من الأشرار:
ليس الأشرار إلا أفرادا وجماعات لا تتمثل ثلاثية: "الأنا والغير والعالم" التي يعتبرها الفلاسفة وإبستمولوجيو المعرفة والعلوم الإنسانية شرطا جوهريا للسلم والسلام، نقصد المعنى الذي يستوعب كل القيم الإنسانية النبيلة في المجتمع الإنساني.
المناخ
لم يدرك أب العقلانية الحديثة René Descartes فداحة الثَّمن الذي تدفعه البشرية وستدفعه مع تطور تقدمها التكنولوجي المندفع بالطاقة المدمرة للرأسمالية الجديدة، مقابل ما سماه السيطرة على الطبيعة، كعبقرية تثبت للإنسان المُفكِّر تفوُّقَه في العالم.
في معارك قِمَم المناخ السّياسية العالمية، منذ دوراتها الأولى، تظهر سيطرة القيم المادية وقوة غريزة الأنا، التي حاربتها وتحاربها كل الفلسفات، باستثناء فلسفة القوة مع Nietzsche التي تُمجدها بمعنى ما.
لا يبالي الكبار في عالم الإمبراطوريات الكبرى بتوازن العالم الإيكولوجي، ولا بأخطار التغيرات المناخية. مصالح تفوُّقِهم وسيطرتهم لا تتماشى إلا مع التفاوت التجاري والعلمي والعسكري والصناعي والسياسي والثقافي، الذي يخدُم دوامَ سيطرتهم على العالم وثرواته.
ما يبدو لهم أساسيا في خرائطهم الجيوسياسية الكبرى غير صحيح. إن الغلط فيما يحملونه من "نظارات".
لا يتنازل الأقوياء عن تفوقهم المُؤسس على منطق القوة المادية المدرة للربح الوفير منذ فجر العبودية، (ذلك هو حال الليبرالية الجديدة، بأسواقها وبمنطقها السياسي وبشبكة عالمها الرقمي وشركاته العملاقة، الذي وضع كل الثقافات الأصيلة والقيم الإنسانية، من حرية وسلم ومساواة وتسامح وعدالة وحق، تحت الاعتقال غير محدد التاريخ).
الرقمي
هذه هي التكنولوجيا التي تجعل التطور الإنساني يتسارع مهددا بتجاوز قدرة الإنسان المفكر على مواكبة ومراقبة ولجم وتوجيه الإنسان "المبدع"، بالمعنى التقني للكلمة.
يحدث الآن أن العالم يبخس قيمة المهندس باني القناطر والأنفاق والطرق ووسائل النقل والتطبيب وإنتاج الغذاء والدواء إلخ، لفائدة مهندسين جدد يصممون ألعابا خطيرة على التربية والتعليم والقيم، ويطورون وسائل تواصل اجتماعي بتكنولوجيات الإقناع التي تحتال على بيانات Data الأفراد، وتبني نماذج للرغبات والحاجات مُحَوَّرةً، أسوأ من الفيروس، للطبيعة الإنسانية نحو استهلاك فوق الحاجة، وانشغالات يومية انطوائية وتافهة وفارغة، مُدمرة للأسرة وللمجتمع وللدولة أيضا في نهاية المطاف.
من سيوقف هذا المَدَّ المُدمر ليُعاد توجيهه نحو رقميٍّ إنساني رحيم فكري وفني وحضاري يخدم الحاجات والرغبات، على قدر انسجام الإنسان والطبيعة والثقافات المحلية في غناها المهدد بالانقراض إلى جانب التعدد البيولوجي؟
أخيرا
كلمات مفاتيح أخرى لن يكون للإنسان بابٌ لتجنب خسائر فادحة، حضارية وثقافية قد تودي به، إلى غير رجعة، إلى العوالم المخيفة للإنسانية في المستقبل، تيهٌ وضلالٌ في عالمِ سُرعات كبرى، وجموحُ أداة تحولت إلى آلة مستقلة ستطبق على أنفاسه. المعرفة التقنية ووراءها قياصرة جدد بدون قلب ولا وعي ثلاثي الأبعاد.
إنه التحدي القيمي، والمعركة ضد الأبوية الجديدة حيث الأب مهندس وصاحب رأسمال مالي وعلمي وراءه مساهمون وسياسيون.
إنه كذلك تحدي ذكورية جديدة ما لم تحارب بقوة وذكاء مشاكل الجندر والأطفال والحريات الفردية، داخل ديمقراطية تشمل السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي كاملة، بعيدا عن تجزيئية شعارات أفرغت من مضامينها، مثل المحاصصة والمناصفة بل المساواة بمعناها الأصيل والمرن في نفس الوقت.
الفنون البصرية خصوصا
كلمة أخيرة عن الثقافة البصرية وهي في نظرنا صمَّامُ أمان التطور في تكنولوجيات التواصل المدمرة رغم إيجابياتها الكثيرة والرائعة.
جميل ودالٌّ أن تبادر الشركات العملاقة Twitter, Facebook Instagram,، إلى إغلاق حسابات أقوى رئيس دولة في العالم، (Donald Trump)، لأنه مسؤول، ولو جزئيا، عن تهديد قيم: الديمقراطية والحوار والتسامح … إلخ، لكن:
هل ستقوم نفس الشركات بمراجعة انفلات منطق الربح والانتشار والاحتكار وبالتالي نشر التفاهة والاندفاع الغريزي والترويج للمثير وللسطحي وللاستهلاكي على حساب القيم عبر العالم وليس فقط في بلدانها؟
إن تطعيم الثقافة البصرية حيث يتم ترويجها عبر التكنولوجيات التواصلية الجماهيرية الجديدة، مطلب رئيسي للحد من انتشار تغيرات "تواصلية" مدمرة عبر العالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.