كان يغط عميقا في نومه ... شخير ... نخير ... صفير .... من نخيره انتقل إلي الضجر.. تأففت .. في جيب قميصي تحسست .. ثم لفافة في جيب الليل أشعلت ... كان الدخان مخيفا في بهيم الليل ، كان ينسج صورا هلامية تنذر بالشؤم . رؤوس معوجة .. وأسنان سوداء ... متسخة .. حادة .. تريد أن تنقض على المكان والزمان .. أرجل وأياد تتمطط ، وتتلوى في الهواء ، كأنها ديدان أو حيات ... ثم تتلاشى تاركة وراءها دوائر ، كأنها شفاه غليظة مشققة ، تنغلق وتنفرج في سماجة .. يا للهول !! شخير ونخير وجنون !! من الحقائق ما يثير الدهشة والاستغراب .. ما هذه الليلة الليلاء !! هل لها ارتباط بما عاينته وأعاينه في واقعي المعيش ؟؟ لعل أزيز الطائرات النفاثة بدوره يصدر هذا الشخير والنخير والصفير ... لست أدري .. أو ربما دخانها المنفوث من مؤخرتها يشبه ما تنفثه هذه السيجارة من صور هلامية تثير التقزز .. وهذه الرؤوس والأيادي والأرجل التي تتمطط وتتلوى.. أليست بدورها شبيهة بتلك التي أراها يوميا على الشاشة الصغيرة .. فما أكثر الرؤوس الممجوجة التي تطل علينا صباح مساء من هذه الشاشة الملعونة .. وما أكثر الرؤوس والأيادي والأرجل التي تطحن وتسحق .. في جهة ما من الكرة الأرضية ليست غريبة علي .. فما أسعد هذا الجاثم بجانبي !! أتراه يحلم على النقيض مما أرى .. أتراه الآن سابح في بحيرة ماؤها من ذهب ، تحف به الغواني والجواري من كل حدب وصوب .. وهو يزهو كالطاووس ، يغني ويصفر بأعلى صوته .. لعل صفيره المسموع الآن ، ما هو إلا غناء في حلمه الهادئ .. ما أتعس ليلتي !! وما أغرب الحلم والواقع معا !! وكيف يستطيع هذا الممدد بجانبي ككتلة هامدة ، أن يغيب في رقاده كل هذا الغياب؟؟ دون أن يحس بما يجري في هذا العالم من مآس وأزمات !! هل هناك فعلا أناس مثله موجودون بالقوة وبالفعل ، لهم نفس الإحساس بالعدمية واللامبالاة ، سواء كانوا من الوجهاء أو من المزاليط ؟؟ أيتها السيجارة المحترقة ، أهبك إحساسي بالدهشة .. أمنحك وسام العنفوان ، والتجدد ، والالتهاب .. فأنت الوحيدة التي تحترقين في هذه الليلة ، لأنك تكنهين سر الوجود ، وتعرفين حقا أن النار أقوى من الماء في تحطيم الأشياء .. فالتهبي كما تشائين .. واجعلي دخانك ذا الصور الهلامية أنيسا لي في هذه الليلة الليلاء ... ""