انطلقت ليلة أول أمس الخميس أولى حفلات مهرجان «أليغرية» بمدينة شفشاون الجبلية الصغيرة، بحفل كبير لراقصة الفلامينكو الإسبانية الشهيرة «ماريا باخيس»، التي حولت ساحة «أوطا حمام» إلى ساحة للغجر بامتياز، وكان بالإمكان التقاط زغاريد مغربية إلى جانب عبارات استحسان إسبانية اللكنة والإحساس: «أولي أولي».. «بوينا بوينا»، فيما امتلأت المقاهي الشعبية الصغيرة بروادها من الزوار الجدد، في حين كان الفنان المغربي «النوري» في الطرف الآخر من مدينة شفشاون يعيد ترتيب أغانيه القديمة والجديدة على الخشبة الكبرى لأليغرية أمام آلاف الجماهير التي حضرت الحفل، هذا الأخير الذي استمر إلى ما بعد منتصف الليل، وصفق له الجمهور «الشاوني» طويلا. وكان مثيرا للانتباه في ليلة الافتتاح الرسمي للمهرجان الحضور القوي لأتباع «الراستا» المغاربة، الذين قدموا إلى شفشاون من كل أنحاء المغرب خصوصا من الدارالبيضاء والرباط، وكعادتهم خلقوا الحدث في أجواء المدينة الجبلية بملابسهم الصيفية الغريبة، ذات الألوان الفاقعة التي تحمل كثيرا من العمق الإفريقي الذي ظل يعشقه مغني «الريغي» العالمي بوب مارلي، حيث كان من السهل مشاهدة «الراستا» المغاربة يستمتعون بإعادة تقديم أغانيه، وبينما كانت «ماريا باخيس» تعيد سرد قصة المرأة الغجرية الحزينة لفقدان حبيبها كان أصحاب الشعر المفتول يرددون «نو وومان نو كراي»، و«ستيريت آب»، و»وان لوف»... ويبدو أن الشفشاونيين قد اعتادوا على وجود «مالين الشعر» بين ظهرانيهم.. فشعب الراستا يعرف كل الأحياء وكل الشوارع، كما أن بعضهم صار يتحدث اللهجة الجبلية مثل سكان المدينة.. في حين يفضل بعض عشاق الريغي إعادة توزيع المقاطع الموسيقية للفنان الشهير محمد العروسي على القيثارات الكلاسيكية الإسبانية.. حيث كان يمكن للزائرين الاستماع إلى آخر «فيزيون» موسيقي مغربي بإيقاعات الريغي وألحان أغنية «شيخ القبيلة»، التي صارت مدبلجة إلى الإنجليزية والإسبانية في شكل «بليز مستر الشيخ»، أو «بور فابور كراندي شيخ»... لكن الجميع في شفشاون في الحقيقة يعرف لماذا يحضر في كل دورة من مهرجان أليغرية هذا العدد الكبير من أتباع الراستا.. وهي الحقيقة التي ربما لن تعجب البعض ويلخصها أحد عشاق بوب مارلي قائلا: «هنا يوجد أحسن شيت مغربي»، أو بالأحرى «هنا يوجد أحسن حشيش مغربي».. والأمر لا يخفى على أحد ويمكن لأي زائر أن يشتمه بمجرد أن تطأ قدماه مدينة «مولاي علي» و«السيدة الحرة».. وهو ما وصفه الفنان النوري قائلا: «لقد اختلطت رائحة دخان الحشيش بهواء المدينة.. وكأنه الهواء نفسه». إنهم في كل مكان بقيثاراتهم الإسبانية التي تحمل الرمز البوهيمي ل«السلام والحب»، فيما اختار البعض الآخر تعليق صورة تحمل رمز مدينة الصويرة، أو صورة بوب مارلي أو تشي غيفارا.. يجوبون بها أجواء المدينة وجبالها.. ويمارسون عادات الغجر القديمة في التسكع بدراهم قليلة في الجيب، وتقنية «الأوتوستوب» التي تعود إلى تلك السبعينيات الغابرة أيام «الهيبيزم» و«جون لينون»، وحين تنقضي دراهمهم يطلبون المساعدة من أقرب سائح أو سائحة دون مشكل لغة لأنهم في الغالب يتحدثون لغة بوب مارلي المختلطة بالإنجليزية «الجمايكية» واللحن المغربي. إنهم شباب هادئ جدا يتحدثون لغتهم الخاصة ولهم إشاراتهم الخاصة أيضا، وفي تجمعاتهم الكلمات المفاتيح هي «بيس»، و«زاز»، و«بيخير»..وبين كلمة وأخرى تدور لفافة الحشيش بين شباب «الراستا» من فم لآخر ثم ينطق أحدهم بكلمة «بيس» وتصير شفشاون مثل أحياء «الأندرغراوند» السبعينية أو حي «إيبيزا» أيام محمد شكري و«الهيبي» أو حي «هاشبوري» الذي خرجت منه كتابات «مناهضي مجتمع الاستهلاك» والبوهيميين المنادين بالسلام في العالم.. ويختلط كل شيء فيما الراقصة باخيس تبحث في أغانيها الحزينة عن بقايا آلام الغجر..وتضرب بكعب حذائها الفلامينكي خشبة «أوطا حمام» وكأنها ترفس الحبيب الخائن أو قمع فرانكو أو زنزانة السجن. هكذا سيستمر الصخب البوهيمي في شفشاون نهاية هذا الأسبوع بين غجر إسبان ينقلون حزنهم الأبدي أينما حلوا، وصراخهم التاريخي، وبين شباب من أتباع الراستا المغاربة الذين يكسرون شكل المدينة الجبلية الصغيرة بألوان ألبستهم الإفريقية وأصوات قيثاراتهم الكلاسيكية ودخان حشيشهم «ميد إن شفشاون سيتي».