يرفع الستار الأحمر على سواد تتخلله شمعات متفرقة هنا وهناك، وأجساد بعض الجنود في صفوف متقابلة على جانبي ما يشبه القوس الكبير تنبت على امتداده عدد من الأجراس قبل أن تنبعث الموسيقى وتدخل أربع نساء تباعا آخرهن ستكون هي كارمن. كان هذا، المشهد الأول من الأوبيرا الممسرحة "كارمن" التي أسدل بها الستار مساء أمس الخميس بمسرح محمد الخامس بالرباط على الدورة الثالثة لمهرجان الضفتين الذي نظم من طرف عدد من الشركاء الإسبان والمغاربة على رأسهم مؤسسة المعهد الدولي للمسرح المتوسطي بتعاون مع المسرح الوطني محمد الخامس وسفارة إسبانيا بالمغرب والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي والتنمية، في إطار التعاون الإسباني- المغربي "المعتمد" ووزارتي الثقافة الإسبانية والمغربية ووزارة التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن ومعهد ثيربانطيس وعدد من المؤسسات والمعاهد العليا والجهات الرسمية من الطرفين. وتحكي مسرحية كارمن المغناة والراقصة، قصة غجرية جميلة تغوي رقيبا في الشرطة في الوقت ذاته الذي يسقط لاعب الثيران في حبها ويشرع في خطب ودها. يتمرد الرقيب على رؤسائه ويلتحق بجماعة من المهربين فيفقد حب كارمن ذات الطبع الحر والمتوهج، لترتمي هذه الأخيرة بعد أن سقطت في حب عاصف، في أحضان لاعب الثيران. وقد تميز عرض الأمس باسترجاع أصل "الأسطورة"، عبر مواقف تعبر عن الشجاعة والدفاع عن الحرية بطريقة فنية جميلة تمتزج فيها أصوات نسائية تلعلع في السماء مع وقع أحذية راقصي الفلامينكو ورقصات غجرية لنساء جميلات لا يتوانين في الكشف عن مفاتنهن. والمثير في هذا العرض هو صعود فرس أصيلة إلى الخشبة ورقصها للفلامينكو جنبا إلى جنب مع "كارمن"، مما جعل المتلقين يهتزون لهذا المشهد الرائع. تجدر الإشارة إلى أن مهرجان الضفتين الذي انطلق يوم 21 يناير الجاري والذي سيختتم غدا الجمعة بمسرح محمد السادس بالدار البيضاء قد تميز خلال هذه الدورة بطبيعته المتنقلة عبر مدن الرباط والدار البيضاء وطنجة وتطوان ومراكش والجديدة. ومثلت فنون المسرح والرقص والسيرك والأوبرا الأنشطة الرئيسية لدورة هذه السنة من مهرجان الضفتين، الذي بدأ تفعيله في المغرب سنة 2007 واحتضنت شبه الجزيرة الإيبيرية دورته الثانية سنة 2008، ليعود هذه السنة إلى المغرب. وشارك في دورة هذه السنة أزيد من 150 فنانا من المغرب وإسبانيا قدموا على مدى تسعة أيام 23 عرضا فنيا بعضها من توقيع مبدعين مغاربة وإسبان إلى جانب إبداعات جاءت ثمرة تعاون بين فعاليات فنية تنتمي إلى الضفتين، إضافة إلى تنظيم محترفات وورشات ولقاءات فكرية.