يستعصي مفهوم استقلالية القضاء عن الإحاطة به من كل الجوانب كما يأبى أن يتم حصره في قالب جاهز . و تختلف التعريفات و تتباين الحدود باختلاف شخص و صفة الباحث و الأرضية التي ينطلق منها و يفشل أنصار الاستثناء و النموذج " الوطني" في ادعاء احتكار منح التعريف و رسم الحدود. فالمبدأ ذو طابع كوني تعارفت عليه الدول الديمقراطية و سطرت الدساتير و المواثيق الدولية أسسه و بناءه و الضمانات الضرورية لوجوده قانونا والدفاع عنه واقعا. وباعتماد تفسير مبسط نقول بان استقلالية القضاء تعني أن يؤدي القاضي ، سواء قاضي الرئاسة أو قاضي النيابة العامة ، " وظيفته" القضائية بمنأى عن أي تدخل من أية جهة كانت ، بحيث لا يحكمه سوى ضميره و نصوص القانون والسعي الى تحقيق العدالة. وإذا كان أول ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن استقلالية القضاء استقلاليته عن السلطتين التنفيذية و التشريعية، باعتبار ذلك أهم أساس لدولة الحق و القانون ، فإن هناك جوانب أخرى يجب الحديث عنها عند الحديث عنها و هي استقلاليته عن مجموعات الضغط. تُعرف مجموعات الضغط بكونها " مجموعة من الأفراد تجمعها مصالح مشتركة وتنشط في سبيل تحقيق هذه المصالح عن طريق الاتصال بمسئولي الدولة ومؤسساتها ومحاولة إسماع صوتها مستخدمة كل ما تملك من وسائل متاحة وفى مقدمتها أسلوب الضغط" . وأخذا ب " النموذج المغربي " سنتطرق لثلاثة وقائع عرفتها الساحة القضائية بالمغرب أخيرا و حظيت بتغطية إعلامية كبيرة. و هي قضية السيد خالد عليوة و واقعة احتجاج و اعتصام جمعيات مدنية و مواطنين " عاديين " ومن أفراد قبيلة أمام المحكمة الابتدائية بطاطا. و أخيرا الوقفة الاحتجاجية لمجموعة من المحامين ، من هيئة مكناس ، أمام مكتب قاضي التحقيق بخنيفرة . وأود الإشارة هنا الى أننا سوف لن نقوم بتقييم مدى "قانونية " أو " صحة " القرارات القضائية موضوع الاحتجاجات أعلاه لسبب بسيط هو أن الأمر يتعلق بقضايا رائجة أمام القضاء و لأن المشرع أوكل الى جهات قضائية معينة أمر القيام بذلك. سنتطرق في البداية لعناوين الملفات المذكورة اعلاه و للشكل الاحتجاجي الذي اتخذته " مجموعات الضغط " في تعاملها مع المقرر القضائي و نحاول استنباط الأسباب المعلنة و" الخفية " لهذه " الظاهرة " و استقراء آثار ذلك على المستوى القريب و البعيد .كما سنعمد إلى محاولة تكييف هذه الظاهرة و إعطائها الوصف القانوني لنخلص في الأخير الى العمل على استشراف آفاقها المستقبلية . الوقائع : نبدأ بقضية السيد عليوة الموجود رهن الاعتقال الاحتياطي بتهم تمس بتهم بتهمة تبديد أموال عمومية بمناسبة ترؤسه لمؤسسة القرض العقاري والسياحي . فقد أصدرت لجنة الدفاع عن السيد عليوة ، و من معه بيانا اعتبرت فيه ..ان " عهد الظلم وافتعال المساطر انتقاما قد ولى" و بأن القرار القاضي بإيداع عليوة رهن الاعتقال الاحتياطي قرارا" ضعيف في المضمون، خطير من حيث الآثار لأن مبرراته سخيفة قانونا، ومهدد للأمن القضائي مسطريا، تثير كل الأسئلة حول دوافعه وخلفياته ومراميه، من دبره ومن يقف وراءه " . واستهل النقيب عبد الرحيم الجامعي ندوة صحفية للجنة اعلاه ، بطرحه لمجموعة من الاعتبارات الخارجية التي تتحكم في الملف، منها اعتباره أن هذه «القضية متشعبة ووثائقها مفقودة، «وأن القضية لم يبتدئ فيها أي إجراء، والظلام لا يزال يحف بها من البداية الى النهاية، وأنها تثير العديد من الشبهات وعدم نظافة خلفياتها»، ..وسيضيف بأن الإجراءات التي رافقت الاعتقال هي «إجراءات استبدادية». من جهته أيّد السيد إدريس لشكر وجهة نظر زميله في الدفاع، بقوله إن «الاعتقال عندما لا يكون قانونيا، فهو تحكمي وتعسفي»، ووصف الإجراءات التي رافقت اعتقال عليوة ب «غير القانونية» . كما تم إنشاء " لجنة للتضامن" أطلقت حملة لجمع التوقيعات و قامت بزيارة الى رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان لوضع ملف خاص عن القضية. وبمدينة طاطا وعقب اعتقال احد أبناء المنطقة بعد نزاع بينه و بين احد نواب وكيل الملك بالمدينة المذكورة ، أصدرت مجموعة من الهيئات السياسية و النقابية و الحقوقية و الجمعوية و إحدى قبائل المنطقة بتاريخ 12/10/2012 بيانا تحت عنوان " جميعا من أجل الدفاع عن كرامة ساكنة طاطا . و تم تنظيم" اعتصام "، أمام بناية المحكمة ، أو "حصار " حسب تعبير بعض القضاة العاملين بالمحكمة. و حسب بعض المنابر الإعلامية فقد قررت قبيلة الشخص المتابع و بعض الجهات اعلاه تنفيذ اعتصام و شوهدت بعض الخيام التي يتم إنزالها استعدادا لذلك . و حج، و بكثرة ، لمؤازرة " ولد العم " حسب التعبير المحلي رجال و نساء قبيلته. وفي خنيفرة ، التي ذكر قضائها على قناة الجزيرة سنة 2010 ، بموقف يشرف القضاء المغربي ، في شخص ذ/ عادل بوحيى ، الذي اصدر أمرا بإحضار ابن سيدة و عائلة نافذة و مشهورة في المنطقة في ملف يتعلق بالنصب . فتعرض القاضي لضغوطات انتهت بمطالبته بتجريح نفسه ، فرفض ، فجاءه قرار وزير العدل ، السابق ، بإعفائه من مهام التحقيق و تمت " الاستجابة " لاحقا لطلبه الانتقال للعمل بمحكمة أخري ، في ضرب لاستقلالية القضاء . واقعة شدد بيان لفرع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان إثرها على تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين والمواطنات أمام القانون بخصوص إعمال المقتضيات القانونية والقواعد المسطرية خلال المحاكمات، وعدم التمييز بين المواطنين والمواطنات أمام القضاء بسبب الانتماء الاجتماعي مطالبا وزير العدل بالتدخل الفوري لمساندة وحماية السيد قاضي التحقيق، والحرص على متابعة المسار القضائي ". بخنيفرة سيأمر قاضي تحقيق آخر سنة 2013 بمتابعة رئيس جمعية خيرية في حالة اعتقال على إثر شكاية باختلاس أموال الجمعية ، و صادف أن هذا الرئيس له صفة محام. و هكذا ستعرف المحكمة الابتدائية يوم الجمعة 04 يناير 2013 وقفة قام بها بعض من محامي الدائرة أمام مكتب القاضي اعلاه حيث تم ترديد عبارات السب والشتم والوعيد والتهديد في حق القضاة ، حسب تعبير بيان المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بمكناس ، من قبيل أن القرار "غير عادل" وأنه يعتبر " إعلانا عن فتح معركة بين المحامين والقضاة" وتم نعت قضاة المحكمة بكونهم "مرتشون" ...و" أنه سيتم كشف تلاعبات في ملفات كثيرة رائجة بالمحكمة لأنهم يملكون الدليل الذي يدين كل قاض على حدة "... وطالب البيان " وزير العدل والحريات بفتح تحقيق حول ما راج من كون بعض المحامين قد تلقوا وعودا بعدم اتخاذ قرار إيداع المحامي المعني بالأمر في السجن قبل أن يقول قاضي التحقيق كلمته لما يمكن لهاته الأفعال أن تنطو عليه من خطورة عند ثبوتها ".و ، حسب الإعلام ، فقد خرج بعد الوقفة ممثلون عن هيئة الدفاع للإدلاء بتصريحات نارية اعتبرت قرار قاضي التحقيق إهانة لجسم المحاماة ككل مع الإعلان عن مقاطعة المحامين لجلسات المحكمة كشكل أول من أشكال التصعيد الذي تم التلويح به في حال لم يتم الإفراج عن المحامي المعتقل . مطلب تمت الاستجابة له من طرف الغرفة الجنحية لاحقا . فما هي أسباب هذه الظاهرة ؟ أسباب الظاهرة : يمكن أن نعزو أسباب انتشار هذا الشكل الجديد من أشكال التعامل مع قرارات القضاء ، بعيدا عن المساطر القانونية المنصوص، الى أسباب معلنة و غير معلنة. ففي البداية هناك أزمة الثقة بين المواطن و مؤسسات الدولة ككل و من بينها مؤسسة القضاء والتي تلقي بظلالها على " مصداقية " ما يمكن أن يصدر عن المحاكم من قرارات وأحكام. أزمة تغرس جذورها في ارث قديم و ممارسات واعية أو غير واعية تزيد من تعميقها. كما ترفع مجموعات الضغط شعار التضامن بين أفرادها ، و هو مبدأ محمود و مندوب ، في مواجهة " الظلم و الاستبداد و التعسف الصادر عن القضاة " في مواجهة عضو المجموعة. وهناك الدفعة القوية التي أعطاها الربيع العربي لثقافةالاحتجاج بالشارع العام و عبر وسائل الاتصال الحديثة كوسيلة للتغيير و التأثير في ما جرى و يجري. وهناك أيضا أسباب غير معلنة ، تختبئ تحت قمة جبل الجليد ، و على رأسها الرغبة في التحكم في مسار القضية موضوع الفعل الاحتجاجي و العمل على ضبط إيقاعها . حيث يعمد الطرف المحتج الى محاولة التحكم في مسار القضية منذ البداية سواء أمام النيابة العامة أو قضاء الحكم و حتى صدور حكم نهائي في النازلة. وهناك الشعور بالاستقواء نتيجة الانتماء الى جهة جغرافية أو مهنية أو سياسية معينة . فقد ساد و منذ القديم الاعتقاد بأن الانتماء الطبقي و الفئوي يضفي على صاحبه حصانة ، غير قانونية و لا شرعية ، و لكنها واقعية تجعل صاحبها فوق القانون ، او تجعله شخصا يجب أن يحظى بمعاملة خاصة و ليس كغيره من باقي المواطنين، و نستحضر هنا تعليق السيد محمد الأشعري الذي قال " رغم أن قضية عليوة فردية فإنها أيضا قضية حزب، وكان يجب أن يؤخذ هذا كضمانة ". مثل هذه الحصانة ، عموما ،تجعل يد القضاء مغلولة أن تصل الى عضو المجموعة سواء لأن الجهة المكلفة بالمتابعة عندنا في المغرب ، و هي النيابة العامة الخاضعة للسلطة التنفيذية المجسدة في وزير حزبي من الحكومة ، لم تتلق أمرا بالمتابعة أو تلقت تعليمات بعدم المتابعة . و أحيانا و حتى عندما يصل ملف الشخص الى يد القضاء فإن " جسده " يبقى أبيا على أن يعامل كالباقين ممن هم في نفس وضعيته القانونية . أيضا لا يجب إغفال فكرة " الضربة الاستباقية " حيث قد تعمد مجموعة الضغط أحيانا الى التضامن مع عضو المجموعة تطبيقا لشعار " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " ،لكن ليس بالمفهوم الشرعي للحديث الشريف و إنما خوفا من أن يأتي يوم يردد فيه أعضاء المجموعة ما جاء على لسان الثور الأسود " أكلت يوم أكل الثور الأبيض ". لا ننسى أيضا الإرث التاريخي و تشعب و تعقد العلاقات الإنسانية ، فإذا كان علماء النفس يعتبرون أن وراء كل تصرف إنساني دوافعه و أسبابه ، فإننا نجازف بالقول بأن في الأنفس ما فيها من حسابات و أهواء و أحكام مسبقة تجاه القضاء و القضاة الدين يجسدونه ، فيكون التصرف في الغالب موجها ليس الى شخص القاضي و إنما الى صفته و ما يمثله من " سلطة ". وقد تتسبب أحيانا الاحتكاكات العادية و اليومية بين أعضاء أسرة العدل، و التي قد تقع بين أفراد الهيئة القضائية الواحدة ، و التي يجب أن تظل بعيدة عن الشخصنة ، في احتقانات تجد تصريفاتها خارج إطارها المهني الطبيعي و العادي . كما أن مجموعة من رجال السياسة ببلدنا لم تستطع تعويضات " هيئة الإنصاف و المصالحة " أن تمحي من ذكرياتهم سنوات الرصاص و" تسخير" القضاء ضدهم . كما ان بعض تصرفات " المخزن" ما زالت تلقي بظلالها على الذاكرة الجماعية للمغاربة . ونتساءل الآن عن الوصف القانوني لهذه السلوكات أعلاه . التكييف القانوني لسلوكات مجوعات الضغط : لا يمكن النظر في السلوكات اعلاه إلا باعتبارها وسيلة ضغط على القضاء الذي ينظر في النازلة ، ضغط يستعمل كل الوسائل المتاحة من اجل استصدار حكم او قرار يكون في صالح عضو مجموعة الضغط . و هو سلوك مناف لمقتضيات الفصل 109 من الدستور الجديد التي نصت على "أنه يمنع كل تدخل في القضايا المعروضة أمام القضاء و لا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر و لا يخضع لأي ضغط. و يجب على القاضي ، كلما اعتبر استقلاله مهددا ، أن يحيل الأمر الى المجلس الأعلى للسلطة القضائية " . و هو مقتضى مشابه لما جاء بتوصيات المجلس الوزاري للاتحاد الأوروبي حول القضاة بتاريخ 17 نونبر 2010 . فماذا عن آثار السلوك الاحتجاجي لمجموعة الضغط ؟ آثار سلوك مجموعات الضغط: إن الأثر الأول هو ذو بعد تربوي خطير يتجلى في إعطاء مجموعة الضغط" القدوة " لباقي الشعب في كيفية التعامل مع القضاء و أحكامه و رجاله و نسائه . و لا يمكن هنا أن نتجاهل تأثير الاحتجاجات اعلاه في استفحال ظاهرة الاعتداء على نساء و رجال القضاء حيث عرفت محاكم المملكة في الأسابيع الأخيرة فقط اعتداءات على قاضيات بتمارة و كذا على نائب وكيل الملك و على قاض بالقنيطرة و على قضاة بآسفي و آخرها ، و أكيد ليس آخرها ، اعتداء متقاضية على نائب وكيل الملك بأكادير نقل على إثره الى المستشفى في حالة غيبوبة . قضاة تعرضوا للاهانة و التهديد بارتكاب جناية أثناء و بسبب مزاولتهم لمهامهم القضائية. كما يمكن تلمس آثار تدخل مجموعة الضغط في مسار قضية معينة على الأمد القصير و المتوسط وكذا البعيد. فقد يؤتي الاحتجاج " أكله " و " ينجح" في التأثير و الضغط على شخص القاضي او القضاة الذين ينظرون في الملف ، و بالتالي صدور قرار قضائي لفائدة عضو المجموعة . و قد يكون المسؤول القضائي ، و لا نًعمم ، الحلقة الأضعف التي تتأثر بالضغط فيعمد إلى التأثير على القضاة .هاجسه إبعاد الملف الملتهب من" محكمته " و إيقاف تجمهر جماعة الضغط سواء داخل أو خارج بنايتها . هدفه عدم سماع " تقريع "، ربما لا يكون إلا في مخيلته ، من لدن ساكني قصر المامونية بالرباط ، حيث مقر وزارة العدل، و إيمانه بأن دوره ألا يزعج بمشاكله المحلية الإدارة المركزية. كما قد ينتج على الاحتجاج تحريك السلطة التنفيذية ممثلة في وزير العدل للذراع الحديدي للوزارة " المفتشية العامة " قصد الاستماع الى القاضي أو القضاة ، التي لم ينل قرارهم الرضى من لدن مجموعة الضغط ، و مسائلتهم حول حيثيات القرار المتخذ ، كما حصل بطاطا التي سحب الملف منها و حول الى محكمة اكادير في قرار شجبه نادي قضاة المغرب باعتباره ضربا لاستقلالية القضاء . و في مثل هذه الحالة يحق لمجموعة الضغط أن تنتشي ب" النصر " و تلوح بإعادة " الغزوة" كلما وقف أفرادها بين يدي القضاء. فبخنيفرة ألغت الغرفة الجنحية بمكناس قرار قاضي التحقيق و تمت متابعة المتهم في حالة سراح و بطاطا تم لاحقا إطلاق سراح الشخص المتابع ... إن من نتائج سلوك مجموعات الضغط إضعاف الثقة في مؤسسة القضاء عبر استهداف رجاله و نسائه و تجريحهم بشبهة المحاباة كما في حادثة طاطا ، أو بتهمة تصفية حسابات فئوية و شخصية كما في واقعة خنيفرة ، أو بادعاء تسخير القضاء من طرف حزب سياسي في السلطة لضرب حزب سياسي آخر كما في قضية عليوة . وإذا نجح الضغط الذي مارسته جماعة الضغط فإن القاضي سيصير مجبرا على أن يضع نصب عينيه و هو يتعامل مع " متهم ما " انتمائه القبلي أو المهني أو السياسي، و ذلك قبل التفكير في تطبيق النص القانوني. و سيتم تقسيم المجتمع الى مواطنين من فئة "أ " و آخرين عاديين لا يستفيدون من نصوص القانون و أحكام القضاء إلا عندما لا تتعارض مصالحهم مع مصالح " النخبة " . وهنا نقول وداعا لصورة العدالة التي جسدها الفنانون قديما في امرأة تضع عصابة على عينها حتى لا تتأثر بشخص الواقف أمامها. و سنصير إلى تعطيل و إلغاء أحد أهم وظائف و سلط الدولة و هي سلطة القضاء و الفصل بين الناس دون اعتبار لنسبهم و صفتهم ، فيتم سلب القضاء اختصاصاته في تكييف الأفعال و تطبيق النص القانوني المناسب على كل واقعة معينة ، و تستولي مجموعات الضغط على صفة القاضي و تحل محله في تقدير قانونية المتابعة و شرعية الإجراء المتخذ. فنصبح أمام محاولات لجر القضاء الى الدخول في صراعات مجانية و وهمية مع مجموعات عرقية أو فئوية أو حزبية ، و يصبح محراب العدالة حلبة لإسقاط الصراعات السياسية ، وأمام محاولات واعية و غير واعية ، مشبوهة أو بحسن نية ، تهدف الى مسابقة الوقت و اقتناص الفرص في محاولة للتحجير على " السلطة القضائية " التي ما زالت حبيسة نصوص الدستور و العمل على سلبها الاختصاصات التي تتمتع فيها نظيراتها في الدول الديمقراطية . و ذلك عبر أسلوب الإثارة و التشهير و الترويج لعبارات القضاة " الذين لا يعرفون كيف يطبقون القانون " أو " القضاة الساديين " أو " القضاة القاصرين".... لتهيئ الرأي العام لقوانين تنظيمية تسلب المواطن ، قبل القاضي ، حقه في سلطة قضائية مستقلة تطبق القانون و لا شيء غير القانون ، دون تدخل أية سلطة أو جهة كانت ، من أجل تحقيق العدالة لشعب يحلم بالعدل قبل الخبز ، و حتى لا يحرم " المواطن العادي " من حقوقه فقط لأن خصمه عضو في مجموعة ضغط. إن" استقلالية القضاء تضمن لكل شخص محاكمة عادلة و بالتالي فهي ليست امتيازا للقاضي و إنما هي ضمانة لاحترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية تسمح لكل شخص أن تكون له الثقة في النظام القضائي ". و في الأخير إما أن نحترم جميعا ، قضاة و متقاضين ، نخبة أو " مواطنين عاديين " ، أحكام القانون و الإشارات التي وضعها المشرع لتنظيم " حركة المرور " داخل المرفق القضائي بعيدين عن إثارة نعرة القبيلة أو الفئوية أو السلطوية الضيقة . و إما فلتغلق المحاكم و لتنصب المشانق للقضاة و لتتولى "جهات" توزيع صكوك الغفران و تنفيذ أحكام الإعدام . و كل عام و العدالة ببلدنا في قفص الاتهام . * عضو المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب