حادثة بسيطة كشفت عورة قادة العدالة والتنمية، وعرت عن تمسكهم بالأوهام خدمة لضبابية الموقف الذي يتمسكون به. يتعلق الأمر بالقرار القضائي القاضي بمحاكمة خالد عليوة، الرئيس المدير العام السابق للقرض العقاري والسياحي، في حالة سراح. وهو قرار يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، ويطرح أكثر من سؤال على حكومة العدالة والتنمية ووزرائها الملتحين، ويسائل مصطفى الرميد وزير العدل والحريات باعتباره رئيسا للنيابة العامة، الذي أظهر ميلا إلى الكيل بمكيالين، ففي الوقت الذي قضى فيه خالد عليوة سنة بأيامها ولياليها في السجن، رغم أنه يتوفر على كافة الضمانات القانونية التي تخوله المحاكمة في حالة سراح، لم يكلف الرميد نفسه عناء فتح ملف خطير يتعلق بمساءلة عبد العالي حامي الدين، زميله في الحزب ورفيقه في حركة 20 فبراير ووريثه في منتدى الكرامة لحقوق الإنسان، رغم أن عائلة أيت الجيد ما زالت تطالب بمحاكمة المشتبهين بقتل ابنها. فما معنى أن يقوم القضاء بمحاكمة عليوة في حالة سراح؟ يعني أن القضاء له كامل الاستقلالية في اتخاذ القرار الذي يراه القاضي مناسبا وحسب ضميره، وهذا يفند ادعاءات ومزاعم بنكيران بكون المؤسسات المستقلة عن حكومته تعشش فيها التماسيح والأشباح، وتبين أن ما لم يتمكن بنكيران ومن معه من السيطرة على بعض المؤسسات لخدمة أهدافهم السياسية والدعوية ينعتونها بالتماسيح والعفاريت، وهذه الأخيرة غير موجودة باستثناء ما يتوهمه بنكيران أو ما يريد أن يعلق عليه فشله في تدبير الشأن العام. فالحزب الإسلامي الذي يترأس وزارة العدل والحريات وبعد الصفعة التي تلقاها من طرف القضاء المستقل بدأ في ترويج بعض الأطروحات التي تسيء للمغرب، لكن علينا أن نقر بأن خالد عليوة غادر السجن في إطار السراح المؤقت، وهو مواطن من بين المواطنين قام دفاعه بكل الإجراءات القانونية لنيل السراح، وتبين أن الطريقة التي اعتقل بها عليوة، بغض النظر عن التهم الموجهة إليه التي من شأن القضاء وحده تأكيدها أو نفيها، كانت سياسية أكثر منها قانونية حيث يحاول الحزب الحاكم تصفية حساباته السياسية عن طريق مؤسسات وأدوات الدولة. فمحاكمة عليوة في حالة سراح هو تصحيح لوضع كان ينبغي أن يكون منذ البداية، فليس الرجل نكرة، فهو يتوفر على كافة الضمانات لحضور المحاكم وفي حالة إدانته ستأمر المحكمة باعتقاله، ولكن لفائدة قرينة البراءة كان ينبغي محاكمته في حالة سراح، لأن الرجل كان وزيرا ومديرا عاما لمؤسسة عمومية ويتوفر على سكن وعنوان قار وهي الضمانات التي تكفل حالة السراح بالإضافة إلى مصادرة جواز السفر يعني أن الرجل لن يسافر إلى الخارج إلا بعد انتهاء المحاكمة. وفي ذلك انتصار للدستور، الذي ما زال يراوح مكانه من طرف الحكومة التي تخرج النصوص التنظيمية، فالسلطة القضائية مستقلة عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية. والملك هو الضامن لاستقلال السلطة القضائية ويمنع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء ; ولا يتلقى القاضي بشأن مهمته القضائية أي أوامر أو تعليمات ولا يخضع لأي ضغط. ويجب على القاضي، كلما اعتبر أن استقلاله مهدد، أن يحيل الأمر إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية. يعد كل إخلال من القاضي بواجب الاستقلال والتجرد خطأ مهنيا جسيما، بصرف النظر عن المتابعات القضائية المحتملة. ويعاقب القانون كل من حاول التأثير على القاضي بكيفية غير مشروعة. ولا يلزم قضاة الأحكام إلا بتطبيق القانون. ولا تصدر أحكام القضاء إلا على أساس التطبيق العادل للقانون. ويعتبر كل مشتبه فيه أو متهم بارتكاب جريمة بريئا، إلى أن تثبت إدانته بمقرر قضائي، مكتسب لقوة الشيء المقضي به. ولكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول. حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم. هل لهذه الأسباب ما زالت الحكومة متلكئة في إخراج القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؟ هل يسعى الحزب الإسلامي إلى استمرار الغموض حتى يتسنى له تعليق فشله على التماسيح والعفاريت؟ فالعفاريت والتماسيح غير موجودة وفضحها قرار قضائي أبان عن استقلاليته، ولكنها موجودة في قاموس رئيس الحكومة ووزرائه الملتحين بغرض الاستمرار في الفوضى والغموض.