إذا كانت الجغرافيا أمازيغية فان التاريخ مغربي: ليس هدفي ،من هذا الموضوع،سبر أغوار القرون المظلمة للبحث عن أسلاف الجينات البشرية التي تتوزع اليوم -وَهْما- بين فريقين لغويين متصارعين ؛وكأننا بلغنا فعلا مرقى هذا النقاش المترف ؛نحن الذين لم نخرج بعد من البدايات، في كل شيء يشكل مبنى الدولة الحديثة ،و المواطن الكامل المواطنة. ولن أسمح لعقلي بالاستقالة ،حتى أذكي، ببلاهة الثور الاسباني، صراع الهوية ،مُثَنيا جينات المغاربة ؛وهي لا تُثنى لغويا وبيولوجيا . لن أصل الى درجة الإسفاف في المماحكة،وأنا أرى حولي علم الجينات يفتي ،بسند علمي مخبري، في الهجرات البشرية الضاربة في القدم ، عبر الأرجاء الأربعة للمعمور؛دون أن يرتب أحد على هذه النتائج المبهرة، حقا ما لشعب دون شعوب أخرى ،في أرض دون أخرى. جينات منصهرة في الجسد /الأجساد ،منذ قرون ،ولم تمنعها الجغرافية الأمازيغية-وهي صفة طارئة لها ما قبلها- من إنتاج تاريخ واحد هو التاريخ المغربي ؛بدءا من اللحظة التي انتهى فيها من أن يكون غربا إسلاميا فقط؛ أو بلاد البربر. من هنا نبدأ مكملين العمل الأوْرَبِي/ الإدريسي،المرابطي،الموحدي،المريني ،السعدي،العلوي...وصولا الى الدولة المغربية الحديثة ؛كما ترسم لها مسارا ضمن عالم عولمي، يتسارع تحوله بكيفية رهيبة. لا ألغي ،هنا، قرونا من التاريخ الأمازيغي – وهي غير خالصة للأمازيغ- وانما أكرس بداية سياسية /إدارية لهذا الوطن، الذي كف عن الانتماء لأي خريطة لا تكون خالصة للمغاربة ؛في رهان مستمر على شساعة مغاربية مستقبلية؛كما كان عليه الأمر عبر قرون. إن أصدق عقد ازدياد يمكن أن نفتخر به هو الذي يرسم ميلادنا غداة الاستقلال عن الدولة العباسية؛ وما سعى هارون الرشيد الا لحرق هذا العقد وهو يغتال المولى إدريس الأكبر. تأتى لهذا الرجل أن يجسد حلم الأمازيغ- ومن انصهر فيهم- الذين وُفقوا في التمييز بين الإسلام كرسالة الهية للناس كافة ،وبين حملة هذه الرسالة ؛خصوصا المستبدين منهم. وكان ميلاد المولى إدريس الأزهر ،وما تلته من سنين الترشيد،مناسبة كشفت عن التزام بالعهد، واستقلالية ناضجة وتفرد بهوية واحدة، سالت حول حماها الدماء عبر القرون ؛وصولا الى مواجهة جبروت الاستعمار الفرنسي ،ومكره ألتنصيري ،بصدور عارية ،لكن بداخلها قلوب لا تلين ،ولا تتنكر لعشق وطن برى أجساد الأجداد. المظلومية المخدومة: توصلت من أحد الباحثين، المهتمين بتصحيح المسألة الأمازيغية ،بنص للمستشرق الفرنسي الكبير "لويس ما سنيون"؛ونظرا لدلالته في فهم المظلومية المزيفة ،التي يدلي بها بعض نشطاء الأمازيغية ،أقدم ترجمته: يقول في إحدى رسائله المؤرخة في 9نونبر1951 ما يلي: "إنها ،في الواقع، مسألة ولدت لدي حالة شعورية،دينية وعلمية في الآن نفسه، خلال السنوات ما بين 1909 و1913؛حيث كان الأب "دوفوكو" ، كتابة و مشافهة،يستعجلني لأخصص حياتي ،بعده، لهذه الحركة التحويلية التي تسعى للقضاء على اللغة العربية والإسلام من إفريقيانا الشمالية؛لفائدة اللغة الفرنسية و المسيحية؛عبر مرحلتين: 1.بعث (يستعمل كلمة تعني استخراج الجثث) مجموعة اللغات والأعراف البربرية البدائية. 2.استيعاب البربر من خلال لغة وشريعة،فرنسية ومسيحية. كنت،ككل المتدينين والمبتدئين، متحمسا لهذه الأطروحة؛لقد اعتقدت في الاستيعاب الفرنسي المسيحي لمنطقة القبائل من خلال حركة البربرية التحويلية .......ثم بدا لي أن دفع القبائل نحو قطع الصلة بالإسلام سيفضي بها الى العلمانية الماسونية؛ومنها الى وطنية شمال افريقية كارهة للأجانب.كما ظهر لي ألا وسيلة لتوحيد اللهجات البربرية في لهجة معيارية واحدة،قابلة للتحول الى لغة للحضارة؛ ولا لتقنين الأعراف القانونية البربرية بكيفية لا ئقة؛وهي،أخلاقيا- وهذا لا يغضب السيد" لوتوليي"- دون الفقه القرآني بألف درجة،خصوصا بالنسبة للمرأة. .....إن "مارتير" لا يدرك خزي هذه الحركة البربرية ؛وقد استغرق مني إدراكه(الخزي) والابتعاد عنه سنين عديدة.." انتهى الاقتباس. لم تجد السلطة الاستعمارية ،بالجزائر،بدا من الابتعاد عن سياسة تنصير منطقة القبائل ،أو إخضاعها لقضاء خاص يقصي الشريعة الإسلامية،لفائدة العرف الأمازيغي؛لكن ما أن استتب لها الأمر في المغرب حتى صار دهاقنتها ،وقد أخضعوا القبائل الأمازيغية لدراسات أكاديمية، اثنوغرافية ولغوية – بدءا من 1915 سنة تشكيل لجنة الدراسات البربرية- يدفعون في اتجاه عدم تكرار أخطاء الكولونيالية في الجزائر؛ويلخصونها في فرض اللغة العربية والشريعة الإسلامية على الناطقين بالأمازيغية.هكذا لم يعد لآراء المستشرق" ما سنيون "؛وهو الذي درس الوجدان الإسلامي من خلال اهتمامه العميق بالتصوف الإسلامي ،موقع في سياسة استعمارية وصلت الى حد القول بأن حدود أوروبا ليست هي الأبيض المتوسط بل صحراء الجنوب. ثم وصولا الى الظهير البربري: وهو يعتبر لدى الكثير من الباحثين،حتى الفرنسيين، شرارة انطلاق الحركة الوطنية.لقد استهدف –ظاهريا- "ملاءمة القضاء العرفي الأمازيغي(ازرف) مع الشروط القانونية الحديثة؛التزاما بروح السياسة التي دشنها الجنرال "ليوطي" في المغرب"كما يرد في" الموسوعة البربرية". واجه رجال القانون الفرنسيون صعوبات تنفيذية جمة ؛قبل أن يلتهب صيف الغضب المغربي سنة 1930؛بكل من سلا ،الرباط،فاس ،ثم بقية المدن. لم يكن من السهل وضع تحديد صادق يعرف القبائل الأمازيغية التي تخضع للظهير ،ويميزها عن غيرها. ألم يقل ابن خلدون ،منذ قرون،بأن من القبائل الأمازيغية ما تعرب ،ومن القبائل العربية ما تمزغ.كيف يمكن أن تستوعب فرنسا هذه الحقيقة؟ وهذا العرف "البربري"كيف يقنن- بمنهجبة قانونبة فرنسية- حتى يُعتمد في قضاء موحد؟ هل أعراف الريف هي أعراف آيت عطا أو سوس؟ هل يتأتى عرف معياري دون أن يكون ظالما للبعض ،محابيا للآخرين ؟ كان لا بد للسياسيين من البحث عن سند من الأمازيغيين ؛بعيدا عن جدل رجال القانون ومثاليتهم في بناء قضاء أمازيغي عصري. هكذا بدأ الاستثمار الأول في المظلومية ؛بحشد القبائل الأمازيغية ,وإيهامها بأنها مهيضة الجناح ومظلومة منذ قرون. وحينما كانت أصوات اللطيف تتعالى من مساجد المدن الكبرى،ويصل صداها الى المشرق ،تحركت طوابير "بني ويوي" وهي تروج لثنائية غريبة عن المجتمع المغربي:عرب ظالمون وأمازيغ مظلومون.عرب لهم كل الخيرات في السهول وأمازيغ تعوي في جبالهم الذئاب. ودخل النظام التربوي على الخط ليدشن سلسلة من المدارس وسط الأمازيغ، وقد حملت اسم المدارس الفرنسية المغربية :فرنسية من حيث البرامج وهيئة التدريس ،ومغربية من حيث التلاميذ. منعت اللغة العربية منعا كليا ،بهذه المدارس ؛كما منع الفقهاء من دخول أراضي الأمازيغ. صادفت سنة الظهير البربري احتفال فرنسا الاستعمارية بمرور سنة على دخولها الجزائر ؛ومن الملفت للانتباه أن الأطفال الفرنسيين في الجزائر ،ارتدوا زيا يحاكي ثياب جنود الحروب الصليبية ،وراحوا يطوفون في الشوارع مبتهجين بما فتح به الله على النصرانية. ومن المفارقات ،بل المغربات،أن حملات التبشير التي انطلقت في المغرب ،وقتها؛تحت غطاء الأعمال الخيرية ؛وهي بمباركة فرنسا العلمانية،كانت تستفيد حتى من أموال الأوقاف الإسلامية ... حملة المشعل اليوم: يستثمرون نفس المظلومية التي ابتدعتها فرنسا ؛ويضيفون أساطير من عندهم ليكتمل المشهد.ولو صدقناهم لصرنا جميعا توابين، نخلد ذكرى الظهير البربري في السادس عشر ماي من كل عام ؛نمشي في الطرقات ونجلد ظهورنا ،كما تفعل الشيعة في ذكرى كربلاء. ارتمى البعض منهم في أحضان الصهيونية بدعوى ألا مشكل إطلاقا بيننا وبين إسرائيل.ومنهم من استعدى على المغاربة العرب حتى الشيطان ليخرجهم من هذا الجزء من تامزغا بكتابهم الذي جاؤوا به. منهم من استثمر المظلومية زمن الاستعمار ؛وبقي على عهده بها ،والمغرب يعيش في ظل استقلال لم يستثن أحدا في السهل كما في الجبل. ويحتكرونها وهم يعلمون أن قسوة سنوات الرصاص لم تستثن أحدا. ويجعلونها مظلمة لغوية ،وهم يعلمون أن حال اللغة العربية لم يكن أبدا على أحسن ما يرام. ويستثمرونها وهم يظلمون لغويا غيرهم من الأمازيغ ،ممعيرين على هواهم ؛منصبين لأنفسهم أساتذة للمغاربة في تهيئتهم لمستقبل حضاري علمي أمازيغي، يعم كل تامزغا؛ ولم لا ينفذ بها الى عوالم فلكية خالصة الانتماء للأمازيغ ؟ خاتمة: أتوجه الى اللجنة التي ستنكب- قريبا- على إعداد القانون التنظيمي لأهمس في آذانها بالآتي: إن دسترة الأمازيغية لا تعني اعترافا من الدولة بالمظلومية المزيفة؛بل اختارت ،في هذه المرحلة من تطورها،أن تدفع بجميع المواطنين صوب الاهتمام بكل المكونات الثقافية للبلاد ؛باعتبار دورها الفاعل في مسار التنمية الشاملة. ان الدستور يَجُبُّ ما قبله ؛ولا أساس فيه لا للأمازيغية المعيارية، ولا لحرف دون آخر. لو كانت المسألة محسومة قبلا –كما يدعي المظلوميون- لما استعاد الدستور لحظات التأسيس مطالبا بالتقنين. أنتظر من لجنة القانون التنظيمي ألا تشتغل كما اشتغلت لجان الإنصاف والمصالحة ،جبرا للخواطر.انها لجنة دستورية لارتباط عملها بالدستور متنا وروحا. ان ثقافة الأمازيغية ،بكل رحابتها،ضيقتها المظلومية حتى غدت ضائقة الأمازيغية.فانظروا ما أنتم صانعون. [email protected]