نود من خلال هذا المقال الذي هو في الأصل ملخص للعرض الذي قدمناه في ندوة الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة حول "المخطط التشريعي، أية أولويات؟" يوم 8 مارس الجاري بالرباط، نود التوقف عند شكل حضور الأمازيغية في المخطط التشريعي الذي أعدته الحكومة، لاستبيان بعض جوانب الغموض الذي يكتنف كيفية إعداد مشروع القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكذا أشكال ارتباط هذا المشروع ببقية القوانين التنظيمية وبالتفعيل الديمقراطي لبعض مضامين دستور 2011. فمن الواضح أن الحديث عن حضور الأمازيغية في المخطط التشريعي للحكومة لا يمكن أن يختزل في القانون التنظيمي لتفعيل طابعها الرسمي، ولا يمكن أن ينفصل عن بقية القوانين التنظيمية، وعن إطار ومنحى المقاربة الديمقراطية للممارسة السياسية وما يرتبط بها من أحكام وضوابط وقواعد، بل وانتظارات خصوصا في المرحلة الراهنة في المغرب والتي يمكن اختصارها في الانتقال الديمقراطي والتفعيل الديمقراطي لمقتضيات دستور 2011 الذي بدأت لغة الواقع ومجريات الحياة السياسية تؤكد أننا صرنا نبتعد عن سياقه والشعلة السياسية التي ارتبطت بسياق الحراك والنقاش الديمقراطي والحقوقي الذي أفرزه. فالحكومة تؤكد في تقديم دفتر برنامجها التشريعي أن الأمر يتعلق بمخطط تم إعداده وفق مقاربة تشاورية، أسهمت في بلورة مضامينه مختلف القطاعات الوزارية، في حين أن المطلوب هو أن يكون هذا المخطط من حيث تدبيره السياسي والقانوني، وتحديد أولوياته وآليات اعداده وجدولته الزمنية، موضوع عمل تشاركي وتشاوري بين مختلف مكونات المجتمع السياسية والمدنية والمؤسساتية، وخاصة بين الحكومة والبرلمان والمجتمع المدني، ذلك أن الأمر يتعلق بقوانين متممة لمقتضيات الدستور. وفي محور التدابير والإجراءات تؤكد الحكومة على أن "هذا الصنف من القوانين يعتبر مكملا لمقتضيات الدستور وعلى هذا الأساس يقر الفصل 49 عرضها على المداولة في المجلس الوزاري، الأمر الذي يجعل من صياغتها عملا مشتركا بين الديوان الملكي والحكومة، وبالتالي يكون ما ورد في المخطط بيانا للكيفية التي تنوي بها الحكومة تنظيم عملها تمهيدا للعمل المشترك السالف الذكر". وهذا ما يطرح سؤالا عريضا حول كيفية تشكيل اللجنة التي ستعد هذا القانون، وصلاحياتها أو درجة استقلاليتها عن السلطة الحكومية. خاصة أننا نقرأ على صفحات البرنامج أنه "سيتولى رئيس الحكومة تشكيل لجان خاصة لتحضير الأرضية والتصور العام والاختيارات التي يمكن في ضوئها اعداد هذه المشاريع من طرف السلطات الحكومية المعنية، على أن تكلف كل سلطة حكومية بالإشراف على لجنة، ويهم الأمر 4 قوانين تنظيمية و11 قانونا ذا طبيعة خاصة". ومن هنا فلا بد من التوقف عند الملاحظات والتساؤلات التي يثيرها كل ما سبق وهي كالأتي: - بالنسبة للجهة الحكومية المعنية بتقديم النص كما هو محدد على الجدولة التنظيمية للقوانين التي يتضمنها دفتر البرنامج التشريعي، لم يشار إلى أي وزارة واكتفى بعبارة "السلطة الحكومية التي سيعينها رئيس الحكومة". وإن كان هذا التحديد يرتبط بطبيعة وأهمية القانون التنظيمي الخاص بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، فإنه يطرح اشكالا قانونيا لكون هذا القانون سيعرض للمداولة في المجلس الوزاري. ومن تم سؤال من سيشكل الجنة ومن سيعينها، وكيف ستكون تركيبتها، وما درجة استقلاليتها؟ - في خانة ملاحظات التي تضمنها دفتر المخطط نقرأ "تشكيل لجنة موسعة لتوسيع الاستشارة العمومية في هذا المشروع الذي يكتسي أهمية خاصة". فالتأكيد على أهمية هذا القانون هو شئ مهم، كما أن الحديث عن الاستشارة العمومية يحمل ضمنيا وعي ورغبة الحكومة في فتح سؤال النقاش المجتمعي، لكن كيف سيتم تدبير هذا النقاش وما هي الأطراف والمنهجية التي ستعتمد في ذلك؟ وبما أن الأمر يتعلق بورش استراتيجي يهم تدبير السياسة اللغوية والثقافية والخيار الهوياتي الوطني، فالمطلوب والمنتظر إشراك القوى والأحزاب التي حسمت الأمر على الأقل على مستوياتها الداخلية والتي ساهمت في الوصول إلى هذه المحطة السياسية، ذالك أن المنطقي هو الاشراك الفعلي للمجتمع المدني الأمازيغي الذي راكم تجربة حقوقية وعلمية في هذا الموضوع وناضل من أجلها، وكذا الأحزاب التي نصت مذكراتها في النقاش الدستوري على رسمية الأمازيغية. ويبقى الأمر الذي يستدعي التأكيد هو التحذير من محاولة الانفراد بهذا المشروع أو تفصيل اللجنة الموسعة على مقاييس معينة دون مراعاة طبيعة القانون والمشروع والحساسيات وشروط الالمام بمختلف جوانبه والتعبئة حوله. فدون استحضار هذا المعطى الحاسم فالمؤكد أن أي نقاش أو عمل لجني بهذا الصدد لن يكون سوى بداية مرحلة جديدة من عملية الفر والكر في الشأن الأمازيغي، والصراع الذي لن يخدم مصلحة أي طرف في السياق الراهن ولا امكانيات الانتقال الفعلي في التعاطي مع الشأن الأمازيغي. - عندما نتصفح مضمون دفتر المخطط يثيرنا ترتيب القوانين الذي يعكس خيار الأولويات لذى الحكومة. بل نلاحظ كيف تم تقديم القانون التنظيمي المفعل للطابع الرسمي للأمازيغية على القانون التنظيمي للمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية في متن الدفتر، وفي جدول البرمجة تم العكس حيث صنف قانون الأمازيغية في الأخير !؟ - ضمن الجهات المعنية بإعداد مشروع القانون التنظيمي لم ترد وزارة الداخلية مع العلم بأنها هي المعنية بإعداد القانون التنظيمي للجماعات الترابية والجهوية الموسعة، وهي السلطة التي تتولى تدبير عدة قطاعات ومجالات مرتبطة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية ومنها الجماعات الترابية والحالة المدنية، كما أن سن القانون التنظيمي للأمازيغية لا يجب أن يتم بمعزل عن إعداد القانون التنظيمي للجهوية الموسعة وللسياسة الترابية الجديدة. كما لم يرد أيضا اسم وزارة العدل التي تتولى بدورها تدبير الشأن القضائي وهي التي تشرف عل مشاريع عدة قوانين لا بد أن تستحضر الأمازيغية في تعديلها وسنها بما ينسجم ووضعيتها الرسمية، خاصة أن العديد من القوانين صارت تحمل صفة الميز ضد الأمازيغية بعد الإقرار الدستوري مما يتطلب تكييفها أو تغييرها المستعجل. - تم ادراج المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ضمن الجهة المعنية بتقديم القانون التنظيمي للأمازيغية، إلا أنه يثار سؤال كبير حول الوضعية القانونية للمؤسسة. فبعد انهاء وضعية المعينين في مجلسه الإداري، يطرح سؤال مشروعية الوجود القانوني للمؤسسة وقراراتها بما في ذلك المساهمة في اتخاذ قرارات سياسية كسن القانون التنظيمي، كما يمكن فهم ذلك انطلاقا من بعض مواد الظهير المحدث لليركام. فالمادة 4 من الظهير تؤكد بأن المعهد يديره مجلس إدارة الذي يتمتع وفق منطوق المادة 7 بجميع السلط والصلاحيات الازمة لإدارة المعهد. وهذا يعني بأنه لا يمكن أن تشرك المؤسسة المعنية باللغة والثقافة الأمازيغية في ورش إعداد القانون التنظيمي وتنفيذه دون الحسم في وضعيتها القانونية. وإذا لاحظنا كيف أن المخطط التشريعي الحكومي يستحضر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية ضمن لجن إعداد القوانين التنظيمية بنفس شكل ومنطق استحضار معهد الدراسات والأبحاث للتعريب، فإنه من الضروري توضيح أمر مهم. فمعهد التعريب الذي أحدث بمرسوم سنة 1960 وهو مجرد مركز للأبحاث تابع لجامعة محمد الخامس، من غير المقبول أن يقارن بنفس الوضع المؤسساتي والسياسي الذي يجب أن تحظى به المؤسسة المعنية بالشأن الأمازيغي، خاصة وأن الدستور ينص على إحداث أكاديمية محمد السادس للغة العربية، كما أن الأمازيغية نظرا لوضعيتها الدونية وتهميشها على امتداد عشرات السنوات، وباستحضار مكانتها الهوياتية والإستراتيجية وحساسيتها السياسية، فهي في حاجة إلى مؤسسة قوية بشخصية قانونية وإدارية ومالية مستقلة، تمنحها شروط الاستقلالية والفعالية والمساهمة الفعلية في تدبير وتنفيذ الخيار الهوياتي والطابع الرسمي لللغة الأمازيغية في المستقبل. - إن تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية لا يختزل في قانونها التنظيمي، بل يرتيط أفقيا بالعديد من مشاريع القوانين الأخرى بما في ذلك القانون التنظيمي للمالية الذي يجب أن يخصص لمشاريع ادماج الأمازيغية في السياسات والقطاعات العمومية الدعم المادي والتكلفة المالية الضرورية، والقانون التنظيمي للجهوية الموسعة الذي يجب أن يستحضر الأمازيغية كمدخل جديد لتطوير الدينامية الترابية على المستويات الثقافية والسياسية، والقانون التنظيمي للمجلس الأعلى للغات والثقافة المغربية الذي لا يمكن أن يعوض المؤسسة المعنية بالأمازيغية، والذي يجب أن يستجيب بدوره للوضعية الدستورية التي تحظى بها الأمازيغية كلغة رسمية للدولة وثقافة ومقوم هوياتي وطني، سواء على مستوى تركيبته أو تدبيره.