لكل مهنة أكاذيبها وأوهامها، إلا الصحافة. الأكاذيب والأوهام هي الشيء الوحيد الصادق فيها. الصحافي رجل يظلمه عمله. إذا كتب اتهم في نزاهته وإذا لم يكتب اتهم في شجاعته. عندما يتعلق الأمر بصحافة التويتر تحس أنك في كازينو إعلامي جميع الحاضرين فيه سكارى تغريداتهم. إليكم ما كتبه صحافي على حائط الفايسبوك: "اتصل بي أبي للتو وأخبرني أن البقرة التي نربيها في المنزل قد ولدت عجلا. أنا سعيد". ليس المؤسف أن تقرأ هذه السخافة، المؤسف أن تجد أن العدد المسجل عليها في "أعجني" فاق الخمسين. لا غرابة أن يختلف الصحافيون في آرائهم وأسلوبهم وكتباتهم، لكن الغريب أن يتخاصموا دائما بسبب هذا الاختلاف. قرأت أن مجلة سينمائية تستعد لإصدار أول طبعة لها فانتابني حزن شديد على الورق الذي ستطبع فيه. السينما المغربية بحاجة إلى مجلة متخصصة في نشر التعازي. بالنسبة لصحافيي الإعلام الجديد، الصحافة هي وسيلة للمتعة والترفيه والهزل. الجمهور عاوز كده. ما الفرق بين صحافي التويتر الغربي ونظيره العربي. الأول ينشر خبرا عن ارتفاع أسعار المحروقات مرفوقا بصورة مواطن عادي يملأ خزان سيارته بالبنزين، والثاني ينشر نفس الخبر لكن مع صورة لرئيس حكومة بلاده. تهتم الصحافة الإلكترونية بنشر أخبار ومواضيع كل ساعة وحتى كل ربع ساعة، لكنها لا تقلق أبدا لصحة الأخبار أو حقيقة المواضيع. السرعة قبل المصداقية. لكي تتعرف اليوم على مستوى أي صحافي يكفي أن تلقي نظرة على حسابه في أي وسيلة للتواصل الاجتماعي. الفايسبوك مرآة الصحافي. عند زيارتك موقع يوتوب هذه الأيام ستجد عددا هائلا من صحافيي الفايسبوك وقد أنشأوا محطات خصيصا لنقل مقاطع فيديو معينة. الأراب أيدول يحتاج حقا إلى صحافة أيدول. المدونون الغربيون نشطاء يضغطون من أجل التغيير والإصلاح في بلدانهم. المدونون العرب نشطاء يضغطون من أجل الحصول على بطاقة الصحافة للتباهي. (...) ولهم فيها مآرب أخرى. بشكل عجيب يحب الصحافيون ممارسة النميمة ويعشقون نصب الكمائن ويحرصون دائما على اتهام بعضهم بعضا بالابتزاز. المشكلة ليست في الصحافيين، بل في أكاذيب وأوهام الصحافة. *كاتب وصحافي ([email protected])