ابتعد بن كيران عن إصدار لوائح في العقار، ليس استجابة لوزير القطاع (نبيل بن عبد الله) والحزب الحليف للعدالة والتنمية حزب التقدم والاشتراكية، بل لأن رئيس الحكومة قرر تغيير استراتيجيته، فلا يمكن أن يستمر تحالفه مع شباط إن حرك هذا الملف، ولا يمكن أن يواصل عمله إلى جانب لعنصر، إن دخلت الداخلية في حساب مع لوبيات العقار، خصوصا وأن القطاع "تعرض لتوظيف سياسي" (حسب تعبيره). ما دعته "زبيدة بوعياد": حزب العقار يقسم الخارطة الحزبية والتمثيل البرلماني والجماعي، وأي تغيير يمس هذا القطاع سيقلب توازنات حزبية بكاملها، والحكومة لا تريد المس بالمعادلة الموجودة، ولا النبش بالملفات القديمة، وعندما قرر بن كيران ما قرر، اقترح حزب وزير الداخلية بطريقة مواربة إعادة تشكيل مجلس المستشارين على ضوء نتائج الانتخابات الجماعية المعتمدة حاليا دون انتخابات جديدة. ومواصلة هذه اللعبة الارتكاسية تهدد "الأمن الدستوري" للمملكة، فالمرحلة الانتقالية تحولت إلى طعم الطوارئ، وما شرعنه الدستور من مؤسسات انتقال مؤسسي يتحول إلى "حالة دائمة"، فالمحكمة الدستورية تنتظر إعلان ميثاق للإصلاح القضائي بعد "التأزيم المؤسساتي" الذي أصاب الجميع. وأوله المجلس الدستوري ذو الطابع الانتقالي لأن المحكمة الدستورية هي الأصل، وانتظار قانون من برلمان ومجلس مستشارين اعترف بشرعيته، رغم الفراغ المرحلي الفاصل، يؤكد أننا أمام حالة "إشهاد" من مؤسسة لأخرى على شرعيتها لدوام الأمور على حالها، وهو ما يجعلنا نتسائل هل "السلامة الدستورية" للمملكة مصانة كلما تعطل تنظيمها القانوني؟ ونجيب، بلا. أولا، لأن المساس بالاجماع ثابت عبر تمديد القوانين الانتقالية، لأن الأمة المغربية ليست جديدة يسمح لها الفقيه الدستوري إدوارد كورين E Corwin بتأجيل بعض الإجراءات المؤسسة لعدم وجود عقد "مؤسساتي"، والحال أن الوضع في المغرب انتقالي بعقد مؤسساتي سابق، وحكومة "خاصة" يعينها الملك انتقلت إلى حكومة يرأسها الحزب الأول في انتخابات حرة. ولا يجب، تقديرا ومناصا توسيع الشرعية "الانتقالية"، لأن الشرعيات المؤسسية الأربعة (الملك، الدستور، البرلمان والحكومة) صحيحة، ودونها باطل قانونا، وقد يبطل الدستور عام 2016 لعدم اكتمال قوانينه المنظمة، فما بعد هذا التاريخ يجعل القوانين التي تصدر بعده "غير دستورية"، وإن لم يعمل الدستور على ضمان "العمل الدستوري" عبر المؤسسات طعن بذاته "السلامة الدستورية" التي تضمنتها الوثيقة مما يخضعها لضرورة التعديل جاك بيتاسن في كتابه فهم الدستور، طبعة 1964 . ثانيا، أن الأمن الدستوري لا يكون دون "دستور فاعل" Active وكل تأخير للمحكمة الدستورية مساس بهذا الأمن، فالمجلس الدستوري لا يجب أن يجيز سوى المحكمة الدستورية، وللأخيرة وحدها الحكم على القوانين المنظمة، لأن عرض أي قانون مهيكل أو تنظيمي على المجلس الدستوري فيه نظر، يتطلب الاتساق أن يجيز القانون "مؤسسة" ثابتة اليقين دستورا حسب الفقيه كارل فريدريش . ولا يمكن بأي حال حكم مجلس محكوم بالانتقالية (المجلس الدستوري) على حكم منتسب للثبات لمروره عبر موافقة الملك وتصويت البرلمان، أي على أكثر من شرعية منصوص عليها يقينا في البناء والفعل. ثالثا، الأمن الدستوري لا يقوم على التعطيل، فالتعطيل في تنفيذ القانون خرق له، وفي الدستور مساس بسلامته، فحقوق الأمة Community تنبني على التدليل وليس التعطيل بأي حال، وعدم بسط الأسباب المقبولة قانونا لأي تأجيل، يمكن أن يضع الحكم خارج الإطار، فالقوانين المنظمة في الأساس صيغ لهياكل مؤسسية محكومة بالتبعية dependanble from work وعدم عمل الواحدة منها تقصير وجب نشره. رابعا، الأمن الدستوري كلمة "تضمن رغبتنا في الحرية والقانون معا"، وأي اتجاه للمحافظة تغليب للعرف، والعرف "دستور ضمني" لا يجب أن يتخطى 2016، لأن الفعل الحكومي "يخدم الاستقرار"، والشعب "يرغب في الحرية"، والعرش "يريد العرف"، وعدم التوازن بين هذه النزعات قد يفجر المعادلة. على أن الأمن الدستوري ليس توازنا بين هذه النوازع بل إقرارا بقانونية ما جرى، وفي دولة القانون نشر عن الحق، وحزب العدالة والتنمية المتمكن من حقه بالدستور، لا يستقيم وضعه إلا بضمان حق غيره من نفس المنطق والقناة يقول الفقيه كارل فريد ريش، إذ لا وجود لحكومة قانونية، هناك فقط حكومة دستورية أو غير دستورية، وفي كل مرحلة انتقالية لابد من "تأمين" الدستور من خلال تفعيله وسلكه بلغة جون لوك. إذن التوازنات ليست لفظا دستوريا، ولا دور لأي حكومة "دستورية" دون العمل على "إجابات على الآليات الدستورية". خامسا، عندما لا نميز بين هيكلة الآليات "الدستورية" والمؤسسات نسقط في تمديد غير طبيعي للمراحل الانتقالية، والواجب في أي "أمن دستوري أن نقرر هذا التمييز" وأي استقصاء لتغليب "غريزة الاستقرار على غريزة الحرية" من حيث النوازع، أو دمج الآليات بالمؤسسات في وضع القوانين المنظمة، خرق للأمن الدستوري للمواطنين وأمن الوثيقة على اعتبار أنها "صانعة العقد الثابت وغير المطعون فيه"، والحق لا ينتج إلا عن تمكين الفرد من حقوقه، فالله سلم شروط الوجود قبل أن يفرض شريعته، ورفع الفرض إن ظهرت الضرورات. وأي خلط يعتبر مساسا بقواعد البناء الدستوري، وأفضل سبيل هو إطلاق "القوانين البنائية" بترجمة قانونية من الانجليزية على ما سماه الدستوريون المغاربة القوانين المهيكلة أو المنظمة، والهدف من الاصطلاح قولنا، إن عدم وجود قوانين بنائية، تأكيد على أن الدستور "غير قائم". وإن رأينا أن الدستور "غير منظم" لعدم وجود قوانين منظمة له، فإن مجرد هذا النعت مساس بما ندعوه: الأمن الدستوري. سادسا، أن المؤسسات الانتقالية تمس بالأمن الدستوري، من واقع أن هذه المؤسسات لا تحمل إلى جانب "استقرارها، مادة مرونتها" ويشترط الفقهاء أن تكون Stable and yet flexible institutions فالجمود الذي يعرفه تحول المؤسسات في المملكة مساس خطير بأمننا الدستوري، ولا تتعلق المسألة تماما بالسياسة، بل بأمر آخر، لأن ما يجري حسب Peter M Merkel ليس إلا "ضرورة الشيطان" a necessary evil أي الضرورة التي تتلون حسب المصالح والظروف، وتأخذ أكثر من وجه. وأي دولة تلجأ إلى ضرورة الشيطان يموت نظامها السياسي، لأن نزوع الحرية يواجه أخيرا إرادة الاستقرار، وهو ما عرفناه في الجوار. أما احترام "السلوك الدستوري" بتعبير جون لوك، بما يفيد مسار القانون كما نسميه due process of low، فإن الدستورانية لا تقوم إلا بالسلوك الدستوري الكامل والعميق. سابعا، لا يمكن لفقيه دستوري أن يؤكد أن المملكة "دستورانية" الآن، رغم وجود دستور جديد لأن ما يعيشه المغرب "فترة انتقالية بمؤسسات دستورية قديمة" لا يستقيم معها القول ب"مأسسة دستور الفاتح من يوليوز" ولا بوجود دولة مؤسسات لطور الانتقال القابل للطعن في عمقه وشموله. والوصول إلى هذه القناعة يجعل كل فقيه "دستوري" غير متحمس للقول أن الحرية ممكنة بسبب كون المؤسسات انتقالية وهو ما يجعل كل ما هو دستوري طارئ، وكل ما يتعلق بمؤسسات منتخبة بدستور فائت (شيء ثابت) يتحقق منها القانون، فالسلطات لا تشكل حقوقا لذاتها، بل بغيرها، مما يجعل الدستور رئيسا في الحياة المدنية، وإلا ضاع الحق المؤسس لحقوق أخرى. وضياع الحقوق التأسيسية إلى جانب القوانين المؤسسة أو المنظمة "شيء ممكن ومتوقع في كل مرحلة انتقالية يريدها المسيطرون أن تطول". وأي إحساس اجتماعي بأننا أمام "هيمنة دستورية" مساس بأمننا. ثامنا، هل نعيش اختلالا دستوريا، لأننا في الواقع نعيش بدستورين، ولا تستقيم الحالة إلا بدستور واحد، بشكل مؤسسي و"رؤيوي" (من الرؤية) إن قلنا ما قاله الفقيه ماكلوسكي . وأي أمة تدستر ما هو موجود تسقط في نازلة أن تكون أمة غير قائدة، وتأجيل الانتخابات يؤكد على "ضعف المؤسسات الانتقالية" وعدم قدرتها، وإن أضفنا إلى ضعفها لإضعاف الحكومة، ضعف التأويل الديموقراطي الذي أتى بدستور الفاتح من يوليوز نكتشف صعوبة القول أننا في وحدة على صعيد المعايير وأيضا الفعالية، فالذي يؤمن بالهيكلة وبإعادة الهيكلة كجزء من الديموقراطية، أي الفرنسيين لا يمكنهم أن يقررروا: إعادة هيكلة الدستور دون تغييره كلما دعت الضرورة إلى ذلك، وما يتبعه المغاربة حاليا من "سلوك دستوري" على هامش القراءة الدستورية السليمة لا يخدم أي طرف. تاسعا، إدامة الفترة الانتقالية بشكل دستوري خطر على الدستور وعلى حالته، فالقدرة على أن ننتج قوانين "مهيكلة" وإدارة استشارة الشعب كلما دعت الضرورة إلى ذلك، هما المعياران الرئيسان لإيجاد قدرة على ما يدعوه المغاربة تنزيلا لقانونهم الأسمى، وحسب وير كنيث، فإن التأصيل الدستوري "للقوانين الحاكمة" يشهد وحده على وجود "مسار" وليس "رهان" دستوري. عاشرا، اليوم دستور الفاتح من يوليوز مجرد "رهانات" ولم يتحول بعد إلى "مسار" وهو ما يربط ديناميتنا بحادث اسمه "الربيع العربي" كما ارتبطت الدستورانية في أوروبا بالحرب العالمية الثانية (A Zurcher). وعدم وصولنا إلى تحويل حركيتنا السياسية إلى مسار سياسي، لأن الذين حركوا هذه الدينامية في الشارع لم يدخلوا المؤسسات والذين بالبرلمان لا يمثلون الحركية الأخيرة للمجتمع يعتبر بكل المعايير خسارة. ومن المهم، ألا يكون الأمر متعلقا بشخصنة أو حزبنة أو تسييس أو أدلجة في تنزيل الدستور، لأن السمو نحو الحرية لا يكون إلا بنبل ولا يكون القانون إلا بعدل، ولا هيكلة دون دولة حق وواجب. وكل مسار دستوري لا يعني سوى شرعية الجوهر، فهل يمكن أن نصنع صيغتنا سريعا كي لا يتأثر "أمننا الدستوري". - CORWIN, EDWARDS the higher law : Background of American constitutional law, Ithaca, New york, Cornell university Press, 1955. - CORWIN, EDWARDS. And JACK PELTASON, Understanding the constitution New York, Holt, Rinehart and winston, 1964. - FRIEDRICH, CAL J. Constitutional goverment and democracy, Boston, Ginn, 1950. - MCCLOSKEY, ROBERT G, ED, Essays in constitutianal law, New York, Knopf, 1959. - SPIRO, HERBERT.T, Government by constitution, Random House, New York, 1965. - WORMUTH, FRANCIS.D, The origin of modern constitutionalism, New York, Harper and Row, 1949. - WRIGHT, GARDON, The Reshaping of french democracy, London, Reynal and Hitchcock, 1948. - ZURCHER, ARNOLD J.ED, Constitutions and Constitutional Trends Since world war II, 2sc edition New York University Press, 1955.