إن صدر بيان وزارة الداخلية ضد أفتاتي بدون علم رئيس الحكومة، فيمكن أيضا أن يكون بدون علم وزير الداخلية ... ببساطة لأن لعنصر، حسب رواية عبد الهادي خيرات في لقاء بالجديدة، صرح في البرلمان أنه لم يطلع على لائحة الولاة والعمال التي قدمت للملك. والوزير الذي لا يطلع على لائحة باسم موظفي وزارته لا يمكن له أن يصدر بيانا من حجم الدعوة إلى فتح تحقيق مع برلماني، لأنه أشار إلى الأجهزة التي تدعم مزوار، ولا يمكن حسب الوزارة أن تكون هذه " الأجهزة " سوى الأجهزة الأمنية ؟ الواقع الذي ثبت أنه لا يرتفع على صعيد الأمن في المغرب، يؤكد على ثلاث مصادرات: الأولى، أن الأجهزة لا ترغب أن تظهر ضد تيار الإصلاحات وما يسمى الدينامية الدستورية، لكنها أوضحت أن ضغطها على الداخلية " متوارث وكبير " منذ عهد البصري إلى الآن. الثانية، تريد الأجهزة الابتعاد عن مزوار، لأنه ورقة بدون " شعبية "، ويعاني من حالة حرج أخلاقي، خصوصا وأن بنسودة رجل القصر، حاول تخفيف وطأة تسريب وثائق، بالقول أنه جندي كل وزير ! ويبعد هذا التصريح عن القصر آثار وانعكاسات تورط بنسودة في التوقيع على تعويضات لصالح مزوار. وخلاصة المعركة، أن مزوار انتهى شعبيا، وانتقل بنسودة إلى موظف " عادي " وفي الحالتين، ينتصر منطق الإصلاح، حيث المعركة حسمت في أمرين: لا تعويضات للوزراء السياسيين، وهي موجهة، في الأصل إلى الموظفين، وستبقى كذلك في إطار شفاف وبتوافق مع النقابات. بدأ المساس بالأجور العالية في ظل تسوية فصل الأجور عن التعويضات. لكن السؤال الموازي هل انتقلت الداخلية إلى مرحلة أخرى مع الدستور ؟ والجواب يمكن تخليصه في: أولا، ما حدث للداخلية بعد إقالة البصري لم نجده في انتقال الوزارة إلى دستور الفاتح من يوليوز. ثانيا، نافست الداخلية الوزارة الأولى في الدستور القديم، وتنافس رئاسة الحكومة في الدستور الجاري به العمل، ففكرة التيار الكابح باسم الاستقرار، ومن خلال البيروقاطية والأمن ينافس التيار الإصلاحي. ثالثا، قام لعنصر على قيادة وزارة بوزير منتدب، حيث أصبح الوزير المنتدب أو كاتب الدولة في الداخلية منذ اشتغال الهمة فيه، أداة تعاط أمني مفتوح بعيد عن الداخلية التي أصبحت برأسين بعد البصري وبقيت كذلك إلى الآن، ولا مجال للقول بوجود تحول أو تغيير في هذا الصدد، لأن لعنصر يتعاطى مع رئاسة الحكومة قطاعا من القطاعات الوزارية، وفي هذه الحالة رأينا كيف دافع أمسكان عن لعنصر وحزبه من نقطتين: رئاسة الحكومة لم تستشر مع الأحزاب المكونة للأغلبية في زيادة المحروقات. حزب العدالة والتنمية يسيطر القرارات الحكومية الكبرى. وحسب هذه المعطيات يمكن الوصول إلى استنتاجات منها: لعنصر لا يتحكم في القرارات الأمنية الكبرى، لعدم علمه بلائحة الولاة والعمال ومن الطبيعي، أن تكون " الأجهزة " قد أعدتها، وهي التي ردت على أفتاتي. وزير الداخلية لا يطلع على القرارات الحكومية الكبرى، لأن بن كيران وحزب العدالة والتنمية لم يطلعا لعنصر أو حزبه على قرار الزيادة في المحروقات. وفي هذا الوضع التراجيدي، يظهر أن لعنصر لا يحكم وزارة الداخلية، ولا يتدخل في أي قرار أمني أو حكومي، ويبقى السؤال مطروحا في ظل هذه المعطيات: هل نحن أمام لعبة من الإنكار التي بدأها بن كيران، وأصبح لعنصر تلميذه الأول في الحكومة، أم نسير جميعا في كذبة باسم الإصلاح تحاول أن تقلل من كل شئ، فالداخلية تستعيد قوتها على الشارع من أجل تحصين الاستقرار بعد 20 فبراير 2011، وهذه الخطة موجودة قبل حكومة بن كيران ولعنصر ينفذها بالحذافير، كذلك الشأن في الإجراءات المكافحة للبناء العشوائي. وقد خلط الحكم أو أراد ذلك بين القضاء على البناء العشوائي والتظاهر " العشوائي "، في ترتيب واحد لمعادلة أمنية واحدة، ولم يصل المغرب في هذه اللحظة إلى خطاطة الداخلية " الجديدة " في دستور جديد، وبسياسات أمنية جديدة، وتسليم وزارة الداخلية لرئيس حزب ليس أمرا جديدا، فأحرضان رئيس حزب الحركة الشعبية تولى الدفاع وانتهت الوزارة بعد انقلاب أوفقير، وقد ينتهي حكم رجل سياسي قريب من الأمن في حكم الداخلية بعد لعنصر. وقدرة لعنصر على بناء نموذج آخر للداخلية ليس ممكنا، كما ليس متوقعا: وصاية الداخلية على كل العمل الأمني في المغرب. العمل على التنسيق مع رئيس الحكومة، ولن يكون ذلك إلا بتشكيل بن كيران لفريق أمني، تماما كما قرر إنشاء فريق مالي مصاحب ومتابع لما يجري، كي يتمكن من معرفة من يضرب المعتصمين، ومعرفة الحجة الأمنية والسبب والشروط التي نفذت فيها السلطات العمومية تدخلا معينا ضد متظاهرين. العمل على إعادة تقدير أوضاع التدخل الأمني، من خلفية قانونية، والعمل مع فريق قانوني سيكون له معناه في دولة القانون، وحقوق الإنسان. كذلك فإن محاسبة وزير الداخلية على قراراته في مجلس الحكومة، له ما يبرره قانونا، ومن داخل المنظومة الحكومية، وفي هذا الإطار يمكن القول في أن المرحلة الانتقالية بإشراف دستوري إلى عام 2016، بعد ما بدأ الحسن الثاني اليوسفي مرحلة انتقالية " عرفية " بتوافق ثنائي على المصحف، انتهى برحيل أحدهما إلى الدار الآخرة. أن ما يعد سلطة تنفيذية تكون أمنية في العموم ويجب أن تنتقل إلى صناعة سياسة تنفيذية Executive policy making ونحن أمام انتقال من سلطة تنفيذية تقودها الداخلية إلى سياسة تنفيذية يقودها رئيس الحكومة. ويظهر في هذا التحدي ضرورة توجه أي نظام إلى ديمقراطية مواطناتية democratic citezen ship ولا يبدأ التحول دون: مشاركة كل فرد في هذه الحركية، وعلى وزارة الداخلية تخفيف قيودها لهذه المشاركة. عدم سقوط العمل الأمني في خدمة جهة من الجهات، وطلب التدقيق في كلام أفتاتي له تبرير من هذا النوع، لكن على الداخلية أن تبدأ بفحص ما هو موجود لديها، وترى حسب معرفتها، هل كلام من هذا القبيل له معنى أم لا. وبالعودة إلى مسؤولية الداخلية نقرأ بشكل مكشوف، كيف يمكن أن يخرج لعنصر من حالة الانكار، إلى حالة المسؤولية، لأجل تمكين المواطن من حقوقه، ومن مستقبله على حد سواء، وانتقال الداخلية إلى هذه السياسة التنفيذية لن يكون دون قانون، وبالقانون ومن أجل القانون. فنحن أمام متابعة ثلاثة أسئلة: 1. هل الأمن في السياسة التنفيذية ليس على نفس ما يكون عليه الأمن في السلطة التنفيذية. 2. الداخلية التي ترخص للمنظمات غير الحكومية ليست منظمة ولا لوبي إداري أوحزب سري كما كانت عليه أيام البصري، لأن قدر الداخلية بين الانتخابات المرتبة وبين الانتخابات المحكومة استراتيجيا ( بعد البصري ) وبين النمطين يحاول بن كيران القفز إلى انتخابات عادية. 3. على الحكومة الحالية أن ترفع من نسبة المشاركة في أي استحقاق قادم، وبدون الإجابة عن هذه الإكرهات لا يمكن أن يحدث انتقال الداخلية إلى مرحلة أخرى تساير وثيقة الفاتح من يوليوز. وفي حال انطلاق العالم العربي في موجته الديمقراطية بعد حسم الصراع في مصر وفوز مرسي، نقرأ بإمعان ما قاله المستشار سلطان من أن الانتخابات الرئاسية تحت إشراف قضائي كامل بداية لجمهورية ثانية، وبعبارة مباشرة، أي انتخابات في المغرب بدءا من الانتخابات البلدية والجهوية، ستكون بداية لملكية ثانية من خلال دستور الفاتح من يوليوز. وهذه القفزة، إن لم تحققها الحكومة الحالية فعلى حكومة الأغلبية السلام ! إن القدرة على تنظيم " انتخابات انتقالية " هو رهان كل داخلية تعمل لأجل ترسيخ الديمقراطية المواطناتية في شقها العام والخاص. والسلطة لأجل إنقاذ القانون لا تحمل مبررات عدم تفعيله، وعليه يمكن القول: من دون " انتخابات انتقالية " فاصلة بين عهدين، لا يمكن لداخلية لعنصر أن تكون سوى نسخة مكملة لما سبق، فإشراف قاض على الداخلية حسن الأداء الانتخابي للمملكة، لكنه لم يصل إلى تشكيل قطيعة. انتهت فترة الإنكار واليوم لابد من اقتدار يجعل الداخلية في قلب الإصلاح، وليس وكرا للعمل الإداري المحافظ، على قوانين ونصوص جديدة تحاول اللوبيات قتلها أو على الأقل تجميدها. الداخلية التي تشرف على الأمن وعلى الانتخابات وعلى الإدارة المركزية للدولة، ليست مكانا للانكار في مسار سياسي يصنع التحول. وفي هذا الصدد لابد من التمييز في هذا الانتقال: بين الداخلية في علاقتها بالقانون أي الساهرة عليه وعلى تطبيقه The law في الشارع العام، وبين الداخلية كمنشأ أو المصنع أول للقوانين. بين الداخلية التي تشرف على الانتخابات وبين إدارة الداخلية لهذه الانتخابات، يكون الإشراف القضائي الكامل على أي استحقاق لأخذ رأي الشعب، وهو القادر على تحقيق القفزة، فوزير الداخلية، في الأصل لا يعلم حين يشاء، ويعلم حين يريد. والمفارقة واضحة بين عدم العلم بلائحة الولاة والعمال وعلمه بتصريح أفتاتي لجريدة ؟ وسؤالنا، هل مراقبة الصحف أقوى من مراقبة " قرارات استراتيجية " في بلدنا، ونحن ولأول مرة في تاريخ المغرب ندار عبر دستور لا يكتمل في تنزيله إلا في 2016، فالدستور يحكم الجميع، ولا يحكم غيره، ولا يجب أن يلتفت أحد إلى أي رأي إلا في حال " مساسه " بالوثيقة الأسمى، يقول هربرت سبيرو H.Spiro في كتابه الشهير: الحكومة عبر الدستور Gouvernment by constitution، في جملة جامعة: الداخلية يجب أن تلتفت ليس لخيارات أحزاب أو تطاحنها، بل إلى تطوير التقاليد والعادات كي تصبح ديمقراطية أكثر، ونتساءل أين عمل لعنصر في دمقرطة عاداته الحزبية وعادات الحركة وباقي الأحزاب لتطوير أداء الأمة المغربية نحو مصيرها الديمقراطي لأن من العار أن نصوت على العار كما يقول الإنجليز وفي هذا السياق يجب بعد المهمة المذكورة والرئيسية: أ الذهاب باتجاه الحفاظ على " الممارسة الديمقراطية " المؤسساتية بشكل دقيق كما يقول المؤلف . ب مراجعة القانون بما يزيد من تحديث الداخلية وعدم معارضتها للدستور الجديد فليست المسألة أمنية ترغب في الوصول إلى : مذنب وغير مذنب، بل رغبتنا باتجاه أن نعمل على دمقرطة العمل الإداري المباشر مع المواطن، وليس تحديثه فقط. ج أن يكون " التحول اليومي " منهجيا. تلك هي مسؤوليات الداخلية في زمن الانتقال، وبالتأكيد نجد لعنصر إما بعيدا عن الأهداف، أو منكرا كبيرا لقرارات وزارته، ولا يعرف أحد كيف تكون الداخلية على هذا الوجه، وربط المسؤولية بالمحاسبة كمبدأ دستوري انتهى إلى إنكار المسؤول المغربي لمسؤوليته كي لا يحاسبه أحد، ونعتقد جديين، أن هذا هو التأويل الذي وصل إليه الحاكمون لإدارة البلد في احترام " شكلي " للدستور، دون أن يعترف المسؤول بما تحت يديه، وإن قرر مسؤول أخذ مكان، فليكشفه الجميع ويحاسبه أمام الرأي العام أو يطلب وزارة العدل فتح تحقيق، كما انتهى إليه قرار ضد برلماني، دون أن تتمكن نفس الجهة من الدعوة إلى عرض قضية مزوار أمام تحقيق شامل.