بدا واضحا أن حميد شباط الأمين العام لحزب الاستقلال اصطدم بشيء في طريق هجومه على بنكيران وحكومته، مما اضطره إلى التراجع إلى الخلف واختفائه عن أنظار وسائل الإعلام التي يعشقها كثيرا ويعرف جيدا كيف يمكن أن يصل إلى صفحات المكتوبة منها. المتتبع لخرجات شباط منذ انتخابه أمينا عاما لحزبه، وحديثه المتكرر عن التعديل الحكومي وعن ضعف أداء وزراء بنكيران، لن يجد صعوبة في استنتاج أن شيئا ما أكبر من إمكانيات شباط ومن المستفيدين المفترضين من مواجهته لبنكيران، أرغمه على بلع لسانه بل التلميح إلى استعداده لتغيير مواقفه كما فعل في آخر الخرجات، وهو ما يعري مشكلة يعاني منها عدد مهم من المسؤولين السياسيين في هذا البلد الذين يطلقون العنان لألسنتهم وقراراتهم فيضطرون بعد ذلك إلى التراجع عنها، كما حدث مع صديقنا مصطفى الخلفي وزير الاتصال في "معركته المقدسة" التي بناها على مجرد أماني ضمنها دفاتر تحملات استهدفت "الحيط القصير" في الإعلام العمومي. غياب شباط عن عدد من المناسبات التي استدعي إليها سواء كأمين عام للحزب أو ككاتب عام للنقابة، لا يبدو بريئا وهو المغرم بعدسات كاميرات و"مانيطوفونات" الصحفيين، والتي كانت فرصا لمزيد من الضغط على بنكيران، خاصة أن هذه المناسبات عالجت في مجملها مواضيع حساسة حكوميا كموضوع التقاعد وحقوق الإنسان وإصلاح المقاصة. والأكيد أن من وراء تواري شباط عن الأنظار أوامر وتعليمات من جهة ما لا يُرفض عنده طلب لها، وليس بسب تقدير مصلحة الإصلاح السياسي الذي يُقال أن المغرب دشنه يوم 25 نونبر 2011، لأن تاريخ شباط بكل بساطة لا مكان فيه لتقدير أية مصلحة سوى مصلحته ومصلحة من حُمل على أكتافهم إلى مواقع تمثيلية سياسية ونقابية، وهذه الجهات كونها لا تشاطره سيناريوهات المستقبل دعته ربما للتوقف عما يفعله في الحاضر، حتى وإن كانت مقتنعة بالشعار الذي وكلت إليه مهمة تجسيده، والقائل "عرقلة ما يُمكن عرقلته من أوراش حكومة بنكيران في انتظار العرقلة الشاملة" التي تقذف بحزب العدالة والتنمية إلى الموقع نفسه الذي بات عليه اليوم حزب الاتحاد الاشتراكي بعد أن فشل في تجربة الحكم فسقط في فخ التحكم. طبعا هناك مؤشرات داخلية بدأ تشويشها على خيار الإصلاح في ظل الاستقرار يتعاظم، وليس أقلها الوضع الاقتصادي المتأزم رغم تطمينات بنكيران وبعض وزراءه، هذه المؤشرات إذا أُضيف إليها تصدع الأغلبية الحكومية بفعل مطالب شباط، ستصبح مقلقة جدا وستهدد مسار دولة لا مسار حكومة أو حزب، وهناك أيضا مؤشرات إقليمية لا شك أنها ترخي بظلالها على الداخل خاصة ما يحدث في دول الربيع العربي من تطورات تسير في اتجاه سلبي، ولا يمكن للمغرب إلا أن يتابع الوضع عن كثب والقيام بما يلزم ليكون التفاعل داخليا بما يخدم شعارالمرحلة، وليس العكس، لذلك فهم جزء من النخبة المعارِضة التي تقتسم هموم الإصلاح والتغير مع غيرها، اللعبة وأوقفت كل ما من شأنه أن يزيد من الاحتقان السياسي، واكتفت بمعارضة "لايت" وهو ما انعكس على الجلسات الأخيرة لمجلس النواب. من جهة أخرى، استطاع بنكيران أن يفرض ايقاعا معينا على النقاش السياسي وبدا متفوقا في إظهار خوفه على مستقبل التجربة التي يعيشها المغرب، أكثر من خوفه على حزبه، وأبدى استعدادا لا يُضاهى لتحمل ضريبة الإصلاح، ولعله استفاد في ذلك من الدعم الملكي الذي تجلى بشكل واضح في مشاركة بنكيران كرئيس للحكومة في اجتماع منظمة التعاون الإسلامي بمصر وتلاوة كلمة باسم الملك، بكل ما يحمله ذلك من إشارات ايجابية تسير في اتجاه تأكيد "الاستثناء المغربي" وإظهار درجة عالية من الانسجام بين المؤسسة الملكية وحزب بنكيران، واحترام التسلسل في هرم السلطة الذي جاء به دستور 2011. بكلمة، شباط اختفى أو أُجبر على الاختفاء لأن "الغابة" التي يُخفيها على حد تعبير الأستاذ توفيق بوعشرين، لا تريد أن تغامر أوتقامر بما تحوزه اليوم، مخافة أن تفقد كل شيء غدا. فهل سيكون لشباط رأي آخر؟ لننتظر الجواب بعد انتهاء المهلة التي أعطتها مذكرته لبنكيران.