نفى عادل بنحمزة، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، أن يشنّ أنصار حميد شباط، الأمين العام أي حملة تطهير في حق مساندي ترشيح عبد الواحد الفاسي، معتبرا، في حوار مع «المساء»، أن القول إن الحزب مهدد بفقدان أطره ومثقفيه هو مجرد وهْم يسكن البعض ويتمناه آخرون.. وقال بنحمزة إن التعديل الحكومي الذي يتحدث عنه حزب الاستقلال اليوم يمسّ جوهر مشاركة الحزب بصفة خاصة، مشيرا إلى أن حزب الاستقلال يرجّح في هذا الصدد مصلحة الوطن أولا، ثم مصلحة الحزب ثانيا. - اعتبر البعض أن انتخاب شباط هو انتصار لخيار «البلطجة السياسية والشعبوية».. كيف ترد على هذا؟ هناك الكثير مما قيل حول انتخاب الأخ حميد شباط أمينا عامّا لحزب الاستقلال، وأعتقد أن من يقولون هذا الكلام لا يريدون أن يبذلوا جهدا لفهم التحول الكبير الذي عرفته الديمقراطية الداخلية داخل الأحزاب السياسية، حيث قدّم حزب الاستقلال، من خلال تجربة تعدد المرشحين وخوض حملة طويلة عبر ربوع البلاد، نموذجا حيّا حول ممارسة الديمقراطية الداخلية وحسن تدبير الاختلافات التي توجد، بصفة طبيعية داخل كل هيئة سياسية.. فالركون إلى أحكام جاهزة مثل هذه فيه خطر على الديمقراطية، وهي نوع من البلطجة الفكرية إن صحّ التعبير.. في المقابل، هناك أقلام أنصفت الرجل والتجربة، التي لا يمكن الحكم عليها اليوم سوى من الناحية الشكلية والقانونية، كانت -بشهادة الجميع- شفافة ونزيهة، ومن الناحية السياسية أثر ذلك على الحزب والبلاد، وهو ما سنحرص على تقديمه في وقته، المهم هو أنه من غير اللائق الإساءة إلى تمرين ديمقراطيّ استثنائي في تجربة حزبية وطنية عُرِفت، دائما، بالظاهرة الانقسامية وتفريخ الأحزاب كجواب على بعض الخلافات التنظيمية والسياسية.. اليوم يعلن حزب الاستقلال، مع انتخاب شباط أمينا عاما، إمكانية إنهاء الظاهرة الانقسامية التي نظّر لها واتربوري والتي أضعفت، على الدوام، القدرة التفاوضية للأحزاب السياسية وجعلتها تلعب دور «الكومبارس» في الحياة السياسية للبلاد. - قال القيادي الاستقلالي السابق خالد الجامعي إن ما وقع في 23 شتنبر هو انتصار للفساد على الاستبداد؟.. يقول الفقهاء «الحكم على الشيء فرع من تصوره»، شخصيا، لا أعرف كيف ينظر السيد خالد الجامعي إلى الحياة الحزبية والسياسية في بلادنا بعد تقاعده واختفائه من الحياة العامة!.. أما اتهام الناس بالفساد فهو ما جرّ إلى المحاكمة الأخيرة التي جمعت أميرا مغربيا وسياسيا من حزب وطني كبير... السيد الجامعي لا يعرف لا الفساد ولا الاستبداد، وسيرته يعرفها الجميع، وهي مليئة بالمتناقضات، وكنت أود أن يوضح أين يتجلى الفساد الذي يشير إليه، خاصة أن السيد الجامعي عندما غادر اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال وجّه نداء لجميع الاستقلاليين للانتفاضة ضد القيادة آنذاك، ولم يستجب له أحد.. علما أنه لم يكن يفارق الأمينَ العام عباس الفاسي وكان دائم الدفاع عما يقوم به هذا الأخير، سواء داخل الحزب أو في موقعه الحكومي.. وكان معروفا بعلاقته بإدريس البصري، بعد الحادثة الشهيرة التي يُشهرها في وجه منتقدي علاقاته الغامضة مع نافذين في الدولة مع بداية تجربة التناوب التوافقي، وانقلب عليهم في ما بعد.. كما يعرف السيد الجامعي ضعف قدراته التنظيمية داخل الحزب، وقد غادر اللجنة التنفيذية احتجاجا على إقالة السيد رشيد الفيلالي من وزارة الخوصصة... عدا ذلك لم تكن له أي مساهمة في تطوير الديمقراطية الداخلية في حزب الاستقلال، وفضّل الاستقرار في برج عاجيّ.. واليوم فالاستقلاليون والاستقلاليات في غنى عن نصائحه، المُتجاوَزة، وهي، على كل حال، لا تقدم أي شيء للتجربة الحالية وللأجيال التي تصنع التغيير اليوم داخل حزب الاستقلال وتقدم نموذجا عن حيوية الحياة الحزبية عندما تتحقق لها شروط التنافس الديمقراطي، وكل ذلك يصب في مصلحة البلاد أولا، وإن كانت خرجات خالد الإعلامية الأخيرة تدعو إلى الشفقة أكثرَ من أي شيء آخر. - يرى البعض أن حزب الاستقلال على باب الانشقاق وإفقاد الحزب أغلبية نخبه وأطره المثقفة وأن هناك حملة «تطهير» ضد أنصار عبد الواحد الفاسي، خاصة بعد أن اكتسحت لائحة الأمين العامّ اللجنة التنفيذية؟ أظن أن فوبيا الانقسام والانشقاق تسكن لاوعيَنا الجماعي، سواء كباحثين أو كصحافيين أو كسياسيين، وكثيرا ما قدم الخوف من الانشقاق كمبرر لتأبيد الاستبداد والتحكم في عدد من الأحزاب السياسية، وعندما تلتقي الخلافات العميقة مع غياب ثقافة الاختلاف والممارسة الديمقراطية الداخلية، فإن الانشقاق يصبح أحدَ مكونات بنية الحقل الحزبي في بلادنا، ومن هنا بالضبط تأتي فرادة التجربة التي خاضها حزب الاستقلال يوم 23 شتنبر، إذ لأول مرة في تاريخ الحياة الحزبية يشهد حزب سياسي وطني منافسة شديدة بين مرشحَيْن للأمانة العامة عبر حملة انتخابية استمرت زهاء ثلاثة أشهر، استُعملت فيها كل أدوات الدعاية السياسية الممكنة.. وكان من الطبيعي لحملة على هذه الشاكلة أن تخلّف بعض الجراح التي اندملت مباشرة بعد إعلان نتائج الاقتراع، الحر والنزيه بشهادة الجميع، وتقبل الجميع النتيجة بروح رياضية، وتم تسليم السلط في صورة تاريخية بين الأمين العامّ المنتهية ولايته، الأستاذ عباس الفاسي، والأمين العام المنتخَب حميد شباط، بحضور وسائل الإعلام الوطنية والدولية.. أما القول إن الحزب مُهدَّد بفقدان أطره ومثقفيه فهو مجرد وهْمٍ يسكن البعض ويتمناه آخرون.. والحقيقة أن جميع أطر الحزب مُوحَّدون ومتمسكون بحزبهم، لأن الحزب فوق الذوات والأشخاص، وليست هناك أي «حملة تطهير» -ولن تكون- في حق الإخوة الذين ساندوا ترشيح الأخ عبد الواحد الفاسي، لأنهم مارسوا حقا خالصا في الاختيار وفي تقدير الشخص الذي يصلح لقيادة الحزب في المرحلة المقبلة.. وقد أكد الأمين العامّ على هذا التوجه في أول اجتماع لمفتشي الحزب زوال يوم الخميس الماضي وخرج الجميع بمعنويات عالية بهدف أساسيّ هو استثمار المناخ الجديد الذي صنعه الحزب في الحياة السياسية لتعزيز مكانته وتقوية تنظيماته استعدادا للاستحقاقات المقبلة. - يبدو تحقيق المصالحة الداخلية وترتيب البيت الداخلي من الأولويات التي يتعين الاشتغال عليها حاليا.. ما هي الإجراءات التي ستقدمون عليها لتهدئة هذه المخاوف وإبداء حسن النية تجاه الاستقلاليين الذين صوّتوا ضد شباط؟ لنكن واضحين.. ليس هناك من صوت ضد شباط، بل هناك من صوّتوا لفائدة الفاسي، والفرق واضح بين الأمرين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لا يحتاج الاستقلاليون إلى من يثبت لهم حسن نيته، فقول شباط لحظة إعلان النتائج إنه سيكون أمينا عاما لكافة الاستقلاليين والاستقلاليات معناه أن الوحدة مسألة حتمية، وقد جسّد ذلك الاستقلاليون، سواء عند إعلان النتائج أو في حفل تسليم السلط، الذي حضره ممثلون عن الطرفين معا، بحضور وسائل الإعلام، أما البيت الداخلي وعملية إصلاحه فإنها إحدى الأولويات المركزية التي جاءت في البرنامج الانتخابي للأخ شباط، من منطلق عملية تحديث شاملة لبنيات الحزب وتجديد عرضه السياسي، مع الحفاظ على الثوابت، بما يجعل حزب الاستقلال يملك القدرة على مواكبة انتظارات الشارع المغربي ويقدّم الحلول الضرورية لتجاوز كل الصعوبات بمعنويات مرتفعة لمناضليه، خاصة أمام المتابَعة الكبيرة للحدث، الذي صنعه الاستقلاليون والاستقلاليات، كل من موقعه. - رغم الانسجام الذي يبدو داخل اللجنة التنفيذية الجديدة فإن البعض يرون أنها تضمّ بودار الانفجار، خاصة في ظل الصراع بين أعضاء فيها، كما هو الحال بالنسبة إلى بوعمر تغوان وكريم غلاب؟ ليست هناك أي بوادر مما تتحدث عنه، والأجواء كلها إيجابية.. وتعرف اللجنة التنفيذية الجديدة انسجاما كاملا، فالأخوان تغوان وغلاب ليسا جديدين على اللجنة التنفيذية، بل اشتغلا معا في اللجنة نفسها منذ المؤتمر الخامس عشر، أي أربع سنوات دون حوادث تذكر. - يرى البعض أن التلويح بورقة التعديل الحكومي من قِبل الأمين العامّ الجديد هي للاستهلاك الداخلي فقط، وأن المنادين به يدركون، أشد ما يكون الإدراك، أن مفاتيح أي تعديل هي بيد القصر؟ أولا، لا يجب الخوف من مسألة التعديل الحكومي، ففي كل دول العالم الديمقراطي تشهد الحكومات بعض التغييرات، والمغرب ليس حالة شاذة، يبقى أن التعديل الذي يتحدث عنه حزب الاستقلال اليوم يمسّ جوهر مشاركة الحزب بصفة خاصة، إضافة إلى مسألتين مبدئيتين تتعلقان بالأداء العامّ للحكومة وانسجام الفريق الحكومي الحالي. أما على المستوى الداخلي، فإن هناك وعيا لدى الاستقلاليين بضرورة مراجعة مشاركة الحزب في الحكومة، أما التأطير الدستوري لهذه العملية فهو معروف، لكنه لا يؤثر على التقدير السياسي لمشاركة الحزب في الحكومة، علما أن الأخ شباط أكد، غيرَ ما مرة، سعيه إلى الحفاظ على الاستقرار والاشتغال مع الحكومة التي يقودها السيد بنكيران، لأن المغرب في حاجة إلى الاستقرار والفاعلية، وما يمكن أن أؤكده هو أن حزب الاستقلال في هذا الموضوع يرجّح مصلحة الوطن أولا ثم مصلحة الحزب ثانيا. -هناك من يعتبرون أن هناك مخططا يُطبَخ على نار هادئة لسحب البساط من تحت أقدام الإسلاميين وإنهاء حكومتهم والتحالف مع «البام» والأحرار؟.. -لست مغرما بنظرية المؤامرة.. ونحن كهيئة سياسية نحترم تعاقداتنا والتزاماتنا، وقد كان انخراطنا في حكومة السيد عبد الإله بنكيران قراراً سياسيا للمجلس الوطنيّ للحزب، استحضر الظرفية الوطنية والدولية التي توجد فيها بلادنا، واعتبرْنا أن التصويت المكثف للمواطنين في تشريعيات 2011 مقارنة مع تجربة 2007 هو تشبث بمسار الإصلاح السياسي، رغم الشعارات والعروض التي طُرحت في الساحة العمومية من قِبل تيارات مختلفة، لهذا اعتبرنا أن وجودنا داخل الحكومة، ولو في ظل ظرفية اقتصادية صعبة، كان في مصلحة البلاد ولضمان الاستقرار، وما يزال هذا التقدير موجودا إلى اليوم، بل إننا نعتقد أن البلاد قد تكون في حاجة إلى حكومةِ وحدةٍ وطنية للتغلب على الصعوبات الجدية التي يتعرض لها الاقتصاد. - يشتمّ البعض رائحة «البام» في الدفع بشباط إلى الأمانة العامة لحزب الاستقلال؟ هؤلاء لديهم ضعف مزمن في حاسة الشم.. ترشيح شباط قرار داخليّ لمجموعة من المناضلين، توحّدوا حول برنامج «التغيير»، الذي كان في حاجة إلى قائد لتطبيقه، فكان حميد شباط، الذي لم تكن لديه رغبة شخصية في تقلد منصب الأمين العام، وأن هناك من يختصون في صنع الاشاعات.. وهذه سبة للاستقلاليين والاستقلاليات ممن شاركوا في انتخابات تنافسية غير مسبوقة على منصب الأمين العامّ، إضافة إلى أن مواقف الأمين العام من تجربة «البام» معروفة وعبّر عنها بصراحة في وقتها، قبل أن يمتلك البعض الشجاعة اليوم ليتاجر بمواقف الآخرين. - كان شباط قد صرّح، خلال حملة، بأنه لن يقبل بالأمانة العامة في حال انتخابه بنسبة لا تقل عن 80 في المائة من أصوات أعضاء المجلس الوطني.. لماذا تنكر شباط لهذا التعهد؟ في مثل هذه النزالات تكون الحملة حبلى بالتصريحات، لكنّ ما يهم هو الفوز، في النهاية، بالديمقراطية وبالأغلبية المطلقة، ولأنها انتخابات مصيرية وتنافسية ومُحمَّلة بإكراهات نفسية وتاريخية فإن المواجهة لم تكن سهلة، والدليل هو النتيجة المتقاربة بين المرشحين، حيث حسم سباق الأمانة العامة ب20 صوتا. - كيف ستدبرون قضية ممتلكات الحزب وممتلكات عائلة علال الفاسي؟ سيتم تدبيرها بطريقة عصرية وقانونية، وسنسعى إلى تنمية موارد الحزب من خلال تثمين العقار، إضافة إلى البحث عن الموارد المالية التي ستجعل الحزب قادرا على النهوض بمسؤولياته، أما بالنسبة إلى ممتلكات عائلة الزعيم علال الفاسي فإن ما يهمّ منها هو ما هو معروف بأنه ليس من ماله الخاص، وهذه العقارات يجب أن تتحول إلى اسم حزب الاستقلال. - هل سلتجؤون إلى القضاء في حال امتنعت العائلة عن تمكين الحزب من الممتلكات وتسجيلها باسمه؟ لا أتوقع أن يمتنع ورثة الزعيم علال الفاسي عن إرجاع الممتلكات إلى الحزب لتسجيلها باسمه.