قادت اللحظات العصيبة ومجموعة من النقاط العالقة إلى تأجيل مؤتمر الاتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية ( أحد أكبر أحزاب اليسار في المغرب )، إلى أجل أقصاه ستة أشهر وفقا للمادة 146 من القانون الداخلي للحزب، بعد أن مقررا انتهاء أشغاله أمس الأحد. وكشفت مصادر اتحادية مطلعة، لإيلاف أن التأجيل أو ما يسميه البعض " تعليق المؤتمر "، جاء نتيجة بروز عدد من الخلافات التنظيمية، إلى جانب أخرى سياسية تتعلق بالمطالب الملحة للمؤتمرين بالإنسحاب من الحكومة، فيما أكد رئيس المؤتمر أن السبب يعود إلى " ضغوط الأجندة وبرنامج المؤتمر وكذا ضيق العامل الزمني الذي حال دون استكمال بقية الأشغال ". وأكدت المصادر أن التخوف من الحسم في مطلب الإنسحاب من الحكومة والصراع الساخن الدائر بين الصقور الإشتراكيين للظفر بكرسي رئاسة الحزب دفع إلى تأجيل المؤتمر، في انتظار أن تلوح توافقات جديدة في الأفق. "" وقال محمد ضريف، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق في المحمدية، إن المؤتمر الثامن كان يسعى إلى تحقيق هدفين أساسيين، الأول يتمثل في كسب الرهان التنظيمي، والثاني في كسب الرهان السياسي، مشيرا إلى أن محطة بوزنيقة كانت يجب أن تربح هادين الأمرين. ويتجلى الرهان التنظيمي، يفسر ضريف في تصريح ل "إيلاف"، في اختيار أعضاء المكتب السياسي، والكاتب الأول الجديد خلفا لمحمد اليازغي المستقيل، أما السياسي فيتمثل في إعادة المصداقية للخطاب الحزبي من خلال التصالح مع القواعد الحزبية، خاصة أن هناك فئة ترى بأن الوسيلة الوحيدة لكسب هذا الرهان هو مغادرة الحكومة الحالية، في حين تعتقد الثانية أنه يجب الاستمرار مع فريق الوزير الأول عباس الفاسي. غير أن الاتحاديين لم ينجحوا في تحقيق ذلك خلال هذا الموعد، يشرح أستاذ العلوم السياسية، مضيفا أن ما وقع يظهر أن هناك مجموعة من الخلافات التي لم يجر تجاوزها لحد الآن،. وخلص محمد ضريف في الأخير إلى القول "يبدو أنه لحد الآن أن الرهانين معا بعيدا التحقيق". من جهته، قال محمد لخصاصي، رئيس المؤتمر الوطني الثامن للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، "إننا وضعنا أمام خيارين اثنين: إما أن نختزل أشغال المؤتمر لكي نحترم المدة الزمنية المتاحة، وإما أن ننجز ما يمكن إنجازه، ونؤجل ما لم نتمكن من إنجازه إلى فرصة أخرى لاستكمال بقية الأشواط التي ظلت عالقة". وأضاف لخصاصي، في الكلمة التي أعلن خلالها صباح اليوم تأجيل المؤتمر، أنه طبقا لمقتضيات القانون الداخلي للحزب "قررنا مواصلة الشطر الثاني من المؤتمر الوطني الثامن في غضون شهر نونبر المقبل على أبعد تقدير"، موضحا أن "المكتب السياسي والمجلس الوطني المنبثقين عن المؤتمر الوطني السابع هما اللذان سيتوليان تدبير المرحلة المقبلة إلى غاية انعقاد الشوط الثاني من هذا المؤتمر". واعتبر أن "مشاكل الاتحاد ومهامه في هذه المرحلة مختلفة اليوم، حيث نجتاز فترة تتسم بالأزمة منذ الانتخابات التشريعية ل 7 شتنبر، وما نجم عنها من نقاشات وتطورات تطلبت منا فتح نقاش معمق والقيام بتعبئة غير مسبوقة في مجال التنظيم والتنظير وكذا استيعاب المعطيات الجديدة التي فرضتها هذه التحولات". وفي معرض تطرقه لنتائج المؤتمر، أبرز أنه جرى تقييم ومناقشة الخط السياسي للحزب ومساره النضالي خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، وإعادة النظر في هويته وبرامج وخطط عمله، مضيفا أن المؤتمر تمكن من إنجاز الكثير من مشاريع المقررات المتعلقة بالمقرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي أو بالمقرر المتعلق بالهوية أو الخاص بتفعيل الأداة الحزبية، علاوة على ضبط والحسم في مسألة العضوية. وأوضح أن أشغال المؤتمر، التي اتسمت ب "النقاش الصريح والمسؤول"، ميزها حرص المؤتمرين على وحدة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومحاسبة القيادة الحزبية بشكل واضح ومسؤول. وكان المؤتمرون رفعوا شعارات تطالب بالإنسحاب من الحكومة والتصعيد، قبل أن يحتلوا، أمس الأحد، المنصة ما دفع الرئاسة إلى الإنسحاب، في حين لوحظ غياب كل من وزير العدل عبد الواحد الراضي وعضو المكتب السياسي إدريس لشكر ولحبيب الملكي وزير التعليم السابق. وطالب المحتجون بانتخاب رئاسة جديدة بدل الموجودة حاليا، في وقت بدأت فيه "هجرة اللوائح"، إذ انضم وزير التشغيل جمال أغماني على لائحة وزير العدل عبد الواحد الراضي، فيما تروج أنباء عن ظهور لوائح أخرى جديدة. وهناك ثلاثة لوائح تتنافس حاليا على مقعد الكاتب الأول، خلفا لمحمد اليازغي الذي قدم استقالاته بعد تصاعد حدة الضغوطات والانتقادات الموجهة إليه، إثر عدم تدبيره بشكل جيد المشاورات حول الحقائب الوزارية عند تشكيل الحكومة، إلى جانب أسباب أخرى داخلية. ويقود هذه اللوائح فتح الله ولعلو، وزير المالية السابق، ولحبيب المالكي، وزير التعليم السابق، أما اللائحة الثالثة فيرأسها عبد الواحد الراضي، وزير العدل الحالي. من جهة أخرى، أعلنت مجموعة "إعادة بناء الاتحاد الاشتراكي" سحب ترشيح علي بوعبيد، نجل زعيم الحزب الراحل عبد الرحيم بوعبيد، للأمانة العامة للحزب. يذكر أن أشغال المؤتمر الوطني الثامن للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية كانت انطلقت يوم الجمعة الماضية تحت شعار "حزب متجدد لمغرب جديد"، بمشاركة نحو 1362 مؤتمرا ومؤتمرة، وحضور وفود أحزاب عربية ودولية ، إضافة إلى عدد من قادة أحزاب وطنية تمثل الاغلبية والمعارضة.