في الصورة دحو ولد قابلية الوزير الجزائري المكلف بالجماعات المحلية "" كلما اشتدت الأزمة الداخلية في الجزائر، وظهرت انتفاضات شعبية هنا وهناك ، مطالبة بالعدل والمساواة والحقوق المدنية والاقتصادية، تقوم القيادة الجزائرية بالبحث عن كبش فداء لصرف الأنظار عما يجري في الداخل، وترحليه إلى الخارج تحت شعار نظرية المؤامرة الخارجية والأيادي الأجنبية، التي لا تريد الخير للجزائر. ميكانيزم معروف استعمل أكثر من مرة في تاريخ الجزائر المعاصر، العدو الخارجي المحتمل والمنتظر هو السبب في كل ويلات هذا البلد الشقيق، قاعدة الهدف من وراءها إحداث تماسك ووحدة وتعبئة شعبية في النسيج الاجتماعي السياسي الداخلي ضد أعداء "الثورة الجزائرية"، عبر تخوين الجميع واتهامهم بالتواطؤ. فمباشرة بعد استقلال الجزائر 1962 ولإجهاض ثورة القبايل المسلحة برئاسة المجاهد أيت أحمد ، ثورة كانت زاحفة للاستيلاء على الحكم في العاصمة، فبركت القيادة الجزائرية على ما أصطلح على تسميته بحرب الرمال 1963، حرب فخ في اعتقاد الكثير من المحللين الاستراتيجيين، جر إليها المغرب جرا، حرب غوغاء لتمكين القيادة الجزائرية في إخماد ثورة القبايل وإجهاض مشروع دولة طاركستان في الجنوب. البحث عن عدو خارجي، آلية استعملت ضد تونس بورقيبة، عندما اتهم هذا الأخير بمساندة انقلاب الطاهر الزبيري ردا على مطالبته للجزائر برسم الدحود بين البلدين، كما وظفت القصة ضد ليبيا الجماهيرية عدة مرات، وأهم الأطروحات المروجة لحد الآن في إطار هذه الإستراتيجية، هو العلاقة بين الجماهيرية و سكان الطوارق و استغلال المياه الجوفية لمصلحة النهر الصناعي الليبي. وهذا أمر مرفوض و عدائي بالنسبة للجزائر إضافة إلى قضية الصحراء .أما فرنسا، فهي دائما كانت بالنسبة لهم بمثابة الشماعة التي يعلق عليها القادة في الجزائر فشلهم السياسي و الاقتصادي، فعدم نجاح الثورة الزراعية سببه فرنسا و فشل الثورة الصناعية سببه فرنسا، ولا زالت نفس الأغنية تردد إلى الآن بدون خجل وفي كل مناسبة. خروج السيد دحو ولد قابلية الوزير المكلف بالجماعات المحلية والإطار السامي السابق في الأمن العسكري ورئيس جمعية ضباط المخابرات الجزائرية هذه المرة يؤكد هذا الميكانيزم بإخراج سياسي جديد، فقد قام الوزيرالذي كان من تلاميذ العقيد بوصوف، مؤسس المخابرات الجزائرية، بتشويه الحقائق التاريخية للثورة الجزائرية، متهما العرب كلهم هذه المرة من المحيط إلى الخليج بأنهم كانوا متفرجين لا فاعلين في الثورة، بل متواطئين مع الاستعمار في بعض الأحيان، بل ذهب به خياله بدون استحياء إلى نبش القبور والتحدث عن الموتى ، ففي محاضرة للمسؤول الجزائري يوم 12 يونيو 2008 في جامعة بوزريعة (الجزاير)، تحدث عن الملك الراحل الحسن الثاني بكثير من السخرية و الاستخفاف، قائلا انه كان يبتز الثورة ويقتسم معها المعونات والمشتريات من الأسلحة القادمة من الخارج، كما نعت المرحوم بورقيبة بالرجل العصبي الذي كان يتدخل في كل شيء يخص الحكومة الجزائرية المؤقتة المقيمة في تونس، و حسب ولد قابلية كان الرئيس بورقيبة يتدخل حتى في مضمون البيانات العسكرية التي كان يذيعها راديو صوت العرب من القاهرة، مساوما الثورة وواضعا العراقيل في سبيلها . أما المرحوم الرئيس جمال عبد الناصر حسب المتحدث، فلم يساعد الثورة بشيء، اللهم الشعارات و الخطب الرنانة و المساندة الدبلوماسية، حسب ولد قابلية لقد أرسل، والقول على الراوي، المرحوم جمال عبد الناصر الى جيش التحرير الجزائري بطاطا عوض الأسلحة كما اتفق عليه في جامعة الدول العربية آنذاك. محاضرة ولد قابلية لم تستثني أحدا، حتى يوغوسلافيا برئاسة تيتو الذي وصف علاقاتهم معها بعلاقات تجارية بعيدة عن النضال السياسي. الاستثناءين الوحيدين الذي ذكرهما المحاضر بالخير هما الملك الليبي السنوسي و الصين الشعبية، فالإطار السابق في المخابرات الجزائرية قام بكتابة تاريخ الثورة الجزائرية بطريقته الخاصة المليئة بالأكاذيب و التضليل دون مراعاة أدنى مبادئ الأخلاق و الشهامة العربية، فولد قابلية لم يعطي حججا حول ما تقدم به إلى للرأي العام، حجة واحدة ادعى انه يمتلكها هو تقرير احمد فرنسيس، وزير المالية في الحكومة المؤقتة الجزائرية و المتعلق بمصر. أما مصر العربية، فأشير أن المرحوم جمال عبد الناصر ، قدم الكثير بدون منة اعتقادا منه أن الثورة الجزائرية سوف تقف معه في مشروعه في الوحدة العربية، الرئيس المصري خدع طولا وعرضا وأخطأ الحساب، فأجندة بعض القادة في الجزائر كانت لا تعكس هذه الرغبة والثورة الجزائرية كانت لا تريد وحدة و لا انتم تحزنون، أجندتها تعتمد على التجزئة و الانفصال للأمة و الهيمنة على شمال إفريقيا، فالرايس ضحى ببلده و نظامه من أجل استقلال الجزائر و كلفه هذا عدوانا ثلاثيا سنة 1956 و محاصرة اقتصادية و سياسية بعد ذلك. فتدمير مدينة بور سعيد والإسماعيلية و أحياء كثيرة من القاهرة من طرف الطيران و البوارج الفرنسية كان بسبب نصرة عبد الناصر للثورة الجزائرية. يا رجل عيب أن تنبش في قبور مجاهدين لازالت الذاكرة العربية تحتفظ لهم بكثير من المواقف الشجاعة المشرفة، وفي هذا الباب، أقول لا أحد من الرؤساء الجزائريين تحدث عن دور سلبي للدول العربية أثناء الثورة التحريرية الجزائرية بهذا المنطق الكاذب، فسكوت دحو ولد قابلية عقودا من الزمان لينطق بالبهتان، هو رغبة منه في نقل الرأي العام الجزائري الحائر و الموجود في واد و حكامه في واد آخر إلى مشهد آخر، مشهد المؤامرة الخارجية و نشر الأحقاد . و هنا أتوجه إلى دحو بصراحة، إذا كنت من المساعدين الأقربين للعقيد بوصوف، فلماذا لا تتحدث عن طريقة تصفية المناضل عبان رمضان في مدينة العرائش المغربية من طرف جهازكم الأمني؟ و كيف قتل المجاهد خيضر؟. إنها ادعاءات رخيصة يحاول تسويقها وزير الجماعات المحلية الجزائرية، معلومات لم تتناولها كتب التاريخ لا في الخارج و لا في الداخل، انه افتراء مفضوح لصرف أنظار الناس عن مشاكلهم اليومية كالسكن و الشغل و الصحة التي هي من اختصاص وزير الجماعات المحلية دحو ولد قابلية، أكاذيب توظف حاليا لخدمة أغراض سياسوية داخلية في الصراع المحتدم بين الأجنحة العسكرية والمدنية من أجل الخلافة. الكل يعلم أن المغرب و تونس احتضنتا الثورة لا لمساومتها بعد الاستقلال بل كواجب أخلاقي و ديني، وكلاهما رفض التحدث مع فرنسا في شأن الحدود باعتبار أن القضية تحل بين الإخوة. مليون من اللاجئين في المغرب تم إدماج الكثير منهم في الوظيف العمومي و الحياة العامة، انخراط الشباب المغربي في الثورة و استشهاد الكثير منهم، ومدينة وجدة قنبلت عدة مرات من طرف الطيران الفرنسي، فكيف يعقل أن يصرح دحو ولد قابلية بأشياء غير صحيحة إطلاقا . فأين الحجج يا أيها الوزير؟ . أما تونس، فمساهمتها كانت كبيرة، فالحكومة المؤقتة الجزائرية التي هربت من القاهرة بسبب اختلافات إيديولوجية مع عبد الناصر، رحبت بها تونس التي مدتها بجميع التسهيلات و المساعدات. السيد ولد قابلية نسي هذا على ما يبدو، كما نسي الكلام عن أحداث ساقية سيدي يوسف الأليمة والتي ذهب فيها العديد من الشهداء التونسيين. إن توقيت هذه المداخلة، يطرح أكثر من سؤال: فهي تأتي في وقت فطن فيه العرب و الأفارقة إلى عقدة الهيمنة و السيطرة الساكنة في عقول البعض في الجزائر، والتي كان يسميها العقيد بوصوف مفهوم المجال الحيوي للجزائر(Concept de leadership : suprématie)،ومعناه زعامة منطقة ممتدة من دكار إلى القاهرة، لا يمكن لأحد أن يتصرف فيها دون تزكية من الإخوة في الجزائر. جاءت هذه التصريحات كذلك مباشرة بعد تكذيب أيت أحمد لحكاية اختطاف الطائرة المغربية، التي كانت تنقل زعماء الجزائر الخمسة من المغرب إلى تونس و قصة تواطؤ الراحل الحسن الثاني مع فرنسا في القضية، و بعد فشل اتحاد المغرب العربي في الانعقاد و مطالبة الجزائر للعرب بمقاطعة الإتحاد من أجل المتوسط. وفي الختام، أقول ان فبركة الأساطير و المؤامرات لم تعد تنطلي على الشعب الجزائري " ما ينفع غير الصح ياسي دحو...."وينطبق عليك مضمون الآية الكريمة"إذا جاءكم فاسق بنبإ............" ولي عودة في الموضوع بكثير من التفصيل و الحجج. ذ.عبد الرحمن مكاوي أستاذ العلاقات الدولية /جامعة الحسن الثاني وخبير في الشؤون العسكرية والأمنية