قال وزير العدل أمام نواب الأمة في كلمته حول قضية فرار تسعة معتقلين محسوبين على التيار السلفي الجهادي ،أن السبب في نظره يرجع إلى انهيار سلطة الدولة. وبالنظر إلى شخص السيد وزير العدل وتاريخه السياسي فانه فعلا صرح بحقيقة اما كان يعلمها من قديم اي طيلة العقود السابقة التي خبر فيها أحوال دولة المغرب و بفضل منصبه القديم رئيس البرلمان المغربي في حقبة متميزة، وإما أن السيد الوزير سيكتشف في منصبه الجديد انهيار سلطة الدولة، وان كان في حديثه للنواب عن تفاصيل هروب المعتقلين السلفيين يعبر صراحة عن انهيار سلطة الدولة،في محاولته لتقديم أسباب وكيفية الهروب بطريقة لايستسيغها العقل، بل ذهب السيد الوزير في حكايته إلى قلب مفاهيم علمية كنا نؤمن بها قبل حدث الفرار. ولكن بعد الحدث أصبح المغاربة بفضل هذه الحكاية يعلمون أن المروحية أو الهوائية تنتج الأوكسجين داخل النفق. فالتعتيم وأنصاف الحقيقة والكذب واستغفال الشعب من الأسباب الرئيسية لانهيار السلطة في المغرب. انهارت سلطة الدولة منذ أن أصبحت الأبواق الرسمية تستهلك مفاهيم عن الدولة المدنية وحقوق الإنسان وحرية التعبير ومخططات التنمية البشرية والتنمية المستدامة ودولة الحق والقانون .وكلها شعارات لم يعشها المواطن المغربي على ارض الواقع، حيث يجد مقابل الدولة المدنية دولة ذات حكم مطلق وشمولي سياسيا ودينيا. اعتقالات واختطافات وتعذيب وأحكام جائرة ضد حرية التعبير وحقوق الإنسان وكرامة المواطن ودولة الحق والقانون والتوجه الجديد للسلطة. كل هذا أمام مؤامرة الصمت من طرف بعض الجمعيات الحقوقية والمدنية ومجلس السيد احمد حرزني والأحزاب الوطنية. انهارت السلطة في المغرب عندما فكر العهد القديم في قتل دولة السلط وجعلها دولة تسلط ،حيث حاول بالفكر الشمولي الذي كان يؤمن به،من اجل تحقيقه بشتى الطرق للحفاظ على مملكته،أمام كل محاولة من طرف الشعب في استعادة السلطة ولو رمزيا عن طريق التعددية ومعارضة قوية ونظام ديمقراطي .وهوس السلطة جعل العهد القديم يجتهد في تعاريف تزكي موقعه انطلاقا من مفاهيم جامدة تخضع أساسا لمفهوم الطاعة والقدسية في ممارسة السلطة السياسية والدينية. حاول العهد الجديد تدشين مرحلته بمفاهيم جديدة تسعى لخلق وطن الحلم ومواطن حالم.لكن العلاقة المتعددة للسلطة خلقت واقعا ملموسا يسير وفق إستراتجية أصحاب القرار.هذه الإستراتجية التي تحكمها شبكة من المفاهيم الإيديولوجية ومواقف في غالبيتها غير أخلاقية ضد الوطن والمواطن المغربي.وفي وقت وجيز انتقلت الدولة من مفهوم سلطة الدولة التي كانت تسوق لها من الشعارات، الى تسلط الدولة. وهذه أول الأسباب التي ساهمت في انهيار سلطة الدولة في العهد الجديد،حيث اتخذت مظاهر متعددة،وكان لأصحاب القرار النصيب الأكبر في انهيارها،مقابل الحفاظ على استقرار الحكم والدولة كبقرة حلوب،على حساب الأمن الغذائي والاجتماعي والاقتصادي والنفسي للفرد المغربي،البعيد عن واقع المواطنة والدولة المدنية. من مظاهر انهيار سلطة الدولة فشل التجربة الديمقراطية اذا كان مفهوم الديمقراطية هو "حق المواطن/ الفرد في المشاركة في اتخاذ القرارات في الشؤون العامة"انطلاقا من تأصيل ديمقراطية مبنية على شروط نجاحها من - تعددية سياسية حقيقية- ووجود طبقة متوسطة.- وإعلام حر ومحايد.- ومبدأ فصل السلط.- و حقوق الإنسان ومبدأ الاعتراف بالأخر. بالنظر إلى هذه الشروط الأساسية التي يمكن من خلالها تحقيق مجتمع ديمقراطي ،حيث يصبح الفرد/الموطن مسؤولا في اتخاذ القرارات المهمة في الشأن العام، إما بالقبول أو بالرفض كما تفعل كل المعارضات في دول العالم سوءا الشعبية أو السياسية. يبقى الإشكال عندنا كيف يبقى لثقافة الاحتجاج وحقوق الإنسان وحرية التعبير التي هي من صميم النظام الديمقراطي مكانا ودورا أمام النظام الشمولي أو السلطة المطلقة التي تجعل من المواطنين/ رعايا يخضعون لقوانين أساسها الطاعة والقدسية في ممارسة السلطة السياسية والدينية؟. بمعنى كيف يمكن تحقيق السلطة المدنية من منظور السلطة الشمولية؟. فشل التنمية البشرية هدف التنمية هو الإنسان حيث المقصود من التنمية تنميته سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفكريا،والتنمية المستدامة التي تجعل من الإنسان محورها الأساسي ،حيث تعمل على تحسين أحواله والاستجابة لحاجيته الأساسية.وهذا الإنسان الذي هو محور كل تنمية والفاعل الأساسي في نجاحها نتيجة التغير الذي يترتب عنها،نجد أن أول فشلها هو عدم تحقيق المواطنة الحقة ،فبدون مواطنة حقيقية لاوجود لتنمية وطنية، وكذلك فشلها السياسي في الفساد الإداري المستشري لترسيخ السلطة التقليدية،وتعليم متخلف ،ودخل فردي في أدنى المستويات ،ودرجة الأمية المنتشرة في المدن والقرى،وخدمات صحية منعدمة.أما المراهنة على القطاع الخاص لحل مشكل التشغيل،لا يختلف على رهان سياسة التقويم الهيكلي وسياسة التقشف التي عانت منها الطبقة الفقيرة، ومن خلالها تم القضاء على الطبقة المتوسطة،ومازلنا نعاني نتائج هده الحقبة السوداء. وبخلاصة إن شروط التنمية لم تتوفر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا،والحديث عنها وعن انجازاتها هو للاستهلاك الخارجي وتنويم الشعب المغربي .أما الحقيقة هي أن 90% من عامة الشعب يعيشون على 10% من خيارات البلاد،في حين 10% تنعم بخيارات البلاد. فأيهما أحق بالمواطنة؟.والتنمية بدون مواطنة و دخل فردي محترم و تعليم منتج وخدمات صحية، إنما هو هراء في هراء. ان فلسفة الديمقراطية والتنمية تجعل من الفرد هدفا وغاية. فالديمقراطية و التنمية تعملان على تحرير الإنسان من العبودية ليصبح فاعلا وحرا في المشاركة السياسية والتعبير عن المواقف الوطنية بكل قوة ومسؤولية .إذا كان هذا هو الهدف والغاية، فالسؤال - هل تحقق شيء من هذا في دولة غابت سلطة الدولة أمام سلطة الحاكم؟.أي عندما يصبح الأصل هو سلطة الحاكم أمام سلطة الشعب فما الفائدة من وجود مؤسسات الدولة كما يقال؟. أليس منطق الدولة هنا لا يخرج عن منطق محمية الحاكم أو ضيعته؟. الإعلام المسير يقال و كما قيل في الاجتماع الأخير لوزراء الإعلام العرب في القاهرة "حق المواطن في الحصول على المعلومة السليمة ".والمتعارف عليه أن الإنسان المواطن في حاجة إلى المعلومة السياسية والاجتماعية والقانونية والمدنية والاقتصادية.من خلال الإعلام تقاس قوة او ضعف نظام ما وكذالك قوة أو ضعف شعب ما.وبما أننا نتحدث عن إعلامنا المغربي وموقع الفرد/المواطن المغربي في تصورات هذا الإعلام. يمكن أن نقول باختصار: - إعلام لا يتحدث إلا عن نفسه،ولا يعبر عن هوية الإنسان المغربي ولا يعيش واقعه المزري ولا ينظر إلى انتظارا ته وتطلعاته كشعب يطمح إلى الأحسن.بل الأخطر من هذا تحاول الأجهزة الوصاية على المجتمع من منظور امني أن تحجر على العقول وتسكت الألسن وتزييف الوعي الاجتماعي والهوية. انطلاقا من هذه القاعدة كانت القناتين ومند العهد القديم تغرد خارج السراب.إن كانت القناتين تعتبران من المؤسسات الإعلامية العمومية،فاحتكار الدولة ظاهر في إقصائها لكل صوت حر ورأي مخالف.ليبقى الوجه الحقيقي الإعلامي في خدمة السلطة وليس في خدمة الوطن و المواطن؟. ان التناقض بين الخطاب الرسمي والشعارات الجذابة حول دولة الحق والقانون والديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان وبين الممارسة الحقيقية ،جعلت الفرد المغربي بين سندان الأحلام ومطرقة العذاب وما انتفاضة سكان مدينة صفرو وسيدي ايفني وغيرهم ، ماهي الا انعكاس لمصداقية الشعارات،نظيف الى هذا جل التقرير الدولية التي وشحت صدر المغرب برتب متأخرة في التعليم والصحة والسكن والفقر والرشوة وحقوق الإنسان وكذلك مؤشر السلم والسلامة الذي احتل فيه المغرب الدرجة 63 من مجموع 140 دولة. هل بعد كل هذه التقارير يمكن الحديث عن سلطة الدولة؟. إن رياح التغير فرضت على المغرب، كما فرضت على باقي الأنظمة الشمولية العربية. و مشروع الديمقراطية وحقوق الإنسان قد تم تصديره من أمريكا،كما صدرت قانون الإرهاب فيما بعد للحفاظ على مصالحها في العالم.فعملت هذه الأنظمة بكل خنوع للاستفادة من الوصفة الجديدة ،حيث أصبحت الديمقراطية مسكن لأوجاع الرأس، وسيف على رقاب شعوبها،ضد كل صوت حر لا يرضى أن يحبس بين ديمقراطية الحجر والوصاية وديمقراطية العبودية والخنوع. ""