بعد مرور 7 سنوات من انخراط المغرب في الحرب على الإرهاب، أطلقت إدارة الشرقي الضريس حملة استشارة موسعة مع فعاليات من المجتمع المدني وأكاديميين وإعلاميين، بهدف إجراء تقييم شامل للمقاربة الأمنية التي تم اتباعها طيلة هذه الفترة في التعاطي مع ظاهرة الإرهاب. وحسب مصادر مطلعة، فإن هذه العملية، التي أوكل تنفيذها إلى جهاز الاستعلامات العامة، تتوخى الوقوف على مكامن الخلل في الكيفية التي تعاملت بها الأجهزة الأمنية في تعاطيها مع الظاهرة، إلى جانب الإجابة عن مجموعة من الأسئلة المرتبطة بمدى نجاعة الحل الأمني في القضاء على الظاهرة. وتندرج هذه المبادرة ضمن تفاعلات حادثة فرار تسعة سجناء من السلفية الجهادية بالسجن المركزي بالقنيطرة، وبما يمكن أن تخلفه من مضاعفات في تطور هذه الظاهرة، حيث بات يتملك ذوي القرار الأمني نوع من الارتياب في مدى نجاعة المقاربة الأمنية في الحد من خطر الإرهاب، بعدما لم تنفع سياسة القبضة الحديدية التي انتهجت طيلة هذه المدة في قطع دابر الخلايا التي ظلت تتناسل وتتكاثر، كما أن حشر عناصر تلك الخلايا داخل السجون كان من نتائجه المباشرة تشكيل تنظيم أشد خطورة مما كان عليه الأمر في السابق، بعد أن وفر لهم فضاء السجن الفرصة المواتية لبلورة الأفكار ورص الصفوف. ويرى عدد من المتتبعين في الخطوة التي أقدمت عليها المصالح الأمنية نوعا من تدارك الموقف، خاصة وأنه كان يتملك الجميع منذ البداية وعقب أحداث 16 ماي سنة 2003 وعي بكون المقاربة الأمنية وحدها لا تكفي للتعاطي مع الظاهرة. وحتى الخطاب الرسمي في أعلى مستوياته، تم التركيز فيه على ضرورة نهج مقاربة شمولية تأخذ بعين الاعتبار ما هو أمني وثقافي واجتماعي واقتصادي. ويشير هؤلاء المراقبون إلى أنه تم فعلا تجسيد بعض جوانب تلك الخطة، من خلال إصلاح الحقل الديني وتنقيته من بعض الشوائب التي كانت تغذي إيديولوجيا الإرهاب. كما يتجلى بلورة تلك المقاربة الشمولية على المستوى الاجتماعي في المبادرة الوطنية للتنمية الاجتماعية التي أنيطت بها مهمة مواجهة الهشاشة والفقر باعتبارهما التربة الخصبة التي ينمو فيها الإرهاب. وحسب المصادر ذاتها، فإنه طيلة مدة اعتماد هذه الخطة كان ينظر إلى المقاربة الأمنية على أنها صمام الأمان في مواجهة الإرهاب، لكن أمام حادث فرار السجناء التسعة من أتباع تيار السلفية الجهادية والألغاز المحيطة باختفائهم، وضعت هذه المقاربة نفسها في دائرة المساءلة. على أن مناط هذا التساؤل ينحصر حول أداء الأجهزة الأمنية والنقاشات المحيطة بكيفية تفعيل المقاربة التي بنيت عليها، خاصة وأن تصريح وزير العدل أمام البرلمان بغرفتيه تحدث فيه عن انهيار سلطة الدولة داخل السجون. إعادة النظر في كيفية تطبيق المقاربة الأمنية بخصوص ظاهرة الإرهاب توازيها في الآونة الأخيرة حالة الاحتقان والتذمر التي بات يعيشها معتقلو السلفية الجهادية داخل السجون، والأنباء التي تتحدث عن استعدادهم للدخول في مواجهات مفتوحة مع حراس السجون، حيث أطلقت الشرارة الأولى لهذا العمل بالسجن المحلي بالجديدة، وإقدام أربعة منهم بسجن بوركايز بفاس على محاولة الانتحار، فيما رفع المضربون منهم عن الطعام بسجن عكاشة من سقف مطالبهم، وصاروا يلحون على دواعي اعتقالهم بعد أن كانوا يطالبون بالحفاظ على بعض المكتسبات.